فصل: الباب الثاني في حكم الظهار

مساءً 1 :46
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
17
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 الباب الثاني في أحكام الإيلاء وفيه أربعة أطراف

الطرف الأول في ضرب المدة فالإيلاء يقتضي ضرب المدة وهي أربعة أشهر بنص القرآن الكريم وهي حق للزوج كالأجل حق للمدين وتحسب من وقت الإيلاء ولا يحتاج إلى ضرب القاضي وسواء كان الزوجان حرين أو رقيقين أو حراً ورقيقاً‏.‏

ابتداء أو دواماً قد سبق أنه إذا آلى من رجعية صح وتحسب المدة من وقت الرجعة لا من وقت اليمين ولو آلى من زوجته ثم طلقها رجعياً انقضت المدة لجريانها إلى البينونة فلو راجعها استؤنفت المدة لأن الإضرار إنما يحصل بالامتناع المتوالي في نكاح سليم وحكى المتولي وجهاً أنه يبنى عليها تخريجاً مما إذا راجع المطلقة ثم طلقها قبل وطء فإنها تبنى على قول‏.‏

ولو ارتد أحدهما بعد الدخول في المدة انقطعت المدة ولا يحتسب زمان الردة منها لأنها تؤثر في قطع النكاح كالطلاق فإذا أسلم المرتد منهما استؤنفت المدة هذا هو المذهب وبه قطع الجماهير‏.‏

وفي ردة الزوج وجه أنه إذا أسلم يبني وفي وجه حكاه السرخسي أن ردته لا تمنع الاحتساب كمرضه وسائر الأعذار‏.‏

ولو وجد النكاح بعد أن بانت الرجعية أو كان الطلاق بائناً أو بعد البينونة بالردة والإضرار أو بردة قبل الدخول وقلنا يعود الإيلاء استؤنفت المدة‏.‏

ولو طلقها بعد مدة الإيلاء طلقة رجعية بمطالبتها أو ابتداءً ثم راجعها عاد الإيلاء وتستأنف المدة إن كانت اليمين على التأبيد أو كانت مؤقتة وقد بقي من وقت اليمين مدة الإيلاء‏.‏

ولو ارتد أحد الزوجين بعد مضي المدة ثم أسلم قبل انقضاء العدة عاد الإيلاء وتستأنف المدة أيضاً وألحق البغوي العدة عن وطء الشبهة بالطلاق الرجعي وبالردة في منع الاحتساب ووجوب الاستئناف عند انقضائها‏.‏

فرع ما يمنع الوطء من غيره أن يحل بملك النكاح إن وجد في الزوج لم يمنع احتساب المدة بل تضرب المدة مع اقتران المانع بالإيلاء‏.‏

ولو طرأ في المدة لم يقطعها بل تطالب بالفيئة بعد أربعة أشهر إذا كان العذر إيلاء يوم المطالبة وسواء في ذلك المانع الشرعي كالصوم والاعتكاف والإحراًم والحسي كالمرض والحبس والجنون وإن كان المانع فيها فقد يكون حسياً وشرعياً فالحسي كالنشوز والصغر الذي لا يحتمل معه الوطء والمرض المضني المانع من الوطء فإن قارن ابتداء الإيلاء لم تبتدىء المدة حتى تزول وإن طرأ في المدة قطعها هذا هو المذهب في الطرفين وحكى المزني قولاً في حبسه أنه يمنع احتساب المدة فغلطه جمهور الأصحاب في النقل وصدقه بعضهم وحمله على ما إذا حبسته هي وقيل هو محمول على ما إذا حبس ظلماً وحق هذا القائل أن يطرده في المرض وما لا يتعلق باختياره من الموانع وقد مال الإمام إلى هذا فقال كان يحتمل أن يصدق المزني في النقل ويقال فيه وفي نص المرض إنهما على قولين بالنقل والتخريج‏.‏

وعن صاحب التقريب أن البويطي حكى قولاً أن الموانع الطارئة فيها لا تمنع الاحتساب لحصول قصد المضارة ابتداءً‏.‏

فإذا قلنا بالمذهب فطرأ فيها مانع في المدة ثم زال استأنفت المدة على الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور‏.‏

وقيل تبني‏.‏

ولو طرأت هذه الموانع بعد تمام المدة وقبل المطالبة وزالت بعد فلها المطالبة ولا تفتقر إلى استئناف المدة لأنه وجدت المضارة في المدة على التوالي وقيل تستأنف وهو غلط نسبه الإمام إلى بعض الضعفة وجنونها يمنع احتساب المدة إن كانت تمنع التمكين وإلا فلا‏.‏

أما المانع الشرعي فيها فإن كان صوماً أو اعتكافاً مفروضين يمنع الاحتساب ويجب الاستئناف إذا زال وإن كانا تطوعين لم يمنعا الاحتساب لأنه متمكن من وطئها هذا هو الصحيح الذي قطع به الأصحاب في الطرق وعن الشيخ أبي محمد أن العذر الشرعي لا يمنع الاحتساب ولا يقطع المدة وهو ضعيف والحيض لا يمنع الاحتساب قطعاً وكذا النفاس على الأصح‏.‏

الطرف الثاني في كيفية المطالبة فلها المطالبة بأن يفيء أو يطلق وما لم تطلب لا يؤمر الزوج بشيء ولا يسقط حقها بالتأخير ولو تركت حقها ورضيت ثم بدا لها فلها العود إلى المطالبة ما لم تنقض مدة اليمين لأن الضرر متجدد وتختص المطالبة بالزوجة فليس لولي المراهقة والمجنونة المطالبة وحسن أن يقول الحاكم للزوج اتق الله بالفيئة أو الطلاق وإنما يضيق عليه إذا بلغت أو أفاقت وطلبت وليس لسيد الأمة أيضاً مطالبة لأن الاستمتاع حقها‏.‏

فرع إذا وجد مانع من الجماع بعد مضي المدة المحسوبة نظر أهو فيها أم في الزوج فإن كان فيها بأن كانت مريضة لا يمكن وطؤها أو محبوسة لا يمكنه الوصول إليها أو حائضاً أو نفساء أو محرمة أو صائمة أو معتكفة عن فرض لم يثبت لها المطالبة بالفيئة لا فعلاً ولا قولاً لأنه معذور‏.‏

وإن كان المانع فيه فهو طبعي وشرعي فالطبعي بأن يكون مريضاً لا يقدر على الوطء أو يخاف منه زيادة العلة أو بطء البرء فيطالب بالفيئة باللسان أو بالطلاق إن لم يفىء والفيئة باللسان أن يقول إذا قدرت فئت‏.‏

واعتبر الشيخ أبو حامد أن يقول مع ذلك ندمت على ما فعلت وإذا استمهل الفيئة باللسان لم يمهله بحال فإن الوعد هين متيسر ثم إذا زال المانع يطالب الفيئة بالوطء أو بالطلاق تحقيقاً لفيئة اللسان ولا يحتاج هذا الطلب إلى استئناف مدة وإن كان محبوساً ظلماً فكالمريض وإن حبس في دين يقدر على أدائه أمر بالأداء أو الفيئة بالوطء أو الطلاق وأما الشرعي فكالصوم والإحرام والظهار قبل التكفير ففيه طريقان المذهب منهما أنه مبني على أن الزوج لو أراد وطأها وهناك مانع شرعي هل يلزمها التمكين وفيه تفصيل حاصله أنه إن كان المانع يتعلق بهما كالطلاق الرجعي أو يختص بها كالحيض والصوم والإحراًم لم يلزمها بل يحرم عليها التمكين وإن اختص به كصومه وإحرامه فوجهان‏.‏

أحدهما يلزمها التمكين لأنه لا مانع فيها وليس لها منع ما عليها من الحق‏.‏

وأصحهما المنع لأنه موافقة على الحرام وإعانة عليه‏.‏

وإن كان التحريم بسبب الظهار فهل هو كالطلاق الرجعي أم كصومه وجهان فإذا قلنا يجوز التمكين فلها المطالبة بالوطء أو الطلاق‏.‏

فإن أراد الوطء فامتنعت سقط حقها من الطلب وإن قلنا بالمنع فوجهان أحدهما يقنع منه بفيئة اللسان وأصحهما وبه قطع ابن الصباغ يطالب بالطلاق إزالة للضرر عنها بخلاف المانع الطبعي لأن الوطء هناك متعذر وهنا ممكن وهو المضيق على نفسه‏.‏

والطريق الثاني أن يقال له ورطت نفسك بالإيلاء فإن وطئت عصيت وفسدت عبادتك وإن لم تطأ ولم تطلق طلقناها عليك كمن غصب دجاجة ولؤلؤة فابتلعتها يقال له إن ذبحتها غرمتها وإلا غرمت اللؤلؤة‏.‏

ولو قال في صورة الظهار أمهلوني حتى أكفر نظر إن كان يكفر بالصوم لم يمهل وإن كان بالعتق والطعام فعن أبي إسحاق يمهل ثلاثة أيام‏.‏

وفي التهذيب يوماً أو نصف يوم ويمكن أن يكون بحسب تيسر المقصود وهذا إذا لم تطل مدة الإمهال‏.‏

فإن طالت لفقد الرقبة أو مصرف الطعام لم يمهل كذا قاله المتولي‏.‏

وعلى كل حال لو وطىء مع التحريم خرج عن موجب الإيلاء واندفعت الطرف الثالث ما به المطالبة قد تكرر أن المؤلي بعد المدة يطالب بالفيئة أو الطلاق والمقصود الفيئة لكنه يطالب بالطلاق إن لم يفىء‏.‏

قال الإمام وليس لها أن توجه الطلب نحو الفيئة وحدها بل يجب أن تكون المطالبة مترددة فإن لم يفىء وأبى أن يطلق فقولان أظهرهما وهو الجديد وأحد قولي القديم واختيار المزني أنه يطلقها القاضي طلقة‏.‏

والثاني لا يطلق عليه بل يحبسه ويعزره حتى يفيء أو يطلق‏.‏

ولو لم يصرح بالامتناع بل استمهل ليفيء أمهل بلا خلاف قدر ما يتهيأ لذلك الشغل فإن كان صائماً أمهل حتى يفطر أو جائعاً فحتى يشبع أو ثقيلاً من الشبع فحتى يخف أو غلبه النعاس فحتى يزول ويحصل التهيؤ والاستعداد في مثل هذه الأحوال بقدر يوم فما دونه وهل يمهل ثلاثة أيام قولان ويقال وجهان‏.‏

أظهرهما عند الجمهور لا وإذا أمهل فطلق القاضي عليه في مدة الإمهال لم يقع طلاقه إن وجدت الفيئة في مدة المهلة وإن مضت المدة بلا فيئة لم يقع أيضاً على الصحيح‏.‏

فرع ذكر ابن كج أنه لو طلق القاضي عليه فبان أنه وطىء أو طلق قبل تطليق القاضي لم ينفذ طلاق القاضي‏.‏

ولو وقع طلاق الزوج والقاضي معاً نفذ الطلاقان لأن كل واحد فعل ما له فعله وقيل لا فرع آلى ثم غاب أو آلى وهو غائب تحسب المدة ولها أن توكل من بطالبه فإذا مضت المدة رفعه وكيلها إلى قاضي البلد الذي فيه الزوج وطالبه ويأمره القاضي بالفيئة باللسان في الحال لأن المانع حسي وبالمسير أو يحملها إليه أو الطلاق إن لم يفعل ذلك فإن لم يفىء باللسان أو فاء به ولم يرجع إليها ولا حملها إليه حتى مضت مدة الامكان ثم قال أرجع الآن لم يمكن ويطلق عليه القاضي إذا طلب وكيلها على الأظهر وعلى القول القديم يحبسه ليطلق ويعذر في التأخير لتهيئة أهبة السفر ولخوف الطريق إلى أن يزول الخوف‏.‏

ولو غاب عنها بعد مطالبته بالفيئة أو الطلاق لم يرض منه بفيئة اللسان ولا يمهل ذكره أبو الفرج السرخسي‏.‏

فرع لو طولب فادعى التعيين والعجز عن الفيئة نظر إن لم يدخل بها في ذلك النكاح سواء كانت ثيباً أو بكراً أو ادعى العجز عن الافتضاض فوجهان‏.‏

أحدهما وهو ظاهر النص وبه قطع في الوجيز إذا صدقته أو كذبته فحلف على العجز لا يطالب بالوطء بل يطالب بفيئة اللسان فإن فاء ضربت مدة التعيين إن طلبتها‏.‏

فإن وطىء في المدة فذاك وإلا أمضى حكم التعيين‏.‏

والثاني يتعين عليه الطلاق لأنه متهم في تأخير حقها وضررها وإن كان دخل بها في ذلك النكاح لم تسقط المطالبة لأن التعنين بعد الوطء لا يعتبر فتظهر تهمته‏.‏

الطرف الرابع فيما تحصل به الفيئة وهو تغيب الحشفة في القبل خاصة فلو استدخلت ذكره لم تنحل يمينه‏.‏

فلو وطىء بعده لزمته الكفارة‏.‏

وهل تحصل به الفيئة ويرتفع حكم الإيلاء وجهان أصحهما نعم وبه قطع كثيرون ولو وطئها مكرهاً ففي وجوب الكفارة القولان فيمن فعل المحلوف عليه ناسياً أو مكرهاً‏.‏

فإن أوجبناها انحلت اليمين وارتفع الإيلاء وإلا ففي انحلال اليمين وجهان يجريان في كل يمين وجد المحلوف عليه بإكراه أو نسيان أصحهما عدم الانحلال وهو الأوفق لكلام الأئمة وبه قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب لاختلال الفعل‏.‏

فإن حكمنا بالانحلال حصلت الفيئة وارتفع الإيلاء وإلا فوجهان أصحهما كذلك وبه أجاب البغوي وغيره‏.‏

والمسألة مفرعة على أنه يتصور إكراهه على الوطء وهو الراجح‏.‏

فرع لو وطئها المؤلي في المدة أو بعدها وهو مجنون فطريقان قطع العراقيون بأنه لا يحنث ولا تنحل اليمين ولا كفارة والثاني وبه قطع المتولي والبغوي أن في وجوب الكفارة قولين كالناسي لأن المجنون ملحق بالمخطىء في كفارة القتل فكذا كفارة اليمين فعلى هذا إن أوجبنا الكفارة انحلت اليمين وإلا فعلى الوجهين في المكره فكيف كان فالمذهب أنه لا يحنث ولا تجب الكفارة ولا تنحل اليمن وهل يسقط حقها من الفيئة بالوطء في الجنون وجهان‏.‏

أحدهما لا بل تطالبه بعد الإفاقة من غير استئناف مدة وقيل لا بد من استئنافها بعد الإفاقة وأصحهما نعم لأنها وصلت إلى حقها كما لو رد المجنون الوديعة إلى صاحبها ولأن وطء المجنون كوطء العاقل في تقرير المهر والتحليل وتحريم الربيبة وسائر الأحكام‏.‏

فرع لو آلى من إحدى امرأتيه بعينها ووطئها وهو يظنها الأخرى قال البغوي يخرج عن الإيلاء وفي الكفارة القولان في الناسي‏.‏

 فصل إذا اختلفا في الوطء فالقول قول النافي

سبق في فصل التعنين أن الزوجين إذا اختلفا في الوطء فالقول قول النافي إلا في مواضع أحدها إذا ادعى العنين الوطء بعد المدة أو فيها‏.‏

الثاني إذا ادعى مثل ذلك في الإيلاء فالقول قوله في الموضعين فإذا حلف ثم طلقها وقال هذا طلاق رجعي فلي الرجعة وهي على إنكار الوطء والعدة قال ابن الحداد والجمهور القول قولها ولا يمكن من الرجعة عملاً بقياس الخصومات وإنما قبلنا قوله في الوطء للضرورة وتعذر البينة وقيل له الرجعة الموضع الثالث طلق زوجته وولدت ولداً يلحقه ظاهراً وقالت وطئتني فلي كل المهر فقال لم أطأ فلك نصفه فالمذهب والمنصوص في رواية المزني‏.‏

وغيره أن القول قولها بيمينها ونقل الربيع قولاً آخر أن القول قوله بيمينه فقيل قولان وقيل بالأول قطعاً ورواية الربيع من كيسه وقيل إن اختلفا قبل ظهور الولد وحكمنا بالنصف لم يعتبر الحكم بالولد وإن اختلفا بعد ظهوره ومات الزوج أوجبنا جميع المهر ولا يقبل قول الورثة‏.‏

فرع الاختلاف في أصل الإيلاء وانقضاء مدته اختلفا في أصل الإيلاء وفي انقضاء مدته فهو المصدق بيمينه ولو اعترفت بالوطء بعد المدة وأنكر فلا مطالبة لها فلو رجعت وقالت لم يطأني لم يسمع قولها لأنها أقرت بوصول حقها إليها فلا يقبل رجوعها ذكره المتولي‏.‏

 فصل قال والله لا أجامعك ثم أعاد ذلك مرتين فأكثر نظر

إن أطلق في المرتين أو قيد بمدة واحدة كسنة وسنة فإن قال أردت بالثاني تأكيد الأول قبل وكانت اليمن واحدة سواء اتحد المجلس أم تعدد طال الفصل أم لا وفي وجه ضعيف إذا طال الفصل لا يقبل ويكون يميناً أخرى ويجري هذا الخلاف فيما لو كرر تعليق الطلاق بصفة والصحيح قبول التأكيد أيضاً وإن قال أردت الاستئناف فهما يمينان وإن أطلق فهل يحمل على التأكيد أم الاستئناف قولان قال المتولي إن اتحد المجلس فالأظهر يحمل على التأكيد وإن تعدد فعلى الاستئناف لبعد التأكيد مع اختلاف المجلس‏.‏

وإن اختلفت المدة المقيد بها كقوله والله لا أجامعك خمسة أشهر ثم قال والله لا أجامعك سنة فالأصح أنه كاتحادها‏.‏

وقيل يمينان بكل حال فإذا لم نحكم بالتعدد لم يجب الوطء إلا كفارة وإذا حكمنا بالتعدد تخلص بالطلاق عن الأيمان كلها وتنحل اليمين بوطأة واحدة وفي تعدد الكفارة قولان أظهرهما عند الجمهور لا يجب إلا كفارة واحدة والثاني تتعدد بتعدد الأيمان وقيل تتحد قطعاً وقيل تتعدد قطعاً

 فصل آلى من زوجته الرقيقة ثم ملكها ثم باعها أو أعتقها

ثم نكحها ففي عود الإيلاء الخلاف في عود الحنث وكذا لو آلى عبد من زوجته ثم ملكته وأعتقته ونكحته فعلى الخلاف وهل الخلاف العائد فصل في فتاوى البغوي أن القاضي إذا طالب المؤلي بالفيئة أو الطلاق فامتنع منهما وطلبت المرأة من القاضي أن يطلق عليه لم يشترط حضوره في تطليق القاضي ولو شهد عدلان أن زيداً آلى ومضت المدة وهو ممتنع من الفيئة أو الطلاق لم يطلق عليه بل لا بد من الامتناع بين يديه كما في العضل فلو تعذر إحضاره بتمرد أو توار أو غيبة حكم عليه بالعضل بشهادة الشهود وبالله التوفيق‏.‏

 كتاب الظهار

صورته الأصلية أنت علي كظهر أمي‏.‏

قال الأصحاب الظهار حرام قالوا وقوله أنت علي حرام ليس بحرام بل هو مكروه لأن الظهار علق به الكفارة العظمى وإنما علق بقوله أنت علي حرام كفارة اليمين واليمين والحنث ليسا بمحرمين ولأن التحريم مع الزوجية قد يجتمعان في التحريم كتحريم الأم مع الزوجية لا يجتمعان‏.‏

هذا الكتاب مشتمل على بابين

 الباب الأول في أركانه

وهي ثلاثة أحدها الزوجان فيصح الظهار من كل زوج مكلف حراً كان أو عبداً مسلماً أو ذمياً خصياً أو مجبوباً أو سليماً‏.‏

وظهار الصبي والمجنون باطل وظهار السكران كطلاقه‏.‏

ومن لحقها الطلاق صح الظهار منها سواء فيه الحرة والأمة والصغيرة والمجنونة والذمية والرتقاء والحائض والنفساء والمعتدة عن شبهة والمطلقة الرجعية وغيرهن‏.‏

ولو قال لأجنبية إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي لم يصح ويجيء فيه القول الشاذ في مثله في الطلاق ولا يصح الظهار من الأمة وأم الولد‏.‏

فرع يتصور من الذمي الإعتاق عن الكفارة بأن يرث عبداً مسلماً أو يكون له عبد كافر فيسلم أو يقول لمسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي فيجيبه أو يشتري عبداً مسلماً إن جوزناهما فإن لم نجوز الشراء وتعذر تحصيله فما دام موسراً لا يباح له الوطء ويقال له إن أردت الوطء فأسلم وأعتق لأن الرقبة موجودة والتعذر منه وكذا لو كان معسراً وهو قادر على الصوم لا يجوز له العدول إلى الإطعام لأنه يمكنه أن يسلم ويصوم فإن عجز عنه لمرض أو هرم فحينئذ يطعم في كفره هكذا ذكره صاحبا التهذيب و التتمة وحكاه الإمام عن القاضي وتردد فيه من حيث إن الذمي مقر على دينه فحمله على الإسلام بعيد وجوابه أنا لا نحمله على الإسلام بل نقول لا نمكنك من الوطء إلا هكذا فإما أن تتركه وإما أن تسلك طريق الحل‏.‏

الركن الثاني الصيغة فصريح الظهار أنت علي كظهر أمي وفي معناه سائر الصلات كقوله أنت معي أو عندي أو مني أو لي كظهر أمي‏.‏

وكذا لو ترك الصلة فقال أنت كظهر أمي وعن الداركي أنه إذا ترك الصلة كان كناية لاحتمال أنه يريد أنت محرمة على غيري والصحيح الأول كما أن قوله أنت طالق صريح وإن لم يقل مني ومتى أتى بصريح الظهار وقال أردت غيره لم يقبل على الصحيح كما لو أتى بصريح الطلاق وادعى غيره وقيل يقبل لأنه حق الله تعالى‏.‏

فرع قوله جملتك أو نفسك أو ذاتك أو جسمك أو بدنك علي كظهر أمي كقوله أنت علي كظهر أمي وكذا قوله أنت علي كبدن أمي أو جسمها أو ذاتها لدخول الظهر فيها‏.‏

فرع إذا شبهها ببعض أجزاء الأم غير الظهر نظر إن كان مما يذكر في معرض الكرامة والإعزاز كاليد والرجل والصدر والبطن والفرج والشعر فقولان أظهرهما وهو الجديد وأحد قولي القديم أنه ظهار وقيل ظهار قطعاً وقيل التشبيه بالفرج ظهار قطعاً والباقي على القولين‏.‏

وإن كان مما يذكر في معرض الإعزاز والإكرام كقوله أنت علي كعين أمي فإن أراد الكرامة فليس بظهار وإن أراد الظهار فظهار قطعاً تفريعاً على الجديد في قوله كصدر أمي وإن أطلق فعلى أيهما يحمل وجهان‏.‏

اختار القفال الإكرام والقاضي حسين أنه ظهار وأشار البغوي إلى ترجيحه والأول أرجح‏.‏

ولو قال كروح أمي فكقوله كعين أمي قاله جماعة وعن ابن أبي هريرة أنه ليس بظهار ولا كناية والتشبيه برأس الأم كهو باليد والرجل وكذا قطع به العراقيون وقيل كالعين وبه أجاب السرخسي وهو أقرب‏.‏

ولو قال أنت علي كأمي أو مثل أمي فإن أراد الظهار فظهار وإن أراد الكرامة فلا وإن أطلق فليس بظهار على الأصح وبه قطع كثيرون‏.‏

فرع لو شبه بعض الزوجة فقال رأسك أو يدك أو ظهرك أوفرجك أوجلدك أو شعرك علي كظهر أمي أو نصفك أم ربعك علي كظهر أمي فهو ظهار ويجيء فيه القول القديم ولو شبه بعضها ببعضها فقال رأسك علي كيد أمي فهو ظهار ويجيء فيه القديم‏.‏

قال الأصحاب ما يقبل التعليق من التصرفات يصح إضافته إلى بعض محل ذلك التصرف كالطلاق والعتاق وما لا يقبله لا تصح إضافته إلى بعض المحل كالنكاح والرجعة‏.‏

وأما الإيلاء فإن أضافه إلى الفرج فقال لا أجامع فرجك كان مؤلياً وإن أضاف إلى اليد والرجل وسائر الأعضاء غير الفرج لم يكن مؤلياً وإن قال لا أجامع بعضك لم يكن مؤلياً إلا أن يريد بالبعض الفرج وإن قال لا أجامع نصفك فقد أطلق الشيخ أبو علي أنه ليس بمؤل قال الإمام إن أراد أنه ليس بصريح فظاهر أما إذا نوى ففيه احتمال لأن من ضرورة ترك الجماع في النصف تركه في الجميع ويجوز أن يجاب عنه‏.‏

قلت ولو قال لا أجامع نصفك الأسفل فهو صريح في الإيلاء ذكره في الوسيط والمراد بالفرج المذكور القبل‏.‏

والله أعلم الركن الثالث المشبه به أصل الظهار تشبيه الزوجة بظهر الأم ولو شبهها بجدة من جهة الأب أو الأم فهو ظهار قطعاً هكذا قطع به الجمهور‏.‏

وقيل فيه خلاف كالتشبيه بالبنت‏.‏

وأما غير الأم والجدة من المحارم فقسمان‏.‏

أحدهما محرمات بالنسب كالبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخت فإذا شبه زوجته بظهر واحدة منهن فقولان الجديد وأحد قولي القديم أنه ظهار والثاني لا للعدول عن القسم الثاني المحرمات بالسبب وهن ضربان محرمات بالرضاع ومحرمات بالمصاهرة وفيهن خلاف مشتمل على أقوال وطرق وأوجه والمذهب منها عند الأصحاب أن التشبيه بمن لم تزل منهن محرمة عليه ظهار وبما كانت حلالاً له ثم حرمت ليس بظهار وإذا اختصرت الخلاف في الجميع جاء سبعة أقوال وأوجه أحدها اقتصار الظهار على التشبيه بالأم‏.‏

والثاني إلحاق الجدات بها فقط‏.‏

والثالث إلحاق محارم النسب‏.‏

والرابع إلحاق محارم الرضاع أيضاً إذا لم يعهدن محللات‏.‏

الخامس إلحاقهن بحذف هذا الشرط‏.‏

والسادس إلحاق محارم المصاهرة بالشرط المذكور السابع إلحاقهن بحذف الشرط‏.‏

والمذهب إلحاق كل من لم تزل محرمة من الجميع فقط ولو شبه بمن لا تحرم مؤبداً كأجنبية ومطلقة ومعتدة ومجوسية ومرتدة وأخت امرأته فليس بظهار قطعاً سواء طرأ ما يؤيد التحريم بأن نكح بنت الأجنبية أو وطىء أمها وطأ محرماً أم لم يطرأ‏.‏

ولو شبه بملاعنته فليس بظهار لأن تحريمها ليس للمحرمية والوصلة ولو شبهها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أو قالت أنت علي كظهر ابني أو أبي أو غلامي فليس بظهار‏.‏

فرع قالت لزوجها أنت علي كظهر أمي أو أنا عليك كظهر أمك فلا يلزم به شيء بل يختص بالرجال

 فصل تعليق الظهار

تعليق الظهار صحيح فإذا قال إن دخلت الدار وإذا جاء رأس الشهر فأنت علي كظهر أمي فوجدت الصفة صار مظاهراً منها ولو قال إن ظاهرت من حفصة فعمرة علي كظهر أمي وهما في نكاحه ثم ظاهر من حفصة صار مظاهراً منهما جميعاً‏.‏

ولو قال إن ظاهرت من إحداكما أو أيكما ظاهرت منها فالأخرى علي كظهر أمي ثم ظاهر من إحداهما صار مظاهراً‏.‏

من الأخرى أيضاً ولو قال إن ظاهرت من فلانة فأنت علي كظهر أمي وكانت فلانة أجنبية فخاطبها بلفظ الظهار لم يصر مظاهراً من زوجته لأن الظهار من الأجنبية لا ينعقد إلا أن يريد التلفظ بلفظ الظهار فيصير بالتلفظ مظاهراً من زوجته‏.‏

ولو نكح فلانة ثم ظاهر منها صار مظاهراً من زوجته الأولى‏.‏

ولو قال إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي فإن خاطبها بلفظ الظهار قبل أن ينكحها فحكمه ما سبق فإن نكحها ثم ظاهر منها فهل يصير مظاهراً من الزوجة الأولى وجهان‏.‏

أصحهما نعم ويكون لفظ الأجنبية تعريفاً لا شرطاً كما لو قال لا أدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخلها حنث ولو قال إن ظاهرت من فلانة أجنبية أو وهي أجنبية فأنت علي كظهر أمي فسواء خاطبها بلفظ الظهار قبل أن ينكحها أو نكحها وظاهر منها لا يصير مظاهراً من المعلق ظهارها لأنه شرط المظاهرة منها وهي أجنبية ولم يوجد الشرط وهو كقوله إن بعت الخمر فأنت طالق أو كظهر أمي فأتى بلفظ البيع لا يقع الطلاق ولا الظهار تنزيلاً للفظ العقود على الصحة وعند المزني ينزل في مثل هذا على صورة العقد ومن الأصحاب من وافقه فصحح الظهار هنا‏.‏

فرع قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فدخلت الدار وهو مجنون أو ناس فعن ابن القطان أن في حصول العود ولزوم الكفارة قولين‏.‏

قال ابن كج وعندي أنها تلزم بلا خلاف كما لو علق طلاقها بالدخول فدخلت وهو مجنون وإنما يؤثر النسيان والإكراه في فعل المحلوف على فعله وهذا هو الصواب‏.‏

 فصل لفظي الطلاق والظهار لا يجوز أن يجعل كناية عن الأخرى

سبق أن كل واحد من لفظي الطلاق والظهار لا يجوز أن يجعل كناية عن الأخرى وأن قوله لزوجته أنت علي حرام يصح كناية عن الطلاق والظهار‏.‏

فإذا قال أنت طالق كظهر أمي فله أحدها أن لا ينوي شيئاً فتطلق ولا يصح الظهار‏.‏

الثاني أن يقصد بكل كلامه الطلاق وحده وأكده بلفظ الظهار فيقع الطلاق ولا ظهار‏.‏

الثالث أن يقصد بالجمع الظهار فتطلق ولا ظهار على الصحيح لأن لفظ الطلاق ليس بظهار والباقي ليس بصريح في الظهار لعدم استقلاله ولم ينو به الظهار وإنما نواه بالمجموع‏.‏

الرابع أن يقصد الطلاق والظهار فينظر إن قصدهما بمجموع كلامه حصل الطلاق ولا يحصل الظهار على الصحيح‏.‏

وقيل يحصل لإقراره به وإن قصد الطلاق بقوله أنت طالق والظهار بقوله كظهر أمي طلقت فإن كانت تبين بالطلاق لم يصح الظهار وإلا فيصح الظهار مع الطلاق وقيل لا يصح وهو ضعيف‏.‏

وإن قال أردت بقولي أنت طالق الظهار وبقولي كظهر أمي الطلاق وقع الطلاق وحده‏.‏

وإن قال أنت علي كظهر أمي طالق قال ابن كج إن أراد الظهار والطلاق حصلا ولا يكون عائداً لأنه عقب الظهار بالطلاق فإن راجع كان عائداً وإن لم يرد شيئاً صح الظهار وفي وقوع الطلاق وجهان‏.‏

فرع قال أنت علي حرام كظهر أمي فإن نوى بكلامه الطلاق فقط‏.‏

فهو طلاق على الأظهر الأشهر وفي قول ظهار وقيل طلاق قطعاً وقيل طلاق وظهار حكاه ابن كج وإن نوى بكلامه الظهار فظهار وإن نوى الطلاق والظهار جميعاً نظر إن أرادهما بمجموع الكلام أو بقوله أنت علي حرام لم يثبتا معاً وأيهما يثبت فيه أوجه أحدها الطلاق والثاني الظهار والثالث وبه قال ابن الحداد والجمهور يخير فيثبت ما اختاره منهما وإن أراد بقوله أنت علي حرام الطلاق وبقوله كظهر أمي الظهار وقع الطلاق وحصل الظهار إن كان الطلاق رجعياً على الصحيح وإن كان بائناً فلا وإن أراد بقوله أنت علي حرام الظهار وبقوله كظهر أمي الطلاق حصل الظهار قطعاً ولا يقع الطلاق على الصحيح وإن قال أردت بقولي أنت علي حرام تحريم ذاتها الذي مقتضاه كفارة يمين قبل منه على الأصح وقيل لا يقبل ويكون مظاهراً لأنه وصف التحريم بما يقتضي الكفارة العظمى فلا يقبل رده إلى الصغرى فعلى الأول إن لم ينو بقوله كظهر أمي الظهار لم يلزمه شيء سوى كفارة اليمين ويكون قوله كظهر أمي تأكيداً للتحريم وإن نوى الظهار لزمه كفارة اليمين وكان مظاهراً وأما إذا أطلق ولم ينو شيئاً يحتمله كلامه فلا طلاق لعدم الصريح والنية وفي كونه ظهاراً وجهان المنصوص في الأم أنه ظهار‏.‏

فرع قال أنت علي كظهر أمي حرام كان مظاهراً قاله المتولي فإن لم ينو بقوله حرام شيئاً كان تأكيداً وإن نوى تحريم عينها فكذلك ويدخل مقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى في مقتضى الظهار وهو الكفارة العظمى وإن نوى به الطلاق فقد عقب الظهار بالطلاق فلا عود‏.‏

فرع قال أنت مثل أمي ونوى الطلاق كان طلاقاً وكذا قوله كروح أمي وعينها وبالله التوفيق‏.‏

 الباب الثاني في حكم الظهار

له حكمان‏.‏

أحدهما تحريم الوطء إذا وجبت الكفارة إلى أن يكفر فلو وطئ قبل التكفير عصى ويحرم عليه الوطء ثانياً سواء كفر بالإطعام وغيره وفي تحريم القبلة واللمس بشهوة وسائر الاستمتاعات قولان ويقال وجهان أظهرهما عند الجمهور الجواز وهو منسوب إلى الجديد وحكى ابن كج طريقاً قاطعاً به وقال وهو الأصح‏.‏

وقول الله تعالى ‏"‏ من قبل أن يتماسا ‏"‏ محمول على الجماع كقوله تعالى ‏"‏ وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ‏"‏‏.‏

فرع الصور التي تحرم فيها القبلة عد الإمام الصور التي تحرم فيها القبلة وسائر الاستمتاعات مع الوطء والتي تختص بالتحريم بالوطء فقال ما حرم الوطء لتأثيره في الملك كالطلاق الرجعي وغيره والردة أو لحلها لغيره كالأمة المزوجة أو حرمها لاستبراء الرحم عن غيره كزوجته المعتدة عن وطء شبهة في صلب النكاح وكالمستبرأة بملك اليمين بشراء ونحوه فكل هذا يحرم فيه الاستمتاعات كلها وما حرم الوطء بسبب الأذى لا يحرم الاستمتاع‏.‏

وأما العبادات المحرمة للوطء فالإحرام يحرم كل استمتاع تعبداً والصوم والاعتكاف يحرمان كل ما يخشى منه الإنزال لتأثرهما بالانزال وإذا قلنا في الظهار لا تحرم القبلة واللمس ففيما بين السرة والركبة احتمالان لأنه يحوم حول الحمى هذا كلام الإمام وحكى البغوي وجهاً أنه يجوز الاستمتاع بزوجته المعتدة عن شبهة وغيره ويشبه أن يجيء في الاستمتاع بالمرهونة خلاف‏.‏

قلت الوجه الجزم بجوازه في مرهونته وقد جزم به الرافعي في باب الاستبراء‏.‏

قال الإمام وإذا لم يحرم الاستمتاع فلا بأس بالتلذذ وإن أفضى إلى الانزال وقول الإمام الإحرام يحرم كل استمتاع الصواب حمله على المباشرة بشهوة فأما اللمس ونحوه بغير شهوة فليس بحرام كما سبق في الحج‏.‏

والأمة الوثنية والمجوسية والمرتدة يحرم فيها كل استمتاع وكذا المشركة والمكاتبة ومن بعضها حر والله أعلم‏.‏

وحكى الشيخ أبو حاتم القزويني عن القديم قولاً أن العود هو الوطء والمشهور الأول‏.‏

واتفق الأصحاب على أن الكفارة تجب إذا ظاهر وعاد لكن هل سبب الوجوب العود فقط أم الظهار والعود معاً أم الظهار فقط والعود شرط فيه أوجه‏.‏

ولو مات أحد الزوجين عقيب الظهار أو فسخ أحدهما النكاح بسبب يقتضيه أو جن الزوج أو طلقها بائناً أو رجعياً ولم يراجع فلا عود ولا كفارة فلو كانت أمة فاشتراها متصلاً بالظهار فليس بعائد على الأصح لأنه قطع النكاح‏.‏

ولو اشتغل بأسباب الشراء كالمساومة وتقرير الثمن كان عائداً على الأصح وبه قال ابن الحداد ورجحه المتولي وغيره‏.‏

قال الإمام وهذا الخلاف إذا كان الشراء متيسراً فإن كان متعذراً فالإشتغال بتسهيله لا ينافي العود عندي‏.‏

فرع لاعنها عقب الظهار نص الشافعي رضي الله عنه أنه ليس عائداً في النص على ثلاثة أوجه‏.‏

أحدها وبه قال ابن الحداد والمراد به ما إذا سبق القذف والمرافعة إلى الحاكم أو أتى بما قبل الخامسة من كلمات اللعان ثم ظاهر وعقبه بالكلمة الخامسة وإلا فعائد وأصحها وبه قال أبو إسحاق وابن أبي هريرة وابن الوكيل يشترط سبق القذف والمرافعة ولا يشترط تقدم شيء من كلمات اللعان بل إذا وصلها بالظهار لم يكن عائداً والثالث وبه قال ابن سلمة وحكي عن المزني في الجامع الكبير لا يشترط سبق القذف أيضاً فلو ظاهر وقذف متصلاً واشتغل بالمرافعة وأسباب اللعان لم يكن عائداً وإن بقي أياماً فيه وشبه ذلك بما لو قال عقب الظهار أنت طالق على ألف درهم فلم تقبل فقال عقبه أنت طالق بلا عوض لا يكون عائداً لاشتغاله بسبب الفراق‏.‏

فرع قال أنت علي كظهر أمي يا زانية أنت طالق فوجهان قال ابن الحداد هو عائد لأنه أمسكها حالة القذف‏.‏

قال الشيخ أبو علي هذا صحيح إن لم يلاعن بعده أو لاعن وشرطنا سبق القذف فإن لم نشرطه فليس بعائد‏.‏

والثاني لا يكون عائداً ويكون قوله يا زانية أنت طالق كقوله يا زنيت أنت طالق في منع العود وتردد الإمام في أن ابن الحداد يسلم في هذه الصورة‏.‏

قلت تردد الإمام ثم قال والأصح التسليم‏.‏

والله أعلم‏.‏

فرع لو علق طلاقها عقب الظهار‏.‏

كان عائداً‏.‏

ولو علق بدخوله الدار ثم ظاهر وبادر بالدخول عقب الظهار فلا عود‏.‏

 فصل إذا ظاهر ثم طلقها رجعياً

عقبه ثم راجعها فلا خلاف أنه يعود الظهار وأحكامه‏.‏

ولو طلقها بائناً أو رجعياً وتركها حتى بانت ثم نكحها ففي عود الظهار الخلاف في عود الحنث ويجري الخلاف فيما لو كانت رقيقة فاشتراها عقب الظهار ثم أعتقها أو باعها ثم نكحها‏.‏

وهل عود النكاح بعد الإنفساخ بالملك كعوده بعد البينونة بالثلاث أم كالبينونة بدون الثلاثة وجهان سبق نظيرهما ولو ارتد عقب الظهار ثم أسلم في العدة عاد الظهار بلا خلاف ثم هل تكون الرجعة وتجديد النكاح والإسلام بمجردها عوداً أم لا يكون إلا أن يمسكها بعد هذه الأمور زمناً يمكنه فيه الفرقة فيه طرق‏.‏

المذهب أن الرجعة عود بخلاف التجديد والإسلام ويجري الخلاف فيما لو ظاهر من رجعية ثم راجعها ولا يكون عائداً قبل الرجعة بحال ولو ارتد أحدهما عقب الظهار قبل الدخول فلا عود وكذا لو كان بعد الدخول وأصر المرتد حتى انقضت العدة‏.‏

ولو ظاهر كافر من كافرة فأسلما معاً في الحال أو أسلم وهي كتابية فالنكاح دائم وهو عائد وإن أسلم وهي وثنية أو أسلمت وتخلف فإن كان قبل الدخول فلا عود لارتفاع النكاح وإن كان بعده فلا عود في الحال ولا إذا أصر فإن جدد النكاح بعد البينونة ففي عود الظهار خلاف عود الحنث وإن أسلم المتخلف في العدة فإن كان هو فهل يكون نفس الإسلام عوداً أم لا بد من الإمساك بعده فيه الخلاف السابق وإن كانت هي فنفس إسلامها ليس بعود في حقه وإنما يصير عائداً إذا أمسكها بعد علمه بإسلامها زمناً يمكنه مفارقتها‏.‏

فرع جن عقب الظهار ثم أفاق لو جن عقب الظهار ثم أفاق قال الشيخ أبو علي جعل بعضهم كون الإفاقة عوداً على الخلاف في الرجعة وهذا غلط ظاهر‏.‏

قلت نقل الإمام عن الأصحاب أنهم قالوا لو جن عقب الظهار فليس بعائد لأنه لم يمسكها مختاراً وقال صاحب الحاوي لو تعقب الظهار جنون أو إغماء صار عائداً لأن الجنون لا يحرمها بخلاف الردة والقصد في العود ليس بشرط وهذا الذي قاله وإن كان قوياً فالصحيح ما نقله الإمام والله أعلم‏.‏

 فصل سبق أن تعليق الظهار صحيح فلو علقه ووجد المعلق عليه

وأمسكها جاهلاً نظر إن علق على فعل غيره فليس بعائد حتى يمسكها بعد علمه وإن علق على فعل نفسه ونسي فالمعروف في المذهب أنه عائد ورأى البغوي وغيره تخريج المسألة في الطرفين على حنث الناسي والجاهل وهذا أحسن وبه قال المتولي‏.‏

قلت هذا الذي قال المتولي أنه إن علق بفعل نفسه ففي مصيره عائداً الخلاف في حنث الناسي وإن علق بفعل غيره لم يصر عائداً على المذهب‏.‏

وقيل يخرج على الناسي قال والفرق أنه يشتبه عليه فعل غيره وقلما يشتبه عليه حال نفسه ثم إذا علق على فعل نفسه أو غيره وفعل صار عند علمه بالفعل كأنه الآن تلفظ بالظهار فإن أمسكها بعده فعائد وإلا فلا والله أعلم‏.‏

 فصل متى عاد ووجبت الكفارة ثم طلقها بائناً أو رجعياً

أو مات أحدهما أو فسخ النكاح لم تسقط الكفارة‏.‏

وإذا جدد النكاح استمر التحريم إلى أن يكفر سواء حكمنا بعود الحنث أم لا لأن التحريم حصل في النكاح الأول وقد قال الله تعالى ‏"‏ فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ‏"‏ ولو كانت رقيقة وحصل العود ثم اشتراها فهل تحل بملك اليمين قبل التكفير وجهان‏.‏

أصحهما لا‏.‏

إذا وقت الظهار فقال أنت علي كظهر أمي يوماً أو شهراً أو إلى شهر أو إلى سنة فثلاثة أقوال أظهرها صحته مؤقتاً عملاً بلفظه وتغليباً لشبه اليمين والثاني يصح مؤبداً تغليباً لشبه الطلاق‏.‏

والثالث أنه لغو فإن صححناه مؤبداً فالعود فيه كالعود في الظهار المطلق‏.‏

وإن صححناه مؤقتاً فوجهان أحدهما العود فيه كالعود في المطلق وبه قال المزني وأصحهما وهو ظاهر النص أنه لا يكون بالإمساك عائداً ولا يحصل العود إلا بالوطء في المدة فعلى هذا لو قال أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر فهو مؤل على الأصح وقال الشيخ أبو محمد لا لأنه ليس حالفاً‏.‏

إذا وطىء فمتى يصير عائداً وجهان أصحهما عند الوطء فعلى هذا لا يحرم الوطء لكن إذا غابت الحشفة لزمه النزع كما سبق في قوله إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً وذكرنا هناك وجهاً أنه يحرم الوطء قال الإمام ولا شك في جريانه هنا‏.‏

والثاني قاله الصيدلاني وغيره نتبين بالوطء كونه عائداً بالإمساك عقب الظهار فعلى هذا يحرم ابتداء الوطء كما لو قال إن وطئتك فأنت طالق قبله يحرم عليه الوطء‏.‏

وعلى الوجهين يحرم عليه الوطء بعد ذلك الوطء حتى يكفر أو تمضي مدة الظهار فإذا مضت حل الوطء لارتفاع الظهار وبقيت الكفارة في ذمته ولو لم يطأ حتى مضت المدة فلا شيء عليه وتردد الإمام في أنه لو ظاهر ظهاراً مطلقاً وعاد هل يحصل التحريم بالظهار فقط أم به وبالعود قال والظاهر الثاني لأن الكفارة مرتبة عليهما والتحريم مرتب على وجوب الكفارة وتظهر فائدة التردد في لمسه وقبلته بغرض عقب الظهار إلى أن يتم زمن لفظ الطلاق وإذا حصل العود في الظهار المؤقت على اختلاف الوجهين فالواجب كفارة الظهار على الصحيح وعليه تتفرع الأحكام المذكورة وفي وجه الواجب كفارة يمين وينزل لفظ الظهار منزلة لفظ التحريم وذكر ابن كج تفريعاً عليه أنه يجوز الوطء قبل التكفير‏.‏

فرع قال أنت علي حرام شهراً أو سنة ونوى تحريم عينها أو أطلق وقلنا مطلقه يوجب كفارة اليمين فهل يصح ويوجب كفارة اليمين أم يلغو وجهان حكاهما الإمام كالظهار المؤقت أصحهما الأول‏.‏

 فصل قال لأربع نسوة أنتن علي كظهر أمي

صار مظاهراً منهن فإن طلقهن فلا كفارة وإن أمسكهن فالجديد وجوب أربع كفارات والقديم كفارة فقط فعلى الجديد لو امتنع العود في بعضهن بموت أو طلاق وجبت الكفارة بعدد من عاد فيهن وعلى القديم تجب الكفارة لو عاد في بعضهن‏.‏

وفي التتمة أنها لا تجب في بعضهن كما لو حلف لا يكلم جماعة فكلم بعضهم‏.‏

ولو ظاهر منهن بأربع كلمات فإن لم يوالها لم يخف حكمه وإن والاها صار بظهار الثانية عائداً في الأولى وبظهار الثالثة عائداً في الثانية وبظهار الرابعة عائداً في الثالثة فإن فارق الرابعة عقب ظهارها فعليه ثلاث كفارات وإلا فأربع‏.‏

فرع قال لأربع نسوة أنتن علي حرام ونوى تحريم أعيانهن فالقول في تعدد الكفارة واتحادها كما في الظهار ذكره الإمام‏.‏

فرع تكرار لفظ الظهار في امرأة واحدة كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة فإن أتى بالألفاظ متوالية نظر إن أراد بالمرة الثانية وما بعدها التأكيد فالجميع ظهار واحد فإن أمسكها بعد المرات فعليه كفارة وإن فارقها فوجهان أحدهما تلزمه الكفارة لتمكنه من الفراق بدلاً من التأكيد وأصحهما لا كفارة لأن الكلمات المؤكد بها كالكلمة الواحدة وإن أراد بالمرة الثانية ظهاراً آخر تعذرت الكفارة على الجديد واتحدت على القديم وقيل تتعدد قطعاً فإن عددنا ففارق عقب المرة الأخيرة فهل يلزمه كفارة الظهار الأول وجهان أصحهما نعم لأنه كلام آخر بخلاف التأكيد وإن أطلق ولم ينو شيئاً فهل تتحد أم تتعدد قولان أظهرهما الإتحاد وقطع به صاحبا الشامل و التتمة‏.‏

وأما إذا تفاصلت المرات وقصد بكل مرة ظهاراً أو أطلق فكل مرة ظهار مستقل له كفارة وفي قول ضعيف لا يكون الثاني ظهاراً ما لم يكفر عن الأول وإن قال أردت بالمرة الثانية إعادة الظهار الأول فعن القفال اختلاف جواب في قبوله قال الإمام هو مبني على أن المغلب في الظهار شبه اليمين أم الطلاق إن غلبنا الطلاق لم يقبل وإلا فالظاهر قبوله كما ذكرنا في الإيلاء والأصح تغليب شبه الطلاق فيكون الأصح أنه لا يقبل إرادته التأكيد وكذا ذكره البغوي وغيره قلت نقل صاحب البيان عن البغداديين يعني بهم العراقيين القطع بأنه لا يقبل وجزم صاحب الحاوي بالقبول والصحيح المنع والله أعلم‏.‏

فرع قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي وكرر هذا اللفظ ثلاثاً فإذا دخلت الدار صار مظاهراً فإن قصد التأكيد لم يجب إلا كفارة وإن قالها في مجالس وإن قصد الإستئناف تعددت الكفارة ويجب الجميع بعود واحد بعد الدخول فإن طلقها عقب الدخول لم يجب شيء وإن أطلق فهل يحمل على التأكيد أم الاستئناف قولان‏.‏

 فصل قال إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي

فإن تزوج أو لم يتمكن منه بأن مات أو ماتت عقب الظهار فلا عود ولا ظهار وإنما يصير مظاهراً إذ فات التزويج عليها مع إمكانه وحصل اليأس منه بموت أحدهما وحينئذ يحكم بكونه كان مظاهراً قبيل الموت وفي لزوم الكفارة وحصول العود وجهان قال ابن الحداد يلزم وقال الجمهور لا يلزم ولا ضرورة إلى تقدير حصول العود عقب الظهار وهذا هو الصحيح‏.‏

ولو لم يتزوج عليها مع الإمكان حتى جن فإن أفاق ثم مات قبل التزويج فحكمه ما سبق وإن اتصل الموت بالجنون تبينا مصيره ظاهراً قبيل الجنون‏.‏

وحكى الشيخ أبو علي وجهاً أنه لا يحكم بمصيره مظاهراً إلا قبيل الموت ويجيء مثله في تعليق الطلاق قال الشيخ ولا تظهر فائدة هذا الخلاف في الظهار إذا قلنا بالصحيح وقول الجمهور إنه لا كفارة وعلى قول ابن الحداد تظهر فائدته إن اختلف حاله في اليسار والإعسار ولو قال إذا لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي فإذا مضى عقب التعليق زمان إمكان التزوج ولم يتزوج صار مظاهراً والفرق بين إن و إذا سبق بيانه في كتاب الطلاق وذكرنا هناك أن من الأصحاب من خرج من كل واحدة إلى الأخرى وهو جار هنا‏.‏

قال إن دخلت فأنت علي كظهر أمي ثم أعتق عن كفارة الظهار ثم دخلت فهل يجزئه إعتاقه عن الكفارة وجهان قال ابن الحداد نعم كتقديم الزكاة وكفارة اليمين وقال الجمهور لا لأنه تقديم على السببين جميعاً فلم يصح كتقديم الزكاة على الحول والنصاب وكفارة اليمين على اليمين ويجري الخلاف لو أطعم عن الظهار وهو من أهل الإطعام قبل دخول الدار ولا يجري في الصوم على المذهب والوجهان جاريان في تعليق الإيلاء‏.‏

فإذا قال إن دخلت الدار فوالله لا أطؤك ثم أعتق عن كفارة اليمين قبل دخول الدار جوزه ابن الحداد وخالفه الجمهور ولو قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي وقال متى دخلت فعبدي فلان حر عن ظهاري فدخلت فعلى رأي ابن الحداد يصير مظاهراً ويعتق العبد عن الظهار وعلى الصحيح وقول الجمهور لا يصح تعليق إعتاقه عن الظهار وأما إذا أعتق عن الظهار بعد الظهار وقبل العود فيجزئه قطعاً وسنوضحه في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى ولو قال أنت علي كظهر أمي أعتقت هذا عن كفارتي أو أنت علي كظهر أمي وسالم حر عن ظهاري فهذا إعتاق مع العود ويجزئه عن الكفارة التأخر عن الظهار‏.‏

فرع ظاهر من زوجته الأمة وعاد ثم قال لمالكها أعتقتها عن ظهاري ففعل وقع عتقها عن كفارته وانفسخ النكاح وكذا لو أعتقها عنه باستدعائه عن كفارة أخرى ولو ملكها بعدما ظاهر وعاد فانفسخ النكاح ثم أعتقها عن ظهاره منها أجزأه‏.‏

ولو آلى من زوجته الأمة ووطئها ولزمته الكفارة فقال لسيدها أعتقها عن كفارة يميني ففعل أجزأه وانفسخ النكاح ولو آلى من زوجته الذمية ثم وطئها أو ظاهر منها وعاد ثم نقضت العهد فاسترقت فملكها الزوج فأسلمت فأعتقها عن كفارة ظهاره أجزأه وبالله التوفيق‏.‏