.[ثَمَنُ الْفِدَاءِ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ فِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِلرّجُلِ إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَمَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ.
.إسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ فَقَالَ صَفْوَانُ وَاَللّهِ إنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ صَدَقَتْ وَاَللّهِ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمْ الضّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ فَإِنّ لِي قِبَلَهُمْ عِلّةً ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ قَالَ فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ وَقَالَ عَلَيّ دَيْنُك، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْك، وَعِيَالُك مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ فَاكْتُمْ شَأْنِي وَشَأْنَك، قَالَ أَفْعَلُ.
قَالَ ثُمّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ لَهُ وَسُمّ ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمْ اللّهُ بِهِ وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهِمْ إذْ نَظَرَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشّحًا السّيْف، فَقَالَ هَذَا الْكَلْبُ عَدُوّ اللّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ وَاَللّهِ مَا جَاءَ إلّا لِشَرّ وَهُوَ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ هَذَا عَدُوّ قَالَ فَأَدْخَلَهُ عَلَيّ قَالَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبّبَهُ بِهَا، وَقَالَ لِرِجَالٍ مِمّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ: اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ فَإِنّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ ثُمّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ قَالَ أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ اُدْنُ يَا عُمَيْرُ، فَدَنَا ثُمّ قَالَ انْعَمُوا صَبَاحًا، وَكَانَتْ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ بَيْنَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَكْرَمَنَا اللّهُ بِتَحِيّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيّتِك يَا عُمَيْرُ بِالسّلَامِ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَنّةِ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ قَالَ فَمَا جَاءَ بِك يَا عُمَيْرُ؟ قَالَ جِئْت لِهَذَا الْأَسِيرِ الّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ قَالَ فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك؟ قَالَ قَبّحَهَا اللّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ أَغْنَتْ عَنّا شَيْئًا؟ قَالَ اُصْدُقْنِي، مَا الّذِي جِئْتَ لَهُ؟ قَالَ مَا جِئْتُ إلّا لِذَلِك، قَالَ بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ قُلْت: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ قَالَ عُمَيْرٌ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ قَدْ كُنّا يَا رَسُولَ اللّهِ نُكَذّبُك بِمَا كُنْت تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْك مِنْ الْوَحْيِ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إلّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاك بِهِ إلّا اللّهُ فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ ثُمّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ. وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ فَفَعَلُوا.
ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللّهِ شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَقْدَمَ مَكّةَ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلّ اللّهَ يَهْدِيهِمْ كُنْت أُوذِي أَصْحَابَك فِي دِينِهِمْ؟ قَالَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَحِقَ بِمَكّةَ. وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، يَقُولُ أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيّامٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ حَتّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، أَوْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، قَدْ ذُكِرَ لِي أَحَدُهُمَا، الّذِي رَأَى إبْلِيسَ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ أَيْنَ أَيْ سُرَاقَةُ؟ وَمَثَلَ عَدُوّ اللّهِ فَذَهَبَ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ.
{وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ} فَذَكَرَ اسْتِدْرَاجَ إبْلِيسَ إيّاهُمْ وَتَشَبّهَهُ بِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَهُمْ حِينَ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فِي الْحَرْبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ. يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى:
{فَلَمّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} وَنَظَرَ عَدُوّ اللّهِ إلَى جُنُودِ اللّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَدْ أَيّدَ اللّهُ بِهِمْ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوّهِمْ
{نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} وَصَدَقَ عَدُوّ اللّهِ رَأَى مَا لَمْ يَرَوْا، وَقَالَ
{إِنّي أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} فَذُكِرَ لِي أَنّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي كُلّ مَنْزِلٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ لَا يُنْكِرُونَهُ حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَأَوْرَدَهُمْ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَكَصَ رَجَعَ. قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ:
نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ جِئْتُمْ ** تُزَجّونَ أَنْفَالَ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
.[شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ تَغْرِيرِ إبْلِيسَ بِقُرَيْشٍ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
قَوْمِي الّذِينَ هُمْ آوَوْا نَبِيّهُمْ ** وَصَدّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُفّارُ
إلّا خَصَائِصَ أَقْوَامٍ هُمْ سَلَفٌ ** لِلصّالِحِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ أَنْصَارُ
مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللّهِ قَوْلُهُمْ ** لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ
أَهْلًا وَسَهْلًا فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ ** نِعْمَ النّبِيّ وَنِعْمَ الْقَسْمُ وَالْجَارُ
فَأَنْزَلُوهُ بِدَارِ لَا يُخَافُ بِهَا ** مَنْ كَانَ جَارَهُمْ دَارًا هِيَ الدّارُ
وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَمْوَالَ إذْ قَدِمُوا ** مُهَاجِرِينَ وَقَسْمُ الْجَاحِدِ النّارُ
سِرْنَا وَسَارُوا إلَى بَدْرٍ لِحَيْنِهِمْ ** لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْعِلْمِ مَا سَارُوا
دَلّاهُمْ بِغُرُورٍ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ ** إنّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالَاهُ غَرّارُ
وَقَالَ إنّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ ** شَرّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْي وَالْعَارُ
ثُمّ الْتَقَيْنَا فَوَلّوْا عَنْ سَرَاتِهِمْ ** مِنْ مُنْجِدِينَ وَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ غَارُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْشَدَنِي قوله: لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ.
