الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
فأجاب بقوله: لا شك أن ما يتعلمه الطلبة في المدارس من أن مذهب أهل السنة هو: (الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل). هو المطابق للواقع بالنسبة لمذهب أهل السنة، كما تشهد بذلك كتبهم المطولة والمختصرة، وهو الحق الموافق لما جاء في الكتاب والسنة، وأقوال السلف، وهو مقتضى النظر الصحيح، والعقل الصريح، ولسنا بصدد سرد أفراد الأدلة في ذلك، لعدم طلبه في السؤال، وإنما نجيب على ما طلب وهو تقسيم أهل السنة إلى طائفتين في مدرستين: إحداهما: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، المانعين لصرف النصوص عن ظواهرها. الثانية: مدرسة الأشاعرة والماتريدية، الموجبين لصرفها عن ظواهرها في أسماء الله وصفاته. فنقول: من المعلوم أن بين هاتين المدرستين اختلافاً بيناً في المنهاج فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، فالمدرسة الأولى يقرر معلموها وجوب إبقاء النصوص على ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، مع نفي ما يجب نفيه عن الله تعالى، من التمثيل أو التكييف، والمدرسة الثانية يقرر معلموها وجوب صرف النصوص عن ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته. وهذان المنهاجان متغايران تماماً، ويظهر تغايرهما بالمثال التالي: قال الله تعالى: وقال فيما حكاه عن معاتبة إبليس حين أبى أن يسجد لآدم بأمر الله: فقال أهل المدرسة الأولى: يجب إبقاء معناهما على ظاهره، وإثبات يدين حقيقيتين لله تعالى، على وجه يليق به. وقال أهل المدرسة الثانية: يجب صرف معناهما عن ظاهره، ويحرم إثبات يدين حقيقيتين لله تعالى، ثم اختلفوا في المراد بهما هل هو القوة، أو النعمة. وبهذا المثال يتبين أن منهاجي أهل المدرستين مختلفان متغايران، ولا يمكن بعد هذا التغاير أن يجتمعا في وصف واحد، هو "أهل السنة". إذاً فلابد أن يختص وصف أهل السنة بأحدهما دون الآخر، فلنحكم بينهما بالعدل، ولنعرضهما على ميزان القسط وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة، والتابعين لهم بإحسان من سلف الأمة وأئمتها. وليس في هذا الميزان ما يدل بأي وجه من وجوه الدلالة، المطابقة، أو التضمن، أو الالتزام صريحاً أو إشارة على ما ذهب إليه أهل المدرسة الثانية، بل في هذا الميزان ما يدل دلالة صريحة، أو ظاهرة، أو إشارية على ما ذهب إليه أهل المدرسة الأولى، وعلى هذا فيتعين أن يكون وصف أهل السنة خاصاً بهم لا يشاركهم فيه أهل المدرسة الثانية، لأن الحكم بمشاركتهم إياهم جور، وجمع بين الضدين، والجور ممتنع شرعاً، والجمع بين الضدين ممتنع عقلاً. وأما قول أهل المدرسة الثانية (المؤولين) : لا مانع من تأويل أسماء الله وصفاته إذا لم يتعارض هذا مع نص شرعي. فنقول: مجرد صرف اللفظ عن ظاهره بلا دليل شرعي مخالف للدليل، وقول على الله تعالى بلا علم وقد حرم الله تعالى ذلك في قوله: وإنما المقصود بيان أن وصف (أهل السنة) لا يمكن أن يعطى لطائفتين يتغاير منهاجهما غاية التغاير، وإنما يستحقه من كان قوله موافقاً للسنة فقط، ولا ريب أن أهل المدرسة الأولى (غير المؤولين) أحق بالوصف المذكور من أهل المدرسة الثانية (المؤولين)، لمن نظر في منهاجيهما بعلم وإنصاف فلا يصح تقسيم أهل السنة إلى الطائفتين بل هم طائفة واحدة. وأما احتجاجهم بقول ابن الجوزي في هذا الباب فنقول : أقوال أهل العلم يحتج لها ولا يحتج بها، فليس قول واحد من أهل العلم بحجة على الآخرين. وأما قولهم : إن الإمام أحمد أول في حديث: فنقول: لا يصح عن الإمام أحمد رحمه الله أنه تأول الحديثين المذكورين قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوي ص 398 ج 5 من مجموع ابن القاسم: " وأما ما حكاه أبو حامد الغزالي من أن أحمد لم يتأول إلا في ثلاثة أشياء وأما قوله تعالى: ففي المثال الأول: اقتضت المزج والاختلاط، وفي الثاني اقتضت المشاركة في المكان والعمل بدون اختلاط، وفي الثالث اقتضت المصاحبة وإن لم يكن اشتراك في مكان أو عمل، وإذا تبين أن معنى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، فإن معية الله تعالى لخلقه تختلف عن معية المخلوقين لمثلهم، ولا يمكن أن تقتضي المزج والاختلاط أو المشاركة في المكان، لأن ذلك ممتنع على الله عز وجل لثبوت مباينته لخلقه وعلوه عليهم. وعلى هذا يكون معنا وهو على العرش فوق السماوات، لأنه محيط بنا علماً، وقدرة، وسلطاناً، وسمعاً، وبصراً، وتدبيراً، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته، فإذا فسرها مفسر بالعلم لم يخرج بها عن مقتضاها، ولم يكن متأولاً إلا عند من يفهم من المعية المشاركة في المكان أو المزج والاختلاط على كل حال. وقد سبق أن هذا ليس بمتعين في كل حال. هذا بالنسبة لما نقل عن الإمام أحمد في تأويل هذه النصوص الثلاثة . أما بالنظر لها من حيث هي فقد تقدم قريباً أنه لا تأويل في الآية الكريمة إذا فسرها مفسر بالعلم، لأنه تفسير لها ببعض مقتضياتها لا تقل لها عن المعنى الذي تقتضيه. وأما حديث: وأما حديث: قلت: وعلى هذا فلا يكون الحديث من صفات الله تعالى التي أولت إلى معنى يخالف الظاهر فلا تأويل فيه أصلاً. وأما قولهم : إن هناك مدرستين: إحداهما مدرسة ابن تيمية فيقال : : نسبة هذه المدرسة إلى ابن تيمية توهم أنه لم يسبق إليها، وهذا خطأ فإن ما ذهب إليه ابن تيمية هو ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الأمة، فليس هو الذي أحدث هذه المدرسة كما يوهمه قول القائل الذي يريد أن يقلل من شأنها، والله المستعان. وأما موقفنا من العلماء المؤؤلين فنقول: من عرف منهم بحسن النية وكان لهم قدم صدق في الدين، واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ، ولكن عذره في ذلك لا يمنع من تخطئة طريقته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من إجراء النصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دل عليه ذلك الظاهر من غير تكييف، ولا تمثيل، فإنه يجب التفريق بين حكم القول وقائله، والفعل وفاعله، فالقول الخطأ إذا كان صادراً عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم عليه قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : وبهذا التفصيل يزول الإشكال والتهويل، والله المستعان.
