فصل: الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الخامسة فيما يكتب من الولايات عن الملوك:

مساءً 4 :48
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
17
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الخامسة فيما يكتب من الولايات عن الملوك:

وفيه ثلاثة أطراف:

.الطرف الأول في مصطلح كتاب الشرق:

قد تقدم في الكلام على ما كان عن الخلفاء أن الولايات في الخلافة العباسية ببغداد كانت تصدر عن الخلفاء دون الملوك المساهمين لهم في الأمر، لا يشاركونهم في شيء من الولايات أصلاً. وقد تقدم ذكر ما كان يكتب عن خلفائهم من الولايات هناك.
والمقصود هنا ما كان يكتب عن ملوك بني جنكزخان من البيت الهولاكوهي فمن بعدهم. ولم أقف على شيء من مصطلحهم في ذلك فأورده هنا.

.الطرف الثاني في مصطلح كتاب الغرب والأندلس فيما يكتب من الولايات عن الملوك:

واعلم أنهم يعبرون عما يكتب في جميع ولاياتهم بالظهائر: جمع ظهير، يفتتحونه بلفظ هذا ظهير كما تقدم بيانه في الكلام على ما كان يكتب عن خلفاء المغرب.
ثم هي على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: ما يكتب لأرباب الوظائف من أصحاب السيوف:
وهذه نسخة ظهير بنيابة السلطنة بالحضرة من إنشاء أبي عبد الله بن الخطيب، وهي:
هذا ظهير كريم، منزلته من الظهار منزلة المعتمد به من الزهراء، ومحله من الصكوك، الصادرة عن أعاظم الملوك، محل أولي الرابات، الخافق العذبان، والآراء، فتح على الإسلام، من بعد الإبهام، أبواب السراء، وراق طرازاً مذهباً على عاتق الدولة الغراء، وأعمل عوامل الجهاد في طاعة رب العباد، شارع لأهل الكفر والعناد، من باب الإعمال والإغراء- أمر به فلان لصدر صدور أدائه، وحسامه المشهور على أعدائه، ووليه الذي خبر صدق وفائه، وجلي في مضمار الخلوص له مغبراً في وجوه أكفئه، شيخ شيوخ المجاهدين، وقائد كتائبه المنصورة لغزو الكافرين والمعتدين، وعدنه لآتى يدافع بها عن الدين، وسائق ورده المبرز في الميادين، الشيخ الأجل الأعز يدافع بها عن الدين، وسائق ورده المبرز في الميادين، الشيخ الأجل الأعز الأصفى، الأمجد، الأسعد، الأسعد، الأغنى، الأحمق، الأحب، الأصل، الأفضل، المجاهد، الأقصى، الأرضي، الأمضى، الشهيد المقدس، المرحوم أبي عبد الله بدر الدين ابن شيخ الشيوخ وعلم الأعلام، المدافع عن حوزة الإسلام، البعيد الغارة في تخوم عبدة الأصنام، الشيخ الكبير، الجليل الخطير، الرفيع، الصدر، المعظم، الموقر، صاحب الجهاد الأرضي، والعزم الأمضى، المقدس، المرحوم أي عمران موسى بن أبي زيد رحبن محيو بن عبد الحق بن محيو، وصل الله سعده، وحرس مجده، وبلغه من مظاهرة دولته وكوازرة خلافته قصده. رفع قبة العناية والاختيار على عماد، وأشاد بدعوة التعظيم مسمعاً كل حي وجماد، وقابل السعي الكريم بإخماد، وأورد من البر غير تماد، واستظهر بالوفاء الذي لم تستتر ناره برماد، ولقصرت جياده عن بلوغ آماد، وقلد سيف الجهاد عاتق الحسب اللباب، وأعلق يدي الاستظهار بأوثق الأسباب، واستغلظ على الأعداء بأحب الأحباب. لما قامت له البارتين الصادقة على كرم شيمه، ورسوخ قدمه، وجنى منه عند الشدة والتمحيص ثمرة مؤولاه من نعمه، قابل بالرعي ذممه، وعظائم خدمه، وشد اليد على عهده الذي عرفه حين انتكثت العقد وأخلق المعتقد، وأستأسد النقد، وتنكر الصديق، وفرق الفريق، وسدت على النظرة الطريق، وتميز المغرق والغريق، فأثقل له ميزان المكافآت، وسجل له رسم المصادفات، وجعله يمين الملك الذي به يناضل، ويقاطع ويواصل، وسيف الجهاد، الذي يحمي بمضائه حوزة البلاد، ومرآة النصح التي تتجلى بها وجوه الرشاد، فقدمه- أعلى الله قدمه، وشكر نعمه، وأسعده فيما تيممه، وشر بالنصر علمه- شيخ الغزاة بحضرته العلية، وسائر بلاده النصرة: ترجع القبائل والأشايخ إلى نظره في السكنات، وتستدر على يده من مقامه الكريم غيوم البركات، وتقرر وسائلها بوساطة حظوته، وتقصر خطاها بحقه الواجب عن خطوته؛ فعليه تدور أفلاك جماعاتهم كلما اجتمعوا وأتلفوا، وبحجة فضله يزول إشكالهم مهما اختلفوا، وبلسانه المبين يقرر لهم ماأسلفوا، وفي كنف رعيه ينشأ من أعقبوا من النشأة وخلفوا، وبإقدامه تنهض أقدامهم مهما توقفوا، فهو يعسوب كتائبهم الملتفة، وفرزان قطعهم المصطفة، وشهم جوارحهم الفارهة، وعين عيونهم النابهة، وتأويل أمورهم المتشابهة، عن نظرة يردون ويصدون، عيونهم النابهة، وتأويل أمورهم المتشابهة، عن نظره يردون ويصدرون، وبإشارته يريشون ويبرون وآثاره يقتفون، وبتلعة دواه المريني في خدمة مقامه النصري يقفون، فهو الذي لا تأنف أشراف القبائل من اقتفاء آثاره، ولا تجهل رفعة مقداره، فلبيته المزية بالحق، المستوجبة للفخر بسابقة السعادة