الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام
.ما ترشد إليه الآيات الكريمة: 2- شكر النعمة واجب على المرء. ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. 3- الشرك من أعظم الذنوب، وأكبر الجرائم عند الله وهو محبط للعمل. 4- طاعة الوالدين من طاعة الله، وبرهما مقرون بعبادة الله تعالى. 5- حق الأم على ولدها أعظم من حق الأب لأنّ أتعابها عليها أكثر. 6- لا تجوز الطاعة في المعصية. إنما الطاعة في المعروف كما بينَّه عليه السلام. .حكمة التشريع: فحق الأم على ولدها عظيم، وفضلها عليه كبير وجسيم، إذ هي السبب المباشر في حياة هذا الطفل بعد الله عزّ وجلّ، فلولا رعايتها وحنانها، ولولا تحملها المتاعب والآلام، لَمَا تَربّى وليد، ولا عاش إنسان!! وقد أمر الله تعالى بشكر الوالدين، وطاعتهما وبرّهما حتى ولو كانا (مُشْركَيْن)، ولكنّه جلّ ثناؤه حذّر من اتّباعهما ومسايرتهما في أمر الكفر والإشراك {وَإِن جاهداك على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا} إذْ لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الله عز وجلّ.. فطاعتهما مشروطة بطاعة الله، وفي الحدود التي يقرّها الشرع الحنيف، ولا يكون فيها تضييع لحق الخالق، أو حقّ المخلوق، فشكرُ الوالدين من شكر الله، وطاعتهما- فيما ليس فيه معصية- من طاعة الله!! وصدق الله حيث يقول: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وفصاله ثلاثون شَهْراً} [الأحقاف: 15]. .سورة الأحزاب: .تفسير الآيات (1- 5): سورة الأحزاب: [1] التبني في الجاهلية والإسلام: .التحليل اللفظي: قال في (اللسان): التقوى، والإتّقاء، والتّقاة، والتّقيّة كله واحد، ورجل تقيّ: معناه يقي نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح. قال ابن الوردي: {الكافرين}: جمع كافر، وهو الجاحد لنعم الله، مشتق من (الكَفْر) وهو الستر، وكل من ستر شيئاً فقد كفره، ولهذا يسمّى الزارع (كافراً) لأنه يستر الحب في الأرض ومنه قوله تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ} [الحديد: 20] أي أعجب الزرّاع. ويسمى الليل كافراً لأنه يستر بظلامه الأشياء. وفي الصحاح: والكافر: الليلُ المظلم لأنه يستر بظلمته كل شيء، وكفر النعمة جحدها. وقال الجوهري: ومن ذلك سُمّي الكافر كافراً لأنه ستر نعم الله عز وجلّ، ونعمُه آياته الدالة على توحيده. قال بعض العلماء: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار وهو أن لا يعرف الله أصلاً، ولا يعترف به، ويكفر بقلبه ولسانه. وكفر جحود وهو أن يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه، ككفر إبليس، وكفر أهل الكتاب {فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} [البقرة: 89]. وكفر عناد وهو: أن يعترف بقلبه، ويقرّ بلسانه ولا يدين به حسداً وبغياً ككفر أبي جهل وأضرابه. وكفر نفاق وهو: أن يقرّ بلسانه ويكفر بقلبه فلا يعتقد بما يقول وهو فعل المنافقين. {والمنافقين}: جمع منافق وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، مشتق من (النَّفَق) وهو سَرَب في الأرض، والنافقاء: جُحْرُ الضبّ واليربوع، قال أبو عبيد: سمّي المنافق منافقاً للنّفق وهو السّرَب في الأرض، وقيل: إنما سُمّي منافقاً لأنه نافق كاليربوع وهو دخوله نافقاءه. فإذا طُلِبَ خرج من القاصعاء، فهو يدخل من (النافقاء) ويخرج من (القاصعاء) أو بالعكس، وهكذا يفعل المنافق يدخل في الإسلام ثمّ يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه. وقال في (اللسان): وقد تكرر في الحديث ذكر