فأجاب بقوله: عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات من غير تحريف، ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. والفرق بين الاسم والصفة : أن الاسم : ما سمي الله به، والصفة : ما وصف الله به. وبينهما فرق ظاهر. فالاسم يعتبر علماً على الله عز وجل متضمناً للصفة. ويلزم من إثبات الاسم إثبات الصفة. مثاله: فأجاب بقوله: أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: وأما قوله صلى الله عليه وسلم : وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اتفاق أهل المعرفة في الحديث على أن عدها وسردها لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أ.هـ وصدق رحمه الله بدليل الاختلاف الكبير فيها فمن حاول تصحيح هذا الحديث قال : إن هذا أمر عظيم لأنها توصل إلى الجنة فلا يفوت على الصحابة أن يسألوه صلى الله عليه وسلم عن تعيينها فدل هذا على أنها قد عينت من قبله صلى الله عليه وسلم لكن يجاب عن ذلك بأنه لا يلزم ولو كان كذلك لكانت هذه الأسماء التسعة والتسعون معلومة أشد من علم الشمس ولنقلت في الصحيحين وغيرهما، لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه وتلح بحفظه فكيف لا يأتي إلا عن طريق واهية وعلى صور مختلفة فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يبينها لحكمة بالغة وهي أن يطلبها الناس ويتحروها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يتبين الحريص من غير الحريص. وليس معنى إحصائها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك: أولاً : الإحاطة بها لفظاً. ثانياً : فهمها معنى . ثالثاً : التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان: الوجه الأول: أن تدعو الله بها لقوله تعالى : {فَادْعُوهُ بِهَا} بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك، فتختار الاسم المناسب لمطلوبك، فعند سؤال المغفرة تقول: يا غفور اغفر لي، وليس من المناسب أن تقول : يا شديد العقاب اغفر لي بل هذا يشبه الاستهزاء، بل تقول : أجرني من عقابك. الوجه الثاني: أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء، فمقتضى الرحيم الرحمة، فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله، هذا هو معنى إحصائها، فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة. فأجاب بقوله : تنقسم صفات الله تعالى باعتبار لزومها لذاته المقدسة وعدم لزومها إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: صفات ذاتية. القسم الثاني: صفات فعلية. القسم الثالث: صفات ذاتية فعلية باعتبارين. فأما الصفات الذاتية فيراد بها الصفات اللازمة لذاته تعالى، التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها مثل الحياة، والعلم، والقدرة، والعزة، والحكمة، والعظمة، والجلال، والعلو ونحوها من صفات المعاني، وسميت ذاتية للزومها للذات، ومثل اليدين، والعينين، والوجه، وقد تسمى هذه بالصفات الخبرية. وأما الصفات الفعلية فهي التي تتعلق بمشيئته، وليست لازمة لذاته لا باعتبار نوعها، ولا باعتبار آحادها، مثل الاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة فهذه الصفات صفات فعلية تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، وهي صفات حادثة في نوعها وآحادها، فالاستواء على العرش لم يكن إلا بعد خلق العرش، والنزول إلى السماء الدنيا لم يكن إلا بعد خلق السماء، والمجيء يوم القيامة لم يكن قبل يوم القيامة. وأما الصفات الذاتية الفعلية فهي التي إذا نظرت إلى نوعها وجدت أن الله تعالى، لم يزل ولا يزال متصفاً بها، فهي لازمة لذاته، وإذا نظرت إلى آحادها وجدت أنها تتعلق بمشيئته وليست لازمة لذاته، ومثلوا لذلك بكلام الله تعالى، فإنه باعتبار نوعه من الصفات الذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، فكلامه من كماله الواجب له سبحانه، وباعتبار آحاد الكلام أعني باعتبار الكلام المعين الذي يتكلم به سبحانه متى شاء، من الصفات الفعلية لأنه كان بمشيئته سبحانه. وصرح بالقسمين الأولين في التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية ص 20 للشيخ ابن رشيد. وقد أشار إلى نحو مما ذكرنا في الفتاوي مجموع ابن قاسم ص 150 - 160 مج 6.
فأجاب بقوله : مذهب السلف رضوان الله عليهم أن الله تعالى بذاته فوق عباده وقد قال الله تعالى: وعلى هذا فإن المتأمل في هذه المسألة مسألة علو الله تعالى بذاته على خلقه بعد ردها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يتبين له أن الكتاب والسنة قد دلا دلالة صريحة بجميع وجوه الدلالة على علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، بعبارات مختلفه منها: 1. التصريح بأن الله تعالى في السماء كقوله تعالى : 2. التصريح بفوقيته تعالى ، كقوله تعالى : 3. التصريح بصعود الأشياء إليه، ونزولها منه، والصعود لا يكون إلا إلى أعلى، والنزول لا يكون إلا من أعلى، كقوله تعالى: 4. التصريح بوصفه تعالى بالعلو، كما في قوله تعالى: 5. إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء حين يشهد الله تعالى في موقف عرفة ذلك الموقف العظيم، الذي أشهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أكبر جمع من أمته، حين قال لهم : 6. سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية حين قال لها: وقال : وكما أن علو الله تعالى الذاتي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف، فقد دل عليه العقل والفطرة. أما دلالة العقل: فيقال : : لا ريب أن العلو صفة كمال، وأن ضده صفة نقص، والله تعالى قد ثبت له صفات الكمال فوجب ثبوت العلو له تعالى، ولا يلزم على إثباته له شيء من النقص، فإنا نقول : إن علوه تعالى ليس متضمناً لكون شيء من مخلوقاته محيطاً به، ومن ظن أن إثبات العلو له يستلزم ذلك فقد وهم في ظنه، وضل في عقله. وأما دلالة الفطرة على علو الله تعالى بذاته : فإن كل داع لله تعالى دعاء عبادة ، أو دعاء مسألة لا يتجه قلبه حين دعائه إلا إلى السماء، ولذلك تجده يرفع يديه إلى السماء بمقتضى فطرته ، كما قال ذلك الهمداني لأبي المعالي الجويني: " ما قال عارف قط : يارب إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو". فجعل الجويني يلطم على رأسه ويقول "حيرني الهمداني، حيرني الهمداني". هكذا نقل عنه، سواء صحت عنه أم لم تصح، فإن كل أحد يدرك ذلك، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يمد يديه إلى السماء، يارب، يارب إلى آخر الحديث. ثم إنك تجد الرجل يصلي وقلبه نحو السماء لا سيما حين يسجد. ويقول وأما قولهم: " إن الله تعالى عن الجهات الست خال"، فهذا القول على عمومه باطل لأنه يقتضي إبطال ما أثبته الله تعالى لنفسه، وأثبته له أعلم خلقه به، وأشدهم تعظيماً له، وهو رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من أنه سبحانه في السماء التي هي في جهة العلو، بل إن ذلك يقتضي وصف الله تعالى بالعدم، لأن الجهات الست هي الفوق، والتحت، واليمين، والشمال، والخلف، والأمام، وما من شيء موجود إلا تتعلق به نسبة إحدى هذه الجهات، وهذا أمر معلوم ببداهة العقول، وإن نفيت هذه الجهات عن الله تعالى لزم أن يكون معدوماً، والذهن وإن كان قد يفرض موجوداً خالياً من تعلق هذه النسب به لكن هذا شيء يفرضه الذهن، ولا يوجد في الخارج، ونحن نؤمن ونرى لزاماً على كل مؤمن بالله أن يؤمن بعلوه تعالى فوق خلقه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة، كما قررناه من قبل. ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى محيط بكل شيء، وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وأنه سبحانه غني عن خلقه فلا يحتاج لشيء من مخلوقاته. ونحن نرى أيضاً أنه لا يجوز لمؤمن أن يخرج عما يدل عليه الكتاب والسنة، لقول أحد من الناس كائناً من كان، كما أسلفنا الأدلة على ذلك في أول جوابنا هذا. وأما قولهم: " إن الله تعالى في قلب المؤمن". فهذا لا دليل عليه من كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا كلام أحد من السلف الصالح فيما نعلم، وهو أيضاً على إطلاقة باطل فإنه إن أريد به أن الله تعالى حال في قلب العبد فهو باطل قطعاً، فإن الله تعالى أعظم وأجل من ذلك، ومن العجائب والعجائب جمة أن ينفر شخص مما دل عليه الكتاب والسنة من كون الله تعالى في السماء، ثم يطمئن بما لم يدل عليه الكتاب والسنة من زعمه أن الله تعالى في قلب المؤمن، إذ ليس في الكتاب والسنة حرف واحد يدل على ذلك. وإن أريد بكون الله تعالى في قلب العبد المؤمن أنه دائماً يذكر ربه في قلبه، فهذا حق، ولكن يجب أن يعبر عنه بعبارة تدل على حقيقته وينتفي عنها المدلول الباطل، فيقال : مثلاً: إن ذكر الله تعالى دائماً في قلب العبد المؤمن. ولكن الذي يظهر من كلام من يتكلم بها أنه يريد أن يستبدلها عن كون الله تعالى في السماء، وهي بهذا المعنى باطلة كما سبق. فليحذر المؤمن من إنكار ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله، وأجمع عليه السلف إلى عبارات مجملة غامضة تحتمل من المعاني الحق والباطل، وليلتزم سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، حتى يدخل في قول الله تعالى : جعلنا الله وإياكم منهم، ووهب لنا جميعاً منه رحمة، إنه هو الوهاب.
