فصل: فصل الحيوان الذي لا يهلكه الماء ضربان

مساءً 2 :9
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 فصل تستحب التسمية عند الذبح وعند إرسال الكلب والسهم

وقد سبق بيان ذلك وما يتفرع‏:‏ عليه في باب الأضحية‏.‏

يملك بطرق منها أن يضبطه بيده ولا يعتبر قصد التملك في أخذه بيده حتى لو أخذ صيدا لينظر إليه ملكه ولو سعى خلف صي فوقف الصيد للإعياء لم يملكه حتى يأخذه بيده‏.‏

ومنها أن يجرحه جراحة مذففة أو يرميه فيثخنه ويزمنه فيملكه وكذا إن كان طائرا فكسر جناحه فعجز عن الطيران والعدو جميعا ويكفي للتملك إبطال شدة العدو وصيرورته بحيث يسهل لحاقه ولو جرحه فعطش فثبت لم يملكه إن كان العطش لعدم الماء وإن كان لعجزه عن الوصول إلى الماء ملكه لأن عجزه بالجراحة‏.‏

ومنها وقوعه في شبكة منصوبة له فلو طرده طارد فوقع في الشبكة فهو لصاحب الشبكة لا للطارد وفي الحاوي أنه لو وقع في شبكة ثم تقطعت فأفلت الصيد فإن كان ذلك بقطع الصيد الواقع عاد مباحا فيملكه من صاده وإلا فهو باق على ملك صاحب الشبكة فلا يملكه غيره وقال الغزالي في الوسيط في باب النثر لو وقع في شبكته فأفلت لم يزل ملكه على الصحيح‏.‏

ومنها إذا أرسل كلبا فأثبت صيدا ملكه فلو أرسل سبعا آخر فعقره وأثبته قال في الحاوي إن كان له يد على السبع ملكه كإرسال الكلب وإلا فلا وإن أفلت الصيد بعد ما أخذه الكلب ففي البحر أن بعض الأصحاب قال إن كان ذلك قبل أن يدركه صاحبه لم يملكه وإلا فوجهان لأنه قلت‏:‏ أصحهما لا يملكه والله أعلم‏.‏

ومنها إذا ألجأه إلى مضيق لا يقدر على الانفلات منه ملكه وذلك بأن يدخله بيتا ونحوه وقد يرجع جميز هذا إلى شيء واحد فيقال سبب ملك الصيد إبطال امتناعه وحصول الاستيلاء عليه وذلك يحصل بالطرق المذكورة‏.‏

فرع لو توحل صيد بمزرعته وصار مقدورا عليه فوجهان أحدهما يملكه كما لو وقع في شبكته وأصحهما لا لأن لا يقصد بسقي الأرض الاصطياد قال الإمام الخلاف فيما إذا لم يكن سقى الأرض بما يقصد به توحل الصيود فإن كان يقصد فهو كنصب الشبكة ولم يتعرض الروياني لمزرعة الشخص بل قال لو توحل وهو في طلبه لم يملكه لأن الطين ليس من فعله فلو كان هو أرسل الماء في الأرض ملكه لأن الوحل حصل بفعله فهو كالشبكة ويشبه أن يرجع هذا إلى ما ذكره الإمام من قصد الاصطياد بالسقي‏.‏

ولو وقع صيد في أرضه وصار مقدورا عليه أو عشش طائر فيها وباض وفرخ وحصلت القدرة على البيض والفرخ لم يملكه على الأصح وبه قطع في التهذيب وقال لو حفر حفرة لا ولو أغلق باب الدار لئلا يخرج ملكه قال الإمام قال الأصحاب إذا قلنا لا يملكه صاحب الدار فهو أولى بتملكه وليس لغيره أن يدخل ملكه ويأخذه فإن فعل فهل يملكه وجهان كمن تحجر مواتا وأحياه غيره هل يملكه وهذه الصورة أولى بثبوت الملك لأن التحجر للإحياء ولا يقصد ببناء الدار تملك الصيد الواقع فيها ولو قصد ببناء الدار تعشيش الطائر فعشش فيها طير أو وقعت الشبكة من يده بغير قصد فتعقل بها صيد فوجهان لأنه وجد في الأولى قصد لكنه ضعيف وفي الثانية حصل استيلاء بملكه لكن بلا قصد والأصح أنه يملك في الأولى دون الثانية‏.‏

فرع لو اضطر سمكة إلى بركة صغيرة أو حوض صغير على كما سبق فيمن ألجأ صيدا إلى مضيق والصغير ما يسهل أخذها منه فلو دخلت بنفسها عاد الخلاف فيما إذا دخل الصيد ملكه فإن قلنا بالأصح إنه لا يملك بالدخول فسد منافذ البركة ملكها لأنه تسبب إلى ضبطها ولو اضطرها إلى بركة واسعة يعسر أخذ السمكة منها أو دخلتها السمكة فسد منافذها لم يملكها لكن يثبت له اختصاص كالمتحجر‏.‏

لو دخل بستان غيره وصاد فيه طائرا ملكه الصائد بلا خلاف‏.‏

 فصل من ملك صيدا ثم أفلت منه

لم يزل ملكه عنه ومن أخذه لزمه رده إليه وسواء كان يدور في البلد وحوله أو التحق بالوحوش ولو أرسله مالكه لم يزل عنه ملكه على الأصح المنصوص كما لو سيب دابته ولا يجوز ذلك لأنه يشبه سوائب الجاهلية لأنه قد يختلط بالمباح فيصاد وقيل يزول وقيل إن قصد بإرساله التقرب إلى الله تعالى زال وإلا فلا فإن قلنا يزول عاد مباحا فمن صاده ملكه وإن قلنا لا يزول لم يجز لغيره أن يصيده إذا عرفه فإن قال عند الإرسال أبحته لمن أخذه حصلت الإباحة ولا ضمان على من أكله لكن لا ينفذ تصرفه فيه وإذا قلنا بالوجه الثالث فأرسله تقربا إلى الله تعالى فهل يحل اصطياده لرجوعه إلى الإباحة أم لا كالعبد المعتق وجهان‏.‏

قلت‏:‏ الأصح الحل لئلا يصير في معنى سوائب الجاهلية والله أعلم‏.‏

ولو ألقى كسرة خبز معرضا فهل يملكها من أخذها فيه وجهان مرتبان على إرسال الصيد وأولى بأن لا يملك بل تبقى على ملك الملقي لأن سبب الملك في الصيد اليد وقد أزالها قال الإمام هذا الخلاف في زوال الملك وما فعله إباحة للطاعم في ظاهر المذهب لأن القرائن الظاهرة تكفي الإباحة هذا لفظ الإمام ويوضحه ما نقل عن الصالحين من التقاط السنابل‏.‏

قلت‏:‏ الأصح أنه يملك الكسرة والسنابل ونحوها ويصح تصرفه فيها بالبيع وغيره وهذا ظاهر أحوال السلف ولم يحك أنهم منعوا من أخذ شيئا من ذلك من التصرف فيه والله أعلم‏.‏

فرع لو أعرض عن جلد ميتة فأخذ غيره ودبغه ملكه على المذهب لم يكن مملوكا للأول وإنما كان له اختصاص ضعيف زال بالإعراض‏.‏

فرع صيد عليه أثر ملك من صاد صيدا عليه أثر ملك بأن كان موسوما أو مقرطا أو مقصوص الجناح لم يملكه لأنه يدل على أنه كان مملوكا فأفلت ولا ينظر إلى احتمال أنه صاده محرم ففعل به ذلك ثم أرسله فإنه تقدير بعيد‏.‏

فرع صيد سمكة في جوفها درة مثقوبة لو صاد سمكة في جوفها درة مثقوبة لم يملك الدرة بل وإن كانت غير مثقوبة فهي له مع السمكة ولو اشترى سمكة فوجد في جوفها ذرة غير مثقوبة فهي للمشتري وإن كانت مثقوبة فهي للبائع إن ادعاها كذا قال في التهذيب ويشبه أن يقال الدرة لصائد السمكة كالكنز الموجود في الأرض يكون لمحييها‏.‏

 فصل تحول بعض حمام برجه إلى غيره

إذا تحول بعض حمام برجه إلى برج غيره فإن كان المتحول ملكا للأول لم يزل ملكه عنه ويلزم الثاني رده فإن حصل بينهما بيض أو فرخ فهو تبع للأنثى دون الذكر ولو ادعى تحول حمامه إلى برج غيره لم يصدق إلا ببينة والورع أن يصدقه إلا أن يعلم كذبه وإن كان المتحول مباحا دخل برج الأول فعلى الخلاف السابق في دخول الصيد ملكه فإن قلنا بالأصح إنه لا يملكه فللثاني أن يتملكه ومن دخل برجه حمام وشك هل هو مباح أم مملوك فهو أولى به وله التصرف فيه لأن الظاهر أنه مباح ولو تحقق أنه اختلط بملكه ملك غيره وعسر التمييز ففي التهذيب أنه لو اختلطت حمامة واحدة بحماماته فله أن يأكل بالاجتهاد واحدة واحدة حتى تبقى واحدة كما لو اختلطت ثمرة الغير بثمره والذي حكاه الروياني أنه ليس له أن يأكل واحدة منها حتى يصالح ذلك الغير أو يقاسمه ولهذا قال بعض مشايخنا ينبغي للمتقي أن يجتنب طير البروج وأن يجتنب بناءها ونقل الإمام وغيره أنه ليس لواحد منهما التصرف في شيء منها ببيع أو هبة لثالث لأنه لا يتحقق الملك ولو باع أحدهما أو وهب للآخر صح على الأصح وتحتمل الجهالة للضرورة‏.‏

ولو باعا الحمام المختلط كله أو بعضه لثالث ولا يعلم كل واحد منهما عين ماله فإن كان الأعداد معلومة كمائتين ومائة والقيمة متساوية ووزعا الثمن على أعدادهما صح البيع باتفاق الأصحاب وإن جهلا العدد لم يصح لأنه لا يعلم كل واحد حصته من الثمن فالطريق أن يقول كل واحد بعتك الحمام الذي لي في هذا البرج بكذا فيكون الثمن معلوما ويحتمل الجهل في المبيع للضرورة قال في الوسيط لو تصالحا على شيء صح البيع واحتمل الجهل بقدر المبيع ويقرب من هذا ما أطلق في مقاسمتهما واعلم أن الضرورة قد تجوز المسامحة ببعض الشروط المعتبرة في العقود كالكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار يصح اصطلاحهن على القسمة بالتساوي أو بالتفاوت مع الجهل بالاستحقاق فيجوز أن تصح القسمة هنا أيضا بحسب تراضيهما ويجوز أن يقال إذا قال كل منهما بعت مالي من حمام هذا البرج بكذا والأعداد مجهولة يصح أيضا مع الجهل بما يستحق كل واحد منهما والمقصود أن ينفصل الأمر بحسب ما يتراضيان عليه ولو باع أحدهما جميع حمام البرج بإذن الآخر فيكون أصيلا في البعض ووكيلا في البعض جاز ثم يقتسمان الثمن‏.‏

لو اختلطت حمامة مملوكة أو حمامات بحمامات مباحة محصورة لم يجز الاصطياد منها ولو اختلطت بحمام ناحية جاز الاصطياد في الناحية ولا يتغير حكم ما لا يحصر في العادة باختلاط ما يحصر به وإن اختلط حمام أبراج مملوكة لا يكاد يحصر بحمام بلدة أخرى مباحة ففي جواز الاصطياد منها وجهان أصحهما يجوز وإليه ميل معظم الأصحاب‏.‏

قلت‏:‏ من أهم ما يجب معرفته ضبط العدد المحصور فإنه يتكرر في أبواب الفقه وقل من بينه قال الغزالي في الإحياء في كتاب الحلال والحرام تحديد هذا غير ممكن وإنما يضبط بالتقريب قال فكل عدد لو اجتمع في صعيد واحد يعسر على الناظر عدهم بمجرد النظر كالألف ونحوه فهو غير محصور وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن وما وقع فيه الشك استفتي فيه القلب والله أعلم‏.‏

