الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل
.تفسير الآيات (55- 56): {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ} أي: نعطيهم إياه، ونجعله مدداً لهم: {مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} أي كلاّ. لا نفعل ذلك. بل هم لا يشعرون أصلاً. كالبهائم لا فطنة لهم ولا شعور، ليتأمَّلوا ويعرفوا أن ذلك الإمداد استدراج لهم واستجرار إلى زيادة الإثم. وهم يحسبونه معاجلة فيما لهم فيه إكرام. ثم بين سبحانه من له المسارعة في الخيرات من أوليائه وعباده، بقوله تعالى: .تفسير الآيات (57- 61): {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} أي: من خوف عذابه حذرون: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} أي: شركاً جليّاً، ولا خفيّاً: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} أي: يعطون ما أعطوه من الصدقات: {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أي: خائفة: {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} أي: من رجوعهم إليه تعالى، فتخشى أن تحاسب على ما قصرت من الحقوق، أو غفلت عنه من الآداب: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: في نيل الخيرات التي من جملتها الخيرات العاجلة الموعودة على الأعمال الصالحة. كما في قوله تعالى: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} [آل عِمْرَان: 148]، وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 27]، فقد أثبت لهم ما نفى عن اضدادهم، خلا أنه غيّر الأسلوب، حيث لم يقل: {أَولَئِكَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} بل أسند المسارعة إليهم، إيماء إلى كمال استحقاقهم لنيل الخيرات بمحاسن أعمالهم. وإيثار كلمة في على كلمة إلى للإيذان بأنهم متقلبون في فنون الخيرات. لا أنهم خارجون عنها، متوجهون إليها، بطريق المسارعة كما في قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [آل عِمْرَان: 133] أفاده أبو السعود. {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} أي: إياها سابقون. أي: ينالونها قبل الآخرة، حيث عجلت لهم في الدنيا، فتكون اللام لتقوية العمل. كما في قوله تعالى: {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [63]، وقيل: المراد: {بالْخَيْرَاتِ} الطاعات. والمعنى: يرغبون في الطاعات والعبادات أشد الرغبة. وهم لأجلها فاعلون السبق، أو لأجلها سابقون الناس، والله أعلم، وقوله تعالى: .تفسير الآيات (62- 63): {وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} جملة مستأنفة، سيقت للتحريض على ما وصف به السابقون من فعل الطاعات المؤدي إلى نيل الخيرات، ببيان سهولته، وكونه غير خارج عن حد الوسع والطاقة. أي: سنتنا جارية على ألا نكلف نفساً من النفوس إلا ما في وسعها. أو للترخيص فيما هو قاصر عن درجة أعمال أولئك الصالحين، ببيان أنه تعالى لا يكلف عباده إلا ما في وسعهم. فإن لم يبلغوا في فعل الطاعات مراتب السابقين، فلا عليهم، بعد أن يبذلوا طاقاتهم ويستفرغوا وسعهم، أفاده أبو السعود. {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} وهو كتاب الأعمال. كقوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29]، {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} أي: مما عليه هؤلاء الموصوفون من المؤمنين: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ} أي: سيئة كثيرة: {مِنْ دُونِ ذَلِكَ} أي: الذي ذكر من كون قلوبهم في غفلة، وهي فنون كفرهم ومعاصيهم: {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} أي: معتادون لا يزايلونها. تنبيه: أغرب الإمام أبو مسلم الأصفهاني فيما نقله عنه الرازي، فذهب إلى أن قوله تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} إلى آخر الآية، من تتمة صفات المؤمنين المشفقين. كأنه سبحانه قال بعد وصفهم: {وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} ونهايته ما أتى به هؤلاء المشفقون، ولدينا كتاب يحفظ أعمالهم ينطق بالحق وهم لا يظلمون. بل نوفر عليهم ثواب كل أعمالهم {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} هو أيضاً وصف لهم بالحيرة كأنه قال: وهم مع ذلك الوجل والخوف كالمتحيرين في جعل أعمالهم مقبولة أو مردودة {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ}. أي: لهم أيضاً من النوافل ووجوه البر سوى ما هم عليه. إما أعمالاً قد عملوها في الماضي أو سيعملونها في المستقبل. ثم إنه تعالى رجع. قال الرازيّ: وقول أبي مسلم أولى لأنه إذا أمكن ردّ الكلام إلى ما يتصل به من ذكر المشفقين، كان أولى من ردّه إلى ما بعد منه، وقد يوصف المرء لشدة فكره في أمر آخرته، بأن قلبه في غمرة، ويراد أنه قد استولى عليه الفكر في قبول عمله أو ردّه، وفي أنه هل أداه كما يجب أو قصر. انتهى. وبعدُ فإن نظم الآية الكريمة يحتمل لذلك. ولكن لم يرد وصف الغمرة في حق المؤمنين أصلاً بل لم يوصف بها إلا قلوب المجرمين، كما تراه في الآيات أولاً. فالذوق الصحيح ورعاية نظائر الآيات، يأبى ما أغرب به أبو مسلم أشد الإباء. والله أعلم. .تفسير الآية رقم (64): {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} أي: متنعميهم: {بِالْعَذَابِ} أي: بالانتقام، مثل أخذهم يوم بدر: {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} أي: يصرخون باستغاثة أو الآية. كقوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} [المزمل: 11- 13]. وقوله تعالى: .تفسير الآيات (65- 67): {لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ} أي: يقال لهم تبكيتاً لهم: لا تجأروا، فإن الجؤار غير نافع لكم: {إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} أي: تعرضون عن سماعها أشد الإعراض: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} أي: بالبيت الحرام والذي سوغ الإضمار، شهرتهم بالاستكبار به، وأن لا مفخر لهم إلا أنهم قوّامه. وجوز تضمين مستكبرين معنى مكذبين والضمير للتنزيل الكريم. أي: مكذبين تكذيب استكبار. ولم يذكروا احتمال إرجاع الضمير للنكوص إشارة إلى زيادة عتوهم، وأنهم يفتخرون بهذا الإعراض ولا يرهبون مما ينذرون به، كقوله: {وَلَّى مُسْتَكْبِراً} [لقمان: 7]، وليس ببعيد. فتأمل {سَامِراً تَهْجُرُونَ} يعني أنهم يسمرون ليلاً بذكر القرآن وبالطعن فيه، وتسميته سحراً وشعراً ونحو ذلك. وهو معنى تهجرون من الهجر بالضم، وهو الفحش في القول. أو معناه تعرضون. من الهجر بالفتح. تنبيه: قال أبو البقاء: {سامراً} حال أيضاً وهو مصدر. كقولهم قم قائماً وقد جاء من المصادر على لفظ اسم الفاعل نحو العاقبة والعافية. وقيل: هو واحد في موضع الجميع. انتهى. فيكون واحداً أقيم مقام الجمع. وقيل هو اسم جمع كحاج وحاضر وراكب وغائب. قال الشهاب: وعلى كونه مصدراً فيشمل القليل والكثير أيضاً، باعتبار أصله. ولكن مجيء المصدر على وزن فاعل نادر. وقرئ {سُمَّراً} بضم وتشديد. {سُمَّار} بزيادة ألف. .تفسير الآية رقم (68): {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} أي: القرآن، ليعلموا أنه الحق المبين، فيصدقوا به وبمن جاء به: {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} أي: من الهدى والحق، فاستبدعوه واستبعدوه، فوقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال. مع أن المجيء بما لم يعهد، لا يوجب النفرة. لأن المألوف قد يكون باطلاً، فتقتضي به الحكمة التحذير منه. .تفسير الآيات (69- 70): {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} أي: جاحدون بما أرسل به. وهذا توبيخ آخر يشير إلى عظيم جهالتهم، بأنهم ما عرفوا شأنه ولا دروا سر ما بعث به مما يؤسف له. كما قال: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يّس: 30]، {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} أي: جنون، أو جن يخبلونه. وهذا توبيخ آخر، فيه تعجيب من تلونهم في الجحود، وتفننهم في العناد، ثم أشار إلى أنه لم يحملهم على ذلك إلا أنفتهم للحق كبراً وعتوّاً بقوله: {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} أي: لما فيهم من الزيغ والانحراف. قال القاشانيّ: ولما أبطلوا استعداداتهم وأطفأُوا نورها بالرين والطبع، على مقتضى قوى النفس والطبع، واشتد احتجابهم بالغواشي الظلمانية عن نور الهدى والعقل، لم يمكنهم تدبر القول ولم يفهموا حقائق التوحيد، والعدل فنسبوه إلى الجنة ولم يعرفوه، للتقابل بين النور والظلمة، والتضادّ بين الباطل والحق، وأنكروه وكرهوا الحق الذي جاء به. .تفسير الآيات (71- 74): {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} أي: ولو كان ما كرهوه من الحق الذي هو التوحيد والعدل المبعوث بهما الرسول صلوات الله عليه، موافقاً لأهوائهم المتفرقة في الباطل، الناشئة من نفوسهم الظالمة المظلمة، لفسد نظام الكون لانعدام العدل الذي قامت به السماوات والأرض، والتوحيد الذي به قوامهما فلزم فساد الكون لأن مناط النظام ليس إلا ذلك، وفيه من تنويه شأن الحق، والتنبيه على سموّ مكانه، ما لا يخفى: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} إضراب عن توبيخهم بكراهته، وانتقال إلى لومهم بالنفور عما ترغب فيه كل نفس من خيرها. أي: ليس هو مكروهاً بل هو عظة لهم لو اتعظوا. أو فخرهم أو متمناهم لأنهم كانوا يقولون: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 168- 169]، {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} أي: بالنكوص عنه. وأعاد الذكر تفخيماً. وأضافه لهم لسبقه. وفي سورة الأنبياء: {ذِكْرِ رَبِّهِمْ} [42]، لاقتضاء ما قبله له: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً} أي: جعلا على أداء الرسالة، فلأجل ذلك لا يؤمنون: {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} أي: عطاؤه: {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} أي: منحرفون. قال القاشانيّ: الصراط المستقيم الذي يدعوهم إليه، هو طريق التوحيد المستلزم لحصول العدالة في النفس، ووجود المحبة في القلب. وشهود الوحدة. والذين يحتجبون عن عالم النور بالظلمات، وعن القدس بالرجس، إنما هم منهمكون في الظلم والبغضاء والعداوة، والركون إلى الكثرة. فلا جرم أنهم عن الصراط ناكبون منحرفون إلى ضده. فهو في واد وهم في واد. وقال الزمخشري: قد ألزمهم الحجة في هذه الآيات، وقطع معاذيرهم وعللهم، بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله، مخبور سره وعلنه، خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم، وأنه لم يعرض له حتى يدعي بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل، ولم يجعل ذلك سلماً إلى النيل من دنياهم، واستعطاء أموالهم، ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام، الذي هو الصراط المستقيم. مع إبراز المكنون من أدوائهم، وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل، واستهتارهم بدين الآباء الضلال من غير برهان، وتعللهم بأنه مجنون، بعد ظهور الحق، وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيرة، وكراهتهم للحق وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر. وقوله تعالى: .تفسير الآية رقم (75): {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}. قال ابن جرير: أي: ولو رحمنا هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة، ورفعنا عنهم ما بهم من القحط والجدب، وضر الجوع والهزال: {لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ} يعني في عتوهم وجرأتهم على ربهم: {يَعْمَهُونَ} يعني يترددون. وأشار ابن كثير إلى معنى آخر فقال: يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم، بأنه لو أزاح عنهم الضر، وأفهمهم القرآن، لما انقادوا له، ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم، كما قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]، وقال: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 27- 28]. فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون، لو كان كيف يكون. انتهى. .تفسير الآية رقم (76): {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}. قال ابن جرير: أي: ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا وسخطنا، وضيقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسيف فما استكانوا لربهم. أي: فما خضعوا لربهم، فينقادوا لأمره ونهيه، وينيبوا إلى طاعته. وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخذ الله قريشاً بسني الجدب، إذ دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن الحسن قال: إذا أصاب الناسَ من قبل الشيطان بلاء، فإنما هي نقمة. فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية. ولكن استقبلوها بالاستغفار وتضرعوا إلى الله. وقرأ هذه الآية: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}. .تفسير الآية رقم (77): {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} يعني ما نزل بهم من القتال والقتل يوم بدر، أو باب المجاعة والضر، وهو ما روي عن مجاهد واختاره ابن جرير: {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي: حزنى نادمون على ما سلف منهم، في تكذيبهم بآيات الله، في حين لا ينفعهم الندم والحزن. ثم أشار تعالى إلى قدرته على البعث بآياته المبصرة في الأنفس والآفاق، فقال سبحانه:
|