فأجاب بقوله : هذه إجابة باطلة لا على إطلاقها ولا تقييدها فإذا سئل أين الله؟ فليقل: "في السماء"، كما أجابت بذلك المرأة التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم وأما من قال: "موجود" فقط. فهذا حيدة عن الجواب ومراوغة منه. وأما من قال: "إن الله في كل مكان". وأراد بذاته فهذا كفر لأنه تكذيب لما دلت عليه النصوص، بل الأدلة السمعية، والعقلية، والفطرية من أن الله تعالى عليٌّ على كل شيء وأنه فوق السماوات مستو على عرشه. فأجاب بقوله : فقولنا: " ومن كان هذا شأنه كان مع خلقه حقيقة، وإن كان فوقهم على عرشه حقيقة". نريد بذلك أن هذه الآية كغيرها من آيات الصفات يراد بها حقيقة معناها مع تنزيه الله تعالى، عما لا يليق به من كونه مختلطاً بخلقه، بل هو سبحانه على عرشه بائن من خلقه. وحقيقة المعية لا تستلزم الاختلاط، ولهذا تقول العرب: "ما زلنا نسير والقمر معنا"، مع أن القمر في السماء، ولا يفهم أحد من ذلك أن القمر في الأرض، فالرب جل وعلا أعظم وأجل فهو مع خلقه، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية، حيث قال: "وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف". وقال قبل ذلك: "وليس معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ}. أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان" أ.هـ. كلامه. وبهذا التقرير علم أن الله تعالى مع خلقه حقاً وإن كان بذاته فوق عرشه ولا تناقض بين هذا وهذا. وبه أيضاً بطل احتجاج أهل التأويل من الأشعرية وغيرهم على أهل السنة، حيث قالوا لأهل السنة: لم تنكرون علينا التأويل فيما نؤوله من آيات الصفات وأحاديثها بصرفها عن حقيقتها، وأنتم تؤولون نصوص المعية وتصرفونها عن حقيقتها. فأجاب بقوله: تفسير استواء الله تعالى على عرشه بأنه علوه تعالى على عرشه على ما يليق بجلاله هو تفسير السلف الصالح. قال ابن جرير إمام المفسرين في تفسيره : " من معاني الاستواء : العلو والارتفاع كقول القائل : استوى فلان على سريره يعني علوه عليه ". وقال في تفسير قوله تعالى: ووجهه: أن الاستواء في اللغة يستعمل على وجوه: الأول:أن يكون مطلقاً غير مقيد فيكون معناه الكمال كقوله تعالى: الثاني: أن يكون مقروناً بالواو فيكون بمعنى التساوي كقولهم: استوى الماء والعتبة. الثالث:أن يكون مقروناً بإلى فيكون بمعنى القصد كقوله تعالى: الرابع: أن يكون مقروناً بعلى فيكون بمعنى العلو والارتفاع كقوله تعالى: وذهب بعض السلف إلى أن الاستواء المقرون بإلى كالمقرون بعلى فيكون معناه الارتفاع والعلو. كما ذهب بعضهم إلى أن الاستواء المقرون بعلى بمعنى الصعود والاستقرار إذا كان مقروناً بعلى. وأما تفسيره بالجلوس فقد نقل ابن القيم في الصواعق 4/1303 عن خارجة بن مصعب في قوله تعالى: فأجاب حفظه الله تعالى بقوله: لو تأمل المتكلم الكلام وأعطاه حقه من التأمل لعلم أن القرآن المبين ليس فيه شيء تكون معانيه رمزية، فإن الرموز مخالفة لبيان القرآن الكريم، بعيدة عن دلالاته كيف وقد قال الله عنه: يكون هذا القرآن العظيم الذي نزل تبياناً لكل شيء، وفصلت آياته، ووصفه من أنزله بأنه مبين، وأنه جعله قرآناً عربياً من أجل عقله وفهمه أقول : كيف يكون ما هذا شأنه ووصفه رموزاً في أعظم المطالب وهي صفات الله عز وجل؟!! إذا كنا نمنع منعاً باتاً الدلالات الرمزية في الأحكام التكليفية التي متعلقها أعمال العباد التي قد يسوغ الاجتهاد في بعضها حسبما تقتضيه الشريعة، فكيف نسوغ لأنفسنا أن نعمل بالدلالات الرمزية في الأخبار المحضة التي لا مجال للرأي فيها بوجه من الوجوه، لا سيما ما يتعلق بأسماء الله وصفاته؟ إننا لو سوغنا ذلك لأنفسنا لتلاعب الناس في كلام الله، وكلام رسوله وصار كل واحد من الناس، أو كل طائفة من الناس تدعي أن هذه الآية أو هذا الحديث رمز لكذا وكذا، فتبطل الشريعة بهذا المعيار عقيدة ومنهجاً. ولا أدري هل يمكن لقدم مؤمن أن تثبت في الدنيا، أو إذا لاقى ربه يوم القيامة على دعوى أن في كلام الله تعالى ما دلالته رمزية وقد أخبر الله تعالى عنه أنه جعله قرآناً عربياً لنعقله ونفهمه على مقتضى اللسان العربي الذي نزل به؟ إذن يجب علينا أن نفهم كلام الله تعالى على مقتضى اللسان العربي وقد علم من ذلك اللسان العربي أن الاستواء إذا تعدى بـ (على) كان معناه العلو والارتفاع، لكن يجب أن نفهم فيما يتعلق باستواء الله تعالى على عرشه أمرين: أحدهما: أن استواءه على عرشه ليس كاستواء الإنسان على الفلك والأنعام والسرر لقوله تعالى: ثانيهما: أنا لا نعلم كيفية استوائه لقوله تعالى: وهذا هو القول الحق الصحيح في استواء الله تعالى على عرشه وفي بقية صفاته أن تجري على ظاهر الخطاب المفهوم بمقتضى اللسان العربي لكن بدون تكييف ولا تمثيل. فإن قال قائل: إذا فسرتم استواء الله على عرشه بعلوه عليه وارتفاعه لزمكم أن تقولوا : إنه مستو على كل شيء كما أنه عال على كل شيء. فالجواب على ذلك أن هذا ليس بلازم لنا، لأن الاستواء على الشيء أخص من مطلق العلو عليه، فهو علو خاص بما يكون عليه الاستواء ولهذا فسره بعض السلف بالاستقرار. وقوله: "كما بين كثير من أشياء الجنة للبشر في لغتهم كي يفهموا ويدركوا معانيها". فهذا حق ولكن هل يقول أحد إن قوله تعالى: فإن قال بالأول لم يكن للتعبير بالفاكهة، والنخل، والرمان فائدة أصلاً إذ الرمز إلى المراد بهذه الثلاثة أو غيرها سواء. وإن قال بالثاني فهو حق لأن في الجنة فاكهة، ونخلاً، ورماناً، لكن لا يماثل ما في الدنيا لقوله تعالى في الحديث القدسي: وهكذا نقول في استواء الله على عرشه : إنه حق على ما تقتضيه اللغة العربية لكن لا يماثل استواء المخلوقين لما سبق من انتفاء التماثل بينهما سمعاً وعقلاً. فأجاب بقوله: قولنا في استواء الله تعالى على عرشه : "إنه علو خاص على العرش يليق بجلال الله تعالى وعظمته" نريد به أنه علو يختص به العرش وليس هو العلو العام الشامل لجميع المخلوقات، ولهذا لا يصح أن نقول : استوى على المخلوقات، أو على السماء، أو على الأرض مع أنه عال على ذلك، وإنما نقول : هو عال على جميع المخلوقات عال على السماء، عال على الأرض ونحو ذلك، وأما العرش فنقول: إن الله تعالى عال على عرشه ومستو على عرشه، فالاستواء أخص من مطلق العلو. ولهذا كان استواء الله تعالى على عرشه من صفاته الفعلية المتعلقة بمشيئته بخلاف علوه فإنه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها. وقد صرح بمثل ما قلنا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى في شرح حديث النزول ص 522 مج 5 مجموع الفتاوي جمع ابن قاسم: " فإن قيل : فإذا كان إنما استوى على العرش بعد أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام فقبل ذلك لم يكن على العرش؟ قيل : الاستواء علو خاص فكل مستو على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء مستوياً عليه، ولهذا لا يقال : لكل ما كان عالياً على غيره : إنه مستو عليه واستوى عليه، ولكن كل ما قيل فيه: استوى على غيره فإنه عال عليه". ا.