فرع إذا انثالت حنطته على حنطة غيره أو انصب مائعه في مائعه قدرهما فليكن الحكم فيهما على ما ذكرنا في الحمام المختلط‏.‏

فرع لو ملك الماء بالاستقاء ثم انصب في نهر لم يزل يمنع الناس من الاستقاء وهو في حكم اختلاط المحصور بغير محصور‏.‏

قلت‏:‏ ولو اختلط درهم حرام أو درهم بدراهمه ولم تتميز أو دهن بدهن أو نحو ذلك قال الغزالي في الإحياء وغيره من أصحابنا طريقه أن يفصل قدر الحرام فيصرفه إلى الجهة التي يحب صرفه إليها ويبقى الباقي له يتصرف فيه بما أراد والله أعلم‏.‏

 فصل في الاشتراك والازدحام على الصيد

وله أربعة أحوال‏:‏ الأول أن يتعاقب جرحان من اثنين فالأول منهما إن لم يكن مذففا ولا مزمنا بل بقي على امتناعه وكان الثاني مذففا أو مزمنا فالصيد للثاني ولا شيء على الأول بجراحته وإن كان جرح الأول مذففا فالصيد للأول وعلى الثاني أرش ما نقص من لحمه وجلده وإن كان جرح الأول مزمنا فله الصيد به وينظر في الثاني فإن ذفف بقطع الحلقوم والمريء فهو حلال للأول وعلى الثاني ما بين قيمته مذبوحا ومزمنا قال الإمام وإنما يظهر التفاوت إذا كان فيه حياة مستقرة فإن كان متألما بحيث لو لم يذبح لهلك فما عندي أنه ينقص منه بالذبح شيء وإن وكذا الحكم لو رمى إلى صيد فأزمنه ثم رمى إليه ثانيا وذفف لا بقطع المذبح ويجب على الثاني كمال قيمة الصيد مجروحا إن ذفف فإن جرح بلا تذفيف ومات بالجرحين ففيما يجب عليه كلام له مقدمة نذكرها أولا وهي إذا جنى رجل على عبد أو بهيمة أو صيد مملوك قيمته عشرة دنانير جراحة أرشها دينار ثم جرحه آخر جراحة أرشها دينار أيضا فمات بالجرحين ففيما يلزم الجارحين أوجه أحدها يجب على الأول خمسة دنانير وعلى الثاني أربعة ونصف لأن الجرحين سريا وصارا قتلا فلزم كل واحد نصف قيمته يوم جنايته قاله ابن سريج وضعفه الأئمة لأن فيه ضياع نصف دينار على المالك والثاني قاله المزني وأبو إسحق والقفال يلزم كل واحد خمسة وعلى هذا لو نقصت جناية الأول دينارا والثاني دينارين لزم الأول أربعة ونصف والثاني خمسة ونصف ولو نقصت جناية الأول دينارين والثاني دينارا انعكس فيلزم الأول خمسة ونصف والثاني أربعة ونصف وضعفوا هذا الوجه لأنه سوى بينهما مع اختلاف قيمته حال جنايتهما‏.‏

والوجه الثالث حكاه الإمام عن القفال أيضا يلزم الأول خمسة ونصف والثاني خمسة لأن جناية كل واحد نقصت دينارا ثم سرتا والأرش يسقط إذا صارت الجناية نفسا فيسقط عن كل واحد نصف الأرش لأن الموجود منه نصف القتل‏.‏

واعترض عليه بأن فيه زيادة الواجب على المتلف وأجاب القفال بأن الجناية قد تنجر إلى إيجاب زيادة كمن قطع يدي عبد فقتله آخر وأجيب عنه بأن قاطع اليدين لا شركة له في القتل والقتل يقطع أثر القتل ويقع موقع الاندمال وهنا بخلافه‏.‏

والوجه الرابع قال أبو الطيب بن سلمة يلزم كل واحد نصف قيمته يوم جنايته ونصف الأرش لكن لا يزيد الواجب على القيمة فيجمع ما لزمهما تقديرا وهو عشرة ونصف ويقسم القيمة وهي عشرة على العشرة والنصف ليراعي التفاوت بينهما فتبسط أنصافا فتكون أحدا وعشرين فيلزم الأول أحد عشر جزءا من أحد وعشرين جزءا من شرة ويلزم الثاني عشرة من أحد وعشرين من عشرة وفيه ضعف لإفراد أرش الجناية عن بدل النفس‏.‏

والوجه الخامس عن صاحب التقريب وغيره واختاره الإمام والغزالي يلزم الأول خمسة ونصف والثاني أربعة ونصف لأن الأول لو انفرد بالجرح والسراية لزمه العشرة فلا يسقط عنه إلا ما يلزم الثاني والثاني إنما جنى على نصف ما يساوي تسعة وفيه ضعف أيضا‏.‏

والوجه السادس قاله ابن خيران واختاره صاحب الإفصاح وأطبق العراقيون على ترجيحه أنه يجمع بين القيمتين فيكون تسعة عشر فيقسم عليه ما فوتا وهو عشرة فيكون على الأول عشرة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة وعلى الثاني تسعة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة أما إذا كان الجناة ثلاثة وأرش كل جناية دينار والقيمة عشرة فعلى طريقة المزني يلزم كل واحد منهم ثلاثة وثلث وعلى الوجه الثالث يلزم الأول أربعة منها ثلاثة وثلث هي ثلث القيمة وثلثان وهما ثلثا الأرش ويلزم الثاني ثلاثة وثلثان ثلاثة منها ثلث القيمة يوم جنايته وثلثان هما ثلث الأرش ويلزم الثالث ثلاثة منها ديناران وثلث هي ثث القيمة يوم جنايته وثلثان هما ثلثا الأرش فالجملة عشرة وثلثان وعلى الوجه الرابع توزع العشرة على عشرة وثلثين وعلى الخامس يلزم الأول أربعة وثلث والثاني ثلاثة والثالث ديناران وثلثان وعلى السادس تجمع القيم فتكون سبعة وعشرين فتقسم العشرة عليها أما إذا جرح مالك العبد أو الصيد جراحة وأجنبي أخرى فينظر في جناية المالك أهي الأولى أم الثانية وتخرج على الأوجه فتسقط حصته وتجب حصة الأجنبي وعن القاضي أبي حامد أن المذكور في الجنايتين على العبد هو فيما إذا لم يكن للجناية أرش مقدر فإن كان فليس العبد فيها كالبهيمة والصيد المملوك حتى لو جنى على عبد غيره جناية ليس لها أرش مقدر وقيمته مائة فنقصته الجناية عشرة ثم جنى آخر جناية لا أرش لها فنقصت عشرة أيضا ومات العبد منهما فعلى الأول خمسة وخمسون وعلى الثاني خمسون يدفع منها خمسة إلى الأول قال فلو قطع رجل يد عبد قيمته مائة ثم قطع آخر يده الأخرى لزم الأول نصف أرش اليد وهو خمسة وعشرون ونصف قيمته يوم جنايته وهو خمسون ولزم الثاني نصف أرش اليد وهو خمسة وعشرون ونصف القيمة يوم جنايته وهو أربعون فالجملة مائة وأربعون جميعها للسيد لأن الجناية التي لها أرش مقدر يجوز أن يزيد واجبها على قيمة العبد كما لو قطع يديه فقتله آخر‏.‏

هذا بيان المقدمة ونعود إلى مسألة الصيد فنقول إذا جرح الثاني جراحة غير مذففه ومات الصيد بالجرحين نظر إن مات قبل أن يتمكن الأول من ذبحه لزم الثاني تمام قيمته مزمنا لأنه صار ميتة بفعله بخلاف ما لو جرح شاة نفسه وجرحها آخر وماتت فإنه لا يجب على الثاني إلا نصف القيمة لأن كل واحد من الجرحين هناك حرام والهلاك حصل بهما وهنا فعل الأول اكتساب وذكاة ثم مقتضى كلامهم أن يقال إذا كان الصيد يساوي عشرة غير مزمن وتسعة مزمنا لزم الثاني تسعة واستدرك صاحب التقريب فقال فعل الأول وإن لم يكن إفسادا فيؤثر في الذبح وحصول الزهوق قطعا‏.‏

فينبغي أن يعتبر فيقال إذا كان غير مزمن يساوي عشرة ومزمنا تسعة ومذبوحا ثمانية لزمه ثمانية ونصف فإن الدرهم أثر في فواته الفعلان فيوزع عليهما قال الإمام وللنظر في هذا مجال ويجوز أن يقال المفسد يقطع أثر فعلي الأول من كل وجه والأصح ما ذكره صاحب التقريب وإن تمكن من ذبحه فذبحه لزم الثاني أرش جراحته إن نقص بها وإن لم يذبحه وتركه حتى مات فوجهان أحدهما لا شيء على الثاني سوى أرش النقص لأن الأول مقصر بترك الذبح وأصحهما يضمن زيادة على الأرش ولا يكون تركه الذبح مسقطا للضمان كما لو جرح رجل شاته فلم يذبحها مع التمكن لا يسقط الضمان‏.‏

فعلى هذا فيما يضمن وجهان قال الاصطخري كمال قيمته مزمنا كما لو ذفف بخلاف ما إذا جرح عبده أو شاته وجرحه غيره أيضا لأن كل واحد من الفعل هناك إفساد والتحريم حصل بهما وهنا الأول إصلاح والأصح وقول جمهور الأصحاب لا يضمن جميع القيمة بل هو كمن جرح عبده وجرحه غيره لأن الموت حصل بهما وكلاهما إفساد أما الثاني فظاهر وأما الأول فلأن ترك الذبح مع التمكن يجعل الجرح وسرايته إفسادا ولهذا لو لم يوجد الجرح الثاني فترك الذبح كان الصيد ميتة‏.‏

فعلى هذا تجيء الأوجه في كيفية التوزيع على الجرحين فحصة الأول تسقط وحصة الثاني تجب‏.‏

الحال الثاني إذا وقع الجرحان معا نظر إن تساويا في سبب الملك فالصيد بينهما وذلك بأن يكون كل واحد مذففا أو مزمنا لو انفرد أو أحدهما مزمنا والآخر مذففا وسواء تفاوت الجرحان صغيرا وكبيرا أو تساويا أو كانا في المذبح أو غيره أو أحدهما فيه والآخر في غيره وإن كان أحدهما مذففا أو مزمنا لو انفرد والآخر غير مؤثر فالصيد لمن ذفف أو أزمن ولا ضمان على الثاني لأنه لم يجرح ملك الغير ولو احتمل أن يكون الإزمان بهما أو بأحدهما فالصيد بينهما في ظاهر الحكم ويستحب أن يستحل كل واحد الآخر تورعا ولو علمنا أن أحدهما مذفف وشككنا هل للآخر أثر في الإزمان والتذفيف أم لا قال القفال هو بينهما فقيل له لو جرح رجل جراحة مذففة وجرحه أخر جراحة لا ندري أهي مذففة أم لا فمات فقال يجب القصاص عليهما قال الإمام هذا بعيد والوجه تخصيص القصاص بصاحب المذففة وفي الصيد يسلم نصفه لمن جرحه مذففا ويوقف نصفه بينهما إلى التصالح أو تبين الحال فإن لم يتوقع بيان جعل النصف الآخر بينهما نصفين‏.‏

الحال الثالث إذا ترتب الجرحان وأحدهما مزمن لو انفرد والآخر مذفف وارد على المذبح ولم يعرف السابق فالصيد حلال فإن اختلفا وادعى كل واحد أنه جرحه أولا وأزمنه وأنه له فلكل واحد تحليف الآخر فإن حلفا فالصيد بينهما ولا شيء لأحدهما على الآخر فإن حلف أحدهما فقط فالصيد له وله على الناكل أرش ما نقص بالذبح ولو ترتبا وأحدهما مزمن والآخر مذفف في غير المذبح ولم يعرف السابق فالمذهب أن الصيد حرام لاحتمال تقدم الإزمان فلا يحل بعده إلا بقطع الحلقوم والمريء وقيل فيه قولان كمسألة الإنماء السابقة ووجه الشبه اجتماع المبيح والمحرم‏.‏