النفاق، وهو اسم اسلاميّ لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يستر كفره ويُظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفاً. {وَكِيلاً}: الوكيل: الحافظ، الكفيل بأرزاق العباد، والمتوكل على الله: الذي يعلم أن الله كافل رزقه وأمره، فيركن إليه وحده، ولا يتوكل على غيره، وفي التنزيل: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ} [الفرقان: 58] وتوكّلَ بالأمر إذا ضمن القيام به. والتوكل: اللجوء والاعتماد يقال: وكلتُ أمري إلى فلان أن ألجأته إليه، واعتمدت فيه عليه قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]. والمعنى: اعتمد على الله والجأ إليه، وكفى به حافظاً وكفيلاً. قال أبو السعود: {وَتَوَكَّلْ على الله} أي فوّض جميع أمورك إليه {وكفى بالله وَكِيلاً} أي حافظاً موكلاً إليه كل الأمور. {تظاهرون}: نزل القرآن الكريم والعرب يعقلون من هذا التركيب (ظاهر من زوجته) أنه قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمي، وكانت العرب تطلّق نساءها في الجاهلية بهذه الكلمة، وكان الظّهار عندهم طلاقاً، فلما جاء الإسلام نُهوا عنه، وأُوجِبت الكفارة على من ظاهر من امرأته. قال في (اللسان): وأصل الظّهار مأخوذ من الظَّهْر، وإنما خصّوا الظهر دون البطن والفخذ، لأنّ الظهر موضع الركوب، فكأنه قال: ركوبك للنكاح عليّ حرام كركوب أمي للنكاح، فأقام الظهر مقام الركوب، وهذا من لطيف الاستعارات للكناية. {أَدْعِيَآءَكُمْ}: جمع دَعيّ، وهو الذي يُدعى ابناً وليس بابن، وهو النبي الذي كان في الجاهلية وأبطله الإسلام، وقد تبنّى عليه السلام (زيد بن حارثة) قبل النبوة لحكمة جليلة نبينها بعد إن شاء الله. قال في (اللسان): والدّعي: المنسوب إلى غير أبيه، والدِّعوة بكسر الدال: أدّعاء الولد الدّعيّ غير أبيه، وقال ابن شُميل: الدَّعوة بالفتح في الطعام، والدِّعوة بالكسر في النسب. وقد أنكر بعضهم هذه التفرقة. وقال الشاعر: {أَقْسَطُ}: بمعنى أعدل أفعل تفضيل، يقال: أقْسَط إذا عدل، وقَسَط إذا جار وظلم، فالرباعي (أقسط) يأتي اسم الفاعل منه (مُقْسِط) بمعنى عادل ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} [الحجرات: 9] والثلاثي (قَسَط) يأتي اسم الفاعل منه (قاسط) بمعنى جائر ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن: 15] فكأن الهمزة في أقسط للسلب، كما يقال: شكا إله فأشكاه، أي أزال شكواه. والقِسط: العدل قال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط} [الرحمن: 9]. {ومواليكم}: أي أولياؤكم في الدين، جمع مولى وهو الذي بينه وبين غيره حقوق متبادلة كما بين القريب وقريبه، والمملوك سيّده. ومعنى الآية: فإن لم تعرفوا آباءهم أيها المؤمنون فهم إخوانكم في الدين، وأولياؤكم فيه، فليقل أحدكم: يا أخي، أو يا مولاي، يقصد بذلك الأخوّة والولاية في الدين. {غَفُوراً}: يغفر ذنوب عباده، ويكفّر عنهم السيئات إذا تابوا {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى} [طه: 82]. {رَّحِيماً}: بعباده ومن رحمته أنه رفع الإثم عن المخطئ، ولم يؤاخذه على خطئه. .