هـ. المقصود منه وتمامه فيه. وأما قولنا: "يليق بجلاله وعظمته" فالمراد به أن استواءه على عرشه كسائر صفاته يليق بجلاله وعظمته، ولا يماثل استواء المخلوقين، فهو عائد إلى الكيفية التي عليها هذا الاستواء، لأن الصفات تابعة للموصوف، فكما أن لله تعالى ذاتاً لا تماثل الذوات، فإن صفاته لا تماثل الصفات ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله في الاستواء حين سئل كيف استوى؟ قال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ". وهذا ميزان لجميع الصفات فإنها ثابتة لله تعالى كما أثبتها لنفسه على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. وبهذا تبين فائدة القول بأن الاستواء على العرش علو خاص على العرش مختص به، لأن العلو العام ثابت لله عز وجل قبل خلق السماوات والأرض، وحين خلقهما، وبعد خلقهما، لأنه من صفاته الذاتية اللازمة كالسمع، والبصر، والقدرة، والقوة ونحو ذلك بخلاف الاستواء. فأجاب بقوله: هذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه، والذين قالوا : إنه صحيح يقولون : إن معنى الحديث لو أدليتم بحبل لوقع على الله عز وجل لأن الله تعالى محيط بكل شيء، فكل شيء هو في قبضة الله سبحانه وتعالى وكل شيء فإنه لا يغيب عن الله تعالى، حتى إن السماوات السبع والأرضين السبع في كف الرحمن عز وجل كخردلة في يد أحدنا يقول الله تعالى في القرآن الكريم: فمن الكتاب: قوله تعالى: وأما السنة: فإنها متواترة على علو الله عز وجل والسنة دلت على علو الله عز وجل من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره. قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة والتابعون لهم بإحسان من أئمة هذه الأمة وعلمائها على أن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، ولم ينقل عنهم حرف واحد أن الله ليس في السماء، أو أنه مختلط بالخلق أو أنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا مباين، ولا محاذٍ، بل النصوص عنهم كلها متفقة على أن الله تعالى في العلو وفوق كل شيء. أما العقل: فقد دل على علو الله بأن نقول : هل العلو صفة كمال أو السفل؟ الجواب بالعلو والله عز وجل قد قال في كتابه: أما الفطرة: فإن كل إنسان مفطور على أن الله تعالى في السماء تجد الإنسان يقول : يا الله ويتجه إلى السماء فما يجد في قلبه ضرورة إلا إلى العلو. إذاً فنحن نقول: إن الله تعالى فوق كل شيء، وإذا كان فوق كل شيء فإنه لا يمكن أن يكون المراد بهذا الحديث فالجواب: لا لأن الله تعالى يخبر عن الألوهية، ولا يخبر عن مكانه أنه في السماء والأرض، لكن يخبر أنه إله في السماء وإله في الأرض، كما تقول : فلان أمير في مكة وأمير في المدينة، فالمعنى أن إمارته ثابتة في مكة وفي المدينة وإن كان هو قطعاً في أحد البلدين وليس فيهما جميعاً. فهذه الآية تدل على أن ألوهية الله ثابتة في الأرض وفي السماء، وإن كان هو سبحانه وتعالى في السماء. فأجاب بقوله: نحن نعلم أن الله فوق كل شيء، وأنه استوى على العرش فإذا سمعنا قوله سبحانه: ولا يستغرب هذا فإن المخلوقات وهي لا تنسب للخالق تكون في السماء ونقول : إنها معنا. فيقول شيخ الإسلام: تقول العرب :ما زلنا نسير والقمر معنا. ومع ذلك فالقمر مكانه في السماء. فالله مع خلقه، ولكنه في السماء، ومن زعم بأنه مع خلقه في الأرض كما تقول الجهمية فأرى أنه كافر يجب أن يتوب إلى الله، ويقدر ربه حق قدره، ويعظمه حق تعظيمه، وأن يعلم أنه سبحانه وسع كرسيه السماوات والأرض فكيف تكون الأرض محلاً له. وقد جاء في الحديث: فأجاب فضيلته بقوله: لا أعلم أحداً صرح بذلك، لكن الذي يظهر أن الكلام فيها كغيرها من الصفات، تفهم على حقيقتها مع تنزيه الله عما لا يليق به، كما يفهم الاستواء والنزول وغيرهما، ولهذا لم يتكلم الصحابة فيما أعلم بلفظ الذات في الاستواء والنزول، أي لم يقولوا : استوى على العرش بذاته، أو ينزل إلى السماء الدنيا بذاته، لأن ذلك مفهوم من اللفظ، فإن الفعل أضيف إلى الله تعالى، إما إلى الاسم الظاهر، أو الضمير، فإذا أضيف إليه كان الأصل أن يراد به ذات الله عز وجل لكن لما حدث تحريف معنى الاستواء والنزول احتاجوا إلى توكيد الحقيقة بذكر الذات، وكذلك لما حدث القول بالحلول وشبه القائلون به بآيات المعية بين السلف بطلان تلبيسهم، وأنه لا يراد بها أنه معهم بذاته مختلطاً بهم، كما فهم أولئك الحلولية، وأن المراد بها بيان إحاطته بالخلق علماً، وذكروا العلم لأنه أعم الصفات متعلقاً، ولأنها جاءت في سياقه. والمهم أن هذه المسألة كغيرها من مسائل الصفات تجري على ظاهرها على ما يليق بالله عز وجل وما ورد عن السلف فإنه داخل في معناها، لأنه من لوازمه، واقتصروا عليه خوف المحذور، وإلا فلا يخفى أن حقيقة المعية أوسع من العلم وأبلغ، ولظهور هذه المسألة وأنها لم تخرج عن نظائرها لم يكن فيها كلام عن الصحابة رضي الله عنهم اللهم إلا ما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره عنه، قال: " هو على العرش، وعلمه معهم"، ثم اشتهر ذلك بين السلف حين انتشر تفسير الجهمية لها بالحلول. وأما سؤالكم عن الحديث القدسي: وأما سؤالكم عن قول ابن القيم في الصواعق (مختصرها) : فهو قريب من المحسنين بذاته، ورحمته، فهل يصح؟ وهل سبقه أحد في ذلك؟ فإن ابن القيم رحمه الله تعالى قاله أخذاً بظاهر قوله تعالى : فهذه الضمائر: {عِبَادِي} ، {عَنِّي} ، {فَإِنِّي} ، {قَرِيبٌ} ، {أُجِيبُ} ، {دَعَانِ} ، {لِي} ، {بِي} ، كلها تعود إلى الله عز وجل فكما أنه نفسه المعبود المسؤول عنه المجيب لدعوة الداعي الواجب الإيمان به فهو القريب كذلك، ولا يلزم من ذلك الحلول، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فهو قريب في علوه. وقد سبقه إلى مثل ذلك شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال في شرح النزول ص 508 ج 5 من مجموع الفتاوي: " ولهذا لما ذكر الله سبحانه قربه من داعيه وعابديه قال: فأجاب بقوله: الجواب على ذلك يتحرر في مقامين: المقام الأول: أن لله تعالى عينين، فهذا هو المعروف عن أهل السنة والجماعة، ولم يصرح أحد منهم بخلافه فيما أعلم. وقد نقل ذلك عنهم أبو الحسن الأشعري في كتابه: " اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين ". قال: مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث فذكر أشياء ثم قال: "وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ". نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية ص 90/5 من مجموع الفتاوى لابن قاسم، ونقل عنه أيضاً مثله في ص 92 عن كتابه: " اختلاف أهل القبلة في العرش". ونقل عنه أيضاً مثله في ص 94 عن كتابه : " الإبانة في أصول الديانة " . وذكر له في هذا الكتاب ترجمة باب بلفظ : " باب الكلام في الوجه، والعينين، والبصر، واليدين". ونقل شيخ الإسلام في هذه الفتوى ص 99 عن الباقلاني في كتابه: "الإبانة". قوله : صفات ذاته التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها هي الحياة والعلم، إلى أن قال: "والعينان واليدان". ونقل ابن القيم ص 118، 119، 120 في كتابه : " اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة و الجهمية " عن أبي الحسن الأشعري وعن الباقلاني في كتابيه : " الإبانة والتمهيد " مثل ما نقل عنه شيخ الإسلام، ونقل قبل ذلك في ص 114 عن الأشعري في كتابه : "الإبانة" أنه ذكر ما خالفت به المعتزلة كتاب الله تعالى وسنة رسولهصلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة إلى أن قال: " وأنكروا أن يكون لله عينان مع قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ". وقال الحافظ ابن خزيمة في : " كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب" ص 30 بيان النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله مبيناً عنه في قوله عز وجل : وقال في ص 55، 56: " فتدبروا يا أولي الألباب ما نقوله في هذا الباب في ذكر اليدين ليجري قولنا في ذكر الوجه والعينين تستيقنوا بهداية الله إياكم، وشرحه جل وعلا صدوركم للإيمان بما قصه الله عز وجل في محكم تنزيله، وبينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من صفات خالقنا عز وجل وتعلموا بتوفيق الله إياكم أن الحق والصواب والعدل في هذا الجنس مذهباً مذهب أهل الآثار ومتبعي السنن، وتقفوا على جهل من يسميهم مشبهة" ا.