والفرق على المذهب أنه يقدم هناك جرح يحال عليه فإن ادعى كل وإحد أنه أزمنه أولا وأن الآخر أفسده فلكل واحد تحليف الآخر فإن حلفا فذاك وإن حلف أحدهما لزم الناكل قيمته مزمنا ولو قال الجارح أولا أزمنته أنا ثم أفسدته بقتلك فعليك القيمة وقال الثاني لم تزمنه بل كان على امتناعه إلى أن رميته فأزمنته أو ذففته فإن اتفقا على عين جراحة الأول وعلمنا أنه لا يبقى امتناع معها ككسر جناحه وكسر رجل الممتنع بعدوه فالقول قول الأول بلا يمين وإلا فقول الثاني لأن الأصل بقاء الامتناع فإن حلف فالصيد له ولا شيء عليه للأول وإن نكل حلف الأول واستحق قيمته مجروحا بالجراحة الأولى ولا يحل الصيد لأنه ميتة بزعمه وهل للثاني أكله وجهان قال القاضي الطبري لا لأن إلزامه القيمة حكم بأنه ميتة وقيل نعم لأن النكول في خصومة الآدمي لا تغير الحكم فيما بينه وبين الله تعالى‏.‏

ولو علمنا أن الجراحة المذففة سابقة على التي لو انفردت لكانت مزمنة فالصيد حلال فإن قال كل واحد أنا ذففته فلكل تحليف الآخر فإن حلفا كان بينهما وإن حلف أحدهما فالصيد له وعلى الآخر ضمان ما نقص‏.‏

قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر لو رماه الأول والثاني ولم يدر أجعله الأول ممتنعا أم لا جعلناه بينهما نصفين واعترض عليه فقيل ينبغي أن يحرم هذا الصيد لاجتماع ما يقتضي الإباحة والتحريم وبتقدير الحل ينبغي أن لا يكون بينهما بل لمن أثبته‏.‏

واختلف في الجواب فقيل النص محمول على ما إذا أصاب المذبح فيحل سواء أصابه الأول أو الثاني أو على ما إذا رمياه ولم يمت ثم أدركه أحدهما فذكاه ثم اختلفا فيه وإنما كان بينهما لأنه في أيديهما وقد يجعل الشىء لاثنين وإن كنا نعلمه في الباطن لأحدهما كمن مات عن ابنين مسلم ونصراني وادعى كل واحد أنه مات على دينه وحمل أبو إسحق النص على ظاهره فقال إذا رمياه مات ولم يدر أثبته الأول أم الثاني كان الأصل بقاؤه على امتناعه إلى أن عقره الثاني فيكون عقره ذكاة ويكون بينهما لاحتمال الإثبات من كليهما ولا مزية وقيل في حله قولان كمسألة الإنماء‏.‏

الحال الرابع إذا ترتب الجرحان وحصل الإزمان بمجموعهما وكل واحد لو انفرد لم يزمن فالأصح عند الجمهور أن الصيد للثاني وقيل بينهما ورجحه الإمام والغزالي‏.‏

فإن قلنا إنه للثاني أو كان الجرح الثاني مزمنا لو انفرد فلا شيء على الأول بسبب جرحه فلو عاد بعد إزمان الثاني وجرحه جراحة أخرى نظر إن أصاب المذبح فهو حلال وعليه للثاني ما نقص من قيمته بالذبح وإلا حرم وعليه إن ذفف قيمته مجروحا بجراحته الأولى وجراحة الثاني وكذا إن لم يذفف ولم يتمكن الثاني من ذبحه فإن تمكن وترك الذبح عاد الخلاف السابق فعلى أحد الوجهين ليس على الأول إلا أرش الجراحة الثانية لتقصير المالك وعلى أصحهما لا يقصر الضمان عليه وعلى هذا ففي وجه عليه نصف القيمة وخرجه جماعة على الخلاف فيمن جرح عبدا مرتدا فأسلم فجرحه سيده ثم عاد الأول وجرحه ثانية ومات منهما وفيما يلزمه وجهان أحدهما ثلث القيمة والثاني ربعها قاله القفال فعلى هذا يجب هنا ربع القيمة وعن صاحب التقريب أنه تعود في التوزيع الأوجه السابقة واختار الغزالي وجوب تمام القيمة والمذهب التوزيع كما سبق‏.‏

فرع الاعتبار في الترتيب والمعية بالإصابة لا بابتداء الرمي‏.‏

 فصل في مسائل منثورة

إحداها وقع بعيران في بئر أحدهما فوق الآخر فطعن الأعلى فمات الأسفل بثقله حرم الأسفل فإن نفذت الطعنة فأصابته أيضا حلا جميعا فإن شك هل مات بالثقل أو الطعنة النافذة وقد علم أنها أصابته قبل مفارقة الروح حل وإن شك هل أصابته قبل مفارقة الروح أم بعدها قال صاحب التهذيب في الفتاوى يحتمل وجهين بناء على العبد الغائب المنقطع خبره هل يجزىء إعتاقه عن الكفارة‏.‏

الثانية رمى غير مقدور عليه فصار مقدورا عليه ثم أصاب غير المذبح لم يحل ولو رمى مقدورا عليه فصار غير مقدور عليه فأصاب مذبحه حل‏.‏

الثالثة أرسل سهمين فأصابا معا حل وإن أصاب أحدهما بعد الآخر فإن أزمنه الأول ولم يصب الثاني المذبح لم يحل وإن أصابه حل وإن لم يزمنه الأول وقتله الثاني حل وكذا لو أرسل كلبين فأزمنه الأول وقتله الثاني لم يحل قطع المذبح أم لا وكذا لو أرسل سهما وكلبا إن أزمنه السهم ثم أصابه الكلب لم يحل وإن أزمنه الكلب ثم أصاب السهم المذبح حل‏.‏

الرابعة صيد دخل دار إنسان وقلنا بالصحيح إنه لا يملكه فأغلق أجنبي الباب لا يملكه صاحب الدار ولا الأجنبي لأنه متعد لم يحصل الصيد في يده بخلاف ما لو غصب شبكة واصطاد بها‏.‏

الخامسة لو أخذ الكلب المعلم صيدا بغير إرسال ثم أخذه أجنبي من فيه ملكه الآخذ على الصحيح كما لو أخذ فرخ طائر من شجرته وغير المعلم إذا أرسله صاحبه فأخذ صيدا فأخذه غيره من فيه وهو حي وجب أن يكون للمرسل ويكون إرساله كنصب شبكة تعقل بها الصيد ويحتمل خلافه لأن للكلب اختيارا‏.‏

السادسة تعقل الصيد بالشبكة ثم قلعها وذهب بها فأخذه إنسان نظر إن كان يعدو ويمتنع مع الشبكة ملكه الآخذ وإن كان ثقل الشبكة يبطل امتناعه بحيث يتيسر أخذه فهو لصاحب الشبكة لا يملكه غيره‏.‏

السابعة إذا أرسل كلبه فحبس صيدا فلما انتهى إليه أفلت فهل يملكه من أخذه أم هو ملك الأول بالحبس وجهان‏.‏

قلت‏:‏ أصحهما يملكه الآخذ والله أعلم‏.‏

الثامنة رجلان أقام كل واحد منهما بينة أنه اصطاد هذا الصيد ففيه القولان في تعارض البينتين

التاسعة رجل في يده صيد فقال آخر أنا اصطدته فقال صاحب اليد لا علم لي بذلك قال ابن كج لا يقنع منه بهذا الجواب بل يدعيه لنفسه أو يسلمه إلى مدعيه‏.‏

قلت‏:‏ لو أخبر فاسق أو كتابي أنه ذكى هذه الشاة قبلناه لأنه من أهله ذكره في التتمة ولو وجد شاة مذبوحة ولم يدر أذبحها مسلم أو كتابي أم مجوسي فإن كان في البلد مجوس ومسلمون لم يحل للشك في الذكاة المبيحة والله أعلم‏.‏

فيه بابان‏.‏

 الباب الأول في حال الاختيار

قال الأصحاب ما يتأتى أكله من الجماد والحيوان لا يمكن حصر أنواعه لكن الأصل في الجميع الحل إلا ما يستثنيه أحد أصول الأول نص الكتاب أو السنة على تحريمه كالخنزير والخمر والنبيذ والميتة والدم والمنخنقة والموقوذة والنطيحة والحمر الأهلية ويحل الحمار الوحشي والخيل والمتولد بينهما وتحرم البغال وسائر ما يتولد من مأكول وغيره سواء كان الحرام من أصليه الذكر أو الأنثى‏.‏

ويحرم أكل كل ذي ناب من السبا وذي مخلب من الطائر والمراد ما يعدو على الحيوان ويتقوى بنابه فيحرم الكلب والأسد والذئب والنمر والدب والفهد والقرد والفيل والببر‏.‏

قلت‏:‏ هو الببر بباءين موحدتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وهو حيوان معروف يعادي الأسد ويقال له الفرانق بضم الفاء وكسر النون والله أعلم‏.‏

واختار أبو عبد الله البوشنجي من أصحابنا مذهب مالك فقال يحل الفيل وقال لا يعدو من الفيلة إلا الفحل المغتلم كالإبل والصحيح تحريمه ويحرم من الطير البازي والشاهين والنسر والصقر فرع يحل الضب والضبع والثعلب والأرنب واليربوع ويحرم ابن آوي وابن مقرض على الأصح عند الأكثرين وبه قطع المراوزة ويحل الوبر والدلدل على الأصح المنصوص والهرة الأهلية حرام على الصحيح وقال البوشنجي حلال والوحشية حرام على الأصح وقال الخضري حلال ويحل السمور والسنجاب والفنك والقماقم والحواصل على الأصح المنصوص الثاني الأمر بقتله قال أصحابنا ما أمر بقتله من الحيوان فهو حرام كالحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة وكل سبع ضار ويدخل في هذا الأسد والذئب وغيرهما مما سبق وقد يكون للشىء سببان أو أسباب تقتضي تحريمه‏.‏

فرع تحرم البغاثة والرخمة وأما الغراب فأنواع‏.‏

منها الأبقع وهو فاسق محرم بلا خلاف ومنها الأسود الكبير ويقال له الغداف الكبير ويقال الغراب الجبلي لأنه يسكن الجبال وهو حرام على الأصح وبه قطع جماعة‏.‏

ومنها غراب الزرع وهو أسود صغير يقال له الزاغ وقد يكون محمر المنقار والرجلين وهو حلال على الأصح ومنها غراب آخر صغير أسود أو رمادي اللون وقد يقال له الغداف الصغير وهو حرام على الأصح وكذا العقعق‏.‏

الثالث ما نهي عن قتله فهو حرام فيحرم النمل والنحل والخطاف والصرد والهدهد على الصحيح في الجميع ويحرم الخفاش قطعا وقد يجري فيه الخلاف ويحرم اللقلق على الأصح‏.‏

فرع كل ذات طوق من الطير حلال واسم الحمام يقع على جميعها في القمري والدبسي واليمام والفواخت وأدرج في هذا القسم الورشان والقطا والحجل وكلها من الطيبات وما على شكل العصفور في حده فهو حلال ويدخل في ذلك الصعوة والزرزور والنغر والبلبل وتحل الحمرة والعندليب على الصحيح فيهما وتحل النعامة والدجاج والكركي والحبارى وفي البغبغاء والطاووس وجهان قال في التهذيب أصحهما التحريم والشقراق قال في التهذيب حلال وقال الصيمري حرام قال أبو عاصم يحرم ملاعب ظله وهو طائر يسبح في الجو مرارا كأنه ينصب على طائر قال والبوم حرام كالرخم والضوع حرام وفي قول حلال وهذا يقتضي أن الضوع غير البوم لكن في الصحاح أن الضوع طائر من طير الليل من جنس الهام وقال المفضل هو ذكر البوم فعلى هذا إن كان في الضوع قول لزم إجزاؤه في البوم لأن الذكر والأنثى من الجنس الواحد لا يفترقان قلت‏:‏ الضوع بضاد معجمة مضمومة وواو مفتوحة وعين مهملة والأشهر أنه من جنس الهام والله أعلم‏.‏