المعنى الإجمالي: والخطاب وإن كان في صورته موجهاً للنبي عليه السلام، لكنّه في الحقيقة تعليم للأمة، وإرشاد لها؛ لتسلك طريق التقوى، وتعمل تهدي القرآن. وقد استحدث أهل الجاهلية بدعاً غريبة، ومنكراتٍ كثيرة، زعموا أنّها من الدين، فنزل القرآن الكريم مبطلاً لهذه البدع، مغيّراً تلك الخرافات والأباطيل، بالحق الساطع، والبرهان القاطع، مقرراً الأمر على أساس المنطق السليم. يقول الله تعالى ما معناه: يا أيها النبي تحل بالتقوى، وتمسّك بطاعة الله، ولا تطع أهل الكفر والنفاق فيما يدعونك إليه من اللين والتساهل وعدم التعرض لآلهتهم بسوء، فإنّ الله عالم بأحوال العباد، لا تخفى عليه خافية، واتّبْع ما يوحيه إليك ربك، من الشرع القويم، والدين الحكيم، ولا تخش وعيد أحدٍ من المشركين، فإنّ الله معك فتوكل عليه، والجأ في جميع أمورك إليه، فهو الحافظ والناصر. ثم ردّ تعالى مزاعم أهل الجاهلية، وما هم عليه من ضلالٍ وعنادٍ، فبيّن أنه كما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، فكذلك لا يمكن أن تصبح الزوجة المظاهر منها أماً، ولا الولد المتبنّى ابناً، لأن الأم الحقيقية هي التي ولدته {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة: 2] والابن الحقيقي هو الذي جاء من صلب ذلك الرجل فلا يمكن لإنسان أن يكون له أبوان، فكيف يزعمون أنّ هؤلاء الزوجات أمهات!! وكيف يجعلون أبناء الآخرين أبناءً لهم، مع أنهم ليسوا من أصلابهم!! ذلك هو محض الكذب والافتراء على الله، والله يقول الحق ويهدي إلى أقوم طريق. ثم أمر تعالى بنسبة هؤلاء إلى آبائهم، لأنه أعدل وأقسط فقال: فإن لم تعرفوا- أيها المؤمنون- آباءهم، فهم إخوانكم في الدين، وأولياؤكم فيه، فليقل أحدكم: يا أخي ويا مولاي يقصد أخوّة الدين وولايته، وليس عليكم ذنب فيما أخطأتم به ولكنّ الذنب والإثم فيما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً، يغفر لعباده زلاتهم، ويتجاوز عن سيئاتهم. .سبب النزول: أولاً: رُوي أنّ أبا سفيان بن حرب، وعكرمه بن أبي جهل، وأبا الأعور السّلمي، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموادعة التي كانت بينهم، فنزلوا على عبد الله بن أبيّ، ومُعتّب بن قُشَيْر، والجدّ بن قيس، فتكلموا فيما بينهم، وأتو رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوه إلى أمرهم، وعرضوا عليه أشياء، وطلبوا منه أن يرفض ذكر (اللاَّت والعُزى) بسوء. وأن يقول: إنّ لها شفاعة، فكره صلى الله عليه وسلم ذلك، ونزلت هذه الآية: {يا أيها النبي اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين}. ثانياً: وروي أنّ رجلاً من قريش يُدعى (جميل بن مَعْمَر الفِهْري) كان لبيباً، حافظاً لما سمع، فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إلاّ وله قلبان في جوفه، وكان يقول: إن لي قلبين أعقل بكلّ واحدٍ منهما أفضل من عقل محمد ، فلمّا كان يوم بدر، وهُزِم المشركون- وفيهم يومئذٍ جميل بن مَعْمر- تلقَّاه (أبو سفيان) وهو معلّق إحدى نعليه بيده، والأخرى في رجله، فقال له: ما حال الناس؟ فقال: انهزموا، قال: فما بال إحدى نعليك في يدك، والأخرى في رجلك؟ قال: ما شعَرْتُ إلاّ أنهما في رجليّ!! فعرفوا يومئذٍ أنه لو كان له قلبان لما نسيَ نعله في يده فأنزل الله تعالى: {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ...} الآية. ثالثاً: وروى السيوطي عن مجاهد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تبنّى (زيد بن حارثة) وأعتقه قبل الوحي، فلمذا تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش قال اليهود والمنافقون: تزوّج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها فنزل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ}. رابعاً: وروى البخاري في (صحيحه) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ما كنّا ندعو (زيد بن حارثة) إلاّ زيد بن محمد، حتى نزلت الآية الكريمة: {ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله...}.
|