فصل: (حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا الرّسُولُ):

صباحاً 7 :8
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مُقَامٍ وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ وَأَلّا يَخْرَجَ إلَيْهِمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ أَكْرَمَ اللّهُ بِالشّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ مِمّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا، لَا يَرَوْنَ أَنّا جَبُنّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَخْرُجْ إلَيْهِمْ فَوَاَللّهِ مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلَى عَدُوّ لَنَا قَطّ إلّا أَصَابَ مِنّا، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلّا أَصَبْنَا مِنْهُ فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مَحْبِسٍ وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ وَرَمَاهُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ كَمَا جَاءُوا. فَلَمْ يَزَلْ النّاسُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبّ لِقَاءِ الْقَوْمِ حَتّى دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَهُ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ. وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي النّجّار ِ فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ نَدِمَ النّاسُ وَقَالُوا: اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ. فَلَمّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَكْرَهْنَاك وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صَلّى اللّهُ عَلَيْك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ إذَا لَبِسَ لَأَمْته أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يُقَاتِلَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ.

.[انْخِذَالُ الْمُنَافِقِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى إذَا كَانُوا بِالشّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ بِثُلُثِ النّاسِ وَقَالَ أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ فَرَجَعَ بِمَنْ اتّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ وَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ يَقُولُ يَا قَوْمِ أُذَكّرُكُمْ اللّهَ أَلّا تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ فَقَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِنّا لَا نَرَى أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ. قَالَ فَلَمّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ قَالَ أَبْعَدَكُمْ اللّهُ أَعْدَاءَ اللّهِ فَسَيُغْنِي اللّهُ عَنْكُمْ نَبِيّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ غَيْرُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزّهْرِيّ: أَنّ الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ؟ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ.

.[حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا الرّسُولُ]:

قَالَ زِيَادٌ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى سَلَكَ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ، فَذَبّ فَرَسُ بِذَنَبِهِ فَأَصَابَ كَلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ كِلَابُ سَيْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يُحِبّ الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ لِصَاحِبِ السّيْفِ شِمْ سَيْفَك، فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ.

.[مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ الْمُسْلِمُونَ حَائِطَهُ]:

قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ أَيْ مِنْ قُرْبٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرّ بِنَا عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ، وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ حَتّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَمّا سَمِعَ حِسّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَامَ يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ وَيَقُولُ إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللّهِ فَإِنّي لَا أُحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَك يَا مُحَمّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا وَجْهَك. فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ، أَعْمَى الْبَصَرِ وَقَدْ بَدَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ فَشَجّهُ.

.[نُزُولُ الرّسُولِ بِالشّعْبِ وَتَعْبِيَتُهُ لِلْقِتَالِ]:

قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ الشّعْبَ مِنْ أُحُدٍ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي إلَى الْجَبَلِ فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إلَى أُحُدٍ، وَقَالَ لَا يُقَاتِلُنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَتّى نَأْمُرُهُ بِالْقِتَالِ وَقَدْ سَرّحَتْ قُرَيْشٌ الظّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصّمْغَةِ مِنْ قَنَاةِ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْقِتَالِ أَتُرْعَى زُرُوعُ بَنِي قَيْلَةَ وَلِمَا نُضَارِبُ وَتُعَبّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِ مِئَةِ رَجُلٍ وَأَمّرَ عَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مُعْلَمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيَابِ بِيضٍ وَالرّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقَالَ انْضَحْ الْخَيْلَ عَنّا بِالنّبْلِ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، فَاثْبُتْ مَكَانَك لَا نُؤْتَيَنّ مِنْ قِبَلِكِ وَظَاهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ.

.[مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَجَازَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيّ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ قَدْ رَدّهُمَا، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ رَافِعًا رَامٍ، فَأَجَازَهُ فَلَمّا أَجَازَ رَافِعًا، قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا، فَأَجَازَهُ وَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْد ٍ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَة، وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَةَ ثُمّ أَجَازَهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ وَمَعَهُمْ مِئَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ.