قال أبو عاصم النهاس حرام كالسباع التي تنهس واللقاط حلال إلا ما استثناه النص وأحل البوشنجي اللقاط بلا استثناء قال وما تقوت بالطاهرات فحلال إلا ما استثناه النص وما تقوت بالنجس فحرام‏.‏

فرع أطلق مطلقون القول بحل طير الماء فكلها حلال إلا اللقلق ففيه خلاف سبق وحكي عن الصيمري أنه لا يؤكل لحم طير الماء الأبيض لخبث لحمها‏.‏

 فصل الحيوان الذي لا يهلكه الماء ضربان

أحدهما‏:‏ ما يعيش فيه وإذا أخرج منه كان عيشه عيش المذبوح كالسمك بأنواعه فهو حلال ولا حاجة إلى ذبحه كما سبق وسواء مات بسبب ظاهر كضغطة أو صدمة أو انحسار ماء أو وأما ما ليس على صورة السموك المشهورة ففيه ثلاثة أوجه ويقال ثلاثة أقوال أصحها يحل مطلقا وهو المنصوص في الأم وفي رواية المزني واختلاف العراقيين لأن الأصح أن اسم السمك يقع على جميعها والثاني يحرم‏.‏

والثالث ما يؤكل نظيره في البر كالبقر والشاء فحلال وما لا كخنزير الما في كلبه فحرام فعلى هذا ما لا نظير له حلال‏.‏

قلت‏:‏ وعلى هذا لا يحل ما أشبه الحمار وإن كان في البر حمار الوحش المأكول صرح به صاحبا الشامل و التهذيب وغيرهما والله أعلم‏.‏

وإذا أبحنا الجميع فهل تشترط الذكاة أم تحل ميتته وجهان ويقال قولان أصحهما تحل ميتته‏.‏

الضرب الثاني ما يعيش في الماء وفي البر أيضا فمنه طير الماء كالبط والأوز ونحوهما وهي حلال كما سبق ولا تحل ميتتها قطعا وعد الشيخ أبو حامد والإمام وصاحب التهذيب من هذا الضرب الضفدع والسرطان وهما محرمان على المشهور وذوات السموم حرام قطعا ويحرم التمساح على الصحيح والسلحفاة على الأصح‏.‏

واعلم أن جماعة استثنوا الضفدع من الحيوانات التي لا تعيش إلا في الماء تفريعا على الأصح وهو حل الجميع وكذا استثنوايوسف الحيات والعقارب ومقتضى هذا الاستثناء أنها لا تعيش إلا في الماء ويمكن أن يكون منها نوع كذا ونوع كذا واستثنى القاضي الطبري النسناس على ذلك الوجه أيضا وامتنع الروياني وغيره من مساعدته‏.‏

قلت‏:‏ ساعده الشيخ أبو حامد والله أعلم‏.‏

الأصل الرابع المستخبثات من الأصول المعتبرة في الباب في التحليل والتحريم للاستطابة والاستخباث ورآه الشافعي رحمه الله تعالى الأصل الأعظم الأعم ولذلك افتتح به الباب والمعتمد فيه قوله تعالى ‏"‏ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ‏"‏ وليس المراد بالطيب هنا الحلال ثم قال الأئمة ويبعد الرجوع في ذلك إلى طبقات الناس وتنزيل كل قوم على ما يستطيبونه أو يستخبثونه لأنه يوجب اختلاف الأحكام في الحلال والحرام وذلك يخالف موضوع الشرع فرأوا العرب أولى الأمم بأن يؤخذ باستطابتهم واستخباثهم لأنهم المخاطبون أولا وهم جيل لا تغلب عليهم العيافة الناشئة من التنعم فيضيقوا المطاعم على الناس وإنما يرجع من العرب إلى سكان البلاد والقرى دون أجلاف البوادي الذين يتناولون ما دب ودرج من غير تمييز وتعتبر عادة أهل اليسار والثروة دون المحتاجين وتعتبر حالة الخصب والرفاهية دون الجدب والشدة وذكر جماعة أن الاعتبار بعادة العرب الذي كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الخطاب لهم ويشبه أن يقال يرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه فإن استطابته العرب أو سمته باسم حيوان حلال فهو حلال وإن استخبثته أو سمته باسم محرم فحرام فإن استطابته طائفة واستخبثته أخرى اتبعنا الأكثرين فأن استويا قال صاحب الحاوي وأبو الحسن العبادي تتبع قريش لأنهم قطب العرب فإن اختلفت قريش ولا ترجيح أو شكوا فلم يحكموا بشىء أو لم نجدهم ولا غيرهم من العرب اعتبرناه بأقرب الحيوان شبها به والشبه تارة يكون في الصورة وتارة في طبع الحيوان من الصيانة والعدوان وتارة في طعم اللحم فإن استوى الشبهان أو لم نجد ما يشبهه فوجهان أصحهما الحل قال الإمام وإليه ميل الشافعي رحمه الله تعالى‏.‏

واعلم أنه إنما يراجع العرب في حيوان لم يرد فيه نص بتحليل ولا تحريم ولا أمر بقتله ولا نهي عنه فإن وجد شيء من هذه الأصول اعتمدناه ولم نراجعهم قطعا فمن ذلك أن الحشرات كلها مستخبثة ما يدرج منها وما يطير‏.‏

فمنها ذوات السموم والإبر‏.‏

ومنها الوزغ وأنواعها كحرباء الظهيرة والعظاء وهي ملساء تشبه سام أبرص وهي أحسن منه الواحدة عظاة وعظاية فكل هذا حرام ويحرم الذر والفأر والذباب والخنفساء والقراد والجعلان وبنات وردان وحمار قبان والديدان وفي دود الخل والفاكهة وجه وتحرم اللحكاء وهي دويبة تغوص في الرمل إذا رأت إنسانا ويستثنى من الحشرات اليربوع والضب وكذا أم حبين فإنها حلال على الاصح‏.‏

ويستثنى من ذوات الابر الجراد فإنه حلال قطعا وكذا القنفذ على الأصح والصرارة حرام على الأصح كالخنفساء‏.‏

 فصل حيوان لايمكن معرفة حكمه

إذا وجدنا حيوانا لا يمكن معرفة حكمه من كتاب ولا سنة ولا استخباث ولا غير ذلك مما تقدم من الأصول وثبت تحريمه في شرع من قبلنا فهل يستصحب تحريمه قولان الأظهر لا يستصحب وهو مقتضى كلام عامة الأصحاب فإن استصحبناه فشرطه أن يثبت تحريمه في شرعهم بالكتاب أو السنة أو يشهد به عدلان أسلما منهم يعرفان المبدل من غيره قال في الحاوي فعلى هذا لو اختلفوا اعتبر حكمه في أقرب الشرائع إلى الإسلام وهي النصرانية فإن اختلفوا عاد الوجهان عند تعارض الأشباه‏.‏

 فصل يحرم أكل نجس العين

والمتنجس كالدبس والخل واللبن والدهن وسبق في كتاب الطهارة وجه أن فرع يكره أكل لحم الجلالة يكره أكل لحم الجلالة كراهة تنزيه على الأصح الذي ذكره منهم العراقيون والروياني وغيرهم وقال أبو إسحق والقفال كراهة تحريم ورجحه الإمام والغزالي والبغوي والجلالة هي التي تأكل العذرة والنجاسات وسواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج‏.‏

ثم قيل إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة وإن كان الظاهر أكثر فلا والصحيح أنه لا اعتبار بالكثرة بل بالرائحة والنتن فإن وجد في عرقها وغيره ريح النجاسة فجلالة وإلا فلا وقيل الخلاف فيما إذا وجدت رائحة النجاسة بتمامها أو قربت الرائحة من الرائحة فإن‏.‏

قلت‏:‏ الرائحة الموجودة لم تضر ولو حبست بعد ظهور النتن وعلفت طاهرا فزالت الرائحة ثم ذبحت فلا كراهة فيها ولو لم تعلف لم يزل المنع يغسل اللحم بعد الذبح ولا بالطبخ وإن زالت الرائحة به وكذا لو زالت بمرور الزمان عند صاحب التهذيب وقيل خلافه وكما يمنع لحمها يمنع لبنها وبيضها ويكره الركوب عليها إذا لم يكن بينها وبين الراكب حائل ثم قال الصيدلاني وغيره إذا حرمنا لحمها فهو نجس ويطهر جلدها بالدباغ وهذا يقتضي نجاسة الجلد أيضا وهو نجس إن ظهرت الرائحة فيه وكذا إن لم تظهر على الأصح كاللحم ثم ظهور النتن وإن حرمنا به اللحم ونجسناه فلا نجعله موجبا لنجاسة الحيوان في حياته بل إذا حكمنا بالتحريم كان فرع السخلة المرباة بلبن الكلبة لها حكم الجلالة ولا يحرم الزرع وإن كثر الزبل وسائر النجاسات في أصله لأنه لا يظهر فيه أثر النجاسة وريحها‏.‏

قلت‏:‏ وإذا عجن دقيقا بماء نجس وخبزه فهو نجس يحرم أكله ويجوز أن يطعمه لشاة وبعير ونحوهما ونص عليه الشافعي رحمه الله تعالى ونقله البيهقي في السنن الكبير في باب نجاسة الماء الدائم عن نصه واستدل له بحديث صحيح وفي فتاوى صاحب الشامل أنه يكره إطعام الحيوان المأكول نجاسة وهذا لا يخالف ما نص عليه الشافعي في الطعام لأنه ليس بنجس العين قال ابن الصباغ ولا يكره أكل البيض المسلوق بماء نجس كما لا يكره الوضوء بماء سخن بالنجاسة والله أعلم‏.‏

 فصل الحيوان المأكول إنما يحل إذا ذبح الذبح المعتبر

ويستثنى السمك والجراد أشعر أم لا قال الشيخ أبو محمد في كتاب الفرق إنما يحل إذا سكن في البطن عقيب ذبح الأم فأما لو بقي زمنا طويلا يضطرب ويتحرك ثم سكن فالصحيح أنه حرام ولو خرج الجنين في الحال وبه حركة المذبوح حل وإن خرج رأسه وفيه حياة مستقرة قال القاضي حسين وصاحب التهذيب لا يحل إلا بذبحه لأنه مقدور عليه وقال القفال يحل لأن خروج بعض الولد كعدم خروجه في العدة وغيرها قلت‏:‏ قول القفال أصح والله أعلم‏.‏

قال صاحب التهذيب لو أخرج رجله فقياس ما قاله القاضي أن يخرج ليحل كما لو تردى بعير في بئر ولو وجدت مضغة لم تبن فيها الصورة ولا تشكل الأعضاء ففي حلها وجهان بناء على وجوب الغرة فيها وثبوت الاستيلاد‏.‏

قلت‏:‏ إذا ذكى الحيوان وله يد شلاء هل تحل بالذكاة أم هي ميتة وجهان الصحيح الحل وقد ذكرهما الرافعي في باب القصاص في الأطراف والله أعلم‏.‏

 فصل كسب الحجام حلال

هذا هو المذهب المعروف وقال ابن خزيمة حرام على الأحرار ويجوز أن يطعمه العبيد والدواب وهذا شاذ‏.‏

ولا يكره أكل كسب الحجام للعبيد سواء كسبه حر أم عبد ويكره للحر سواء كسبه حر أم عبد وللكراهة معنيان أحدهما مخالطة النجاسة والثاني دناءته فعلى الثاني يكره كسب الحلاق ونحوه وعلى الأول كره كسب الكناس والزبال والدباغ والقصاب والخاتن وهذا الذي أطلقه جمهور الأصحاب ولا يكره كسب الفاصد على الأصح وفي الحمامي والحائك وجهان‏.‏

قلت‏:‏ الأصح لا يكره كسب الحائك والله أعلم‏.‏

وكره جماعة كسب الصواغ‏.‏

فرع أصول المكاسب قال الماوردى أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة وأيها أطيب فيه ثلاثة مذاهب للناس أشبهها مذهب الشافعي أن التجارة أطيب قال والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل‏.‏

قلت‏:‏ في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده فهذا صريح في ترجيح الزراعة والصنعة لكونهما من عمل يده لكن الزراعة أفضلهما لعموم النفع بها للآدمي وغيره وعموم الحاجة إليها والله أعلم‏.‏

 فصل كل ما ضر كالزجاج والحجر والسم يحرم

وكل طاهر لا ضرر فيه يحل أكله إلا المستقذرات الطاهرة كالمني والمخاط ونحوهما فإنها محرمة على الصحيح وإلا الحيوان الذي تبتلعه حيا سوى السمك والجراد فإنه يحرم قطعا وكذا ابتلاع السمك والجراد على وجه كما سبق‏.‏

وفي جلد الميتة المدبوغ خلاف سبق في الطهارة‏.‏

ويجوز شرب دواء فيه قليل سم إذا كان الغالب منه السلامة واحتيج إليه قال الإمام ولو تصور شخص لا يضره أكل السموم الظاهرة لم تحرم عليه وقال الروياني النبات الذي يسكر وليس فيه شدة مطربة يحرم أكله ولا حد على آكله ويجوز استعماله في الدواء وإن أفضى إلى السكر إذا لم يكن منه بد وما يسكر مع غيره ولا يسكره بنفسه إن لم ينتفع به في دواء وغيره حرم أكله وإن كان ينتفع به في الدواء حل التداوي به‏.‏

 الباب الثاني في حال الاضطرار

فيه مسائل‏:‏ إحداها للمضطر إذا لم يجد حلالا أكل المحرمات كالميتة والدم ولحم الخنزير وما في معناها والأصح وجوب أكلها عليه كما يجب دفع الهلاك بأكل الحلال والثاني يباح فقط‏.‏

الثانية في حد الضرورة لا خلاف أن الجوع القوي لا يكفي لتناول الحرام ولا خلاف أنه لا يجب الامتناع إلى أن يشرف على الموت فإن الأكل حينئذ لا ينفع ولو انتهى إلى تلك الحالة لم يحل له الأكل فإنه غير مفيد ولا خلاف في الحل إذا كان يخاف على نفسه لو لم يأكل من جوع أو ضعف عن المشي أو الركوب وينقطع عن رفقته ويضيع ونحو ذلك فلو خاف حدوث مرض مخيف جنسه فهو كخوف الموت وإن خاف طول المرض فكذلك على الأصح أو الأظهر‏.‏

ولو عيل صبره وجهده الجوع فهل يحل له المحرم أم لا يحل حتى يصل إلى أدنى الرمق قولان‏.‏

قلت‏:‏ أظهرهما الحل والله أعلم‏.‏

ولا يشترط فيما يخاف منه تيقن وقوعه لو لم يأكل بل يكفي غلبة الظن‏.‏

الثالثة يباح للمضطر أن يأكل من المحرم ما يسد الرمق قطعا‏.‏

ولا تحل الزيادة على الشبع قطعا وفي حل الشبع ثلاثة أقوال ثالثها إن كان قريبا من العمران لم يحل وإلا فيحل ورجح القفال وكثير من الأصحاب المنع ورجح صاحب الإفصاح والروياني وغيره الحل هكذا أطلق الخلاف أكثرهم وفصل الإمام والغزالي تفصيلا حاصله إن كان في بادية وخاف إن ترك الشبع لا يقطعها ويهلك وجب القطع بأنه يشبع وإن كان في بلد وتوقع الطعام الحلال قبل عود الضرورة وجب القطع بالاقتصار على سد الرمق وإن كان لا يظهر حصول طعام حلال قلت‏:‏ هذا التفصيل هو الراجح والأصح من الخلاف الاقتصار على سد الرمق والله أعلم‏.‏

الرابعة يجوز له التزود من الميتة إن لم يرج الوصول إلى الحلال وإن رجاه قال في التهذيب وغيره يحرم وعن القفال أن من حمل الميتة من غير ضرورة لم يمنع ما لم يتلوث بالنجاسة وهذا يقتضي جواز التزود عند الضرورة وأولى‏.‏

قلت‏:‏ الأصح جواز التزود إذا رجا والله أعلم‏.‏

الخامسة إذا جوزنا الشبع فأكل ما سد رمقه ثم وجد لقمة حلالا لم يجز أن يأكل من المحرم حتى يأكلها فإذا أكلها هل له الإتمام إلى الشبع وجهان وجه المنع أنه باللقمة عاد إلى المنع فيحتاج إلى عود الضرورة‏.‏

قلت‏:‏ الأصح الجواز والله أعلم‏.‏

السادسة لو لم يجد المضطر إلى طعام غيره وهو غائب أو ممتنع من البذل فهل يقتصر على سد الرمق أم له الشبع فيه طرق أصحها طرد الخلاف كالميتة والثاني له الشبع قطعا والثالث ليس له قطعا‏.‏

السابعة المحرم الذي يضطر إلى تناوله قسمان مسكر وغيره فيباح جميعه ما لم يكن فيه إتلاف معصوم فيجوز للمضطر قتل الحربي والمرتد وأكله قطعا وكذا الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة على الأصح فهم ولو كان له قصاص على غيره ووجده في حالة اضطرار فله قتله قصاصا وأكله وإن لم يحضره السلطان‏.‏

وأما المرأة الحربية وصبيان أهل الحرب ففي التهذيب أنه لا يجوز قتلهم للأكل وجوزه الإمام والغزالي لأنهم ليسوا بمعصومين والمنع من قتلهم ليس لحرمة أرواحهم ولهذا لا كفارة فيهم‏.‏

قلت‏:‏ الأصح قول الإمام والله أعلم‏.‏

والذمي والمعاهد والمستأمن معصومون فيحرم أكلهم ولا يجوز للوالد قتل ولده للأكل ولا للسيد قتل عبده ولو لم يجد إلا آدميا معصوما ميتا فالصحيح حل أكله قال الشيخ إبرهيم المروذي إلا إذا كان الميت نبيا فلا يجوز قطعا قال في الحاوي فإذا جوزنا لا يأكل منه إلا ما يسد الرمق حفظا للحرمتين قال وليس له طبخه وشيه بل يأكله نيئا لأن الضرورة تندفع بذلك وطبخه هتك لحرمته فلايجوز الإقدام عليه بخلاف سائر الميتات فإن للمضطر أكلها نيئة ومطبوخة‏.‏

ولو كان المضطر ذميا والميت مسلما فهل له أكله حكى فيه صاحب التهذيب وجهين قلت‏:‏ القياس تحريمه والله أعلم‏.‏

ولو وجد ميتة ولحم آدمي أكل الميتة وإن كانت لحم خنزير وإن وجد المحرم صيدا ولحم آدمي أكل الصيد ولو أراد المضطر أن يقطع قطعة من فخذه أو غيرها ليأكلها فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم وإلا جاز على الأصح بشرط أن لا يجد غيره فإن وجد حرم قطعا‏.‏

ولا يجوز أن يقطع لنفسه من معصوم غيره قطعا ولا للغير أن يقطع من نفسه للمضطر‏.‏

القسم الثاني المسكر والمذهب عند جمهور الأصحاب أنه لا يحل شرب الخمر لا للتداوي ولا للعطش وقيل يجوز لهما وقيل لهذا دون ذاك وقيل بالعكس فإذا جوزنا للعطش فوجد خمرا وبولا شرب البول لأن تحريمه أخف كما لو وجد بولا وماء نجسا شرب الماء لأن نجاسته طارئة وما سوى المسكر من النجاسات يجوز التداوي به كله على الصحيح المعروف وقيل لا يجوز وقيل لا يجوز إلا بأبوال الإبل وفي جواز التبخر بالند الذي فيه خمر وجهان بسبب دخانه‏.‏

قلت‏:‏ الأصح الجواز لأنه ليس دخان نفس النجاسة والله أعلم‏.‏

الثامنة إذا وجد المضطر طعاما حلالا لغيره فله حالان أحدهما أن يكون مالكه حاضرا فإن كان مضطرا إليه فهو أولى به وليس للأول أخذه منه إذا لم يفضل عن حاجته إلا أن يكون نبيا فإنه يجب على المالك بذله له فإن آثر المالك غيره على نفسه فقد أحسن قال الله تعالى ‏"‏ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ‏"‏ فأما الكافر فلا يؤثره حربيا كان ذميا وكذا لا يؤثر بهيمة على نفسه‏.‏

وإن لم يكن المالك مضطرا لزمه إطعام المضطر مسلما كان أو ذميا أو مستأمنا وكذا لو كان يحتاج إليه في ثاني الحال على الأصح وللمضطر أن يأخذه قهرا أو يقاتله عليه وإن أتى القتال على نفس المالك فلا ضمان فيه وإن قتل المالك المضطر في الدفع عن طعامه لزمه القصاص وإن منعه الطعام فمات جوعا فلا ضمان قال في الحاوي ولو قيل يضمن كان مذهبا وهل القدر الذي يجب على المالك بذله ويجوز للمضطر أخذه قهرا والقتال عليه ما يسد الرمق أم قدر الشبع فيه قولان بناء على القولين في الحلال من الميتة‏.‏

وهل يجب على المضطر الأخذ قهرا والقتال فيه خلاف مرتب على الخلاف في وجوب الأكل من الميتة وأولى بأن لا يجب‏.‏

قلت‏:‏ المذهب لا يجب القتال كما لا يجب دفع الصائل وأولى والله أعلم‏.‏

وخصص صاحب التهذيب الخلاف بما إذا لم يكن عليه خوف في الأخذ قهرا قال فإن كان لم يجب قطعا‏.‏

فرع حيث أوجبنا على المالك بذله للمضطر ففي الحاوي وجه أنه يلزمه بذله مجانا ولا يلزم المضطر شيء كما يأكل الميتة بلا شيء والمذهب أنه لا يلزمه البذل إلا بعوض وبهذا قطع الجمهور‏.‏

وفرقوا بينه وبين ما إذا خلص مشرفا على الهلاك بالوقوع في ماء أو نار فإنه لا تثبت أجرة المثل لأن هناك يلزمه التخليص ولا يجوز التأخير إلى تقرير الأجرة وهنا بخلافه وسوى القاضي أبو الطيب وغيره بينهما فقالوا إن احتمل الحال هناك موافقته على أجرة يبذلها أو يلتزمها لم يلزم تخليصه حتى يلتزمها كما في المضطر وإن لم يحتمل حال التأخير في صورة المضطر فأطعمه لم يلزمه العوض فلا فرق بينهما ثم إن بذل المالك طعامه مجانا لزمه قبوله ويأكله إلى أن يشبع فإن بذله بالعوض نظر إن لم يقدر العوض لزم المضطر قيمة ما أكل في ذلك الكان والزمان وله أن يشبع وإن قدره فإن لم يفرد ما يأكله فالحكم كذلك وإن أفرده فإن كان المقدر ثمن المثل فالبيع صحيح وللمضطر ما فضل عن الأكل‏.‏

وإن كان أكثر والتزمه ففيما يلزمه أوجه أقيسها وهو الأصح عند القاضي أبي الطيب يلزمه المسمى لأنه التزمه بعقد لازم وأصحها عند الروياني لا لزمه إلا ثمن المثل في ذلك الزمان والمكان لأنه كالمكره والثالث وهو اختيار صاحب الحاوي إن كانت الزيادة لا تشق على المضطر ليساره لزمته وإلا فلا قال أصحابنا وينبغي للمضطر أن يحتال في أخذه منه ببيع فاسد ليكون الواجب لكن الوجه جعل الخلاف في صحة العقد لمعنى الإكراه وأن المضطر هل هو مكره أم لا وفي تعليق الشيخ أبي حامد ما يبين ذلك وقد صرح الإمام فقال الشراء بالثمن الغالي للضرورة هل يجعله مكروها حتى لا يصح الشراء وجهان أقيسهما صحة البيع قال وكذا المصادر من جهة السلطان الظالم إذا باع ماله للضرورة ولدفع الأذى الذي يناله والأصح صحة البيع لأنه لا إكراه على البيع ومقصود الظالم تحصيل المال من أي جهة كان وبهذا قطع الشيخ إبرهيم المروذي واحتج به لوجه لزوم المسمى في مسألة المضطر‏.‏