لعبد الحق7، ولذاته قصب السبق، ولوفائه الشهرة في الغرب والشرق. فليتول ذلك- تولاه الله- منشرحاً بالعز صدره، مستمداً من شمس سعادته بدره، معروفاً حقه معظماً قدره؛ فهي خطة قومه، وفريسة حومه، وطية أمسه ويومه، وكفء خطبته، ومرمى رتبته، وحلي جيده، ومظهر توقيفه وتسديده- مطلقاً من عنان الثناء، على أهل الغناء، معاملاً بصادق الإطراء، لذوي الآراء، متغمداً بالإغضاء، هفوات أهل المضاء، معرفاً بالقبائل، والعشائر والفصائل، كلما وفدوا من الآفاق للاستلحاق، منبهاً على مظان الاستحقاق، مطبقاً للطباق، مميزاً لجيادها يوم السباق، حريصاً على إنماء الأعداد، مطبقاً مفاصل الشراد، محتاطاً على الأموال التي تمتري بها أكف الجباية ضروع العباد، واضعاً مال الله حيث وضعه الحق من الورع والاستداد، لا سيما في هذه البلاد، حنى تعظم المزايا والمزاين، وتتوفر الكتائب والخزائن، ويبتهج السامع ويسر المعاين، ويظهر الفضل على من تقدم، وأن الظهراء كم غادرت من متردم، ويتحسر من قصر ويتندم، وعند الله يجد كل ماقدم. فهي قلادة الله التي يضيع من أضاعها، ويرضى عمن أعمل فيها أوامره وأطاعها. وهو- وصل الله سعادته! وحرس مجادته- أولى من لاحظ ضرائرها، واستطلع من ثنايا التوكل على الله بشائرها: نسبا وحسبا، جداً وأبا؛ وحداً وشبا، ونجدةً وضحت مذهبا. وتتوفر الكتائب والخزائن، ويبتهج السامع ويسر المعاين، ويظهر الفضل على من تقدم، وأن الظهراء كم غادرت من متردم، ويتحسر من قصر ويتندم، وعند الله يجد كل ماقدم. فهي قلادة الله التي يضيع من أضاعها، ويرضى عمن أعمل فيها أوامره وأطاعها. وهو- وصل الله سعادته! وحرس مجادته- أولى من لاحظ ضرائرها، واستطلع من ثنايا التوكل على الله بشائرها: نسبا وحسبا، جداً وأبا؛ وحداً وشبا، ونجدةً وضحت مذهبا.
وعلى الغزاة- وفر الله جموعهم! وأنجد تابعهم ومتبوعهم!- أن يعرفوا قدر هذا التعظيم الذي خفقت أعلامه، ووضحت أحكامه، والاختصاص الذي لطف محله، والاعتناء الكريم الذي ضفا ظله، فيكونوا من إيجاب حقه حيث حد ورسم، وميز ووسم؛ لا يتخلف أحد منهم في خدمته أيده الله عن إشارته الموفقة، ولا يشذ عن رياسته المطلقة، بحول الله تعالى وقوته.
وهذا نسخة ظهير بنيابة السلطنة ببعض الأعمال، وهي: هذا ظهير كريم، مضمنة استجلاء لأمور الرعايا واستطلاع ورعاية كرمت منها أجناس وأنواع، وعدل بهر منه شعاع، ووصايا بحب لها إهطاع، أصدرناه للفقيه أبي فلان، لما تقرر لدينا دينه وعدله وفضله رأينا أنه أحق من نقلده المهم الأكيد، ونرمي به من أغراض البر الغرض البعيد، ونستكشف به أحوال الرعايا حتى لا يغيب عنا شيء من أحوالها، ولا يتطرق إليها طارق من إهمالها، وينهي إلينا الحوادث التي تنشأ فيها إنهاء يتكفل بحياطة أبشارها وأموالها. وأمرناه أن يتوجه إلى جهة كذا- حاطها الله- فيجمع الناس في مساجدهم، ويندبهم من مشاهدهم، ويبدأ بتقرير غرضنا في صلاح أحوالهم، وإحساب آمالهم، ومكابدتنا المشقة في مداراة عدوهم الذي يعلم من أحوالهم ما غاب عنهم- دفعه الله بقدرته، ووقى نفوسهم وحريمهم من معرته- وبما رأينا من انبتات الأسباب التي فيك تؤمل، وعجز الجيل التي كانت تعمل، ويستدعي إنجادهم بالدعاء، وإخلاصهم فيه إلى رب السماء، ويسأل عن سيرة القواد، وولاة الأحكام بالبلاد: فمن نالته مظلمة فليرفعها إليه، ويقصها عليه: ليبلغها إلينا، ويوفدها مقررة الموجبات علينا، ويختبر ما افترض صدقة للجبل، وما فضل عن كريم ذلك للعمل: ليعين لبناء الحصن بجبل قارة يسر الله لهم في إتمامه، وجعل صدقتهم تلك مسك ختامه، وغيره مما افترض إعانةً للماسفرين، وإنجاداً لجهاد الكافرين، فيعلم مقداره، ويتولى اختباره، حتى لا يجعل منه شيء على ضعيف، ولا يعدل به لمشروف عن شريف، ولا تقع فيه مضايقة ذي الجاه، ولا مخادعة غير المراقب لله. ومتى تحقق أن غنياً قصر به فيه عن حقه، أو ضعيفاً كلف منه فوق طوقه، فيجير الفقير من الغني، ويجري من العدل على السنن السوي، ويعلم الناس أن هذه المعونة وإن كانت بالنسبة إلى محل ضرورتها يسيرة، وأن الله يضاعفها لهم أضعافاً كثيرة، ليست مما يلزم، ولا من المعاون التي بتكريرها يجزم، وينظر في عهود المتوفين فيصرفها في مصارفها المتعينة، وطرقها الواضحة البينة، ويتفقد المساجد تفقداً يكسو عاريها، ويتمم منها المآرب تتميماً يرضى باريها، ويندب الناس إلى تعليم القرآن لصبيانهم، فذلك أصل أديانهم، ويحذرهم المغيب عن كطل شيء من أعشارهم فالزكاة أخت الصلاة وهما من قواعد الإسلام، وقد اخترنا لهم بأقصى الجد والاعتزام، ورفعنا عنهم رسم التعريف نظراً إليهم بعين الاهتمام، وقدمنا الثقات لهذه الأحكام، وجعلنا الخرص شرعياً في هذا العام، وفيما بعده إن شاء الله من الأعوام.
ومن أهم ماأسندناه إليه، وعولنا فيه عليه، البحث بتلك الأحواز عن أهل البدع والأهواء، والسائرين من السبيل على غير السواء، ومن ينبز بفساد العقد، وتحريف القصد، والتلبس بالصوفية وهو في الباطن من أهل الفساد، والذاهبين إلى الإباحة وتأويل المعاد، والمؤلفين بين النساء والرجال، والمتتبعين لمذاهب الضلال؛ فمهما عثر على مطوق بالتهمة، منبز بشيء من ذلك من هذه الأمة، فليشد وثاقه شداً، وليسد عليه سبيل الخلاص سداً، ويسترع في شأنه الموجبات، ويستوعب الشهادات، حتى ننظر في حسم دائه، ونعالج المرض بدوائه؛ فليتول ما ذكرنا نائباً بأحسن المناب، ويقصد وجه الله راجياً منه جزيل الثواب، ويعمل عمل من لا يخاف في الله لومة لاشم ليجد ذلك في مواقف الحساب.
وعلى من يقف عليه من القواد والأشياخ والحكام أن يكونوا معه يداً واحدة على ما قررناه في هذه الفصول: من العمل المقبول والعدل المبذول؛ ومن قصر عن غاية من غاياته، أو خالف مقتضى من مقتضياته، فعقابه عقاب من عصى أمر الله وأمرنا فلا يلومن إلا نفسه التي غرته وإلى مصرع النكير جرته، والله المستعان.
وهذه نسخة ظهير بالإمرة على الجهاد، وهي: هذا ظهير كريم بلغ فيه الاختيار، الذي عضده الاختبار، إلى أقصى الغاية، وجمع له الوفاق، الذي خدمه البخت والاتفاق، والأهلية التي شهدت بها الآفاق، بين نجح الرأي ونصر الراية، وأنتجت به مقدمات الولاء نتيجة هذه الرتبة السامية العلاء والولاية، واستظهر من المعتمد به، على قصده الكريم في سبيل الله ومذهبه، بليث من ليوث أوليائه، شديد الوطأة على أعدائه والنكاية، وفرع من فروع الملك الأصيل معروف الأبوة والإباية، لتتضح حجة النصر العزيز والفتح المبين ذي القوة المتين محكمة الآية، وتدل بداية هذه الدولة الرافعة لمعالم الدين، المؤيدة في الأقوال والأفعال بمدد الروح الأمين، على شرف النهاية.
أصدر حكمته وأبرز حكمه، وقرر حده الماضي ورسمه، عبد الله، الغني بالله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر- عضد الله كتائبه وشد عضده، ويسر في الظهور على أعداء الله قصده- لوليه المستولي على ميادين حظوته وإيثاره، الفائز بالقدح المعلى من إجلاله وإكباره، ظهير استنصاره، وسيف جهاده المعد لصدق ضريبته ويوم افتخاره، ويعسوب قبائل الغزاة بأصقاعه الجهادية وأقطاره، الأمير أبي عبد الرحمن، ابن الأمير أبي علي، ابن السلطان أمير المسلمين أبي سعيد، ابن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق- وصل الله له أسباب سعده، وأنجز للمسلمين بمظاهرته إياه على الكافرين سابق وعده، لما وفد على بابه الكريم مؤثراً على ما كان بسبيله عن جواره، ملقياً بمحلة الجهاد عصا تسياره، مفضلاً ما عند الله على رحب أوطانه وأقطاره، شيمة من أسرع إلى خير الآخرة ببداره، قبل اكتمال هلاله وإبداره، وعلى انبعاث أمله وترامي هممه واستقامة مداره- قابل، أيده الله، وفادته بالقبول الممدوح، والصدر المشروح، والعناية العالية المظاهر والصروح، وجعل له الشرب المهني في مناهل الصنائع التي صنع الله لملكه والفتوح، ولم يدخر عنه تقريباً يقف الأولياء دون مداه، وترفيعاً تشهد به محافل الملك ومنتداه، إلى أن ظفرت بحقيقة الموالاة الكريمة يداه، ثم استظهر به على أعداء الله وعداه، فوفى النصح لله وأداه، وأضمره وأبداه، وتحلى بالبسالة والجلالة والطهارة، اللائقة بمنصب الإمارة في رواحه ومغداه، حتى اتفقت الأهواء على فضله وعفافه، وكمال أوصافه وظهرت عليه مخايل أسلافه. ثم رأى الآن - سدد الله رأيه، وشكر عن الإسلام والمسلمين سعيه- أن يوفد ركائب الاعتقاد الجميل على جنابه، ويفسح ميدان الاستظهار بحسن منابه، ويصل أسبابه بأسبابه، ويضاعف بولائه الصادق اهتمامه، ويقيمه في قود عساكره لجهاد البر مقامه، فأضفى ملابس وده عليه وجعله فاتح أبواب الجنة بفضل الله بين يديه، وأجراه مجرى عضده الذي تصدق عنه الضريبة في المجال، وسيفه الذي يفرج به مضايق الأهوال، ونصبه للقبائل الجهادية قبلة من مناصحة الله ومناصحة مشروعة، ورايةً سعيدةً في ظاهرة متبوعة، وعقد له الولاية الجهادية التي لا تعدل بولاية، ولاتوازن عناية المعتمد بها بعناية، يشهد بصراحة نسبها الدين، وتتحلى بحلي غرتها الميادين. فالجهاد في سبيل الله نحلة بني الأمة، ومن بعده الإيمة، ولاسيما في هذا القطر المتأكد فيه ذلك لأولي الدين والهمة.
فليتول ذلك تولي مثله وإن قل وجود مثله، جارياً على سنن مجده وفضله، سائراً من رضا الله على أضح سبله، معتمداً عليه في الأمر كله.
وليعلم أن الذي يخلق ما يشاء ويختار قد هيأ له من أمره رشداً، وسلك به طريقاً سدداً، واستعمله اليوم فيما يحظي غداً، وجعل حظه الذي عوضه نوراً وهدى، وأبعد له في الصالحات مدى- ولينظر فيما لديه من القبائل الموفورة، والجموع المؤيدة المنصورة، نظراً يزيح العلل، ويبلغ الأمل، ويرعى الهمل، ويحسن القول وينجح العمل، منبهاً على أهل الغناء والاستحقاق، مستدراً للعوائد والأرزاق، معرفاً بالغرباء الواردين من الآفاق، مطبقاً منهم للطباق، متغمداً للهفوات بحسن الأخلاق، مستجيداً للأسلحة والكراع، مبادراً هيعات الصريخ بالإسراع، مسترعياً للمشورة التي يقع الحكم فيها عن حصول الإجماع، رفيقاً بمن ضعف عن طول الباع، محتاطاً على الإسلام في مواقف الدفاع، مقدماً عند اتجاه الأطماع، صابراً في المضايق على القراع، متقدماً للأبطال بالاصطناع، مقابلاً نصائح أولي الخبرة بحسن الاستماع، مستعملاً في الحروب ماأجازه الشرع من وجوه الخداع حتى يكون عمله وفق شهرته البعيدة المطار، وسيرته فيما أسند إليه مثلاً في الأقطار، واستقامة التدبير على يديه ذريعةً إلى إرغام أنوف الكفار، بقوة الله وحوله وعزته وطوله.
وعلى الغزاة بالحضرة العلية، وسائر البلاد النصرية، ومن بني مرين وسائر القبائل المجاهدين، أن يعرفوا قدره، ويمتثلوا في مرضاتنا أمره، ويكونوا معه روحاً ويداً وجسداً، وساعداً وعضداً؛ فبذلك يشمله من الله ومن مقامنا الرضا والقبول، والعز الموصول، ويمضي في عدو الله النصول، ويتأتى على خير الدنيا والآخرة الحصول، إن شاء الله. ومن وقف عليه، فليعرف ما لديه، بحول الله تعالى.
وهذه نسخة ظهير بالتقدمة على الطبقة الأولى من المجاهدين، لولد السلطان، وهي: هذا ظهير كريم، فاتح بنشر الألوية والبنود، وقود العساكر والجنود، وأجال في ميدان الوجود، جياد البأس والجود، وأضفى ستر الحماية والوقاية بالتهائم والنجود، على الطائفين والعاكفين والركع السجود- عقد للمعتمد به عقد التشريف والقدر المنيف زاكي الشهود، وأوجب المنافسة بين مجالس السروج ومضاجع المهود، وبشر السيوف في الغمود، وأنشأ ريح النصر آمنة من الخمود، أمضى أحكامه، وأنهد العز أمامه، وفتح عن زهر السرور والحبور أكمامه، أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد فرج ين نصر- أيد الله أمره، وخلد ذكره- لكبير ولده، وسابق أمده، وريحانة خلده، وياقوتة الملك على يده، الأمير الكبير، الطاهر الظاهر، الأعلى، واسطة السلك، وهلال سماء الملك، ومصباح الظلم الحالك، ومظنة العناية الإلهية من مدبر الفلك ومجرى الفلك، عنوان سعده، وحسام نصره وعضده، وسمي جده، وسلالة فضله ومجده، السعيد المظفر، الهمام، الأعلى، الأمضى، العالم، العادل، العامل، الأرضى، المجاهد، المؤمل، المعظم، أبي الحجاج يوسف- ألبسه الله من رضاه عنه حلالاً لاتخلق جدتها الأيام، ولا تبلغ كنهها الأفهام؛ وبلغه في خدمة المبالغ التي يسر بها الإسلام، وتسبح في بحار صنائعها الأقلام، وحرس معاليه الباهرة بعينه التي لا تنام، وكنفه بركنه الذي لا يضام- فهو الفرع الذي جرى بخصله على أصله، وارتسم نصره في نصله، واستمل جده على فضله، وشهدت ألسن خلاله، برفعة جلاله، وظهرت دلائل سعادته، في بدء كل أمر وإعادته.
ولما صرف وجهه إلى ترشيحه لافتراع هضاب المجد البعيد المدى، وتوشيحه بالصبر والحلم والبأس والندى، وأرهف منه سيفاً من سيوف الله لضرب هام العدا، وأطلعه في سماء بدر هدى، لمن راح وغدا، وأخذه بالآداب التي تقيم من النفوس أودا، وتبذر في اليوم فتجنى غدا، ورقاه في رتب المعالي طوراً فطوراً، ترقي النبات ورقاً ونوراً؛ ليجده بحول الله يداً باطشةً على أعدائه ولساناً مجيباً عند ندائه، وطرازاً على حلة عليائه، وغماماً من غمائم آلائه، وكوكباً وهاجاً بسمائه، وعقد له لواء الجهاد على الكتيبة الأندلسية من جنده، قبل أن ينتقل من مهده، وظلله بجناح رايته، وهو على كتد دايته، واستركب جيش الإسلام ترحيباً بوفادته، وتنويهاً بمجادته، وأثبت في غرض الإمارة النصرية سهم سعادته- رأى أن يزيده من عنايته ضروباً وأجناساً، ويتبع أثره ناساً فناساً، قد اختلفوا لساناً ولباساً، واتفقوا ابتغاء لمرضاة الله والتماساً، ممن كرم انتماؤه، وازينت بالحسب الغر سماؤه، وعرف غناؤه، وتأسس على المجادة بناؤه، حتى لا يدع من العناية فناً إلا جلبه إليه، ولامقادة إلا جعلها في يديه، ولا حلة عز إلا أضفى ملابسها عليه.
وكان جيش الإسلام في هذه البلاد الأندلسية- أمن الله خلالها، وسكن زلزالها، وصدق في رحمة الله التي وسعت كل شيء آمالها- كلف همته، ومرعى أذمته، وميدان جياده، ومتعلق أمد جهاده، ومعراج إرادته، إلا تحصيل سعادته، وسبيل خلاله، إلا بلوغ كماله؛ فلم يدع له علة إلا أزاحها، ولا طلبة إلا أجال قداحها، ولا عزيمة إلا أورى اقتداحها، ولارغبة إلا فسح ساحها، آخذاً مروءته بالتهذيب، ومصافة بالترتيب، وآمله بالتقريب، وتأنيب المريب، مستنجزاً له وبه وعد النصر العزيز والفتح القريب، ورفع عنه لهذا العهد نظر من حكم الأغراض في حماته، واستشعر عن حسن الوساطة لهم بمصلحة ذاته، وجلب جباته وتثمير ماله وتوفير أقواته، ذاهباً أقصى مذاهب التعمير بأمد حياته؛ فانفرج الضيق، وخلص حسن نظره الطريق، وساغ الريق، ورضي الفريق.
رأى- والله الكفيل بنجح رأيه، وشكر سعيه، وصلة حفظه ورعيه- أن يحمد لهم اختياره، ويحسن لديهم آثاره، ويستنيب فيما بينه وبين سيوف جهاده، وأبطال جلاده، وحماة أحوازه، وآلات اعتزازه، من يجري مجرى نفسه النفيسة في كل معنى، ومن يكون له لفظة الولاية وله- أيده الله- المعنى، فقدمه على الجماعة الأولى كبرى الكتائب، ومقاد الجنائب، وأجمة الأبطال، ومزنة الودق الهطال، المشتملة من الغزاة على مشيخة آل يعقوب نسباء الملوك الودق الهطال، المشتملة من الغزاة على مشيخة آل يعقوب نسباء الملوك الكرام، وأعلام الإسلام، وسائر قبائل بني مرين، ليوث العرين، وغيرهم من أصناف القبائل، وأولي الوسائل، ليحوط جماعتهم، ويرفع بتفقده إضاعتهم، ويستخلص للهو لأبيه- أيده الإبرار، على فلك سعادة الأقدار، كواكبهم، تقديماً أشرق له وجه الدين الحنيف وتهلل، وأحس باقتراب ما أمل؛ فللخيل اختيال ومراح، وللأسل السمر اهتزاز وارتياح، وللصدور انشراح، وللأمل مغدى في فضل الله ومراح.
فليتول ذلك- أسعده الله- تولي مثله ممن أسرة الملك أسرته، وأسرة النبي صلى الله عليه وسلم أسرته، والملك الكريم أصل لفرعه، والنسب العربي مفخر لطيب طبعه، آخذاً إشرافهم بترفيع المجالس بنسبة أقدارهم، مقرباً حسن اللقاء بإيثارهم، شاكراً غناءهم، مستديماً ثناءهم، مستدراً لأرزاقهم، موجباً للمزية بحسب استحقاقهم، شافعاً لديه في رغباتهم المؤملة، ووسائلهم المتحملة، مسهلاً الإذن لوفودهم المتلاحقة، منفقاً لبضائعهم النافقة، مؤنساً لغربائهم، مستجلياً أحوال أهليهم وآبائهم، مميزاً بين أغفالهم ونبهائهم.
وعلى جماعتهم- رعى الله جهادهم، ووفر أعدادهم- أن يطيعوه في طاعة الله وطاعة أبيه، ويكونوا يداً واحدةً على دفاع أعادي الله وأعاديه، ويشدوا في المواقف الكريهة أزره، ويمتثلوا نهيه وأمره، حتى يعظم الانتفاع، ويثمر الدفاع، ويخلص القصد لله والمطاع؛ فلو وجد- أيده الله- غايةً في تشريفهم لبلغها، أو موهبةً لسوغها؛ لكن مابعد ولده العزيز عليه مذهب، ولا وراء مباشرتهم بنفسه مرغب؛ والله منجح الأعمال، ومبلغ الآمال، والكفيل بسعادة المآل.
فمن وقف على هذا الظهير الكريم فليعلم مقدار ما تضمنه من أمر مطاع، وفخر مستند إلى إجماع، ووجوب اتباع، وليكن خير مرعي لخير راع، بحول الله.
وأقطعه- أيده الله- ليكون بعض المدد لأزواد سفره، وسماط قفره، في جملة ما أولاه من نعمه، وسوغه من مواد كرمه- جميع القرية المنسوبة إلى عرب غسان: وهي المحلة الأثيرة، والمنزلة الشهيرة، تنطلق عليها أيدي خدامه ورجاله، جارية مجرى صالح ماله، محررة من كل وظيف لاستغلاله، إن شاء الله فهو المشتعان سبحانه، وكتب في كذا.
وهذه نسخة ظهير لمشيخة الغزاة بمدينة مالقة، وهو: هذا ظهير كريم أطلع الرضا والقبول صباحاً، وأنشد للعناية في جو الوجود، من بعد الركود، رياحاً، وأوسع العيون قوةًوإبصاراً والصدور انشراحاً، وهيأ للمعتمد به مغذى في السعادة ومراحاً، وهز منه سيفاً عتيقاً يفوق اختياراً ويروق التماحاً، وولاه رياسة الجهاد في القطر الذي تقدمت الولاية فيه لسلفه فنال عزاً شهيراً وازداد فخراً صراحاً، وكان له ذلك إلى أبواب السعادة مفتاحاً.
أمر به وأمضاه، وأوجب العمل بحسبه ومقتضاه، الأمير عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين، والمجاهد في سبيل رب العالمين، أبي الحجاج يوسف ابن مولانا أمير المسلمين، أبي الوليد اسماعيل بن فرج بن نصر- أيد الله أمره وأعز نصره، وأسعد زمانه وعصره- لوليه في الله الذي كساه مولاه من جميل اعتقاده حللاً، وأورده من عذب رضاه منهلاً، وعرفه عوارف قبوله مفصلاً خطابها ومجملاً، الشيخ أبي العلا، إدريس، ابن الشيخ أبي سعيد عثمان، بن أبي العلا، وصل الله أسباب سعادته، وحرس علي مجادته، وأجراه من ترفيع المكانة لديه على أحمد عادة سلفه وعادته.
ولما كان له القدر الجليل، والمجد الأثيل، والذكر الجميل، والفضائل التي كرم منها الإجمال والتفصيل، وأحرز قصب السبق بذاته وسلفه إذا ذكر المجد العريض الطويل، وكان قد أعمل الرحلة إليه يحدوه إلى خدمته التأميل، ويهوي به الحب الذي وضح منه السبيل، وعاق عنه الواقع الذي تبين فيه عذره الجميل، قابله بالقبول والإقبال، وفسح له ميدان الرضا رحب المجال، وصرف إليه وجه الاعتداد بمضائه رائق المجال، وصرف إليه وجه الاعتداد بمضائه رائق الجمال، سافراً عن بلوغ الآمال، وآواه من خدمته إلى ربوة متسعة الأرجاء وارفة الظلال، وقطع عنه الأطماع بمقتضى همته البعيدة المنال؛ ثم رأى- والله ينجح رأيه، ويشكر في سبيل الله عن الجهاد سعيه- أن يستظهر بمضائه، ويرسل عليه عوارف آلائه، ويعمر به رتب آبائه، فقدمه- أعلى الله قدمه، وشكرآلاءه ونعمه- شيخ الغزاة والمجاهدين، وكبير أولي الدفاع عن الدين؛ بمدينة مالقة حرسها الله أخت حضرة دار ملكه، وثانية الدرة الثمينة من سلكه، ودار سلفه وقرارة مجده، والأفق الذي تألق منه نور سعده، راجعاً إليه نظر القواعد الغربية رندة وركوان وما إليه رجوع الاستغلال والاستيراد، والعز الفسيح المجال البعيد الآماد، يقود جميعها إلى الجهاد، عاملاًعلى شاكلة مجده في الإصدار والإيراد، حتى يظهر على تلك الجهات المباركة آثار الحماية والبسالة، ويعود لها عهد المجادة والجلالة، وتتزين ملابس الإيالة. وهو يعمل في ذلك الأعمال التي تليق بالمجد الكريم، والحسب الصميم، حتى ينمو عدد الحماة، ويكف البأس أكف الغزاة ويعظم أثر الأبطال الكماة؛ وتظهر ثمرة الاختيار، ويشمل الأمن جميع الأقطار، وتنحسم عنه أطماع الكفار؛ وعلى من يقف عليه من الفرسان- وفر الله أعدادهم، وأعز جهادهم- أن يكونوا ممتثلين في الجهاد لأمره، عارفين بقدره، ممضين فيما ذكر لحكمه، واقفين عند حده ورسمه؛ وعلى من سواهم من الرعايا والخدام، والولاة والحكام، أن يعرفوا قدر هذا الاعتناء الواضح الأحكام، والبر المشرق القسام، فيعاملوه بمقتضى الإجلال والإكرام، والترفيع والإعظام، على هذا يعتمد وبحسبه يعمل، بحول الله وقوته.
الضرب الثاني: ما يكتب لأرباب الوظائف الدينية من أصحاب الأقلام:
وهذه نسخة ظهير بقضاء الجماعة بالحضرة، وهو: هذا ظهير كريم أنتج مطلوب الاختيار قياسه، ودل على ما يرضى الله عز وجل التماسه، وأطلع نور العناية يجلو الظلام نبراسه، واعتمد بمثابة العدل من عرف بافتراع هضبتها باس، وألقى بيد المعتمد به زمام الاعتقاد الجميل تروق أنواعه وأجناسه، وشيد مبنى العز الرفيع في قنة الحسب المنيع، وكيف لا والله بانيه والمجد أساسه.
أمر به، وأمضى العمل بمقتضاه وحسبه، أمير المسلمين أبو الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر- أيد الله أمره، وخلد فخره- لقاضي حضرته العلية، وخطيب حمرائه السنية، المخصوص لديه بترفيع المزية، المصروف إليه خطاب القضاة بإيالته النصرية، قاضي الجماعة، ومصرف الأحكام الشرعية المطاعة، الشيخ أبي الحسن أبن الشيخ أبي محمد بن الحسن وصل الله سعادته، وحرس مجادته، وسنى من فضله إرادته، عصب منه جبين المجد بتاج الولاية، وأجال قداح الاختيار حتى بلغ الغاية وتجاوز النهاية، فألقى منه بيمين عرابة الراية، وأحله منه محل اللفظ من المعنى والإعجاز من الآية، وحشر إلى مراعاة ترفيعه وجوه البر وأعيان العناية، وأنطق بتبجيله، ألسن أهل جيله، بين الإفصاح والكناية.
ولما كان له الحسب الذي شهدت به ورقات الدواوين، والأصالة التي قامت عليها صحاح البراهين، والأباء الذين اعتز بمضاء قضاتهم الدين، وطبق مفاصل الحكم بسيوفهم الحق المبين، وازدان بمجالسة وزرائهم السلاطين: فمن فارس حكم أو حكيم تدبير؛ أو قاضِ في الأمور الشرعية ووزير، أو جامع بينهما جمع سلامةِ لاجمع تكسير؛ تعدد ذلك واطرد، ووجد مشرع المجد عذباً فورد، وقصرت النظراء عن مداه فانفرد، وفرى الفرى في يد الشرع فأشبه السيف الفرند، وجاء في أعقابهم محيياً لما درس، بما حقق ودرس؛ جانياً لما بذر السلف المبارك واغترس، طاهر النشأة وقورها، محمود السجية مشكورها، متحلياً بالسكينة، حالاً من النزاهة بالمكانة المكينة، ساحباً أذيال الصون، بعيداً عن الاتصاف بالفساد من لدن الكون، فخطبته الخطط العليه، واغتبطت به المجادة الأولية، واستعملته دولته التي ترتاد أهل الفضائل للرتب، وتستظهر على المناصب بأبناء التقى والحسب، والفضل والمجد والأدب، ممن يجمع بين الطارف والتالد والإرث والمكتسب؛ فكان معدوداً من عدول قضاتها وصدور نبهائها، وأعيان وزرائها، وأولي آرائها.
فلمتا زان الله خلافته بالتمحيص، المتجلي عن التخصيص، وخلص ملكه الأصيل كالذهب الإبريز من بعد التخليص، كان ممن صحب ركابه الطالب للحق بسيف الحق، وسلك في مظاهرته أوضح الطرق، وجادل من حاده بأمضى من الحداد الذلق، واشتهر خبر وفائه بالغرب والشرق، وصلى به صلاة السفر والحضر، والأمن والحذر، وخطب به في الأماكن التي بعد بذكر الله عهدها، والحضر والأمن والحذر، وخطب به في الأماكن التي حمد قصدها، حتى استقل ملكه فوق سريره، وابتهج منه الإسلام بأميره وابن أميره، ونزل الستر على العباد والبلاد ببركة إيالته ويمن تدبيره، وكان الجليس المقرب المحل، والحظي المشاور في العقد والحل، والرسول المؤتمن على الأسرار، والأمين على الوظائف الكبار، مزين المجلس السلطاني بالوقار، ومتحف الملك بغريب الأخبار، وخطيب منبره العالي في الجمعات، وقاريء الحديث لديه في المجتمعات.
ثم رأى- أيده الله- أن يشرك رعيته في نفعه، ويصرف عوامل الحظوة إلى مزيد رفعه، ويجلسه مجلس الشراع صلوات الله وسلامه عليه لإيضاح شرعه، وأصله الوثيق وفرعه؛ وقدمه- أعلى الله قدمه، وشكر آلاءه ونعمه- قاضياً في الأمور الشرعية، وفاصلاً في القضايا الدينية، بحضرة غرناطة العلية حرسها الله تقديم الاختيار والانتقاء، وأبقى له فخر السلف على الخلف والله يمتعه بطول البقاء.
فليتول ذلك عادلاً في الحكم، مهتدياً بنور العلم، مسوياً بين الخصوم حتى في لحظة والتفاته، متصفاً من الحلم بأفضل صفاته، مهيباً بالدين، رؤوفاً بالمؤمنين، مسجلاً للحقوق، غير مبالٍ في رضا الخالق بسخط المخلوق، جزلاً في الأحكام، مجتهداً في الفصل بأمضى حسام، مراقباً لله عز وجل في النقض والإبرام، باراً بمشيخة أهل التوثيق، عادلاً إلى سعة الأقوال عند المضيق، سائراً من مشهور المذهب على أهدى طريق. وأوصاه بالمشورة التي نقدح زناد التوفيق، ويعلي الله بها الدرجات ويرفع، وإلا فهو عن الوصاة غني، وقصده قصد سني؛ والله عز وجل ولي إعانته، والكفيل بحفظه من الشبهات وصيانته.
وأمره- أيده الله- أن ينظر في الأحباس على اختلافها، والأوقاف على شتى أصنافها واليتامى التي انسدلت كفالة القضاة على ضعافها؛ فيذود عنها طوارق الخلل، ويجري أمورها بما يتكفل لها بالأمل.
وليعلم أن الله عز وجل يراه، وأن فلتات الحكم تعاوده المراجعة في أخراه، فيدرع جنة تقواه، فسبحان من يقول: (إن الهدى هدى الله) فعلى من يقف عليه أن يعرف حق هذا الإجلال، صائناً منصبه عن الإخلال، مبادراً أمره الواجب بالامتثال، بحول الله.
وكتب في الثالث من شهر الله المحرم فاتح عام أربعة وستين وسبعمائة؛ عرف الله فيه هذا المقام العلي عوارف النصر المبين والفتح القريب، بمنه وكرمه، فهو المستعان لا رب غيره.
وهذه نسخة ظهير بقضاء الجماعة بالحضرة أيضاً، وهو:
هذا ظهير كريم أعلى رتبة الاحتفاء والاحتفال اختياراً واختباراً، وأظهر معاني الكرامة والتخصيص انتقاءً واصطفاءً وإيثاراً، ورفع لواء الجلالة على من اشتمل عليها حقيقة واعتباراً، ورقى في درجات العز من طأولها علاء بهر أنواراً، وديناً كرم في الصالحات آثاراً، وزكا في الأصالة نجاراً، وخلوصاً إلى هذا المقام العلي السعيد راق إظهاراً وإضماراً، أمر به وأمضاه، وأنفذ العمل بحكمه ومقتضاه، فلان للشيخ القاضي، العدل، الأرضى، قاضي الجماعة وخطيب الحضرة العلية، المخصوص لدى المقام العلي بالحظوة السنية والمكانة الحفية، الفاضل، الحافل، الكامل، الموقر، المبرور أبي الحسن ابن الشيخ الفقيه، الوزير، الأجل، الأعز، الماجد، الأسنى، المرفع، الأحفل، الأصلح، المبارك، الأكمل، الموقر، المبرور، المرحوم أبي محمد بن الحسن- وصل الله عزته، ووالى رفعته ومبرته، ووهب له من صلة العناية الربانية أمله وبغيته- لما أصبح في صدور القضاة العلماء مشاراً إلى جلاله، مستنداً إلى معارفه المخصوصة بكماله، مطرزاً على الإفادة العلمية والأدبية بمحاسنه البديعة وخصاله، محفوفاً مقعد الحكم النبوي ببركة عدالته وفضل جلاله، وحل في هذه الحضرة العلية المحل الذي لايرقاه إلا عين الأعيان، ولايتبوء مهاده إلا مثله من أبناء المجد الثابت الأركان، وموالي العلم الواضح البرهان، والمبرزين بالمآثر العلية في الحسن والإحسان، وتصدر لقضاء الجماعة فصدرت عنه الأحكام الراجحة الميزان، والأنظار الحسنة الأثر والعيان، والمقاص التي وفت بالغاية التي لا تستطاع في هذا الميدان؛ فكم من قضية جلا بمعارفه مشكلها، ونازلةٍ مبهمة فيتح بإدراكه مقفلها، ومسألة مهملة عرف نكرتها وقرر مهملها، حتى قرت بعدالته وجزالته العيون، وصدقت فيه الآمال الناجحة والظنون، وكان في تصديره لهذه الولاية العظمى من الخير والخيرة ما عسى أن يكون- كان أحق بالتشفيع لولاياته وأولى، وأجدر بمضاعفة النعم التي لا تزال تترادف على قدرة الأعلى.
فلذلك أصدر له- أيده الله- هذا الظهير الكريم مشيراً بالترفيع والتنويه، ومؤكداً للإحتفاء الوجيه، وقدمه- أعلى الله قدمه، وشكر نعمه- خطيباً بالجامع الأعظم من حضرته- عمره الله بذكره- من علية الخطباء، وكبار العلماء، وخيار الفقهاء الصلحاء؛ فليتول ذلك من جمعاته، مظهراً في الخطبة أثر بركته وحسناته، عاملاً على ما يقربه عند الله من مرضاته، ويظفره بجزيل مثوباته، بحول الله وقوته.
الضرب الثالث: ما يكتب لأرباب الوظائف الديوانية:
وهذه نسخة ظهير بالقلم الأعلى المعبر عنه في بلادنا بكتابه السر، وهي: هذا ظهير كريم نصب للمعتمد به الإنافة الكبرى ببابه فرفعه، وأفرد له متلو العز جمعه ووتره وشفعه، وقربه في بساط الملك تقريباً أرغم به أنف عداه ووضعه، وفتح له باب السعادة وشرعه، وأعطاه لواء القلم الأعلى فوجب على من دون رتبته، من أولي صنعته، أن يتبعه، ورعى له وسيلته السابقة عند استخلاص الملك لما ابتزه الله من يد الغاصب وانتزعه؛ وحسبك من ذمام لا يحتاج إلى شيء معه.
أمر به الأمير فلان لفلان- وصل الله سعادته، وحرس مجادته- أطلع له وجه العناية أبهى من الصبح الوسيم، وأقطعه جناب الإنعام الجميم، وأنشقه أرج الحظوة عاطر النسيم، ونقله من كرسي التدريس والتعليم، إلى مرقى التنويه والتكريم، والرتبة التي لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وجعل أقلامه جياداً لإجالة أمره العلي وخطابه السني، في ميادين الأقاليم، ووضع في يده أمانة القلم الأعلى، جارياً من الطريقة المثلى على النهج القويم، واختصه بمزية الشفوف على كتاب بابه الكريم. لما كان ناهض الوكر في طلبة حضرته من البداية، ولم يزل تظهر عليه لأولي التمييز مخايل هذه العناية: فإن حضر حلق العلم جلى في حلبة الحفاظ إلى الغاية، وإن نظم أو نثر أتى بالقصائد المصقولة، والمخاطبات المنقولة، فاشتهر في بلده وغير بلده، وصارت أزمة العناية طوع يده، بما أوجب له المزية في يومه وغده.
وحين رد الله عليه ملكه الذي جبر به جناح الإسلام، وزين وجوه الليالي والأيام، وأدال الضياء من الظلام، وكان ممن وسمه الوفاء وشهره، وعجم الملك عود خلوصه وخبره، فحمد أثره، وشكر ظاهره ومضمره، واستصحب على ركابه الذي صحب اليمن سفره، وأخلصت الحقيقة نفره، وكفل الله ورده وصدره، ميمون النقيبة، حسن الضريبة، خالصاً في الأحوال المريبة، ناطقاً عن مقامه بالمخاطبات العجيبة، واصلاً إلى المعاني البعيدة بالعبارات القريبة، مبرزاً بالخدم الغريبة، حتى استقام العماد، ونطق بصدق الطاعة الحي والجماد، ودخلت في دين الله أفواجاً العباد والبلاد، لله الحمد على نعمه الثرة العهاد، وآلائه المتوالية الترداد، رعى له- أيده الله- هذه الوسائل وهو أحق من يرعاها، وشكر له الخدم المشكور مسعاها، فقصر عليه الرتبة الشماء التي خطبها بوفائه، وألبسه أثواب اعتنائه، وفسح له مجال آلائه، وقدمه- أعلى الله قدمه، وشكر نعمه- كاتب السر، وأمير النهي والأمر، تقديم الاختبار، والاغتباط بخدمته الحسنة الآثار، والتيمن باستخدامه قبل الحلول بدار الملك والاستقرار، وغير ذلك من موجبات الإيثار.
فليتول ذلك عارفاً بمقداره، مقتفياً لآثاره، مستعيناً بالكتم لإسراره، والإضطلاع بعظام أموره وكباره، متصفاً بما يجمل من أمانته وعفافه ووقاره، معطياً هذا الرسم حقه من الرياسة، عارفاً بأنه أكبر أركان السياسة، حتى يتأكد الاغتباط بتقريبه وإدنائه، وتتوفر أسباب الزيادة في إعلائه؛ وهو- إن شاء الله- غني عن الوصاة فهماً ثاقباً، وأدباً لعيون الكمال مراقباً، فهو يعمل في ذلك أقصى العمل، المتكفل ببلوغ الأمل.
وعلى من يقف عليه: من حملة الأقلام، والكتاب الأعلام، وغيرهم من الكافة والخدام، أن يعرفوا قدر هذه العناية الواضحة الأحكام، والتقديم الراسخ الأقدام؛ ويوجبوا من البر والإكرام، والإجلال والإعظام، بحول الله وقوته؛ وكتب في كذا.