هـ. فتبين بما نقلناه أن مقالة أهل السنة والحديث أن لله تعالى عينين تليقان بجلاله وعظمته لا تكيفان، ولا تشبهان أعين المخلوقين، لقوله تعالى: المقام الثاني : في ذكر الأدلة على إثبات العينين: قال البخاري رحمه الله تعالى : باب قول الله تعالى : وقد استدل بحديث الدجال على أن لله تعالى عينين عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه: "الرد على بشر المريس " الذي أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية. وقال: " إن فيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما " يعني هذا الكتاب وكتابه الثاني : " الرد على الجهمية " قال الدارمي في الكتاب المذكور(ص 43 ط أنصار السنة المحمدية)، بعد أن ساق آيتي صفة العينين : ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، قال: والعور عند الناس ضد البصر، والأعور عندهم ضد البصير بالعينين. وقال في ص 48 ففي تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليس بأعور بيان أنه بصير ذو عينين خلاف الأعور. واستدل به أيضاً الحافظ ابن خزيمة في كتاب التوحيد كما في ص 31 وما بعدها. ووجه الاستدلال به ظاهر جداً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين لأمته شيئاً مما ينتفي به الاشتباه عليهم في شأن الدجال في أمر محسوس، يتبين لذوي التفكير العالمين بالطرق العقلية وغيرهم، بذكر أن الدجال أعور العين والرب سبحانه ليس بأعور، ولو كان لله تعالى أكثر من عينين لكان البيان به أولى لظهوره وزيادة الثناء به على الله تعالى، فإن العين صفة كمال فلو كان لله أكثر من اثنتين كان الثناء بذلك على الله أبلغ. وتقرير ذلك أن يقال : ما زاد على العينين فإما أن يكون كمالاً في حق الله تعالى أو نقصاً، فإن كان نقصاً فهو ممتنع على الله تعالى لامتناع صفات النقص في حقه، وإن كان كمالاً فكيف يهمله النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه أبلغ في الثناء على الله تعالى !! فلما لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه ليس بثابت لله عز وجل وهذا هو المطلوب. فإن قيل: ترك ذكره من أجل بيان نقص الدجال بكونه أعور. قلنا : يمكن أن يذكر مع بيان نقص الدجال فيجمع بين الأمرين حتى لا يفوت ذكر كمال صفة الله عز وجل. واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه العلامة الحسية ليبين نقص الدجال وأنه ليس بصالح لأن يكون رباً، ولظهورها لجميع الناس لكونها علامة حسية بخلاف العلامات العقلية، فإنها قد تحتاج إلى مقدمات تخفى على كثير من الناس، لا سيما عند قوة الفتنة، واشتداد المحنة، كما في هذه الفتنة فتنة الدجال، وكان هذا من حسن تعليمهصلى الله عليه وسلم حيث يعدل في بيانه إلى ما هو أظهر وأجلى مع وجود علامات أخرى . وقد ذكر ابن خزيمة رحمه الله في " كتاب التوحيد " ص 31 حديثاً ساقه في ضمن الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن لله تعالى عينين، فساقه بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه يقرأ قوله تعالى: وقد سبقت رواية الدارمي له بلفظ التثنية، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (ص 373/13 ط خطيب) أن البيهقي ذكر له شاهداً من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: وقد ذكر صاحب مختصر الصواعق (ص 359 ط الإمام)، قبيل المثال السادس حديثاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : وبهذا تبين وجوب اعتقاد أن لله تعالى عينين، لأنه مقتضى النص وهو المنقول عن أهل السنة والحديث. فإن قيل : ما تصنعون بقوله تعالى: قلنا: نتلقاها بالقبول والتسليم، ونقول : إن كان أقل الجمع اثنين كما قيل به إما مطلقاً أو مع الدليل فلا إشكال لأن الجمع هنا قد دل الدليل على أن المراد به اثنتان فيكون المراد به ذلك، وإن كان أقل الجمع ثلاثة فإننا نقول جمع العين هنا كجمع اليد في قوله تعالى: فإن قيل: فما تصنعون بقوله تعالى يخاطب موسى: قلنا: لا مصادمة بينها وبين التثنية، لأن المفرد المضاف لا يمنع التعدد فيما كان متعدداً، ألا ترى إلى قوله تعالى: وبهذا تبين ائتلاف النصوص واتفاقها وتلاؤمها، وأنها ولله الحمد كلها حق، وجاءت بالحق، لكنها تحتاج في بعض الأحيان إلى تأمل وتفكير، بقصد حسن، وأداة تامة، بحيث يكون عند العبد صدق نية بطلب الحق واستعداد تام لقبوله، وعلم بمدلولات الألفاظ، ومصادر الشرع وموارده، قال الله تعالى: فأجاب بقوله : ما ذكره الرازي من أن ظاهر قوله تعالى: أقول: إن ادعاءه أن ذلك ظاهر الآيتين ادعاء باطل، لأن هذا المعنى الذي ادعى أنه ظاهر الكلام معنى باطل، لا يقوله عاقل، كما اعترف به هو، فإذا كان معنى باطلاً لا يقوله عاقل فكيف يسوغ لمؤمن بل لعاقل أن يقول إن هذا ظاهر كلام الله تعالى؟! إن من جوز أن يكون هذا ظاهر كلام الله عز وجل فقد قدح في الله عز وجل وفي كلامه الكريم، حيث جعل مدلوله معنى باطلاً، لا يقوله العقلاء، وإذا تعذر أن يكون هذا المعنى الباطل ظاهر هذا الكلام تعين أن يكون ظاهره معنى آخر يليق بالله تعالى، وهو في الآية الأولى أن تربية موسى على عين الله تعالى، وينظر إليه بعينه، كما تقول : جرى هذا الشيء على عيني، أي حصل وأنا أشاهده وأراه بعيني. والمعنى في الآية الثانية أن صنع نوح، عليه الصلاة والسلام، السفينة كان بعين الله تعالى، أي مصحوباً بعينه يراه الله تعالى بعينه، فيسدده ويصلح صنيعه، كما تقول: صنعت هذا بعيني، أي صنعته وأنا أرعاه بعيني، وإن كانت آلة الصنع اليد أو الآلة. وتقول : كتبته بعيني، أي كتبته وأنا أنظر إليه بعيني وإن كانت الكتابة باليد أو بالآلة. وهذا التعبير لهذا المعنى تعبير عربي مشهور، والقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، فهو محمول على ما تقتضيه اللغة العربية، إلا أن يكون هناك حقيقة شرعية انتقل المعنى إليها كالصلاة والصيام ونحوها، فيحمل على الحقيقة الشرعية. وكتاب التأسيس الذي نقل السائل منه هذه الكلمات قد نقضه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فليت السائل يحصل على نسخة من نقضه. فأجاب حفظه الله بقوله: لو تأمل القائل حديث الدجال لرأى أنه يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى له عينان اثنتان فقط، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: ووجه الدلالة من الحديث أنه لو كان لله تعالى أكثر من عينين لكان الزائد كمالاً بلا شك، لأنه لا يمكن أن يتصف الله تعالى بما ليس بكمال، وهذا الكمال يحصل به التمييز فيقول: إن الله له أعين، فلو كان ثابتاً لكان ذكره هو الواجب، لأنه أبلغ في وصف الرب بالكمال مع التمييز. وقد نقل أبو الحسن الأشعري وغيره أن هذا هو ما عليه أهل السنة، أعني إثبات أن الله تعالى له عينان فقط، وإنما جمعت في قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} لأنها أضيفت إلى اسم جمع فكان جمعها أولى من أجل التناسب بين المتضايفين كما جمعت اليد في قوله تعالى: قال ابن القيم رحمه الله في الصواعق 1/254: " إن دعوى الجهمي أن ظاهر القرآن يدل على أن لله تعالى أيدياً كثيرة على جنب واحد وأعيناً كثيرة على وجه واحد عضن للقرآن، وتنقص له وذم، ولا يدل ظاهر القرآن ولا باطنه على ذلك بوجه ما، ولا فهمه من له عقل " . إلى أن قال : " فهذا الأشعري والناس قبله وبعده ومعه لم يفهموا من الأعين أعيناً كثيرة على وجه ، ولا أيدياً كثيرة على شق واحد، حتى جاء هذا الجهمي فعضن القرآن وادعى أن هذا ظاهره وإنما قصد هذا وأمثاله التشنيع على من بدعه وضلله من أهل السنة والحديث" . ا.هـ . فأجاب بقوله: كل شيء مستقبل فإن الأفضل أن تعلقه بالمشيئة لقول الله تعالى: فمثلاً لو قال لك شخص : دخل شهر رمضان هذا العام ليلة الأحد إن شاء الله . فلا يحتاج أن نقول : إن شاء الله لأنه مضى وعلم. ولو قال لك قائل : لبست ثوبي إن شاء الله وهو لا بسه فلا يحسن أن يعلق بالمشيئة لأنه شيء مضى وانتهى إلا إذا قصد التعليل أي قصد أن اللبس كان بمشيئة الله . فهذا لا بأس به. فلو قال قائل حين صلى : صليت إن شاء الله إن قصد فعل الصلاة فإن الاستثناء هنا لا ينبغي، لأنه صلى وإن قصد إن شاء الله الصلاة المقبولة فهنا يصح أن يقول إن شاء الله، لأنه لا يعلم أقبلت أم لم تقبل. فأجاب بقوله: الإرادة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: إرادة كونية. القسم الثاني: إرادة شرعية. فما كان بمعنى المشيئة فهو إرادة كونية، وما كان بمعنى المحبة فهو إرادة شرعية، مثال الإرادة الشرعية قوله تعالى: ومثال الإرادة الكونية قوله تعالى: ولكن بقي لنا أن نقول: ما الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية من حيث وقوع المراد؟ فنقول: الكونية لابد فيها من وقوع المراد إذا أراد الله شيئاً كوناً فلابد أن يقع أما الإرادة الشرعية فقد يقع المراد وقد لا يقع قد يريد الله عز وجل هذا الشيء شرعاً ويحبه ولكن لا يقع لأن المحبوب قد يقع وقد لا يقع. فإذا قال قائل: هل الله يريد المعاصي؟ فنقول: يريدها كوناً لا شرعاً، لأن الإرادة الشرعية بمعنى المحبة والله لا يحب المعاصي، ولكن يريدها كوناً أي مشيئة فكل ما في السماوات والأرض فهو بمشيئة الله. فأجاب قائلاً: الإلحاد في اللغة: هو الميل، ومنه قول الله تعالى: النوع الأول: إنكار شيء من الأسماء، أو ما دلت عليه من الصفات، ومثاله: من ينكر أن اسم الرحمن من أسماء الله تعالى كما فعل أهل الجاهلية، أو يثبت الأسماء، ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات كما يقول بعض المبتدعة : أن الله تعالى رحيم بلا رحمة، وسميع بلا سمع. النوع الثاني: أن يسمي الله سبحانه وتعالى بما لم يسم به نفسه. ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية ، فلا يحل لأحد أن يسمي الله تعالى باسم لم يسم به نفسه، لأن هذا من القول على الله بلا علم ومن العدوان في حق الله عز وجل وذلك كما صنع الفلاسفة فسموا الإله بالعلة الفاعلة، وكما صنع النصارى فسموا الله تعالى باسم الأب ونحو ذلك. النوع الثالث: أن يعتقد أن هذه الأسماء دالة على أوصاف المخلوقين، فيجعلها دالة على التمثيل. ووجه كونه إلحاداً: أن من اعتقد أن أسماء الله سبحانه وتعالى دالة على تمثيل الله بخلقه فقد أخرجها عن مدلولها ومال بها عن الاستقامة وجعل كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم دالاً على الكفر، لأن تمثيل الله بخلقه كفر لكونه تكذيباً لقوله تعالى : النوع الرابع: أن يشتق من أسماء الله تعالى أسماء للأصنام، كاشتقاق اللات من الله ، والعزى من العزيز، ومناة من المنان. ووجه كونه إلحاداً: أن أسماء الله تعالى خاصة به، فلا يجوز أن تنقل المعاني الدالة عليها هذه الأسماء إلى أحد من المخلوقين ليعطى من العبادة مالا يستحقه إلا الله عز وجل . هذه أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى. فأجاب بقوله: الجبار له ثلاثة معان: الأول: جبر القوة، فهو سبحانه وتعالى الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته وفي يده وقبضته. الثاني: جبر الرحمة، فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله. الثالث: جبر العلو فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم، وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم. قال ابن القيم في النونية في معنى الجبار: جبر الضعيف وكل قلب قد غدا ** ذا كسرة فالجبر منه دان والثانِ جبر القهر بالعز الذي ** لا ينبغي لسواه من إنسان وله مسمى ثالث وهو العلو ** فليس يدنو منه من إنسان من قولهم جبارة للنخلة الـ ** ـعليا التي فاقت لكل بنان فأجاب بقوله : لا شك أن من أسماء الله الحسنى" الحي القيوم " بل ورد أنهما اسم الله الأعظم، لتضمنهما معاني أسماء الله وصفاته الذاتية والفعلية، وهما مذكوران في ثلاث آيات من القرآن الكريم : في آية الكرسي: فأجاب فضيلته بقوله : لقد راجعت الأصول مسند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، فقد أورده الإمام أحمد في المسند في عدة مواضع من الجزء الثالث،ص 120-158-245-265، وأورده أبو داود في الجزء الأول باب الدعاء ص 343، وأورده النسائي في الجزء الثالث باب الدعاء بعد الذكر ص 44، وأورده ابن ماجه في الجزء الثاني كتاب الدعاء باب اسم الله الأعظم ص 1268، وليس فيهن ذكر الحنان سوى طريق واحدة عند الإمام أحمد فيها الحنان دون المنان وهي التي في ص 158، وليست باللفظ المذكور في الترغيب، واللفظ المذكور في الترغيب ليس فيه عند أحمد سوى ذكر المنان وقد رأيت كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنكر فيه أن يكون الحنان من أسماء الله تعالى فإذا كانت الروايات أكثرها بعدم إثباته، فالذي أرى أن يتوقف فيه. والله أعلم. فأجاب بقوله : أما المنان فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأما المنتقم فليس من أسماء الله، لأن الله تعالى لم يذكر هذا الوصف لنفسه إلا مقيداً، وكل وصف جاء مقيداً فهو ليس من أسماء الله، لأن أسماء الله كمال على الإطلاق لا تحتاج إلى تقييد، والله سبحانه وتعالى إنما ذكر المنتقم في مقابلة الإجرام فقال: أما" الهادي" فبعض العلماء أثبته من أسماء الله وبعضهم قال : بل هذا من أوصاف الله وليس اسماً. " والمعين" كذلك ليس من أسماء الله، ولكنه من صفاته فإنه هو الذي يعين من شاء من عباده. ومن العلماء من قال: إنه من أسمائه لأنه دال على معنى حسن وليس فيه نقص بوجه من الوجوه. والله سبحانه وتعالى يقول فأجاب بقوله : الدهر ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى ومن زعم ذلك فقد أخطأ وذلك لسببين: السبب الأول: أن أسماءه سبحانه وتعالى حسنى، أي بالغة في الحسن أكمله، فلابد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة، ولهذا لا تجد في أسماء الله تعالى اسماً جامداً، والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات. السبب الثاني: أن سياق الحديث يأبى ذلك، لأنه قال: فأجاب قائلاً : قوله في الحديث المشار إليه في السؤال: وقوله : أنا الدهر أي مدبر الدهر ومصرفه. كما قال الله تعالى : ولا يقال : بأن الله نفسه هو الدهر، ومن قال ذلك فقد جعل المخلوق خالقاً، والمقلَّب مقلِّباً. فإن قيل : أليس المجاز ممنوعاً في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفي اللغة؟ أجيب : بلى، ولكن الكلمة حقيقة في معناها الذي دل عليه السياق والقرائن، وهنا في الكلام محذوف تقديره فأجاب بقوله: كلمة " بشماله " اختلف فيها الرواة: فمنهم من أثبتها، ومنهم من أنكرها وقال لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصل هذه التخطئة هو ما ثبت في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ولكن قد روى مسلم في صحيحه إثبات الشمال لله تعالى فإذا كانت محفوظة فهي عندي لا تنافي وعلى كل فإن يديه سبحانه اثنتان بلا شك، وكل واحدة غير الأخرى وإذا وصفنا اليد الأخرى بالشمال فليس المراد أنها أنقص من اليد اليمنى بل كلتا يديه يمين. والواجب علينا أن نقول: إن ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤمن بها، وإن لم تثبت فنقول : كلتا يديه يمين. فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث أعني قول النبي صلى الله عليه وسلم : الأول: أن الله خلق آدم على صورة اختارها، وأضافها إلى نفسه تعالى تكريماً وتشريفاً. الثاني: أن المراد خلق آدم على صورته تعالى من حيث الجملة، ومجرد كونه على صورته لا يقتضي المماثلة والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : فأجاب قائلاً: أقسام ما أضافه الله إلى نفسه ثلاثة: القسم الأول: العين القائمة بنفسها، فإضافتها من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، وهذه الإضافة قد تكون على سبيل العموم كقوله تعالى: القسم الثاني: العين التي يقوم بها غيرها مثل قوله تعالى: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} . فإضافة هذه الروح إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى خالقه تشريفاً فهي روح من الأرواح التي خلقها الله، وليست جزءاً من الله، إذ إن هذه الروح حلت في عيسى، عليه السلام، وهو عين منفصلة عن الله وهذا القسم مخلوق. القسم الثالث: أن يكون وصفاً محضاً يكون فيه المضاف صفة الله وهذا القسم غير مخلوق، لأن جميع صفات الله غير مخلوقة، ومثاله قدرة الله وعزة الله وهو في القرآن كثير.
فأجاب بقوله: إضافة الحوادث إلى صفة من صفات الله بمعنى أنه من مقتضى هذه الصفة لا بأس به، مثل أن نقول : اقتضت حكمة الله أن يعذب الظالم، أو أوجب القضاء والقدر أن يشقى فلان أو يسعد فلان ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : أما إذا أضيفت الحوادث إلى صفة من صفات الله وكأن الصفة هي التي فعلت دون الموصوف فلا يجوز، لأن المؤثر هو الله تعالى وهو الخالق المدبر لجميع الأمور. فأجاب بقوله : ينبغي أن نعلم أن التأويل عند أهل السنة ليس مذموماً كله، بل المذموم منه ما لم يدل عليه دليل، وما دل عليه الدليل يسمي تفسيراً، سواء كان الدليل متصلاً بالنص، أو منفصلاً عنه، فصرف الدليل عن ظاهره ليس مذموماً على الإطلاق. ومثال التأويل بالدليل المتصل ما جاء في الحديث الثابت في صحيح مسلم في قوله تعالى في الحديث القدسي : وقال تعالى: فإذا فهمنا هذا القاعدة وهي أن التأويل الذي قام الدليل عليه ليس مذموماً عرفنا الجواب عن الآية التي ساقها السائل. فهل الصحابة في صلح الحديبية كانوا يبايعون الله؟ هم في الحقيقة كانوا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم ، مباشرة وذلك في قوله سبحانه: {يُبَايِعُونَكَ} لكن لما كان الرسول مبلغاً عن الله سبحانه صارت مبايعة الرسول كمبايعة الله، وصار الذي يبايعه كأنما يبايع الله. وقوله تعالى: ويجوز أن نقول: فأجاب بقوله: لا يوصف الله تعالى بالمكر إلا مقيداً فلا يوصف الله تعالى به وصفاً مطلقاً، قال الله تعالى: ففي هذه الآية دليل على أن لله مكراً، والمكر هو التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر. ومنه جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري فإن قيل: كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟ قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: " إن الله ماكر" وإنما تذكر هذه الصفة في مقام يكون مدحاً مثل قوله تعالى: وكذلك لا يسمى الله به فلا يقال : إن من أسماء الله الماكر، والمكر من الصفات الفعلية لأنها تتعلق بمشيئة الله سبحانه. فأجاب بقوله : أما الخيانة فلا يوصف الله بها أبداً لأنها ذم بكل حال إذ إنها مكر في موضع الائتمان وهو مذموم قال الله تعالى : وأما الخداع فهو كالمكر يوصف الله تعالى به حين يكون مدحاً ولا يوصف به على سبيل الإطلاق قال الله تعالى: فأجاب بقوله: حياة الله عز وجل حياة كاملة، لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، وشرح العقيدة الواسطية الذي قرأ فيه هذا السائل أن حياة الله عز وجل تسبق بعدم خطأ بلا شك، وهذا خطأ مطبعي فيما يظهر، لأنه إذا قيل : حياة كاملة فالحياة الكاملة لا تسبق بعدم، فحياة الله عز وجل حياة كاملة متضمنة لجميع الصفات الكاملة فلم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال.
فأجاب حفظه الله تعالى بقوله : للنسيان معنيان: أحدهما:الذهول عن شيء معلوم مثل قوله تعالى: أما السمعي: فقوله تعالى: وأما العقلي: فإن النسيان نقص، والله تعالى منزه عن النقص، موصوف بالكمال، كما قال الله تعالى: والمعنى الثاني للنسيان : الترك عن علم وعمد، مثل قوله تعالى: فذكر الحديث، وفيه وتركه سبحانه للشيء صفة من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته، قال الله تعالى: فأجاب قائلاً : من المعلوم أن القاعدة عند أهل السنة والجماعة أننا نصف الله تبارك وتعالى بما وصف به نفسه من غير تمثيل، ولا تكييف. فإذا كان هذا الحديث يدل على أن لله مللاً فإن ملل الله ليس كمثل مللنا نحن بل هو ملل ليس فيه شيء من النقص، أما ملل الإنسان فإن فيه أشياء من النقص لأنه يتعب نفسياً وجسمياً مما نزل بعد لعدم قوة تحمله، وأما ملل الله إن كان هذا الحديث يدل عليه فإنه ملل يليق به عز وجل ولا يتضمن نقصاً بوجه من الوجه. فأجاب بقوله: جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ومن العلماء من يقول إن قوله : ومنهم من قال : إن هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقاً لأن قول القائل :لا أقوم حتى تقوم لا يستلزم قيام الثاني وهذا أيضاً وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أن الله تعالى منزه عن كل صفة نقص من الملل وغيره وإذا ثبت أن هذا الحديث دليل على الملل فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق.
فأجاب بقوله: التعطيل نوعان: الأول: تعطيل تكذيب وجحد، وهذا كفر. ومثاله رجل قال : إن الله لم يستو على العرش. فهذا جحود وتكذيب، لأن الله تعالى يقول: الثاني: تعطيل تأويل، وهذا هو معترك الخلاف بين العلماء هل يحكم على من عطل تأويلاً بالكفر أولاً؟ ومثاله رجل أثبت أن الله على العرش استوى، لكن قال : أقول : إن معناه استولى فهذا تعطيل تأويل، وهذا قد لا يكفر به الإنسان، ولهذا لا نكفر من فسر الاستواء بالاستيلاء. وهذا النوع في الحقيقة فيه تفصيل: فأحياناً يكون الإنسان مبتدعاً غير كافر، وأحياناً يكون مبتدعاُ كافراً حسب ما تقتضيه النصوص الشرعية في ذلك. فأجاب حفظه الله بقوله: الإنكار نوعان: النوع الأول: إنكار تكذيب، وهذا كفر بلا شك، فلو أن أحداً أنكر اسماً من أسماء الله، أو صفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة، مثل أن يقول ليس لله يد، فهو كافر بإجماع المسلمين، لأن تكذيب خبر الله ورسوله كفر مخرج عن الملة. النوع الثاني: إنكار تأويل، وهو أن لا يجحدها، ولكن يؤولها وهذا نوعان: الأول : أن يكون لهذا التأويل مسوغ في اللغة العربية فهذا لا يوجب الكفر. الثاني: أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية فهذا موجب للكفر، لأنه إذا لم يكن له مسوغ صار تكذيباً، مثل أن يقول ليس لله يد حقيقة، ولا بمعنى النعمة، أو القوة، فهذا كافر، لأنه نفاها نفياً مطلقاً فهو مكذب حقيقة، ولو قال في قوله تعالى: لكن إن قال : المراد باليد النعمة أو القوة فلا يكفر لأن اليد في اللغة تطلق بمعنى النعمة قال الشاعر: من" يد " أي : من نعمة، لأن المانوية يقولون: إن الظلمة لا تحدث الخير وإنما تحدث الشر. فأجاب بقوله: الذي يعتقد أن صفات الخالق مثل صفات المخلوق ضال، ذلك أن صفات الخالق لا تماثل صفات المخلوقين بنص القرآن الكريم قال الله تعالى: أليس للآدمي وجه. وللبعير وجه؟ اتفقا في الاسم لكن لم يتفقا في الحقيقة. وللجمل يد، وللذرة يد، فهل اليدان متماثلتان؟ الجواب لا. إذاً لماذا لا تقول : لله عز وجل وجه ولا يماثل أوجه المخلوقين، ولله يد ولا تماثل أيدي المخلوقين؟ ! قال الله تعالى: فأجاب فضيلته بقوله: نقول في مثل هذه الأمور : إننا قد ندرك حكمتها وقد لا ندرك فإن كثيراً من الأشياء لا نعلم حكمتها كما قال الله تعالى: ثم نعود إلى جواب السؤال وهو ما الحكمة في أن الله عز وجل وكل بنا كراماً كاتبين يعلمون ما نفعل؟ فالحكمة من ذلك بيان أن الله سبحانه وتعالى نظم الأشياء وقدرها، وأحكمها إحكاماً متقناً، حتى إنه سبحانه وتعالى جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كراماً كاتبين موكلين بهم يكتبون ما يفعلون، مع أنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوه ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله عز وجل بالإنسان وكمال حفظه تبارك وتعالى وأن هذا الكون منظم أحسن نظام ومحكم أحسن إحكام. والله عليم حكيم. فأجاب قائلاً: التعبير بالتمثيل خير من التعبير بالتشبيه لوجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن نفي التمثيل هو الذي ورد في القرآن الكريم، ولم يرد في القرآن نفي التشبيه، واللفظ الذي هو التعبير القرآني خير من اللفظ الذي هو التعبير الإنساني قال الله تعالى: الوجه الثاني: أن التشبيه لا يصح نفيه على الإطلاق لأنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك اتفقا فيه وإن اختلفا في الحقيقة، فلله وجود وللإنسان وجود، ولله حياة وللإنسان حياة، وهذا الاشتراك في أصل المعنى - الحياة - نوع من التشابه، لكن الحقيقة أن صفات الخالق ليست كصفات المخلوق، فحياة الخالق ليست كحياة المخلوق، فحياة المخلوق ناقصة مسبوقة بعدم وملحوقة بفناء، وهي أيضاً ناقصة في حد ذاتها، يوم يكون طيباً، ويوم يكون مريضاً، ويوم يكون متكدراً، ويوم يكون مسروراً، وهي أيضاً حياة ناقصة في جميع الصفات، البصر ناقص، السمع ناقص ، العلم ناقص ، القوة ناقصة ، بخلاف حياة الخالق جل وعلا فإنها كاملة من كل وجه . الوجه الثالث: أن بعض أهل التعطيل يسمون المثبتين للصفات مشبهة فإذا قلت: من غير تشبيه فهم هؤلاء أن المراد من غير إثبات صفة ولذلك نقول : إن التعبير بقولنا : من غير تمثيل أولى من التعبير بالتشبيه.
فأجاب بقوله : التشبيه والتمثيل في الأسماء والصفات بينهما فرق ، ولهذا ينبغي أن نقول : " من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل"، بدل قول : "من غير تأويل، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تشبيه". فالتعبير بالتمثيل أولى لأمور: أولاً: أنه الموافق للفظ القرآن في قوله تعالى: ثانياً: أن التشبيه صار وصفاً يختلف الناس في فهمه فعند بعض الناس إثبات الصفات يسمى تشبيهاً، ويسمونه من أثبت صفة لله مشبهاً، فتجد ذلك عند المعتزلة كما يقول الزمخشري في تفسيره الكشاف: وقالت المشبهة، ويقصد أهل السنة والجماعة. ثالثاً: أن نفي التشبيه على الإطلاق بين صفات الخالق وصفات المخلوق لا يصح، لأنه ما منا من صفتين ثابتتين إلا وبينهما اشتراك في أصل المعنى وهذا الاشتراك نوع من المشابهة : فالعلم مثلاً، للإنسان علم، وللرب سبحانه علم، فاشتركا في أصل المعنى، لكن لا يستويان. أما التمثيل فيصح أن تنفي نفياً مطلقاً. وأيضاً فلا يقال : من غير تأويل بل من غير تحريف، لأن التأويل في أسماء الله وصفاته ليس منفياً على كل حال، بل ما دل عليه الدليل فهو تأويل ثابت وهو بمعنى التفسير، وإنما المنفي هو التحريف وهو صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل، كما صنع أهل التعطيل الذين اختلفوا فيما نفوا وأثبتوا من أسماء الله وصفاته، فمنهم من أثبت الأسماء وبعض الصفات ونفى أكثر الصفات، ومنهم من أثبت الأسماء ونفى الصفات كلها، ومنهم من نفى الأسماء والصفات كلها، ومنهم من نفى كل إثبات وكل نفي فقال: لا تصف الله بإثبات ولا نفي. وأهل السنة بريئون من هذا ويثبتون لله تعالى كل ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات. وكذلك فقد جاء النص بذم التحريف في قوله:
فأجاب بقوله: صفة الهرولة ثابتة لله تعالى كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
|