فرع متى باع المالك بثمن المثل ومع المضطر مال لزمه شراؤه وصرف ما معه إلى الثمن حتى لو كان معه إزار فقط لزمه صرفه إليه إن لم يخف الهلاك بالبرد ويصلي عاريا لأن كشف العورة أخف من أكل الميتة ولهذا يجوز أخذ الطعام قهرا ولا يجوز أخذ ساتر العورة قهرا وإن لم يكن معه مال لزمه التزامه في ذمته سواء كان له مال في موضع آخر أم لا ويلزم المالك في هذا الحال البيع نسيئة‏.‏

فرع ليس للمضطر الأخذ قهرا إذا بذل المالك بثمن المثل فإن طلب أكثر فله أن لا يقبل ويأخذه قهرا ويقاتله عليه فإن اشتراه بالزيادة مع إمكان أخذه قهرا فهو مختار في الالتزام فيلزمه المسمى بلا خلاف‏.‏

والخلاف السابق إنما هو فيمن عجز عن الأخذ قهرا‏.‏

فرع لو أطعمه المالك ولم يصرح بالإباحة فالأصح أنه لا عوض عليه ويحمل على المسامحة المعتادة في الطعام ولو اختلفا فقال أطعمتك بعوض فقال بل مجانا فهل يصدق المالك لأنه أعرف بدفعه أم المضطر لبراءة ذمته وجهان أصحهما الأول ولو أوجر المالك المضطر قهرا أو أوجره وهو مغمى عليه فهل يستحق القيمة وجهان أحسنهما يستحق لأنه خلصه من الهلاك كمن عفا عن القصاص ولما فيه من التحريض على مثل ذلك‏.‏

فرع كما يجب بذل المال لإبقاء الآدمي المعصوم يجب بذله لإبقاء البهيمة المحترمة وإن كان ملكا للغير‏.‏

ولا يجب البذل للحربي والمرتد والكلب العقور ولو كان لرجل كلب غير عقور جائع وشاة لزمه الحال الثاني أن يكون المالك غائبا فيجوز للمضطر أكل طعامه ويغرم له القيمة وفي وجوب الأكل وقدر المأكول ما سبق من الخلاف‏.‏

وإن كان الطعام لصبي أو مجنون والولي غائب فكذلك وإن كان حاضرا فهو في ما لهما ككامل الحال في ماله وهذه إحدى الصور التي يجوز فيها بيع مال الصبي نسيئة‏.‏

المسألة التاسعة إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير وهو غائب فثلاثة أوجه ويقال أقوال أصحها يجب أكل الميتة والثاني الطعام والثالث يتخير بينهما وأشار الإمام إلى أن هذا الخلاف مأخوذ من الخلاف في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي وإن كان صاحب الطعام حاضرا فإن بذله بلا عوض أو بثمن مثله أو بزيادة يتغابن الناس بمثلها ومعه ثمنه أو رضي بذمته لزمه القبول وإن لم يبعه إلا بزيادة كبيرة فالمذهب الذي قطع به العراقيون والطبريون وغيرهم أنه لا يلزمه شراؤه لكن يستحب وإذا لم يلزمه الشراء فهو كما لو لم يبذله أصلا وإذا لم يبذله لا يقاتله عليه المضطر إن خاف من المقاتلة على نفسه أو خاف إهلاك المالك في المقاتلة بل يعدل إلى الميتة وإن كان لا يخاف لضعف المالك وسهولة دفعه فهو على الخلاف المذكور فيما إذا كان غائبا وقال في التهذيب يشتريه بالثمن الغالي ولا يأكل الميتة ثم يجيء الخلاف في أنه يلزمه المسمى أو ثمن المثل قال وإذا لم يبذل أصلا وقلنا طعام الغير أولى من الميتة يجوز أن يقال يقاتله ويأخذه قهرا‏.‏

العاشرة لو اضطر محرم ولم يجد إلا صيدا فله ذبحه وأكله ويلزمه الفدية وإن وجد صيدا وميتة فالمذهب أنه يلزمه أكل الميتة وفي قول الصيد وفي قول أو وجه يتخير وقيل يأكل الميتة قطعا ولو وجد المحرم لحم صيد ذبح وميتة فإن ذبحه حلال لنفسه فهذا مضطر وجد ميتة وطعام الغير وإن ذبحه هذا المحرم قبل إحرامه فهو واجد طعاما حلالا لنفسه فليس مضطرا وإن ذبحه في الإحرام أو ذبحه محرم آخر فأوجه‏.‏

أصحها يتخير بينهما والثاني تتعين الميتة والثالث الصيد ولو وجد المحرم صيدا وطعام الغير فهل يتعين الصيد أم الطعام أم يتخير فيه ثلاثة أوجه أو أقوال سواء جعلنا الصيد الذي يذبحه المحرم ميتة أم لا وإن وجد صيدا وميتة وطعام الغير فسبعة أوجه أصحها تتعين الميتة والثاني الطعام‏.‏

والثالث الصيد والرابع يتخير بينها والخامس تخير بين الطعام والميتة والسادس يتخير بين الصيد والميتة والسابع يتخير بين الصيد والطعام‏.‏

فرع إذا لم نجعل ما ذبحه المحرم من الصيد ميتة فهل على ما يأكل منه وجهان بناء على القولين في أن قلت‏:‏ ينبغي أن يكون الراجح ترك الكلب والتخيير بين الباقي والله أعلم‏.‏

الثانية عشرة ليس للعاصي بسفره أكل الميتة حتى يتوب على الصحيح وسبق بيانه في صلاة المسافر‏.‏

الثالثة عشرة نص الشافعي رضي الله عنه أن المريض إذا وجد مع غيره طعاما يضره ويزيد في مرضه جاز له تركه وأكل الميتة ويلزم مثله لو كان الطعام له وعد هذا من أنواع الضرورة وكذا التداوي كما سبق وسبق أيضا في أول الكتاب بيان الانتفاع بالنجاسات ولو تنجس الخف بخرزه بشعر الخنزير فغسل سبعا إحداهن بتراب طهر ظاهره دون باطنه وهو موضع الخرز وقيل كان الشيخ أبو زيد يصلي في الخف النوافل دون الفرائض فراجعه القفال فيه فقال الأمر إذا ضاق اتسع أشار إلى كثرة النوافل‏.‏

قلت‏:‏ بل الظاهر أنه أراد أن هذا القدر مما تعم به البلوى ويتعذر أو يشق الاحتراز منه فعفي عنه مطلقا وإنما كان لا يصلي فيه الفريضة احتياطا لها وإلا فمقتضى قوله العفو فيهما ولا فرق بين الفريضة والنفل في اجتناب النجاسة ومما يدل على صحة ما تأولته أن القفال قال في شرحه التلخيص سألت أبا زيد عن الخف يخرز بشعر الخنزير هل تجوز الصلاة فيه فقال الأمر إذا ضاق اتسع قال القفال مراده أن بالناس حاجة إلى الخرز به فللضرورة جوزنا ذلك

 فصل في مسائل تتعلق بالأطعمة

إحداها قال الشيخ إبرهيم المروذي في تعليقه أن نحكم بالتحريم إن ظهرت المضرة فيه‏.‏

قلت‏:‏ قطع صاحب المهذب وغيره بتحريم أكل التراب والله أعلم‏.‏

الثانية يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه ويكره أن يعيب الطعام ويستحب أن يأكل من أسفل الصحفة وأن يقول بعد الفراغ الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه‏.‏

الثالثة إذا استضاف مسلم لا اضطرار به مسلما استحب له ضيافته ولا تجب والأحاديث الواردة في الباب محمولة على الاستحباب‏.‏

الرابعة من مر بثمر غيره أو زرعه لم يجز له أن يأخذ منه ولا يأكل بغير إذن صاحبه إلا أن يكون مضطرا فيأكل ويضمن وحكم الثمار الساقطة من الأشجار حكم سائر الثمار إن كانت داخل الجدار فإن كانت خارجه فكذلك إن لم تجر عادتهم بإباحتها فإن جرت بذلك فهل تجري العادة المطردة مجرى الإباحة وجهان‏.‏

قلت‏:‏ الأصح تجري والمختار أنه يجوز أكل الإنسان من طعام قريبه وصديقه بغير إذنه إذا غلب على ظنه أنه لا يكره ذلك فإن تشكك فحرام بلا خلاف ويستحب ترك التبسط في الأطعمة المباحة فإنه ليس من أخلاق السلف هذا إذا لم تدع إليه حاجة كقرى الضيف والتوسعة على العيال في الأوقات المعروفة والسنة اختيار الحلو من الأطعمة وتكثير الأيدي على الطعام والتسمية في أوله فإن نسي وتركها في أوله أتى بها في أثناء الأكل ويستحب الجهر بها ليذكره غيره ويستحب الحديث الحسن على الأكل وقد بقيت آداب تتعلق بالأكل أخرتها إلى باب الوليمة لكونه أليق بها والله أعلم‏.‏

 كتاب النذر

هو التزام شيء وفيه فصلان

 الفصل الأول أركان النذر

أركان النذر وهي ثلاثة الناذر والمنذور والصيغة‏.‏

الأول الناذر وهو كل مكلف مسلم فلا يصح نذر الصبي والمجنون وفي نذر السكران الخلاف في تصرفاته ولا يصح نذر الكافر لى الصحيح ويصح من السفيه المحجور عليه بفلس نذر القرب البدنية ولا تصح المالية من السفيه وأما المفلس فإن التزم في ذمته ولم يعين مالا صح نذره ويؤديه بعد قضاء حقوق الغرماء فإن عين مالا بني على ما لو أعتق أو وهب هل يوقف صحة تصرفه قال ولو نذر عتق المرهون انعقد نذره فإن نفذنا عتقه في الحال أو عند أداء المال وإلا فهو كمن نذر إعتاق من لا يملكه‏.‏

الركن الثاني الصيغة فلا يصح النذر إلا باللفظ وفي قول قديم تصير الشاة ونحوها هديا وأضحية بالنية وحدها أو بها مع التقليد كما سبق في بابه ثم النذر قسمان‏.‏

أحدهما نذر التبرر وهو نوعان‏.‏

أحدهما نذر المجازاة وهو أن يلتزم قربة في مقابلة حدوث نعمة أو اندفاع بلية كقوله إن شفى الله مريضي أو رزقني ولدا فلله علي أعتاق أو صوم أو صلاة‏.‏

فإذا حصل المعلق عليه لزمه الوفاء بما التزم ولو قال فعلي ولم يقل فلله علي فالصحيح أنه كذلك وقيل لا بد من التصريح بذكر الله تعالى وهو قريب من الخلاف في وجوب الإضافة إلى الله تعالى في نية الوضوء والصلاة‏.‏

النوع الثاني أن يلتزم ابتداء من غير تعليق على شيء فيقول لله علي أن أصلي أو أصوم أو أعتق فقولان وقيل وجهان أظهرهما يصح ويلزم الوفاء به والثاني لا يصح ولا يلزمه شيء فرع تعقيب النذر بالمشيئة لو عقب النذر بالمشيئة فقال لله علي كذا إن شاء الله لم يلزمه شيء كما هو في تعقيب الأيمان القسم الثاني نذر اللجاج والغضب وهو أن يمنع نفسه من فعل أو يحثها عليه بتعليق التزام قربة الفعل أو بالترك ويقال فيه يمين اللجاج والغضب ويقال له أيضا يمين الغلق ويقال نذر الغلق بفتح العين المعجمة واللام فإذا قال إن كلمت فلانا أو دخلت الدار أو إن لم أخرج من البلد فإنه علي صوم شهر أو صلاة فلله أو حج أو إعتاق رقبة ثم كلمه أو دخل أو لم يخرج ففيما يلزمه طرق‏.‏