.[أَمْرُ أَبِي دُجَانَةَ]:

وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ حَتّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ وَمَا حَقّهُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ أَنْ تضْرَبَ بِهِ الْعَدُوّ حَتّى يَنْحَنِيَ قَالَ أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ وَكَانَ إذَا أَعُلِمَ بِعِصَابَةِ لَهُ حَمْرَاءَ، فَاعْتَصَبَ بِهَا عَلِمَ النّاسُ أَنّهُ سَيُقَاتِلُ فَلَمّا أَخَذَ السّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصّفّيْنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَسْلَمَ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ إنّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللّهُ إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ.

.[أَمْرُ أَبِي عَامِرٍ الْفَاسِق]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ أَبَا عَامِرٍ عَبْدَ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ وَقَدْ كَانَ خَرَجَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنْ الْأَوْسِ، وَبَعْضُ النّاسِ كَانَ يَقُولُ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ كَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانُ أَهْلِ مَكّةَ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ، أَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالُوا: فَلَا أَنْعَمَ اللّهُ بِك عَيْنًا يَا فَاسِقُ- وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يُسَمّى فِي الْجَاهِلِيّةِ الرّاهِبَ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَاسِقَ- فَلَمّا سَمِعَ رَدّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرّ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمّ رَاضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ.

.[أُسْلُوبُ أَبِي سُفْيَانَ فِي تَحْرِيضِ قُرَيْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ اللّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُحَرّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ يَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ إنّكُمْ قَدْ وَلّيْتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَإِنّمَا يُؤْتَى النّاسُ مِنْ قِبَلِ رَايَاتِهِمْ إذَا زَالَتْ زَالُوا، فَإِمّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا، وَإِمّا أَنْ تُخَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ فَهَمّوا بِهِ وَتُوَاعَدُوهُ وَقَالُوا: نَحْنُ نُسْلِمُ إلَيْك لِوَاءَنَا، سَتَعْلَمُ غَدًا إذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَع وَذَلِكَ أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ.

.[تَحْرِيضُ هِنْدَ وَالنّسْوَةِ مَعَهَا]:

فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة فِي النّسْوَةِ اللّاتِي مَعَهَا، وَأَخَذْنَ الدّفُوفَ يَضْرِبْنَ بِهَا خَلَفَ الرّجَالِ وَيُحَرّضْنَهُمْ فَقَالَتْ هِنْدُ فِيمَا تَقُولُ:
وَيْهَا بَنِي عَبْدِ الدّارْ ** وَيْهَا حُمَاةَ الْأَدْبَارْ

ضَرْبًا بِكُلّ بَتّارْ وَتَقُولُ:
إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ** وَنَفْرِشُ النّمَارِقْ

أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ ** فِرَاقَ غَيْرَ وَامِقْ

.[شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ]:

وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَمِتْ أَمِتْ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.

.[تَمَامُ قِصّةِ أَبِي دُجَانَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاقْتَتَلَ النّاسُ حَتّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتّى أَمْعَنَ فِي النّاسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ قَالَ وَجِدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْفَ فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ وَقُلْت: أَنَا ابْنُ صَفِيّةَ عَمّتَهِ، وَمِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ فَسَأَلْته إيّاهُ قَبْلَهُ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَتَرَكَنِي، وَاَللّهِ لَأَنْظُرَنّ مَا يَصْنَعُ فَاتّبَعَتْهُ فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَخْرِجْ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا تَعَصّبَ بِهَا فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا الّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ** وَنَحْنُ بِالسّفْحِ لَدَى النّخِيلِ

أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ ** أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللّهِ وَالرّسُولِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى فِي الْكُبُول. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا قَتَلَهُ. وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلّا ذَفّفَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ. فَدَعَوْتُ اللّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَالْتَقَيَا، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ فَاتّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ فَعَضّتْ بِسَيْفِهِ وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ ثُمّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة، ثُمّ عَدَلَ السّيْفَ عَنْهَا. قَالَ الزّبِيرُ فَقُلْتُ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ: رَأَيْت إنْسَانًا يَخْمُشُ النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا، فَصَمَدْتُ لَهُ فَلَمّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السّيْفَ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ فَأَكْرَمْت سَيْفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً.

.[مَقْتَلُ حَمْزَةَ]:

وَقَاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَتّى قَتَلَ أَرْطَاةَ بْنَ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَكَانَ أَحَدَ النّفَرِ الّذِينَ يَحْمِلُونَ اللّوَاءَ ثُمّ مَرّ بِهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْغُبْشَانِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي نِيَارٍ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ- وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَنْمَارٍ مَوْلَاةُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَرِيقُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ. وَكَانَتْ خَتّانَةً بِمَكّةَ- فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ. قَالَ وَحْشِيّ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى حَمْزَةَ يَهُدّ بِسَيْفِهِ مَا يُلِيقُ بِهِ شَيْئًا، مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَكَأَنّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَأَقْبَلَ نَحْوِي، فَغُلِبَ فَوَقَعَ وَأَمْهَلْتُهُ حَتّى إذَا مَاتَ جِئْت فَأَخَذْت حَرْبَتِي، ثُمّ تَنَحّيْت إلَى الْعَسْكَرِ وَلَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حَاجَةٌ غَيْرَهُ.

.[وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمّيّةَ الضّمْرِيّ قَالَ خُرِجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَدْرَبْنَا مَعَ النّاسِ فَلَمّا قَفَلْنَا مَرَرْنَا بِحِمْصَ- وَكَانَ وَحْشِيّ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَدْ سَكَنَهَا، وَأَقَامَ بِهَا- فَلَمّا قَدِمْنَاهَا، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ هَلْ لَك فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيّا فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ؟ قَالَ قُلْت لَهُ إنْ شِئْتَ. فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيّا، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بِهِ فَانْصَرَفَا وَدَعَاهُ قَالَ فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتّى جِئْنَاهُ فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ دَارِهِ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ الْبُغَاثِ.- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبُغَاثُ ضَرْبٌ مِنْ الطّيْرِ إلَى السّوَادِ- فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ سَلّمْنَا عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ فَقَالَ ابْنٌ لِعَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ الّتِي أَرْضَعَتْك بِذِي طُوًى، فَإِنّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَأَخَذَتْك بِعُرْضَيْك، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاك حِينَ رَفَعْتُك إلَيْهَا، فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيّ فَعَرَفْتُهُمَا. قَالَ فَجَلَسْنَا إلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ جِئْنَاك لِتُحَدّثَنَا عَنْ قَتْلِك حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ أَمَا إنّي سَأُحَدّثُكُمَا كَمَا حَدّثْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَكَانَ عَمّهُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النّاسِ وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلّمَا أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا؛ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصّرُهُ حَتّى رَأَيْته فِي عُرْضِ النّاسِ مِثْلَ الْجَمْلِ الْأَوْرَقِ يَهُدّ النّاسَ بِسَيْفِهِ هَدّا، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَتَهَيّأُ لَهُ أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةِ أَوْ حَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنّي إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، فَلَمّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ. قَالَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنّ مَا أَخَطَأ رَأْسَهُ. قَالَ وَهَزّزَتْ وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي، فَغُلِبَ وَتَرَكْتُهُ وَإِيّاهَا حَتّى مَاتَ ثُمّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمّ رَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ فَقَعَدْتُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ وَإِنّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ. فَلَمّا قَدِمْت مَكّةَ أُعْتِقْت، ثُمّ أَقَمْتُ حَتّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ هَرَبْتُ إلَى الطّائِفِ، فَمَكَثْت بِهَا، فَلَمّا خَرَجَ وَفْدُ الطّائِفِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْلِمُوا تَعَيّتْ عَلَيّ الْمَذَاهِبُ فَقُلْت: أَلْحَقُ بِالشّأْم ِ أَوْ الْيَمَنِ، أَوْ بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمّي، إذْ قَالَ لِي رَجُلٌ وَيْحَك إنّهُ وَاَللّهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنْ النّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَتَهُ.

.[وَحْشِيّ بَيْنَ يَدَيْ الرّسُولِ يُسْلِمُ]:

فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ خَرَجْتُ حَتّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلّا بِي قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَتَشَهّدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَوَحْشِيّ؟ قُلْت: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ اُقْعُدْ فَحَدّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قَالَ فَحَدّثْته كَمَا حَدّثْتُكُمَا، فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ وَيْحَك غَيّبْ عَنّي وَجْهَك، فَلَا أُرَيَنّك. قَالَ فَكُنْتُ أَتَنَكّبُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلّا يَرَانِي، حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.[قَتْلُ وَحْشِيّ لَمُسَيْلِمَةَ]:

فَلَمّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْت مَعَهُمْ وَأَخَذْت حَرْبَتِي الّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ رَأَيْت مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابَ قَائِمًا فِي يَدِهِ السّيْفَ وَمَا أَعْرِفُهُ فَتَهَيّأْتُ لَهُ وَتَهَيّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ النّاحِيَةِ الْأُخْرَى، كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ وَشَدّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ كُنْت قَتَلْته، فَقَدْ قَتَلْت خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَتَلْت شَرّ النّاسِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْيَمَامَةَ، قَالَ سَمِعْت يَوْمئِذٍ صَارِخًا يَقُولُ: قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ.

.[خَلْعُ وَحْشِيّ مِنْ الدّيوَانِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنّ وَحْشِيّا لَمْ يَزَلْ يُحَدّ فِي الْخَمْرِ حَتّى خُلِعَ مِنْ الدّيوَانِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ قَدْ عَلِمْتُ أَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ.

.[مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ وَكَانَ الّذِي قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللّيْثِيّ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ قَتَلْتُ مُحَمّدًا. فَلَمّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّوَاءَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَاتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيّ، قَالَ لَمّا اشْتَدّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ، جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ أَنْ قَدّمَ الرّايَة فَتَقَدّمَ عَلِيّ، فَقَالَ أَنَا أَبُو الْفُصَمِ وَيُقَالُ أَبُو الْقُصَمِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ هَلْ لَك يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبِرَازِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ. فَبَرَزَا بَيْن الصّفّيْنِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَصَرَعَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُجْهَزْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ أَفَلَا أُجْهِزْت عَلَيْهِ؟ فَقَالَ إنّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ، فَعَطَفَتْنِي عَنْهُ الرّحِمُ وَعَرَفْتُ أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ قَتَلَهُ. وَيُقَالُ إنّ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ الصّفّيْنِ فَنَادَى: أَنَا قَاصِمٌ مَنْ يُبَارِزُ بِرَازًا، فَلَمْ يَخْرَجْ إلَيْهِ أَحَدٌ. فَقَالَ يَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ زَعَمْتُمْ أَنّ قَتْلَاكُمْ فِي الْجَنّةِ وَأَنّ قَتْلَانَا فِي النّارِ كَذَبْتُمْ وَاَللّاتِي لَوْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ حَقّا لَخَرَجَ إلَيّ بَعْضُكُمْ فَخَرَجَ إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ.

.[شَأْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ]:

وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ بْنَ طَلْحَةَ، كِلَاهُمَا يَشْعُرُهُ سَهْمًا، فَيَأْتِي أُمّهُ سُلَافَةَ فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا فَتَقُولُ يَا بُنَيّ مَنْ أَصَابَك؟ فَيَقُولُ سَمِعْتُ رَجُلًا حِينَ رَمَانِي وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ. فَنَذَرْتُ إنْ أَمْكَنَهَا اللّهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تُشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا، وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ:
إنّ عَلَى أَهْلِ اللّوَاءِ حَقّا ** أَنْ يَخْضِبُوا الصّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقّا

فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ.

.[حَنْظَلَةُ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ]:

حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ فَلَمّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رَآهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ ابْنُ شَعُوبٍ قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ. فَضَرَبَهُ شَدّادٌ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ صَاحِبَكُمْ يَعْنِي حَنْظَلَةَ لَتُغَسّلَهُ الْمَلَائِكَةُ. فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ عَنْهُ. فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ.- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْهَائِعَةُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ خَيْرُ النّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ كُلّمَا سَمِعَ هَيْعَةَ طَارَ إلَيْهَا قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ، وَالطّرِمّاحُ الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ-:
أَنَا ابْنُ حُمَاةَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ** إذَا جَعَلَتْ خُورُ الرّجَالِ تَهِيعُ

وَالْهَيْعَةُ الصّيْحَةُ الّتِي فِيهَا الْفَزَعُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِذَلِكَ غَسّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ.

.[شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ حَنْظَلَةَ:
لَأَحْمِيَنّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ** بِطَعْنَةِ مِثْلِ شُعَاعِ الشّمْسِ

وَقَال أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ صَبْرَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمُعَاوَنَةَ ابْنِ شَعُوبٍ إيّاهُ عَلَى حَنْظَلَةَ:
وَلَوْ شِئْتُ نَجّتْنِي كُمَيْتٌ طِمرّة ** وَلَمْ أَحْمِلْ النّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ

وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ** لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتّى دَنَتْ لِغُرُوبِ

أُقَاتِلُهُمْ وَأَدّعِي يَا لَغَالِبٍ ** وَأَدْفَعُهُمْ عَنّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ

فَبَكّي وَلَا تَرْعَى مَقَالَةَ عَاذِلٍ ** وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ وَنَحِيبِ

أَبَاكِ وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا ** وَحُقّ لَهُمْ مِنْ عَبْرَةٍ بِنَصِيبِ

وَسَلّى الّذِي قَدْ كَانَ فِي النّفْسِ أَنّنِي ** قَتَلْتُ مِنْ النّجّار كُلّ نَجِيبِ

وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا ** وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ غَيْرُ هَيُوبِ

وَلَوْ أَنّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمْ ** لَكَانَتْ شَجًا فِي الْقَلْبِ ذَاتَ نُدُوبِ

فَآبَوْا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمْ ** بِهِمْ خَدَبٌ مِنْ مُعْطِبٍ وَكَئِيبِ

أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ** كِفَاءً وَلَا فِي خُطّةٍ بِضَرِيبِ

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ]:

فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ؟ فَقَالَ:
ذَكَرْتَ الْقُرُومَ الصّيْدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ** وَلَسْتَ لِزُورٍ قُلْتَهُ بِمُصِيبِ

أَتَعْجَبُ أَنْ أَقَصَدْت حَمْزَةَ مِنْهُمْ ** نَجِيبًا وَقَدْ سَمّيْتَهُ بِنَجِيبِ

أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمْرًا وَعُتْبَة وَابْنَهُ ** وَشَيْبَةَ وَالْحَجّاجَ وَابْنَ حَبِيبِ

غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيّا فَرَاعَهُ ** بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلّهُ بِخَضِيبِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ يَذْكُرُ يَدَهُ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ فِيمَا دَفَعَ عَنْهُ فَقَالَ:
وَلَوْلَا دِفَاعِي يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَشْهَدِي ** لَأُلْفِيَتْ يَوْمَ النّعْفِ غَيْرَ مُجِيبِ

وَلَوْلَا مَكَرّي الْمُهْرَ بِالنّعْفِ قَرْقَرَتْ ** ضِبَاعٌ عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

.[شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يُجِيبُ أَبَا سُفْيَانَ:
جَزَيْتهمْ يَوْمًا بِبَدْرٍ كَمِثْلِهِ ** عَلَى سَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ وَشَبِيبِ

لَدَى صَحْنِ بَدْرٍ أَوْ أَقَمْت نَوَائِحًا ** عَلَيْك وَلَمْ تَحْفِلْ مُصَابَ حَبِيبِ

وَإِنّك لَوْ عَايَنْتَ مَا كَانَ مِنْهُمْ ** لَأُبْتَ بِقَلْبِ مَا بَقِيتُ نَخِيبُ

قَالَ ابْن هِشَام: وَإِنّمَا أَجَابَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَبَا سُفْيَانَ لِأَنّهُ ظَنّ أَنّهُ عَرّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ:
وَمَا زَالَ مُهْرِيّ مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ

لِفِرَارِ الْحَارِثِ يَوْمِ بَدْرٍ.

.[حَدِيثُ الزّبَيْرِ عَنْ سَبَبِ الْهَزِيمَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ فَحَسّوهُمْ بِالسّيُوفِ حَتّى كَشَفُوهُمْ عَنْ الْعَسْكَرِ وَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ لَا شَكّ فِيهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ الزّبَيْرِ أَنّهُ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة وَصَوَاحِبُهَا مُشَمّرَاتٌ هَوَارِبُ مَا دُونِ أَخْذِهِنّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إذْ مَالَتْ الرّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ حِين كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ أَلَا إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؛ فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللّوَاءِ حَتّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ، يَعْنِي الشّيْطَانَ.