الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل
.تفسير الآيات (13- 14): {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} أي: تقواها: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} أي: في القضاء السابق: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أي: سبق القول حيث قلت لإبليس، عند قوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 39- 40]، {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 84- 85]، أي: فمبوجب ذلك القول لم نشأ إعطاء الهدى على العموم، بل منعناه من أتباع إبليس، الذين هؤلاء من جملتهم حيث صرفوا اختيارهم إلى الغي والفساد، ومشيئته تعالى لأفعال العباد منوطة باختيارهم إياها، فلما لم يختاروا الهدى، واختاروا الضلالة، لم يشأ إعطاءه لهم، وإنما آتاه الذين اختاروه من النفوس البرّة، وهم المعنيون بما سيأتي من قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا} [السجدة: 15] الآية. فيكون مناط عدم مشيئة إعطاء الهدى في الحقيقة سوء اختيارهم، لا تحقق القول. أفاده أبو السعود. {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا} أي: تركتم الإقرار به، والإيمان بصدق موعوده، وعاملتموه معاملة المنسي المهجور: {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} أي: جازيناكم جزاء نسيانكم، أو تركناكم في العذاب ترك المنسي: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: من الموبقات، والتكرير للتأكيد والتشديد، وتعيين الفعل المطويّ للذوق. .تفسير الآيات (15- 16): {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} أي: وعظوا: {خَرُّوا سُجَّداً} لسرعة قبولهم لها بصفاء فطرتهم، وذلك تواضعاً لله وخشوعاً، وشكراً على ما رزقهم من الإسلام: {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} أي: عن الانقياد لها، كما يفعله الجهلة من الكفرة الفجرة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِع} أي: ترتفع وتتنحى عن الفرش ومواضع النوم. والجملة مستأنفة لبيان بقية محاسنهم، وهم المتهجدون بالليل: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} أي: داعين له: {خَوْفاً} من عذابه: {وَطَمَعاً} في رحمته: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أي: من المال: {يُنفِقُونَ} أي: في وجوه البرّ والحسنات. .تفسير الآيات (17- 20): {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم} أي: ما ذخر، وأُعدّ أي: لهؤلاء الذين عددت مناقبهم: {مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} أي: مما تقر به عينهم من طيبة النفس والثواب والكرامة في الجنة: {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: في الدنيا من الأعمال الصالحة. {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً} أي: كافراً جاحداً: {لَّا يَسْتَوُونَ} أي: في الآخرة بالثواب والكرامة، كما لم يستووا في الدنيا بالطاعة والعبادة، ثم فصل مراتب الفريقين بقوله: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً} أي: ثواباً: {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} وكقوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: 22]، كناية عن دوام عذابهم واستمراره: {وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} أي: يقال لهم ذلك، تشديداً عليهم، وزيادة في غيظهم، وتقريعاً وتوبيخاً. .تفسير الآيات (21- 22): {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ} أي: أهل مكة: {مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى} أي: عذاب الدنيا، من الجدبِ، والقتلِ، والأسرِ: {دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} يعني عذاب الآخرة: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي يتوبون عن الكفر أي: يرجعون إلى الله عند تصفية فطرتهم بشدة العذاب الأدنى، قبل الرين بكثافة الحجاب: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} أي: جحدها وكفر بها: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} أي: بالعذاب، وإظهار المتقين عليهم. .