.الْمُطْعِمُونَ مِنْ قُرَيْشٍ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْمُطْعِمُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ. وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ: يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ.
.[نَسَبُ النّضْرِ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنَى جُمَحَ: أُمَيّةَ بْنَ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: نُبَيْهًا وَمُنَبّهًا ابْنَيْ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. وَمُنَبّهًا ابْنَيْ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: سُهَيْلَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ.
.أَسَمَاءُ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْخَيْلِ فَرَسُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ السّبَلُ وَفَرَسُ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بَعْزَجَةُ وَيُقَالُ سَبْحَةُ وَفَرَسُ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْيَعْسُوبُ.
.[خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ مِئَةُ فَرَسٍ.
.نُزُولُ سُورَةِ الْأَنْفَالِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْقَضَى أَمْرُ بَدْرٍ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَنْفَالَ بِأَسْرِهَا، فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي النّفَلِ حِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فَكَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ- فِيمَا بَلَغَنِي- إذَا سُئِلَ عَنْ الْأَنْفَالِ قَالَ فِينَا مَعْشَرَ أَهْلِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ فَانْتَزَعَهُ اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا حِينَ سَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَرَدّهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَسَمَهُ بَيْنَنَا السّوَاءِ- وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللّهِ وَطَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ.
.[مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مَعَ الرّسُولِ لِمُلَاقَاةِ قُرَيْشٍ]:
ثُمّ ذَكَرَ الْقَوْمَ وَمَسِيرَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ عَرَفَ الْقَوْمُ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ سَارُوا إلَيْهِمْ وَإِنّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ كَأَنّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} أَيْ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ، حِين ذُكِرُوا لَهُمْ
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أَنّ غَيْرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} أَيْ الْغَنِيمَةَ دُونَ الْحَرْبِ
{وَيُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} أَيّ بِالْوَقْعَةِ الّتِي أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ} أَيْ لِدُعَائِهِمْ حِينَ نَظَرُوا إلَى كَثْرَةِ عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ
{فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} بِدُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُعَائِكُمْ
{أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} {إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْكُمْ الْأَمَنَةَ حِينَ نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ
{وَيُنَزّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السّمَاءِ مَاءً} لِلْمَطَرِ الّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللّيْلَةَ فَحَبَسَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسْبِقُوا إلَى الْمَاءِ وَخَلّى سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ
{لِيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} أَيّ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ شَكّ الشّيْطَانِ لِتَخْوِيفِهِ إيّاهُمْ عَدُوّهُمْ وَاسْتِجْلَادِ الْأَرْضِ لَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَنْزِلِهِمْ الّذِي سَبَقُوا إلَيْهِ عَدُوّهُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسَاعَدَةِ وَالنّصْرِ وَتَحْرِيضِهِمْ]:
ثُمّ قَالَ تَعَالَى:
{إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا} {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ثُمّ قَالَ
{يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أَيْ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى عَدُوّهِمْ لِئَلّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذَا لَقُوهُمْ وَقَدْ وَعَدَهُمْ اللّهُ فِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي رَمْيِ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ]:
ثُمّ قَالَ تَعَالَى فِي رَمْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ حِينَ رَمَاهُمْ
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى} أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيَتِك، لَوْلَا الّذِي جَعَلَ اللّهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِك، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوّك مِنْهَا حِينَ هَزَمَهُمْ اللّهُ
{وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا} أَيْ لِيُعَرّفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي إظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقّهُ وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ.