أشهرها على ثلاثة أقوال أحدها يلزمه الوفاء بما التزم والثاني يلزمه كفارة يمين والثالث يتخير بينهما وهذا الثالث هو الأظهر عند العراقيين لكن الأظهر على ما ذكره صاحب التهذيب والروياني وإبرهيم المروذي والموفق بن طاهر وغيرهم وجوب الكفارة‏.‏

والطريق الثاني القطع بالتخيير والثالث نفي التخيير والاقتصار على القولين الأولين والرابع الاقتصار على التخيير وقول وجوب الكفارة ونفي القول الأول والخامس الاقتصار على التخيير ولزوم الوفاء ونفي وجوب الكفارة‏.‏

قلت‏:‏ الأظهر التخيير بين الجميع والله أعلم‏.‏

فإن قلنا بوجوب الكفارة فوفى بما التزم لم تسقط الكفارة على الأصح فإن كان الملتزم من جنس ما تتأدى به الكفارة فالزيادة على قدر الكفارة تقع تطوعا وإن قلنا بالتخيير فلا فرق بين الحج والعمرة وسائر العبادات وخرج قول أنه يلزم الوفاء بهما خاصة لعظم أمرهما كما يلزمان فرع إذا التزم على وجه اللجاج إعتاق عبد بعينه فإن قلنا واجبه بما التزم أعتقه كيف كان وإن قلنا عليه كفارة يمين فإن كان بحيث يجزىء في الكفارة فله أن يعتقه أو يعتق غيره أو يطعم أو يكسو وإن كان بحيث لا يجزىء واختار الإعتاق أعتق غيره وإن قلنا يتخير فإن اختار الوفاء أعتقه كيف كان وإن اختار التكفير اعتبر في إعتاقه صفات الإجزاء‏.‏

وإن التزم إعتاق عبيده فإن أوجبنا الوفاء أعتقهم وإن أوجبنا الكفارة أعتق واحدا أو أطعم أو كسا‏.‏

وإن قال إن فعلت كذا فعبدي حر وقع العتق إذا فعله بلا خلاف‏.‏

فرع لو قال إن فعلت كذا فعلي نذر أو فلله علي الله أنه يلزمه كفارة يمين وبهذا قطع صاحب التهذيب وإبرهيم المروذي وقال القاضي حسين وغيره هذا تفريع على قولنا تجب الكفارة فأما إن أوجبنا الوفاء فيلزمه قربة من القرب والتعيين إليه وليكن ما يعينه مما يلتزم بالنذر وعلى قول التخيير يتخير بين ما ذكرنا وبين الكفارة‏.‏

ولو قال إن فعلت كذا فعلي كفارة يمين فالواجب كفارة على الأقوال كلها ولو قال فعلي يمين أو فلله علي يمين فالصحيح أنه لغو لأنه لم يأت بنذر ولا صيغة يمين وليست اليمين مما يثبت في الذمة‏.‏

وقيل يلزمه كفارة يمين إذا فعله قال الإمام وعلى هذا فالوجه أن يجعل كناية ويرجع إلى نيته ولو قال نذرت لله لأفعلن كذا فإن نوى اليمين فهو يمين‏.‏

وإن أطلق فوجهان ولو عدد أجناس قرب فقال إن دخلت فعلي حج وعتق وصدقة فإن أوجبنا الوفاء لزمه ما التزمه وإن أوجبنا الكفارة لزمه كفارة واحدة على المذهب وعن الشيخ أبي محمد احتمال في تعددها‏.‏

ولو قال ابتداء لله علي أن أدخل الدار اليوم قال في التهذيب المذهب أنه يمين وعليه كفارة يمين إن لم يدخل وكذا لو قال لامرأته إن دخلت الدار فلله علي أن أطلقك فهو كقوله إن دخلت الدار فوالله لأطلقنك حتى إذا مات أحدهما قبل التطليق لزمه كفارة يمين‏.‏

ولو قال إن دخلت الدار فلله علي أن آكل الخبز فدخلها لزمه كفارة يمين على الصحيح وقيل هو لغو‏.‏

فرع لو قال ابتداء مالي صدقة أو في سبيل الله ففيه أحدها وهو الأصح عند الغزالي وقطع به القاضي حسين أنه لغو لأنه لم يأت بصيغة التزام والثاني أنه كما لو قال لله علي أن أتصدق بمالي فيلزمه التصدق‏.‏

والثالث يصير ماله بهذا اللفظ صدقة كما لو قال جعلت هذه الشاة أضحية وقال في التتمة إن كان المفهوم من اللفظ في عرفهم معنى النذر أو نواه فهو كما لو قال لله علي أن أتصدق بمالي أو أنفقه في سبيل الله وإلا فلغو‏.‏

وأما إذا قال إن كلمت فلانا أو فعلت كذا فمالي صدقة فالمذهب الذي قطع به الجمهور ونص عليه الشافعي رحمه الله أنه بمنزلة قوله فعلي أن أتصدق بمالي أو بجميع مالي وطريق الوفاء أن يتصدق بجميع أمواله‏.‏

وإذا قال في سبيل الله يتصدق بجميع أمواله على الغزاة وقال إمام الحرمين والغزالي يخرج هذا على الأوجه الثلاثة في الصورة الأولى والمعتمد ما نص عليه وقاله الجمهور‏.‏

فرع الصيغة قد تتردد فتحتمل نذر التبرر وتحتمل نذر اللجاج فيرجع فيها في السبب وهو شفاء المريض مثلا بالتزام المسبب وهو القربة المسماة وفي اللجاج يرغب عن السبب لكراهته الملتزم وذكر الأصحاب في ضبطه أن الفعل إما طاعة وإما معصية وإما مباح والالتزام في كل واحد منهما تارة يعلق بالإثبات وتارة بالنفي‏.‏

أما الطاعة ففي طرف الإثبات يتصور نذر التبرر بأن يقول إن صليت فلله علي صوم يوم معناه إن وفقني الله للصلاة صمت فإذا وفق لها لزمه الصوم ويتصور اللجاج بأن يقال له صل فيقول لا أصلي وإن صليت فعلي صوم أو عتق فإذا صلى ففيما يلزمه الأقوال والطرق السابقة

وأما في طرف النفي فلا يتصور نذر التبرر لأنه لا بر في ترك الطاعة ويدخله اللجاج بأن يمنع من الصلاة فيقول إن لم أصل فلله علي كذا فإذا لم يصل ففيما يلزمه الأقوال‏.‏

وأما المعصية ففي طرف النفي يتصور نذر التبرر بأن يقول إن لم أشرب الخمر فلله علي كذا ويقصد إن عصمني الله من الشرب ويتصور نذر اللجاج بأن يمنع من شربها ويقول إن لم أشربها فلله علي صوم أو صلاة وفي طرف الإثبات لا يتصور إلا اللجاج بأن يؤمر بالشرب فيقول إن شربت فلله علي كذا‏.‏

وأما المباح فيتصور في طرفي النفي والإثبات فيه النوعان معا فالتبرر في الإثبات أن أكلت كذا فلله علي صوم يريد أن يسره الله تعالى لي واللجاج أن يؤمر بأكله فيقول إن أكلت فلله علي كذا والتبرر في النفي إن لم آكل كذا فلله علي صوم يريد إن أعانني الله تعالى على كسر شهوتي فتركته‏.‏

واللجاج أن يمنع من أكله فيقول إن لم آكله فلله علي كذا وإن قال إن رأيت فلانا فعلي صوم فإن أراد إن رزقني الله رؤيته فهو نذر تبرر وإن ذكره لكراهته رؤيته فهو لجاج وفي الوسيط وجه في منع التبرر في المباح‏.‏

فرع لا فرق في جميع ما ذكرناه بين قوله فعلي كذا علي كذا هذا هو الصحيح وفي وجه لا يلزمه شيء إذا لم يذكر الله تعالى‏.‏

فرع لو قال أيمان البيعة لازمة لي قال أصحابنا كانت البيعة في رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمصافحة فلما ولي الحجاج رتبها أيمانا تشتمل على ذكر اسم الله تعالى وعلى الطلاق والإعتاق والحج وصدقة المال فإن يرد القائل الأيمان التي رتبها الحجاج لم يلزمه شيء وإن أرادها نظر إن قال فطلاقها وعتاقها لازم لي وانعقدت يمينه بهما ولا حاجة إلى النية وإن لم يصرح بذكرهما لكن نواهما فكذلك لأنهما ينعقدان بالكناية مع النية وإن نوى اليمين بالله تعالى أو لم ينو شيئا لم تنعقد يمينه ولا شيء عليه‏.‏

فرع نذر اللجاج نص الشافعي رضي الله عنه في نذر اللجاج أنه لو قال كذا فلله علي نذر حج إن شاء فلان فشاء لم يكن عليه شيء قال في التتمة هذا إذا غلبنا في اللجاج معنى في النذر فإن قلنا هو يمين فهو كمن قال والله لا أفعل كذا إن شاء زيد وسيأتي في الأيمان إن شاء الله تعالى أن من قال والله لا أدخلها إن شاء فلان أن لا أدخلها فإن شاء فلان انعقدت يمينه عند المشيئة وإلا فلا‏.‏

الركن الثالث المنذور الملتزم بالنذر معصية أو طاعة أو مباح فالمعصية كنذر شرب الخمر أو الزنا أو القتل أو الصلاة في حال الحدث أو الصوم في حال الحيض أو القراءة حال الجنابة أو نذر ذبح نفسه أو ولده فلا ينعقد نذره فإن لم يفعل المعصية المنذورة فقد أحسن ولا كفارة عليه على المذهب وبه قطع جمهور الأصحاب وحكى الربيع قولا في وجوبها‏.‏

واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي للحديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين قال الجمهور قلت‏:‏ هذا الحديث بهذا اللفظ ضعيف باتفاق المحدثين وإنما صح حديث عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نذر في معصية الله رواه مسلم وحديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم كفارة النذر كفارة اليمين رواه مسلم والله أعلم‏.‏

وأما الطاعة فأنواع أحدها الواجبات فلا يصح نذرها لأنها واجبة بإيجاب الشرع فلا معنى لالتزامها وذلك كنذر الصلوات الخمس وصوم رمضان وكذا لو نذر أن لا يشرب الخمر ولا يزني وسواء علق ذلك بحصول نعمة أو التزمه ابتداء وإذا خالف ما ذكره ففي لزوم الكفارة ما سبق في قسم المعصية وادعى صاحب التهذيب أن الظاهر هنا وجوبها‏.‏

النوع الثاني العبادات المقصودة وهي التي شرعت للتقرب بها وعلم من الشارع الاهتمام بتكلف الخلق إيقاعها عبادة كالصوم والصلاة والصدقة والحج والاعتكاف والعتق فهذه تلزم بالنذر بلا خاف قال الإمام وفروض الكفاية التي يحتاج في أدائها إلى بذل مال أو مقاساة مشقة تلزم بالنذر أيضا كالجهاد وتجهيز الموتى ويجيء مما سنذكره إن شاء الله تعالى في نذر السنن الراتبة وجه أنها لا تلزم وعن القفال أن من نذر الجهاد لا يلزمه شيء وفي صلاة الجنازة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ليس فيه بذل مال ولا كبير مشقة وجهان أصحهما لزومها بالنذر أيضا‏.‏

كما يلزم أصل العبادة بالنذر يلزم الوفاء بالصفة المستحبة فيها إذا الركوع أو السجود أو شرط المشي في الحجة الملتزمة إذا قلنا المشي في الحج أفضل من الركوب فلو أفردت الصفة بالنذر والأصل واجب شرعا كتطويل القراءة والركوع والسجود في الفرائض أو أن يقرأ في الصبح مثلا سورة كذا أو أن يصلي الفرض في جماعة فالأصح لزومها لأنها طاعة والثاني لا لئلا تغير عما وضعها الشرع عليه ولو نذر فعل السنن الراتبة كالوتر وسنة الفجر والظهر فعلى الوجهين ولو نذر صوم رمضان في السفر فوجهان أحدهما وبه قطع في الوجيز ونقله إبرهيم المروذي عن عامة الأصحاب لا ينعقد نذره وله الفطر لأنه التزام يبطل رخصة الشرع والثاني وهو اختيار القاضي حسين وصاحب التهذيب انعقاده ولزوم الوفاء كسائر المستحبات ويجري الوجهان فيمن نذر إتمام الصلاة في السفر إذا قلنا الإتمام أفضل ويجريان فيمن نذر القيام في النوافل أو استيعاب الرأس بالمسح أو التثليث في الوضوء أو الغسل أو أن يسجد للتلاوة والشكر عند مقتضيهما قال الإمام وعلى مساق الوجه لو نذر المريض القيام في الصلاة وتكلف المشقة أو نذر صوما وشرط أن لا يفطر بالمرض لم يلزم الوفاء لأن الواجب بالنذر لا يزيد على الواجب شرعا والمرض مرخص‏.‏

النوع الثالث القربات التي لم تشرع لكونها عبادة وإنما هي أعمال وأخلاق مستحسنة رغب الشرع فيها لعظم فائدتها وقد يبتغى بها وجه الله تعالى فينال الثواب فيها كعيادة المرضى وزيارة القادمين وإفشاء السلام بين المسلمين وتشميت العاطس وفي لزومها بالنذر وجهان الصحيح اللزوم ويلزم تجديد الوضوء بالنذر على الأصح قال في التتمة لو نذر الاغتسال لكل صلاة لزمه الوفاء وليبن هذا على أن تجديد الغسل هل يستحب قال ولو نذر الوضوء انعقد نذره ولا يخرج عنه بالوضوء عن حدث بل بالتجديد‏.‏

قلت‏:‏ جزم أيضا بانعقاد نذر الوضوء القاضي حسين وفي التهذيب وجه ضعيف أنه لا يلزم وقولهم لا يخرج عن النذر إلا بالتجديد معناه بالتجديد حيث يشرع وهو أن يكون قد صلى بالأول صلاة ما على الأصح والله أعلم‏.‏

قال ولو نذر أن يتوضأ لكل صلاة لزم الوضوء لكل صلاة وإذا توضأ لها عن حدث لا يلزمه الوضوء لها ثانيا بل يكفي الوضوء الواحد عن واجبي الشرع والنذر قال ولو نذر التيمم لم ينعقد على المذهب قال ولو نذر أن لا يهرب من ثلاثة فصاعدا من الكفار فإن علم من نفسه القدرة على مقاومتهم انعقد نذره وإلا فلا وفي كلام الإمام أنه لا يلزم بالنذر انكفاف قط حتى لو نذر أن لا يفعل مكروها لا ينعقد نذره ولو نذر أن يحرم بالحج في شوال أو من بلد كذا لزمه على الأصح وأما المباح فالذي لم يرد فيه ترغيب كالأكل والنوم والقيام والقعود فلو نذر فعلها أو تركها قال الأئمة وقد يقصد بالأكل التقوي على العبادة وبالنوم النشاط عند التهجد فينال الثواب لكن الفعل غير مقصود والثواب يحصل بالقصد الجميل وهل يكون نذر المباح يمينا توجب الكفارة عند المخالفة فيه ما سبق في نذر المعاصي والفرض وقطع القاضي بوجوب الكفارة في المباح وذكر في المعصية وجهين وعلق الكفارة باللفظ من غير حنث وهذا لا يتحقق ثبوته والصواب في كيفية الخلاف ما قدمناه‏.‏

فرع نذر الجهاد في جهة معينة لو نذر الجهاد في جهة بعينها ففي تعيينها أوجه قال صاحب التلخيص يتعين لاختلاف الجهات وقال أبو زيد لا يتعين بل يجزئه أن يجاهد في جهة أسهل وأقرب منها وقال الشيخ أبو علي وهو الأصح الأعدل لا يتعين لكن يجب أن تكون التي يجاهد فيها كالمعينة في المسافة والمؤنة وتجعل مسافات الجهات كمسافات مواقيت الحج‏.‏

فرع يشترط في القربة المالية كالصدقة والتضحية والإعتاق أن يلتزمها في الذمة أو يضيف إلى فإن كان لغيره لم ينعقد نذره قطعا ولا كفارة عليه على المذهب وبه قطع الجمهور وذكر في التتمة في لزومها وجهين وهو شاذ قال في التتمة لو قال إن ملكت عبدا فلله علي أن أعتقه انعقد نذره قال ولو قال إن شفى الله مريضي فكل عبد أملكه حر أو فعبد فلان حر إن ملكته لم ينعقد نذره قطعا لأنه لم يلتزم التقرب بقربة لكن علق الحرية بعد حصول النعمة بشرط وليس هو مالكا في حال التعليق فلغا كما لو قال إن ملكت عبدا أو عبد فلان فهو حر فإنه لا يصح قطعا‏.‏

قال ولو قال إن شفى الله مريضي فعبدي حر إن دخل الدار انعقد لأنه مالكه وقد علقه بصفتين الشفاء والدخول قال ولو قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أشتري عبدا وأعتقه انعقد‏.‏

فرع قال في التهذيب في باب الاستسقاء لو نذر الإمام أن يستسقي أن يخرج في الناس ويصلي بهم ولو نذره واحد من الناس لزمه أن يصلي منفردا وإن نذر أن يستسقي بالناس لم ينعقد لأنهم لا يطيعونه ولو نذر أن يخطب وهو من أهله لزمه وهل له أن يخطب قاعدا مع استطاعته القيام فيه خلاف كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الصلاة المنذورة‏.‏

فرع سئل الغزالي رحمه الله في فتاويه عما لو قال البائع للمشتري إن خرج المبيع مستحقا فلله علي أن أهبك ألف دينار فهل يصح هذا النذر أم لا وإن حكم حاكم بصحته هل يلزمه فأجاب بأن الصاحات لا تلزم بالنذر وهذا مباح ولا يؤثر فيه قضاء القاضي إلا إذا نقل مذهب معتبر في لزوم ذلك النذر‏.‏

فرع قال بعضهم لو نذر أن يكسو يتيما لم يخرج عن لأن مطلقه في الشرع للمسلم‏.‏

قلت‏:‏ ينبغي أن يكون فيه خلاف مبني على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع أو جائزه كما لو نذر إعتاق رقبة والله أعلم‏.‏

 الفصل الثاني في أحكام النذر

إذا صح النذر لزم الوفاء به والمعتبر فيه مقتضى ألفاظ الالتزام والملتزمات أنواع الأول الصوم فإن أطلق التزامه فقال لله علي صوم أو أن أصوم لزمه صوم يوم ويجيء فيه وجه ضعيف أنه يكفيه إمساك بعض يوم بناء على أن النذر ينزل على أقل ما يصح من جنسه وأن إمساك بعض اليوم صوم وسنذكرهما إن شاء الله تعالى ولو نذر صوم أيام وقدرها فذاك وإن أطلق ذكر الأيام لزمه فرع تبييت النية في الصوم المنذور هل يجب تبييت النية في الصوم المنذور أم تكفي نيته يبنى ذلك على أنه إذا التزم عبادة بالنذر وأطلقها فعلى أي شيء ينزل نذره فيه قولان مأخوذان من معاني كلام الشافعي رحمه الله أحدهما ينزل على أقل واجب من جنسه يجب بأصل الشرع لأن المنذور واجب فجعل كواجب بالشرع ابتداء‏.‏

والثاني ينزل على أقل ما يصح من جنسه وقد يقال على أقل جائز الشرع لأن لفظ الناذر لا يقتضي التزام زيادة عليه‏.‏

وهذا الثاني أصح عند الإمام والغزالي ولكن الأول أصح فقد صححه العراقيون والروياني وغيرهم فإن قلنا بالقول الأول أوجبنا التبييت وإلا جوزناه بنية من النهار هذا إذا أطلق نذر الصوم‏.‏

فأما إذا نذر صوم يوم أو أيام فصحته بنية النهار مع التنزيل على أقل ما يصح تنبني على أصل آخر وهو أن صوم التطوع إذا نواه نهارا هل يكون صائما من وقت النية أم من أول النهار وفيه خلاف سبق في بابه والأصح الثاني‏.‏

فإن قلنا به صح صوم الناذر بنية النهار وإلا وجب التبييت وينبني على القولين في تنزيل النذر مسائل‏.‏

منها لو نذر أن يصلي وأطلق إن قلنا بالقول الثاني فركعة وإلا فركعتان وهو المنصوص ومنها جواز الصلاة قاعدا مع القدرة على القيام فيه وجهان بناء عليهما فلو نذر أن يصلي قاعدا جاز القعود قطعا كما لو صرح بنذر ركعة أجزأته قطعا‏.‏

فإن صلى قائما فهو أفضل ولو نذر أن يصلي قائما لزمه القيام قطعا ولو نذر أن يصلي ركعتين فصلى أربعا بتسليمة واحدة بتشهد أو بتشهدين قطع صاحب التهذيب بجوازه وفي التتمة فيه وجهان ويمكن بناؤه على الأصل السابق إن نزلنا على واجب الشرع لم يجزئه كما لو صلى الصبح أربعا وإلا أجزأه وإن نذر أربع ركعات فإن نزلنا على واجب الشرع أمرناه بتشهدين فإن ترك الأول سجد للسهو ولا يجوز أداؤها بتسليمتين وان نزلنا على الجائز تخير إن شاء بتشهدين ويجوز بتسلمتين بل هو أفضل‏.‏

قلت‏:‏ الأصح أنه يجوز بتسليمتين والفرق بين هذه المسألة وباقي المسائل المخرجة على هذا الأصل عليه وقوع الصلاة مثنى وزيادة فضلها والله أعلم‏.‏

ولو نذر أن يصلي ركعتين على الأرض مستقبلا القبلة لم يجز فعلهما على الراحلة ولو نذر فعلهما على الراحلة فله فعلهما على الأرض مستقبلا وأن أطلق فعلى أيهما يحصل فيه خلاف مبني على هذا الأصل وأما لو نذر أن يتصدق فإنه لا يحمل على خمسة دراهم أو نصف دينار بل يجزئه أن يتصدق بدانق ودونه مما يتمول لأن الصدقة الواجبة في الزكاة غير منحصرة في نصاب الذهب والفضة بل تكون في صدقة الفطر وفي الخلطة‏.‏

ومنها إذا نذر إعتاق رقبة فإن نزلنا على واجب الشرع لزمه رقبة مؤمنة سليمة وإلا أجزأه كافرة معيبة قال الداركي الأول أصح‏.‏

قلت‏:‏ الأصح عند الأكثرين الثاني منهم المحاملي وصاحبا التنبيه والمستظهري وهو الراجح في الدليل والله أعلم‏.‏

فلو قيد فقال لله علي إعتاق رقبة مؤمنة سليمة لم تجزه الكافرة ولا المعيبة قطعا‏.‏

ولو قال كافرة أو معيبة أجزأته قطعا ولو أعتق مسلمة أو سليمة فقيل لا تجزئه والصحيح أنها تجزئه لأنها أكمل وذكر الكفر والعيب ليس للتقرب بل لجواز الاقتصار على الناقص فصار كمن نذر التصدق بحنطة رديئة يجوز له التصدق بالجيدة‏.‏

ولو قال علي أن أعتق هذا الكافر أو المعيب لم يجزئه غيره لتعلق النذر بعينه أما لو نذر أن يعتكف فليس جنس الاعتكاف واجبا بالشرع وقد سبق في بابه وجهان في أنه هل يشترط فعلى هذا لابد من لبث ويخرج عن النذر بلبث ساعة ويستحب أن يمكث يوماً وإن اكتفينا بالمرور فللإمام فيه احتمالان أحدهما يشترط لبث لأن لفظ الاعتكاف يشعر به والثاني لا حملا له على حقيقته شرعا‏.‏