تفسير الآيات (23- 24): {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} أي: التوراة: {فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ} أي: لقاء الكتاب الذي هو القرآن، وعود الضمير إلى الكتاب المتقدم، والمراد غيره على طريق الاستخدام، أو إرادة العهد، أو تقدير مضاف، أي: تلقي مثله، أي: فلا تكن في مرية من كونه وحياً متلقى من لدنه تعالى. والمعنى: إنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقيّناه من الوحي مثل ما لقيناك، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله. ونهيُه صلى الله عليه وسلم عن الشك، المقصود به نهي أمته، والتعريض بمن صدر منه مثله: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: من الضلالة: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} أي: قادة بالخير يدعون الخلق إلى أمرنا وشرعنا: {لَمَّا صَبَرُوا} أي: على العمل به، والاعتصام بأوامره: {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} أي: يصدقون أشد التصديق وأبلغه. والمعنى كذلك لنجعلن الكتاب الذي آتيناكه، هدىً لأمتك، ولنجعلن منهم أئمة يهدون مثل تلك الهداية. ويؤخذ من فحوى الآية، أن بني إسرائيل لَمّا نبذوا الاعتصام بالكتاب، ونبذوا الصبر على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفقدوا الاستيقان بحقيّة الإيمان، فغيّروا وبدّلوا، سُلِبُوا ذلك المقام، وأَديل عليهم انتقاماً منهم، وتلك سنته تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، ففي طي هذا الترغيب، ترهيبٌ وأي ترهيبٍ. .تفسير الآيات (25- 27): {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ} أي: يقضي: {بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي: فيميز الحق من الباطل، بتمييز المحق من المبطل: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} أي: يتبين لكفار مكة: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ} أي: الماضية بعذاب الاستئصال: {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} أي: منازلهم، كمنازل قوم شعيب، وهود، وصالح، ولوط عليهم السلام، فلا يرون فيها أحداً ممن كان يعمرها ويسكنها، ذهبوا كأن لم يغنوا فيها، كما قال: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل: 52]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: فبما فعلنا بهم: {لَآيَاتٍ} أي: عبراً، ومواعظ، ودلائل متناظرة: {أَفَلَا يَسْمَعُونَ} أي: أخبار من تقدم، كيف صار أمرهم بسبب تكذيبهم الرسل، وبغيهم الفساد في الأرض، فيحملهم ذلك على الإيمان. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} وهي التي جزر نباتها، أي: قطع: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ} يعني العشب والثمار والبقول: {أَفَلَا يُبْصِرُونَ} أي: فيستدلون به على كمال قدرته، ووجوب انفراده بالإلهية. وهذا كآية: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَاْن إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} [عبس: 24- 25] الآية. .تفسير الآيات (28- 29): {وَيَقُولُونَ} أي: كفار مكة: {مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} أي: الانتصار علينا، استعجال لوقوع البأس الرباني عليهم، الذي وعدوا به، واستبعاد له {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} لحلول ما يغشي الأبصار، ويعمي البصائر، وظهور منار الإيمان، وزهوق الفريق الكافر. قال ابن كثير: أي: إذا حل بكم بأس الله، وسخطه، وغضبه في الدنيا والآخرة، لا ينفع الذين كفروا إيمانهم، ولا هم ينظرون، كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [غافر: 83] الآيتين. ومن زعم أن المراد من هذا الفتح فتحَ مكة، فقد أبعد النجعة، وأخطأ فأفحش، فإن يوم الفتح، قد قبِل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إسلامَ الطلقاء، وقد كانوا قريباً من ألفين، ولو كان المراد فتح مكة، لما قبِل إسلامهم لقوله تعالى: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} وإنما المراد الفتح الذي هو القضاء والفصل، كقوله: {فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً} [الشعراء: 118]، وكقوله: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} [سبأ: 26] الآية.، وقال تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15]، وقال تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19]. .تفسير الآية رقم (30): {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: عن المشركين، ولا تبال بهم، وبلغ ما أنزل إليك من ربك: {وَانتَظِرْ} أي: النصرة عليهم، فإن الله سينجز لك ما وعدك، إنه لا يخلف الميعاد: {إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ} أي: ما في نفوسهم، كقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور: 30]، {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} [التوبة: 98]، أي: وسيجدون مغبة انتظارهم من وبيل عقابه تعالى، وأليم عذابه بهم. .سورة الأحزاب: .تفسير الآية رقم (1): {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} نودي صلوات الله عليه بوصفه دون اسمه، تعظيماً له. وباب المخاطبة يعدل فيها عن النداء بالاسم تكريماً للمخاطب، ولا كذلك باب الأخبار فقد يصرح فيها بالاسم، والتعظيم باقٍ كآية: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29]، لتعليم الناس بأنه رسول الله، وتلقينهم أن يسموه بذلك، ويدعوه به، وأمره عليه السلام بالتقوى تفخيماً وتعظيماً للتقوى نفسها، حيث أمر بها مثله، فإن مراتبها لا تنتهي، مع أن المقصود الدوام والثبات عليها، ولم يجعل الأمر لأمته كما في نظائره؛ لأن سياق ما بعده لأمر يخصه، كقصة زيد رضي الله عنه: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} أي: لا توافقهم على أمر، ولا تقبل لهم رأياً ولا مشورة، وجانبهم واحترس منهم، فإنهم أعداء الله وأعداء المؤمنين، لا يريدون إلا المضارّة والمضادّة: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} أي: فهو أحق بأن تُتبَع أوامره ويطاع؛ لأنه العليم بعواقب الأمور، وبالمصالح من المفاسد، والحكيم الذي لا يفعل شيئا، ولا يأمر به، إلا بداعي الحكمة. .تفسير الآيات (2- 4): {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي: في ترك طاعة الكافرين والمنافقين وغير ذلك: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} أي: أسند أمرك إليه، وكله إلى تدبيره، فكفى به حافظاً موكولاً إليه كل أمر: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} قال الزمخشري: أي: ما جمع الله قلبين في جوف، ولا زوجية وأمومة في امرأة، ولا بنوّة ودعوة في رجل. والمعنى: إن الله سبحانه، كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين؛ لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب، فأحدهما فضلة غير محتاج إليها- وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً، عالماً ظاناً، موقناً شاكاً، في حالة واحدة- لم ير أيضاً أن تكون المرأة الواحدة أُمّاً لرجل زوجاً له؛ لأن الأم مخدومة، مخفوض لها جناح الذل، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره، كالمملوكة. وهما حالتان متنافيتان. وأن يكون الرجل الواحد دعيّاً لرجل، وابناً له؛ لأن البنوة أصالة النسب، وعراقة فيه، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلاً غير أصيل، وهذا مثل ضربه الله في زيد بن حارثة، وهو رجل من كَلْبٍ سبي صغيراً، وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهبته له، وطلبه أبوه وعمه فخُيّر، فاختار رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأعتقه، وكانوا يقولون: زيد بن محمد. فأنزل الله هذه الآية، وقوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40]. والتنكير في: رجل، وإدخال من، الاستغراقية على قلبين، تأكيدان لما قصد من المعنى كأنه قال: ما جعل الله لأمة الرجال، ولا لواحد منهم، قلبين البتة في جوفه. وفائدة ذكر الجوف، كالفائدة في قوله: {الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصوّر والتجلي للمدلول عليه؛ لأنه إذا سمع به، صوّر لنفسه جوفاً يشتمل على قلبين فكان أسرع إلى الإنكار. ومعنى: ظاهر من امرأته، قال لها: أنت عليّ كظهر أمي. وكان الظهار طلاقاً عند أهل الجاهلية، فكانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها، كما يتجنبون المطلقة، وهو في الإسلام يقتضي الطلاق والحرمة إلى أداء الكفارة. قال الأزهري: وخصوا الظَّهر؛ لأنه محل الركوب. والمرأة تركب إذا غشيت، فهو كناية تلويحية، انتقل من الظَّهر إلى المركوب، ومنه إلى المغشيّ. والمعنى: أنت محرمة عليّ لا تركبين كما لا تركب الأم. كذا في الكشف. وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ} إشارة إلى كل ما ذكر، أي: من كونه ليس لأحد قلبان، وليست الأزواج أمهات، ولا الأدعياء أبناء، أو إلى الأخير فقط وهو الدعوة: {قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} أي: لا حقيقة له فلا يقتضي دعواكم ذلك، أن يكون ابناً حقيقياً، فإنه مخلوق من صلب رجل آخر فلا يمكن أن يكون له أبوان، كما لا يمكن أن يكون لبشر واحد قلبان: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} أي: الثابت المحقق في نفس الأمر: {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} أي: سبيل الحق.
|