.[مَا نَزَلَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ]:
ثُمّ قَالَ
{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} أَيْ لِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ: اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. وَالِاسْتِفْتَاحُ الْإِنْصَافُ فِي الدّعَاءِ. يَقُولُ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ
{وَإِنْ تَنْتَهُوا} أَيْ لِقُرَيْشِ
{فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} أَيْ بِمِثْلِ الْوَقْعَةِ الّتِي أَصَبْنَاكُمْ بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ
{وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ أَنّ عَدَدَكُمْ وَكَثْرَتَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَإِنّي مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْصُرهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي حَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَاعَةِ الرّسُولِ]:
ثُمّ قَالَ تَعَالَى
{يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} أَيْ لَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ وَتَزْعُمُونَ أَنّكُمْ مِنْهُ
{وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} أَيْ كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ لَهُ الطّاعَةَ وَيُسِرّونَ لَهُ الْمَعْصِيَةَ
{إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} أَيْ الْمُنَافِقُونَ الّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ بُكْمٌ عَنْ الْخَيْرِ صُمّ عَنْ الْحَقّ لَا يَعْقِلُونَ لَا يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ النّقْمَةِ وَالتّبَاعَةِ
{وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} أَيْ لَأَنْفَذَ لَهُمْ قَوْلَهُمْ الّذِي قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَكِنّ الْقُلُوبَ خَالَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُمْ
{وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} مَا وَفَوْا لَكُمْ بِشَيْءٍ مِمّا خَرَجُوا عَلَيْهِ.
{يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} أَيْ لِلْحَرْبِ الّتِي أَعَزّكُمْ اللّهُ بِهَا بَعْدَ الذّلّ وَقَوّاكُمْ بِهَا بَعْدَ الضّعْفِ وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ مِنْهُمْ لَكُمْ
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ لَا تُظْهِرُوا لَهُ مِنْ الْحَقّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ ثُمّ تُخَالِفُوهُ فِي السّرّ إلَى غَيْرِهِ فَإِنّ ذَلِكَ هَلَاكٌ لِأَمَانَاتِكُمْ وَخِيَانَةٌ لِأَنْفُسِكُمْ.
{يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} أَيْ فَصْلًا بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ لِيُظْهِرَ اللّهُ بِهِ حَقّكُمْ وَيُطْفِئَ بِهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللّهِ عَلَى الرّسُولِ]:
ثُمّ ذَكّرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ حِينَ مَكَرَ بِهِ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} أَيْ فَمَكَرْتُ بِهِمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ حَتّى خَلّصْتُك مِنْهُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي غِرّةِ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ]:
ثُمّ ذَكَرَ غِرّةَ قُرَيْشٍ قَالُوا:
{اللّهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدِكَ} أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ
{فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السّمَاءِ} كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ
{أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أَيْ بَعْضِ مَا عَذّبْت بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا، وَكَانُوا يَقُولُونَ إنّ اللّهَ لَا يُعَذّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُهُ وَلَمْ يُعَذّبْ أُمّةً وَنَبِيّهَا مَعَهَا حَتّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا. وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَذْكُرُ جَهَالَتَهُمْ وَغِرّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حِينَ نَعَى سُوءَ أَعْمَالِهِمْ
{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أَيْ لِقَوْلِهِمْ إنّا نَسْتَغْفِرُ وَمُحَمّدٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، ثُمّ قَالَ
{وَمَا لَهُمْ أَلّا يُعَذّبَهُمُ اللّهُ} وَإِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا يَقُولُونَ
{وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ وَعَبْدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ اتّبَعَك،
{وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلّا الْمُتّقُونَ} الّذِينَ يُحَرّمُونَ حُرْمَتَهُ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ عِنْدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ آمَنَ بِك
{وَلَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ} الّتِي يَزْعُمُونَ أَنّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْهُمْ
{إِلّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُكَاءُ الصّفِيرُ. وَالتّصْدِيَةُ التّصْفِيقُ. قَالَ عَنْتَرَةُ بْنُ عَمْرٍو ابْنُ شَدّادٍ الْعَبْسِيّ:
وَلَرُبّ قِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ مُجَدّلًا ** تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الْأَعْلَمِ
يَعْنِي: صَوْتَ خُرُوجِ الدّمِ مِنْ الطّعْنَةِ كَأَنّهُ الصّفِيرُ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ:
لَهَا كُلّمَا رِيعَتْ صَدَاةٌ وَرَكْدَةٌ ** بِمُصْدَانَ أَعْلَى ابْنَيْ شَمَامِ الْبَوَائِنِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. يَعْنِي الْأُرْوِيّةَ يَقُولُ إذَا فَزِعَتْ قَرَعَتْ بِيَدِهَا الصّفَاةَ ثُمّ رَكَدَتْ تَسْمَعُ صَدَى قَرْعِهَا بِيَدِهَا الصّفَاةَ مِثْلُ التّصْفِيقِ. وَالْمُصْدَانَ الْحِرْزُ. وَابْنَا شَمَامِ جَبَلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَلِكَ مَا لَا يُرْضِي اللّهَ عَزّ وَجَلّ وَلَا يُحِبّهُ وَلَا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ
{فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أَيْ لِمَا أَوْقَعَ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْقَتْلِ.
.[الْمُدّةُ بَيْنَ يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ وَبَدْرٌ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ بَيْنَ نُزُولِ
{يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ} وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى فِيهَا:
{وَذَرْنِي وَالْمُكَذّبِينَ أُولِي النّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلًا إِنّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} إلّا يَسِيرٌ حَتّى أَصَابَ اللّهُ قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَنْكَالُ الْقُيُودُ وَاحِدُهَا: نِكْلٌ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: يَكْفِيك نِكْلِي بَغْيَ كُلّ نِكْلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ.
.[مَا نَزَلَ فِيمَنْ عَاوَنُوا أَبَا سُفْيَانَ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
{إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ} يَعْنِي النّفَرَ الّذِينَ مَشَوْا إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تِلْكَ التّجَارَةِ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُقَوّوهُمْ بِهَا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَعَلُوا. قَالَ
{قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا} لِحَرْبِك
{فَقَدْ مَضَتْ سُنّةُ الْأَوّلِينَ} أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ.
.[الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْكُفّارِ]:
ثُمّ قَالَ تَعَالَى
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ} أَيْ حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ وَيَكُونَ التّوْحِيدُ لِلّهِ خَالِصًا لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ وَيُخْلَعَ مَا دُونَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ
{فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلّوْا} عَنْ أَمْرِك إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ
{فَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَوْلَاكُمْ} الّذِي أَعَزّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِكُمْ
{نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النّصِيرُ}.[مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْفَيْءِ]:
ثُمّ أَعْلَمَهُمْ مَقَاسِمَ الْفَيْءِ وَحُكْمَهُ فِيهِ حِينَ أَحَلّهُ لَهُمْ فَقَالَ
{وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ يَوْمَ فَرّقْتُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ بِقُدْرَتِي يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ
{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا} مِنْ الْوَادِي
{وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} مِنْ الْوَادِي إلَى مَكّةَ
{وَالرّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} أَيْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ الّتِي خَرَجْتُمْ لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا عَنْ غَيْرِ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ
{وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ثُمّ بَلَغَكُمْ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ وَقِلّةُ عَدَدِكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ
{وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} أَيْ لِيَقْضِيَ مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَنْ غَيْرِ بَلَاءٍ مِنْكُمْ فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ ثُمّ قَالَ
{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} كَفَرَ بَعْدَ الْحُجّةِ لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَةِ وَالْعِبْرَةِ وَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْلِ ذلك.
.[مَا نَزَلَ فِي لُطْفِ اللّهِ بِالرّسُولِ]:
ثُمّ ذَكَرَ لُطْفَهُ بِهِ وَكَيْدَهُ لَهُ ثُمّ قَالَ
{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنّ اللّهَ سَلّمَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ} فَكَانَ مَا أَرَاك مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ شَجّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوّهِمْ وَكَفّ بِهَا عَنْهُمْ مَا تُخُوّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَعْفِهِمْ لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُخُوّفَ مُبَدّلَةٌ مِنْ كَلِمَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمْ أَذْكُرْهَا
{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} أَيْ لِيُؤَلّفَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ لِلنّقْمَةِ مِمّنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ وَالْإِنْعَامَ عَلَى مَنْ أَرَادَ إتْمَامَ النّعْمَةِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ.
.[مَا نَزَلَ فِي وَعْظِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الْحَرْبِ]:
ثُمّ وَعَظَهُمْ وَفَهّمَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ الّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا بِهِ فِي حَرْبِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى:
{يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً} تُقَاتِلُونَهُمْ فِي سَبِيل اللّهِ عَزّ وَجَلّ
{فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا} الّذِي لَهُ بَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَالْوَفَاءَ لَهُ بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتِكُمْ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ.
{وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرّقَ أَمْرُكُمْ
{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أَيْ وَتَذْهَبَ حِدّتُكُمْ
{وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ} أَيْ إنّي مَعَكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ
{وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ} أَيْ لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ الّذِينَ قَالُوا: لَا نَرْجِعُ حَتّى نَأْتِيَ بَدْرًا فَنَنْحَرَ بِهَا الْعَرَبُ: أَيْ لَا يَكُونُ أَمْرُكُمْ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا الْتِمَاسَ مَا عِنْدَ النّاسِ وَأَخْلِصُوا لِلّهِ النّيّةَ وَالْحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ وَمُوَازَرَةِ نَبِيّكُمْ لَا تَعْمَلُوا إلّا لِذَلِك وَلَا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى:
{وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ} قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ ذَكَرَ اللّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ وَأَخْبَرَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُمْ حَتّى انْتَهَى إلَى أَنْ قَالَ
{فَإِمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ} أَيْ فَنَكّلْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلّهُمْ يَعْقِلُونَ
{وَأَعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} أَيْ لَا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَعَاجِلٌ خِلَفَهُ فِي الدّنْيَا ثُمّ قَالَ تَعَالَى:
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} أَيْ إنْ دَعَوْك إلَى السّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ
{وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ} إنّ اللّهَ كَافِيك
{إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ}