فصل: تفسير الآية رقم (53)

صباحاً 1 :17
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْـزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ‏}‏ ‏(‏53‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْحَوَارِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ ‏"‏رَبَّنَا آمَنَّا‏)‏، أَيْ‏:‏ صَدَّقْنَا ‏"‏بِمَا أَنْـزَلْتَ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ بِمَا أَنْـزَلْتَ عَلَى نَبِيِّكَ عِيسَى مِنْ كِتَابِكَ ‏{‏وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ‏}‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ صِرْنَا أَتْبَاعَ عِيسَى عَلَى دِينِكَ الَّذِي اِبْتَعَثْتَهُ بِهِ، وَأَعْوَانَهُ عَلَى الْحَقِّ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ بِهِ إِلَى عِبَادِكَ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَأَثْبِتْ أَسْمَاءَنَا مَعَ أَسْمَاءِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ، وَأَقَرُّوا لَكَ بِالتَّوْحِيدِ، وَصَدَّقُوا رُسُلَكَ، وَاتَّبِعُوا أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ، فَاجْعَلْنَا فِي عِدَادِهِمْ وَمَعَهُمْ فِيمَا تُكْرِمُهُمْ بِهِ مِنْ كَرَامَتِكَ، وَأَحِلَّنَا مَحَلَّهُمْ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِمَّنْ كَفَرَ بِكَ، وَصَدَّ عَنْ سَبِيلِكَ، وَخَالَفَ أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ‏.‏

يُعَرِّفُ خَلْقَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ سَبِيلَ الَّذِينَ رَضِيَ أَقْوَالَهُمْ وَأَفْعَالَهُمْ، لِيَحْتَذُوا طَرِيقَهُمْ، وَيَتْبَعُوا مِنْهَاجَهُمْ، فَيَصِلُوا إِلَى مِثْلِ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ دَرَجَاتِ كَرَامَتِهِ وَيُكَذِّبُ بِذَلِكَ الَّذِينَ اِنْتَحَلُوا مِنَ الْمِلَلِ غَيْرِ الْحَنِيفِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ، فِي دَعْوَاهُمْ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى غَيْرِهَا وَيُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْوَفْدِ الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ‏:‏ بِأَنْ قِيلَ مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَتْبَاعِ عِيسَى كَانَ خِلَافُ قِيلِهِمْ، وَمِنْهَاجِهِمْ غَيْرَ مِنْهَاجِهِمْ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْـزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ‏}‏، أَيْ‏:‏ هَكَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏}‏ ‏[‏54‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَمَكَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّ عِيسَى أَحَسَّ مِنْهُمُ الْكُفْرَ‏.‏

وَكَانَ مَكْرُهُمُ الَّذِي وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ، مُوَاطَأَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى الْفَتْكِ بِعِيسَى وَقَتْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، بَعْدَ إِخْرَاجِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ وَأُمَّهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمِ، عَادَ إِلَيْهِمْ، فِيمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ثُمَّ إِنَّ عِيسَى سَارَ بِهِمْ يَعْنِي‏:‏ بِالْحَوَارِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَصْطَادُونَ السَّمَكَ، فَآمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ إِذْ دَعَاهُمْ حَتَّى أَتَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْلًا فَصَاحَ فِيهِمْ، فَذَلِكَ قَوْله‏:‏ ‏{‏فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏سُورَةَ الصَّفِّ‏:‏ 14‏]‏‏.‏

وَأَمَّا مَكْرُ اللَّهِ بِهِمْ‏:‏ فَإِنَّهُ- فِيمَا ذَكَرَ السُّدِّيُّ- إِلْقَاؤُهُ شَبَهَ عِيسَى عَلَى بَعْضِ أَتْبَاعِهِ حَتَّى قَتَلَهُ الْمَاكِرُونَ بِعِيسَى، وَهْم يَحْسَبُونَهُ عِيسَى، وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِيسَى قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ثُمَّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَصَرُوا عِيسَى وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ‏:‏ مَنْ يَأْخُذُ صُورَتِي فَيُقْتَلُ وَلَهُ الْجَنَّةُ‏؟‏ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ، وَصُعِدَ بِعِيسَى إِلَى السَّمَاءِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏}‏‏.‏ فَلَمَّا خَرَجَ الْحَوَارِيُّونَ أَبْصَرُوهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ عِيسَى قَدْ صُعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَجَعَلُوا يَعُدُّونَ الْقَوْمَ فَيَجِدُونَهُمْ يَنْقُصُونَ رَجُلًا مِنَ الْعِدَّةِ، وَيَرَوْنَ صُورَةَ عِيسَى فِيهِمْ، فَشَكُّوا فِيهِ‏.‏ وَعَلَى ذَلِكَ قَتَلُوا الرَّجُلَ وَهُمْ يُرَوْنَ أَنَّهُ عِيسَى وَصَلَبُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ النِّسَاءِ‏:‏ 157‏]‏‏.‏

وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَمَعْنَى‏"‏مَكْرِ اللَّهِ بِهِمْ‏"‏أَيْ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، اِسْتِدْرَاجُهُ إِيَّاهُمْ لِيَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجْلَهَ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْبَقَرَةِ‏:‏ 15‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَمَكْرُ اللَّهِ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ حَاوَلُوا قَتْلَ عِيسَى مَعَ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ عِيسَى فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ إِذْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ‏)‏، فَـ‏"‏إِذْ‏"‏ صِلَةٌ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَكْرَ اللَّهُ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ وَمَكَرَ اللَّهُ بِهِمْ حِينَ قَالَ اللَّهُ لِعِيسَى ‏"‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ، فَتَوَفَّاهُ وَرَفَعَهُ إِلَيْهِ‏.‏

ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى ‏"‏الوَفَاةِ‏"‏ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّفِي قَوْلِهِ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏"‏هِيَ وَفَاةُ نَوْمٍ‏)‏، وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ‏:‏ إِنِّي مُنِيمُكَ وَرَافِعُكَ فِي نَوْمِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَعْنِي وَفَاةَ الْمَنَامِ، رَفَعَهُ اللَّهُ فِي مَنَامِهِ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ ‏(‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِ‏:‏ ‏"‏إِنَّ عِيسَى لَمْ يَمُتْ، وَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَيْكُمْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِنِّي قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ، فَرَافِعُكَ إِلَيَّ، قَالُوا‏:‏ وَمَعْنَى ‏"‏الوَفَاةِ‏)‏، الْقَبْضُ، لِمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏تَوَفَّيْتُ مِنْ فُلَانٍ مَالِي عَلَيْهِ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ قَبَضْتُهُ وَاسْتَوْفَيْتُهُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ‏)‏، أَيْ‏:‏ قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ حَيًّا إِلَى جِوَارِي، وَآخُذُكَ إِلَى مَا عِنْدِي بِغَيْرِ مَوْتٍ، وَرَافِعُكَ مِنْ بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِاِبْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مُتَوَفِّيكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ بِوَفَاةِ مَوْتٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مُتَوَفِّيكَ مِنَ الْأَرْضِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ فَرَفْعُهُ إِيَّاهُ إِلَيْهِ، تُوَفِّيهِ إِيَّاهُ، وَتَطْهِيرُهُ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُو‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ‏:‏ أَنَّكَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيُمِيتَ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا بَعَثَهُ اللَّهُ دَاعِيًا وَمُبَشِّرًا يَدْعُو إِلَيْهِ وَحْدَهُ، فَلَمَّا رَأَى عِيسَى قِلَّةَ مِنِ اِتَّبَعَهُ وَكَثْرَةِ مَنْ كَذَّبَهُ، شَكَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ‏}‏، وَلَيْسَ مَنْ رَفَعْتُهُ عِنْدِي مَيِّتًا، وَإِنِّي سَأَبْعَثُكَ عَلَى الْأَعْوَرِ الدَّجَّالِ فَتَقْتُلَهُ، ثُمَّ تَعِيشُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ أُمِيتُكَ مِيتَةَ الْحَيِّ‏.‏

قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ‏:‏ وَذَلِكَ يُصَدِّقُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ‏:‏ كَيْفَ تَهْلِكُ أُمَّةٌ أَنَا فِي أَوَّلِهَا، وَعِيسَى فِي آخِرِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ‏}‏، أَيْ قَابِضُكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏"‏مُتَوَفِّيكَ‏"‏‏:‏ قَابِضُكَ قَالَ‏:‏ ‏"‏وَمُتَوَفِّيكَ‏"‏ وَ‏"‏رَافِعُكَ‏)‏، وَاحِدٌ قَالَ‏:‏ وَلَمْ يَمُتْ بَعْدُ، حَتَّى يَقْتُلَ الدَّجَّالَ، وَسَيَمُوتُ‏.‏ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا‏}‏، قَالَ‏:‏ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كَهْلًا قَالَ‏:‏ وَيَنْـزِلُ كَهْلً‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ‏}‏، الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ‏:‏ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فِي السَّمَاءِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَفَاةَ مَوْتٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ إِنِّي مُمِيتُكَ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهَبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ تَوَفَّى اللَّهُ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ حَتَّى رَفَعَهُ إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ وَالنَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُ تَوَفَّاهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ أَحْيَاهُ اللَّهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ إِنْـزَالِي إِيَّاكَ إِلَى الدُّنْيَا‏.‏ وَقَالَ‏:‏ هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، وَالْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِنِّي قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ‏)‏، لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏يَنْـزِلُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، ثُمَّ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ مُدَّةً ذَكَرَهَا، اِخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي مَبْلَغِهَا، ثُمَّ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَه‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزَّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏لِيُهْبِطَنَّ اللَّهُ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا، يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْـزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيُفِيضُ الْمَالَ حَتَّى لَا يَجِدَ مَنْ يَأْخُذُهُ، وَلِيَسْلُكَنَّ الرَّوْحَاءَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لِيُثَنِّيَنَّ بِهِمَا جَمِيعًا‏.‏ »

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ‏.‏ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي‏.‏ وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ‏:‏ فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ الْخَلْقِ، إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطُ الشَّعْرِ، كَأَنَّ شَعْرَهُ يَقْطُرُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ، يَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْـزِيرَ، وَيُفِيضُ الْمَالَ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ الْكَذَّابَ الدَّجَّالَ وَتَقَعُ فِي الْأَرْضِ الْأَمَنَةُ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنَّمِرُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَتَلْعَبُ الْغِلْمَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيَثْبُتُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَيَدْفِنُونَهُ‏)‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ أَمَاتَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يُمِيتُهُ مِيتَةً أُخْرَى، فَيَجْمَعُ عَلَيْهِ مِيتَتَيْنِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهُ يَخْلُقُهُمْ ثُمَّ يُمِيتُهُمْ ثُمَّ يُحْيِيهِمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الرُّومِ‏:‏ 40‏]‏‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إذًا‏:‏ قَالَ اللَّهُ لِعِيسَى‏:‏ يَا عِيسَى، إِنِّي قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ، وَرَافِعُكَ إِلَيَّ، وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَجَحَدُوا نُبُوَّتَكَ‏.‏

وَهَذَا الْخَبَرُ، وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ خَبَرٍ، فَإِنَّ فِيهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اِحْتِجَاجًا عَلَى الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى مِنْ وَفْدِ نَجْرَانَ بِأَنَّ عِيسَى لَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُصْلَبْ كَمَا زَعَمُوا، وَأَنَّهُمْ وَالْيَهُودُ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِذَلِكَ وَادَّعَوْا عَلَى عِيسَى- كَذَبَةٌ فِي دَعْوَاهُمْ وَزَعْمِهِمْ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ- يَعْنِي الْوَفْدَ مِنْ نَجْرَانَ- وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَقَرُّوا لِلْيَهُودِ بِصَلْبِهِ، كَيْفَ رَفَعَهُ وَطَهَّرَهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا‏"‏مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏)‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ مُنَظِّفُكَ، فَمُخَلِّصُكَ مِمَّنْ كَفَرَ بِكَ، وَجَحَدَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنَ الْيَهُودِ وَسَائِرِ الْمِلَلِ غَيْرِهَا، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذْ هَمُّوا مِنْكَ بِمَا هَمُّوا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ طَهَّرَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَمِنْ كُفَّارِ قَوْمِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ عَلَى مِنْهَاجِكَ وَمِلَّتِكَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَفِطْرَتِهِ، فَوْقَ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتَكَ وَخَالَفُوا سَبِيلَهُمْ ‏[‏مِنْ‏]‏ جَمِيعِ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَكَذَّبُوا بِمَا جِئْتَ بِهِ وَصَدُّوا عَنِ الْإِقْرَارِ بِهِ، فَمَصِيرُهُمْ فَوْقَهُمْ ظَاهِرِينَ عَلَيْهِمْ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏، هُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ عَلَى فِطْرَتِهِ وَمِلَّتِهِ وَسُنَّتِهِ، فَلَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَاصِرُ مَنِ اتَّبَعَكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏، أَمَّا ‏"‏الذِينَ اِتَّبَعُوكَ‏)‏، فَيُقَالُ‏:‏ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَيُقَالُ‏:‏ بَلْ هُمُ الرُّومُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عِبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏، قَالَ‏:‏ جَعَلَ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ الْمُسْلِمُونَ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَجَعَلَهُمْ أَعْلَى مِمَّنْ تَرَكَ الْإِسْلَامَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ مِنَ النَّصَارَى فَوْقَ الْيَهُودِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏{‏وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ ‏{‏فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏، النَّصَارَى فَوْقَ الْيَهُودِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَيْسَ بَلَدٌ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّصَارَى، إِلَّا وَهُمْ فَوْقَ يَهُودَ، فِي شَرْقٍ وَلَا غَرْبٍ، هُمْ فِي الْبُلْدَانِ كُلِّهَا مُسْتَذَلُّونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏}‏ ‏[‏55‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏ثُمَّ إِلَيَّ‏)‏، ثُمَّ إِلَى اللَّهِ، أَيُّهَا الْمُخْتَلِفُونَ فِي عِيسَى ‏"‏مَرْجِعُكُمْ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ مَصِيرُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏"‏فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَأَقْضِي حِينَئِذٍ بَيْنَ جَمِيعِكُمْ فِي أَمْرِ عِيسَى بِالْحَقِّ ‏{‏فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏}‏ ‏"‏ مِنْ أَمْرِهِ‏.‏

وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي صُرِفَ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ إِلَى الْمُخَاطَبَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ‏)‏، إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ مُتَّبِعِي عِيسَى وَالْكَافِرِينَ بِهِ‏.‏

وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُ الْفَرِيقَيْنِ‏:‏ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِكَ، فَأَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏.‏ وَلَكِنْ رَدَّ الْكَلَامَ إِلَى الْخِطَابِ لِسُبُوقِ الْقَوْلِ، عَلَى سَبِيلٍ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ يُونُسَ‏:‏ 22‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏56-57‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏57‏)‏ ‏(‏56‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا‏)‏، فَأَمَّا الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتَكَ يَا عِيسَى، وَخَالَفُوا مِلَّتَكَ، وَكَذَّبُوا بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَقَالُوا فِيكَ الْبَاطِلَ، وَأَضَافُوكَ إِلَى غَيْرِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُضِيفُوكَ إِلَيْهِ، مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَسَائِرِ أَصْنَافِ الْأَدْيَانِ، فَإِنِّي أُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَبِالْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَبِنَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ‏"‏وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَانِعٌ، وَلَا عَنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ لَهُمْ دَافِعٌ بِقُوَّةٍ وَلَا شَفَاعَةٍ، لِأَنَّهُ الْعَزِيزُ ذُو الِانْتِقَامِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِكَ يَا عِيسَى- يَقُولُ‏:‏ صَدَّقُوكَ- فَأَقَرُّوا بِنُبُوَّتِكَ وَبِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِي، وَدَانُوا بِالْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثْتُكَ بِهِ، وَعَمِلُوا بِمَا فَرَضْتُ مِنْ فَرَائِضِي عَلَى لِسَانِكَ، وَشَرَعْتُ مِنْ شَرَائِعِي، وَسَنَنْتُ مِنْ سُنَنِي‏.‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ أَدَّوْا فَرَائِضِي‏.‏

‏{‏فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَيُعْطِيهِمْ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةَ كَامِلًا لَا يُبْخَسُونَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يُنْقَصُونَهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ مَنْ ظَلَمَ غَيْرَهُ حَقًا لَهُ، أَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ‏.‏

فَنَفَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ أَنْ يَظْلِمَ عِبَادَهُ، فَيُجَازِي الْمُسِيءَ مِمَّنْ كَفَرَ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، أَوْ يُجَازِي الْمُحْسِنَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فَأَطَاعَهُ، جَزَاءَ الْمُسِيئِينَ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ إِنِّي لَا أُحِبُّ الظَّالِمِينَ، فَكَيْفَ أَظْلِمُ خَلْقِي‏؟‏

وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ، فَإِنَّهُ وَعِيدٌ مِنْهُ لِلْكَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ، وَوَعْدٌ مِنْهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ، لِأَنَّهُ أَعْلَمَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَنَّهُ لَا يَبْخَسَ هَذَا الْمُؤْمِنَ حَقَّهُ، وَلَا يَظْلِمَ كَرَامَتَهُ فَيَضَعَهَا فِيمَنْ كَفَرَ بِهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَيَكُونُ لَهَا بِوَضْعِهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا ظَالِمًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ‏}‏ ‏[‏58‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏ذَلِكَ‏)‏، هَذِهِ الْأَنْبَاءَ الَّتِي أَنْبَأَ بِهَا نَبِيَّهُ عَنْ عِيسَى وَأُمِّهِمَرْيَمَ، وَأُمِّهَاحنة وَزَكَرِيَّا وَابْنِهِ يَحْيَى، وَمَا قَصَّ مَنْ أَمْرِ الْحَوَارِيِّينَ وَالْيَهُودَ مَنْ بَنَى إِسْرَائِيلَ ‏"‏نَتْلُوهَا عَلَيْكَ‏)‏، يَا مُحَمَّدُ، يَقُولُ‏:‏ نَقْرَؤُهَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِوَحْيِنَاهَا إِلَيْكَ ‏"‏مِنَ الْآيَاتِ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ مِنَ الْعِبَرِ وَالْحُجَجِ عَلَى مَنْ حَاجَّكَ مِنْ وَفْدِ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَيَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَذَّبُوكَ وَكَذَّبُوا مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِي ‏"‏وَالذِّكْرِ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ وَالْقُرْآنِ ‏"‏الْحَكِيمِ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ ذِي الْحِكْمَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ نَاسِبِي الْمَسِيحِ إِلَى غَيْرِ نَسَبِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ‏}‏، الْقَاطِعِ الْفَاصِلِ الْحَقِّ، الَّذِي لَمْ يَخْلِطْهُ الْبَاطِلُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى وَعَمًّا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ، فَلَا تَقْبَلَنَّ خَبَرًا غَيْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْقُرْآنُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏وَالذِّكْرِ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ الْقُرْآنُ ‏"‏الْحَكِيمِ‏"‏ الَّذِي قَدِ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏(‏59‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّ شَبَهَ عِيسَى فِي خَلْقِي إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ فَأَخْبِرْ بِهِ، يَا مُحَمَّدُ، الْوَفْدَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ عِنْدِي، كَشَبَهِ آدَمَ الَّذِي خَلَقْتُهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ‏:‏ ‏"‏كُنْ‏)‏، فَكَانَ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ وَلَا ذَكَرَ وَلَا أُنْثَى‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَلَيْسَ خَلْقِي عِيسَى مِنْ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ، بِأَعْجَبَ مِنْ خَلْقِي آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، وَأَمْرِي إِذَا أَمَرَتُهُ أَنْ يَكُونَ فَكَانَ لَحْمًا‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَكَذَلِكَ خَلْقِى عِيسَى‏:‏ أَمَرْتُهُ أَنْ يَكُونَ فَكَانَ‏.‏

وَذَكَرَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْـزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ اِحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَفْدِ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ الَّذِينَ حَاجُّوهُ فِي عِيسَى‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ أَعْظَمُ قَوْمٍ مِنَ النَّصَارَى فِي عِيسَى قَوْلًا فَكَانُوا يُجَادِلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏، وَذَلِكَ أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ قَدِمُوا عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِيهِمُ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ فَقَالُوا لِمُحَمَّدٍ‏:‏ مَا شَأْنُكَ تَذْكُرُ صَاحِبَنَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مَنْ هُوَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ عِيسَى، تَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ‏!‏ فَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ أَجَلْ، إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ‏.‏ قَالُوا لَهُ‏:‏ فَهَلْ رَأَيْتَ مَثَلَ عِيسَى، أَوْ أُنْبِئْتَ بِهِ‏؟‏ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ رَبِّنَا السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ‏:‏ قُلْ لَهُمْ إِذَا أَتَوْكَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ‏}‏، إِلَى آخَرِ الْآيَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏، ذَكَرَ لَنَا أَنَّ سَيِّدَيْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَأَسْقُفَيْهِمْ‏:‏ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ، لَقِيَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ عِيسَى فَقَالَا كُلُّ آدَمِيٍّ لَهُ أَبٌ، فَمَا شَأْنُ عِيسَى لَا أَبَ لَهُ‏؟‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ‏}‏، لَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ بِهِ أَهْلُ نَجْرَانَ، أَتَاهُ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنْ خِيَارِهِمْ‏.‏ مِنْهُمْ‏:‏ الْعَاقِبُ، وَالسَّيِّدُ، وَمَاسَرْجَسَ، وَمَاريحز‏.‏ فَسَأَلُوهُ مَا يَقُولُ فِي عِيسَى، فَقَالَ‏:‏ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ‏.‏ قَالُوا هُمْ‏:‏ لَا‏!‏ وَلَكِنَّهُ هُوَ اللَّهُ، نَـزَلَ مِنْ مُلْكِهِ فَدَخَلَ فِي جَوْفِمَرْيَمَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا فَأَرَانَا قُدْرَتَهُ وَأَمْرَهُ‏!‏ فَهَلْ رَأَيْتَ قَطُّ إِنْسَانًا خُلِقَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ‏؟‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏‏.‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَـزَلَتْ فِي الْعَاقِبِ وَالسَّيِّدِ مِنْ أَهْل نَجْرَانَ، وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ‏.‏ قَالَ اِبْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَدِمَ وَفْدُهُمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمُ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ، وَهُمَا يَوْمئِذٍ سَيِّدَا أَهْلِ نَجْرَانَ، فَقَالُوا‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، فِيمَا تَشْتُمُ صَاحِبَنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَنْ صَاحِبُكُمَا‏!‏ قَالَا عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ، تَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدٌ‏!‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أَجَلْ، إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىمَرْيَمُوَرُوحٌ مِنْهُ‏.‏ فَغَضِبُوا وَقَالُوا‏:‏ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأَرِنَا عَبْدًا يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ، وَيَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ، الْآيَةَ، لَكِنَّهُ اللَّهُ‏.‏ فَسَكَتَ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْمَائِدَةِ‏:‏ 17‏]‏ الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا جِبْرِيلُ، إِنَّهُمْ سَأَلُونِي أَنْ أُخْبِرَهُمْ بِمَثَلِ عِيسَى‏.‏ قَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ مَثَلُ عِيسَى كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ‏:‏ كُنْ فَيَكُونُ‏.‏ فَلَمَّا أَصْبَحُوا عَادُوا، فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ‏}‏، فَاسْمَعْ، ‏{‏كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏}‏، فَإِنْ قَالُوا‏:‏ خُلِقَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ، فَقَدْ خَلَقْتُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ، فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى لَحْمًا وَدَمًا وَشَعْرًا وَبَشَرًا، فَلَيْسَ خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَتَى نَجْرَانِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا لَهُ‏:‏ هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا وُلِدَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ، فَيَكُونُ عِيسَى كَذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏، أَكَانَ لِآدَمَ أَبٌ أَوْ أَمٌّ‏!‏ ‏!‏ كَمَا خَلَقْتُ هَذَا فِي بَطْنِ هَذِهِ‏؟‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَكَيْفَ قَالَ‏:‏ ‏{‏كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ‏}‏، ‏"‏ وَآدَمُ ‏"‏ مَعْرِفَةٌ، وَالْمَعَارِفُ لَا تُوصَلُ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ‏}‏ ‏"‏ غَيْرُ صِلَةٍ لِآدَمَ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ عَنْ أَمْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ عَنِ الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ، وَكَيْفَ كَانَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏، فَإِنَّمَا قَالَ‏:‏ ‏"‏فَيَكُونُ‏"‏ وَقَدِ اِبْتَدَأَ الْخَبَرُ عَنْ خَلْقِ آدَمَ، وَذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ قَدْ تَقَضَّى، وَقَدْ أَخْرَجَ الْخَبَرَ عَنْهُ مُخْرَجَ الْخَبَرِ عَمَّا قَدْ مَضَى فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ‏}‏، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ أَنَّ تَكْوِينَهُ الْأَشْيَاءَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏كُنْ‏)‏، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏فَيَكُونُ‏)‏، خَبَرًا مُبْتَدَأً، وَقَدْ تَنَاهَى الْخَبَرُ عَنْ أَمْرِ آدَمَ عِنْدَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏كُنْ‏"‏‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ‏}‏، وَاعْلَمْ، يَا مُحَمَّدُ، أَنَّ مَا قَالَ لَهُ رَبُّكَ‏"‏كُنْ‏)‏، فَهُوَ كَائِنٌ‏.‏

فَلَمَّا كَانَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ‏}‏، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ يُرَادُ بِهِ إِعْلَامَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرَ خَلْقِهِ أَنَّهُ كَائِنٌ مَا كَوْنُهُ اِبْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ وَلَا أَوَّلَ وَلَا عُنْصُرٍ، اِسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْنَى، وَقِيلَ‏:‏ ‏"‏فَيَكُونُ‏)‏، فَعَطَفَ بِالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَاضِي عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى‏.‏

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ‏:‏ ‏"‏فَيَكُونُ‏)‏، رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَمَعْنَاهُ‏:‏ كُنْ فَكَانَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَإِذَا هُوَ كَائِنٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏}‏ ‏(‏60‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ الَّذِي أَنْبَأْتُكَ بِهِ مِنْ خَبَرِ عِيسَى، وَأَنَّ مَثَلَهُ كَمَثَل آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ رَبُّهُ‏"‏كُنْ‏"‏ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، يَقُولُ‏:‏ هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ ‏"‏فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ فَلَا تَكُنْ مِنَ الشَّاكِّينَ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ عِيسَى أَنَّهُ- كَمَثَلِ آدَمَ-، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِمَّا قَصَصْنَا عَلَيْكَ أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ وَرُوحٌ، وَأَنَّ مَثَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏(‏الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏)‏، مَا جَاءَكَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى ‏"‏فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏)‏، أَيْ‏:‏ قَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَمْتَرِ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَالْمُمْتَرُونَ الشَّاكُّونَ‏.‏

‏"‏وَالْمِرْيَةُ‏"‏‏"‏وَالشَّكُّ‏"‏‏"‏وَالرَّيْبُ‏)‏، وَاحِدٌ سَوَاءٌ، كَهَيْئَةِ مَا تَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَعْطِنِي‏"‏‏"‏وَنَاوِلْنِي‏"‏‏"‏وَهَلُمَّ‏)‏، فَهَذَا مُخْتَلِفٌ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ وَاحِدٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ‏}‏ ‏(‏61‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ‏)‏، فَمَنْ جَادَلَكَ، يَا مُحَمَّدُ، فِي الْمَسِيحِ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ‏.‏

وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فِيهِ‏)‏، عَائِدَةٌ عَلَى ذِكْرِ عِيسَى‏.‏ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةٌ عَلَى ‏"‏الحَقِّ‏"‏ الَّذِي قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏"‏‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏}‏، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي قَدْ بَيَّنْتُهُ لَكَ فِي عِيسَى أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ ‏"‏فَقُلْ تَعَالَوْا‏)‏، هَلُمُّوا فَلْنَدْعُ ‏{‏أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ نَلْتَعِنْ‏.‏

يُقَالُ فِي الْكَلَامِ‏:‏ ‏"‏مَا لَهُ‏؟‏ بَهَلَهُ اللَّهُ ‏"‏ أَيْ‏:‏ لَعَنَهُ اللَّهُ ‏"‏وَمَا لَهُ‏؟‏ عَلَيْهِ بُهْلَةُ اللَّهِ‏)‏، يُرِيدُ اللَّعْنَ، وَقَالَ لَبِيَدٌ، وَذَكَرَ قَوْمًا هَلَكُوا فَقَالَ‏:‏

نَظَرَ الدَّهْرُ إِلَيْهِمْ فَابْتَهَلْ ***

يَعْنِي‏:‏ دَعَا عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ‏.‏

‏{‏فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ‏}‏ ‏"‏ مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي أَنَّهُ عِيسَى، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏}‏، أَيْ‏:‏ فِي عِيسَى‏:‏ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، مِنْ كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ ‏{‏فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏عَلَى الْكَاذِبِينَ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏}‏، أَيْ‏:‏ مِنْ بَعْدِ مَا قَصَصْتُ عَلَيْكَ مِنْ خَبَرِهِ، وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ ‏{‏فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَنْ حَاجَّكَ فِي عِيسَى مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَّا وَمِنْكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، وَحَدَّثَنِي اِبْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زِيَادٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِ نَجْرَانَ حِجَابًا فَلَا أَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنِي‏!‏ مِنْ شِدَّةِ مَا كَانُوا يُمَارُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏62- 63‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏62- 63‏]‏‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْبَأْتُكَ بِهِ، يَا مُحَمَّدُ، مِنْ أَمْرِ عِيسَى فَقَصَصْتُهُ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهِ، وَأَنَّهُ عَبْدِي وَرَسُولِي وَكَلِمَتِي أَلْقَيْتهَا إِلَىمَرْيَمَوَرُوحٌ مِنِّي، لَهْوَ الْقَصَصُ وَالنَّبَأُ الْحَقُّ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْخَلْقِ مَعْبُودٌ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِمُ الْعِبَادَةَ بِمُلْكِهِ إِيَّاهُمْ إِلَّا مَعْبُودَكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ، وَهُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏العَزِيزُ‏)‏، الْعَزِيزُ فِي اِنْتِقَامِهِ مِمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ، وَادَّعَى مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ، أَوْ عَبَدَ رَبًّا سِوَاهُ ‏"‏الْحَكِيمُ‏"‏ فِي تَدْبِيرِهِ، لَا يَدْخُلُ مَا دَبَّرَهُ وَهْنٌ، وَلَا يَلْحَقُهُ خَلَلٌ‏.‏

‏"‏فَإِنْ تَوَلَّوْا‏)‏، يَعْنِي‏:‏ فَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَاجُّوكَ فِي عِيسَى، عَمًّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ فِي عِيسَى وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ مَا آتَاكَ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ، فَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَلَمْ يَقْبَلُوهُ

‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِالَّذِينِ يَعْصُونَ رَبَّهُمْ، وَيَعْمَلُونَ فِي أَرْضِهِ وَبِلَادِهِ بِمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَذَلِكَ هُوَ إِفْسَادُهُمْ‏.‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَهُوَ عَالِمٌ بِهِمْ وَبِأَعْمَالِهِمْ، يُحْصِيهَا عَلَيْهِمْ وَيَحْفَظُهَا، حَتَّى يُجَازِيَهُمْ عَلَيْهَا جَزَاءَهُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا قِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏:‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ‏}‏، أَيْ‏:‏ إِنَّ هَذَا الَّذِي جِئْتُ بِهِ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى، ‏{‏لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ‏}‏، مِنْ أَمْرِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ‏}‏، إِنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَا فِي عِيسَى ‏{‏لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّ هَذَا الْقَصَصَ الْحَقُّ فِي عِيسَى، مَا يَنْبَغِي لِعِيسَى أَنْ يَتَعَدَّى هَذَا وَلَا يُجَاوِزَهُ‏:‏ أَنْ يَتَعَدَّى أَنْ يَكُونَ كَلِمَةَ اللَّهِ أَلْقَاهَا إِلَىمَرْيَمَ، وَرُوحًا مِنْهُ، وَعَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ‏}‏، إِنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَا فِي عِيسَى، هُوَ الْحَقُّ ‏"‏وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ‏)‏، الْآيَةَ‏.‏

فَلَمَّا فَصَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْوَفْدِ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ، بِالْقَضَاءِ الْفَاصِلِ وَالْحُكْمِ الْعَادِلِ، أَمَرَهُ إِنْ هُمْ تَوَلَّوْا عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا صَاحِبَةَ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَبَوْا إِلَّا الْجَدَلَ وَالْخُصُومَةَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْمُلَاعَنَةِ‏.‏ فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اِنْخَزَلُوا فَامْتَنَعُوا مِنَ الْمُلَاعَنَةِ، وَدَعَوْا إِلَى الْمُصَالَحَةِ، كَالَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ فَأُمِرَ- يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمُلَاعَنَتِهِمْ- يَعْنِي‏:‏ بِمُلَاعَنَةِ أَهْلِ نَجْرَانَ- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏ فَتَوَاعَدُوا أَنْ يُلَاعِنُوهُ وَوَاعَدُوهُ الْغَدَ‏.‏ فَانْطَلَقُوا إِلَى السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ، وَكَانَا أَعْقَلَهُمْ، فَتَابَعَاهُمْ‏.‏ فَانْطَلَقُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ عَاقِلٍ، فَذَكَرُوا لَهُ مَا فَارَقُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ مَا صَنَعْتُمْ‏!‏‏!‏ ونَدَّمَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ‏:‏ إِنْ كَانَ نَبِيًّا ثُمَّ دَعَا عَلَيْكُمْ لَا يُغْضِبُهُ اللَّهُ فِيكُمْ أَبَدًا، وَلَئِنْ كَانَ مَلِكًا فَظَهَرَ عَلَيْكُمْ لَا يَسْتَبْقِيكُمْ أَبَدًا‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَكَيْفَ لَنَا وَقَدْ وَاعَدَنَا‏!‏ فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ إِذَا غَدَوْتُمْ إِلَيْهِ فَعَرَضَ عَلَيْكُمُ الَّذِي فَارَقْتُمُوهُ عَلَيْهِ، فَقُولُوا‏:‏ ‏"‏نَعُوذُ بِاللَّهِ‏"‏‏!‏ فَإِنْ دَعَاكُمْ أَيْضًا فَقُولُوا لَهُ‏:‏ ‏"‏نَعُوذُ بِاللَّهِ‏"‏‏!‏ وَلَعَلَّهُ أَنْ يُعْفِيَكُمْ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ فَلَمَّا غَدَوْا غَدَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَضِنًا حَسَنًا آخِذًا بِيَدِ الْحُسَيْنِ، وَفَاطِمَةُتَمْشِي خَلْفَهُ‏.‏ فَدَعَاهُمْ إِلَى الَّذِي فَارَقُوهُ عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ، فَقَالُوا‏:‏ ‏"‏نَعُوذُ بِاللَّهِ‏"‏ ‏!‏ ثُمَّ دَعَاهُمْ فَقَالُوا‏:‏ ‏"‏نُعُوذُ بِاللَّهِ‏"‏ ‏!‏ مِرَارًا قَالَ‏:‏ فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَسْلِمُوا وَلَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ قَالُوا‏:‏ مَا نَمْلِكُ إِلَّا أَنْفُسَنَا‏!‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَإِنِّي أَنْبِذُ إِلَيْكُمْ عَلَى سَوَاءٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ قَالُوا‏:‏ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِحَرْبِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَيْ حُلَّةٍ، أَلْفًا فِي رَجَبٍ، وَأَلْفًا فِي صَفَرٍ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَقَدْ أَتَانِي الْبَشِيرُ بِهَلَكَةِ أَهْلِ نَجْرَانَ، حَتَّى الطَّيْرُ عَلَى الشَّجَرِ أَوِ‏:‏ الْعَصَافِيرُ عَلَى الشَّجَرِ لَوْ تَمُّوا عَلَى الْمُلَاعَنَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ لِلْمُغِيرَةِ‏:‏ إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ فِي حَدِيثِ أَهْلِ نَجْرَانَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعَهُمْ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ أَمَّا الشَّعْبِيُّ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، فَلَا أَدْرِي لِسُوءِ رَأْيِ بَنِي أُمَيَّةَ فِي عَلِيٍّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ‏!‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ‏}‏ ‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏}‏، فَدَعَاهُمْ إِلَى النَّصَفِ، وَقَطَعَ عَنْهُمُ الْحُجَّةَ‏.‏ فَلَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ عَنْهُ، وَالْفَصْلُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَأَمَرَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ، إِنْ رَدُّوا عَلَيْهِ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالُوا‏:‏ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، دَعْنَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا، ثُمَّ نَأْتِيكَ بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا دَعَوْتَنَا إِلَيْهِ‏.‏ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، ثُمَّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ، وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ، فَقَالُوا‏:‏ يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ، مَا تَرَى‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَاللَّهِ يَا مَعْشَر النَّصَارَى، لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا لِنَبِيٌ مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيًّا قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ، وَإِنَّهُ لَلِاسْتِئْصَالُ مِنْكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إِلَّا إِلْفَ دِينِكُمْ، وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ، فَوَادِعُوا الرَّجُلَ، ثُمَّ اِنْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ حَتَّى يُرِيَكُمْ زَمَنٌ رَأْيَهُ‏.‏ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا‏:‏ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَدْ رَأَيْنَا أَنْ لَا نُلَاعِنَكَ، وَأَنْ نَتْرُكَكَ عَلَى دِينِكَ، وَنَرْجِعَ عَلَى دِينِنَا، وَلَكِنِ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ تَرْضَاهُ لَنَا، يَحْكُمُ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ قَدِ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَإِنَّكُمْ عِنْدَنَا رِضًى‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ فَرْقَدٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّوَفَاطِمَةُوَالْحُسْنُ وَالْحُسَيْنُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏}‏، الْآيَةَ، فَأَخَذَ- يَعْنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِوَفَاطِمَةَ، وَقَالَ لَعَلِّي‏:‏ اِتَّبِعْنَا‏.‏ فَخَرَجَ مَعَهُمْ، فَلَمْ يَخْرُجْ يَوْمئِذٍ النَّصَارَى، وَقَالُوا‏:‏ إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ دَعْوَةُ النَّبِيِّ كَغَيْرِهَا ‏!‏ ‏!‏ فَتَخَلَّفُوا عَنْهُ يَوْمئِذٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لَوْ خَرَجُوا لَاحْتَرَقُوا‏!‏ فَصَالَحُوهُ عَلَى صُلْحٍ‏:‏ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِمْ ثَمَانِينَ أَلْفًا، فَمَا عَجَزَتِ الدَّرَاهِمُ فَفِي الْعَرُوضِ‏:‏ الْحُلَّةُ بِأَرْبَعِينَ وَعَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ دِرْعًا، وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَأَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا غَازِيَةً كُلَّ سَنَةٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَامِنٌ لَهَا حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إِلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا وَفْدًا مِنْ وَفْدِ نَجْرَانَ مِنَ النَّصَارَى، وَهْمُ الَّذِينَ حَاجُّوهُ، فِي عِيسَى، فَنَكَصُوا عَنْ ذَلِكَ وَخَافُوا وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنْ كَانَ الْعَذَابُ لَقَدْ تَدَلَّى عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ، وَلَوْ فَعَلُوا لَاسْتُؤْصِلُوا عَنْ جَدِيدِ الْأَرْضِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِيُدَاعِيَ أَهْلَ نَجْرَانَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ خَرَجَ، هَابُوا وَفَرِقُوا، فَرَجَعُوا قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ نَجْرَانَ، أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَقَالَلِفَاطِمَةَ‏:‏ اِتْبَعِينَا‏.‏ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ، رَجَعُوا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُباهِلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَجَعُوا لَا يَجِدُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَدِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَاعَنُونِي مَا حَالَ الْحَوْلُ وَبِحَضْرَتِهِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلَكَ اللَّهُ الْكَاذِبِين‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَوْ لَاعَنْتُ الْقَوْمَ، بِمَنْ كُنْتَ تَأْتِي حِينَ قُلْتَ‏"‏أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ‏.‏

«حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ قَالَ، » حَدَّثَنَا عَلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ الْيَشْكَرِيُّ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ‏}‏، الْآيَةَ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّوَفَاطِمَةَوَابْنَيْهِمَا الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَدَعَا الْيَهُودَ ليُلَاعِنَهُمْ، فَقَالَ شَابٌّ مِنَ الْيَهُودِ، وَيْحَكُمْ‏!‏ أَلَيْسَ عَهْدُكُمْ بِالْأَمْسِ إِخْوَانُكُمْ الَّذِينَ مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ‏؟‏‏!‏ لَا تُلَاعِنُوا‏!‏ فَانْتَهَوْا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏}‏ ‏[‏64‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏قُلْ‏)‏، يَا مُحَمَّدُ، لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ‏"‏تَعَالَوْا‏)‏، هَلُمُّوا ‏"‏إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ إِلَى كَلِمَةِ عَدْلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَالْكَلِمَةُ الْعَدْلُ، هِيَ أَنْ نُوَحِّدَ اللَّهَ فَلَا نَعْبُدَ غَيْرَهُ، وَنَبْرَأَ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ، فَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا يَدِينُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَيُعَظِّمُهُ بِالسُّجُودِ لَهُ كَمَا يَسْجُدُ لِرَبِّهِ ‏"‏فَإِنْ تَوَلَّوْا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنْ أَعْرَضُوا عَمَّا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْكَلِمَةِ السَّوَاءِ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِدُعَائِهِمْ إِلَيْهَا، فَلَمْ يُجِيبُوكَ إِلَيْهَا ‏"‏فَقُولُوا‏)‏، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، لِلْمُتَوَلِّينَ عَنْ ذَلِكَ ‏"‏اِشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏"‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيْمَنْ نَـزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ نَـزَلَتْ فِي يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا حَوالَيْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَهُودُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْكَلِمَةِ السَّوَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ حَاجُّوا فِي إِبْرَاهِيمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الْيَهُودَ إِلَى كَلِمَةِ السَّوَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَهُودَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى ذَلِكَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَجَاهَدَهُمْ قَالَ‏:‏ دَعَاهُمْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ نَـزَلَتْ فِي الْوَفْدِ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏"‏قُلْ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَدَعَاهُمْ إِلَى النَّصَفِ، وَقَطَعَ عَنْهُمُ الْحُجَّةَ- يَعْنِي وَفْدَ نَجْرَانَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ ثُمَّ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏- يَعْنِي الْوَفْدَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ- فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنِي اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ زَيْدٍ قَالَ قَالَ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ‏}‏، فِي عِيسَى عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَاهُ فِيمَا مَضَى قَالَ‏:‏ فَأَبَوْا- يَعْنِي الْوَفْدَ مِنْ نَجْرَانَ- فَقَالَ‏:‏ اُدْعُهُمْ إِلَى أَيْسَرَ مِنْ هَذَا، ‏"‏قُلْ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ‏}‏، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا هَذَا وَلَا الْآخَرَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا قُلْنَا عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ‏)‏، أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ‏"‏ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ‏.‏ فَلَيْسَ بِأَنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، بِأَوْلَى مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا إِلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ، وَلَا أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِأَوْلَى أَنْ يَكُونُوا مَقْصُودِينَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ‏.‏ وَإِذْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّهُ الْمَخْصُوصُ بِذَلِكَ مِنَ الْآخَرِ، وَلَا أَثَرٌ صَحِيحٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كِتَابِيٍّ مَعْنِيًّا بِهِ‏.‏ لِأَنَّ إِفْرَادَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَإِخْلَاصَ التَّوْحِيدِ لَهُ، وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَأْمُورٍ مَنْهِيٍّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ‏.‏ وَاسْمُ‏"‏أَهْلِ الْكِتَابِ‏)‏، يَلْزَمُ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَأَهْلَ الْإِنْجِيلِ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ عُنِيَ بِهِ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا‏.‏

وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏تَعَالَوْا‏)‏، فَإِنَّهُ‏:‏ أَقْبِلُوا وَهَلُمُّوا‏.‏ وَإِنَّمَا‏"‏هُوَ تَفَاعَلُوا‏"‏ مِنَ ‏"‏العُلُوِّ‏"‏ فَكَأَنَّ الْقَائِلَ لِصَاحِبِهِ‏:‏ ‏"‏تَعَالَ إِلَيَّ‏)‏، قَائِلٌ‏"‏تَفَاعَلَ‏"‏ مِنَ ‏"‏العُلُوِّ‏)‏، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏تَدَانَ مِنِّي‏"‏ مِنَ ‏"‏الدُّنُوِّ‏)‏، وَ‏"‏تَقَارَبْ مِنِّي‏)‏، مِنَ ‏"‏القُرْبِ‏"‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ‏}‏‏.‏ فَإِنَّهَا الْكَلِمَةُ الْعَدْلُ، ‏"‏وَالسَّوَاءُ‏"‏ مِنْ نَعْتِ ‏"‏الكَلِمَةِ‏"‏‏.‏

وَقَدِ اِخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ إِتْبَاعِ‏"‏سَوَاءٍ‏"‏ فِي الْإِعْرَابِ‏"‏لِكَلِمَةٍ‏)‏، وَهُوَ اِسْمٌ لَا صِفَةٌ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ جَرُّ‏"‏سَوَاءٍ‏"‏ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَةِ ‏"‏الكَلِمَةِ‏"‏ وَهِيَ الْعَدْلُ، وَأَرَادَ مُسْتَوِيَةً‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَرَادَ‏"‏اِسْتِوَاءً‏)‏، كَانَ النَّصْبُ‏.‏ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى ‏"‏الاسْتِوَاءِ‏"‏ وَيَجُرَّ، جَازَ، وَيَجْعَلَهُ مِنْ صِفَةِ ‏"‏الكَلِمَةِ‏)‏، مِثْلَ ‏"‏الخَلْقِ‏)‏، لِأَنَّ ‏"‏الخَلْقَ‏"‏ هُوَ ‏"‏المَخْلُوقُ‏"‏‏.‏‏"‏وَالْخَلْقُ‏"‏ قَدْ يَكُونُ صِفَةً وَاسْمًا، وَيُجْعَلُ ‏"‏الاسْتِوَاءُ‏"‏ مِثْلَ ‏"‏المُسْتَوِي‏)‏، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْحَجِّ‏:‏ 25‏]‏، لِأَنَّ ‏"‏السَّوَاءَ‏"‏ لِلْآخَرِ، وَهُوَ اِسْمٌ لَيْسَ بِصِفَةٍ فَيُجْرَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ بِهِ ‏"‏الاسْتِوَاءَ‏"‏‏.‏ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ‏"‏مُسْتَوِيًا‏"‏ جَازَ أَنْ يُجرَي عَلَى الْأَوَّلِ‏.‏ وَالرَّفْعُ فِي ذَا الْمَعْنَى جَيِّدٌ، لِأَنَّهَا لَا تُغَيَّرُ عَنْ حَالِهَا وَلَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ وَلَا تُؤَنَّثُ فَأَشْبَهَتْ الْأَسْمَاءَ الَّتِي هِيَ مِثْلُ‏"‏عَدْلٍ‏"‏ وَ‏"‏رِضًى‏"‏ وَ‏"‏جُنُبٍ‏)‏، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ ‏[‏فِي قَوْلِهِ‏]‏‏:‏ ‏{‏أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْجَاثِيَةِ‏:‏ 21‏]‏، فَـ ‏"‏السَّوَاءُ‏"‏ لِلْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ بِهَذَا، الْمُبْتَدَأِ‏.‏

وَإِنْ شِئْتَ أَجْرَيْتَهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَجَعَلْتَهُ صِفَةً مُقَدَّمَةً، كَأَنَّهَا مِنْ سَبَبِ الْأَوَّلِ فَجَرَتْ عَلَيْهِ‏.‏ وَذَلِكَ إِذَا جَعَلْتَهُ فِي مَعْنَى‏"‏مُسْتَوِي‏"‏‏.‏ وَالرَّفْعُ وَجْهُ الْكَلَامِ كَمَا فَسَّرْتُ لَكَ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ ‏"‏سَوَاءً‏"‏ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْفِعْلِ، يَعْنِي مَوْضِعَ‏"‏مُتَسَاوِيَةً‏"‏‏:‏ وَ‏"‏مُتَسَاوٍ‏)‏، فَمَرَّةً يَأْتِي عَلَى الْفِعْلِ، وَمَرَّةً عَلَى الْمَصْدَرِ‏.‏ وَقَدْ يُقَالُ فِي‏"‏سَوَاءً‏)‏، بِمَعْنَى عَدْلٍ‏:‏ ‏"‏سِوًى وَسُوًى‏)‏، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏مَكَانًا سُوًى‏}‏ وَ‏(‏سِوًى‏)‏ ‏[‏سُورَةَ طه‏:‏ 58‏]‏، يُرَادُ بِهِ‏:‏ عَدْلُ وَنَصَفُ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ ‏(‏إِلَى كَلَمَةٍ عَدْلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم‏)‏‏.‏

وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ‏}‏، بِأَنَّ ‏"‏السَّوَاءَ‏"‏ هُوَ الْعَدْلُ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ‏}‏، عَدْلٍ بَيْنِنَا وَبَيْنَكُمْ ‏"‏أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ‏)‏، الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا‏}‏، بِمِثْلِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ قَوْلُ‏"‏لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏"‏كَلِمَةُ السَّوَاءِ‏)‏، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ‏)‏، فَإِنَّ‏"‏أَنْ‏"‏ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى مَعْنَى‏:‏ تَعَالَوْا إِلَى أَنْ لَا نَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا- مَعْنَى ‏"‏العِبَادَةِ‏"‏ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِيمَا مَضَى، وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَعَانِيهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا‏}‏، فَإِنَّ‏"‏اِتِّخَاذَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا‏)‏، مَا كَانَ بِطَاعَةِ الْأَتْبَاعِ الرُّؤَسَاءِ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَتَرْكِهِمْ مَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏اِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ اِبْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا‏}‏ ‏[‏سُورَةَ التَّوْبَةِ‏:‏ 31‏]‏، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ اِبْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يُطِعْ بَعْضُنَا بَعْضًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ‏.‏ وَيُقَالُ إِنَّ تِلْكَ الرُّبُوبِيَّةَ‏:‏ أَنْ يُطِيعَ النَّاسُ سَادَتَهُمْ وَقَادَتَهُمْ فِي غَيْرِ عِبَادَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا لَهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏"‏اِتِّخَاذُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَرْبَابًا‏)‏، سُجُودُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ سُجُودُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ فَإِنْ تَوَلَّى الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ إِلَى الْكَلِمَةِ السَّوَاءِ عَنْهَا وَكَفَرُوا، فَقُولُوا أَنْتُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، لَهُمُ‏:‏ اِشْهَدُوا عَلَيْنَا بِأَنَّا بِمَا تَوَلَّيْتُمْ عَنْهُ، مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ، وَأَنَّهُ الْإِلَهُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ ‏"‏مُسْلِمُونَ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ خَاضِعُونَ لِلَّهِ بِهِ، مُتَذَلِّلُونَ لَهُ بِالْإِقْرَارِ بِذَلِكَ بِقُلُوبِنَا وَأَلْسِنَتِنَا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏الإِسْلَامِ‏"‏ فِيمَا مَضَى، وَدَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْـزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏(‏65‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ‏)‏، يَا أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ‏"‏لِمَ تُحَاجُّونَ‏)‏، لِمَ تُجَادِلُونَ ‏"‏فِي إِبْرَاهِيمَ‏"‏ وَتُخَاصِمُونَ فِيهِ، يَعْنِي‏:‏ فِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ‏.‏

وَكَانَ حِجَاجُهُمْ فِيهِ‏:‏ اِدِّعَاءُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَهْلٍ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَدِينُ دِينَ أَهْلِ نِحْلَتِهِ‏.‏ فَعَابَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِادِّعَائِهِمْ ذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَى مُنَاقَضَتِهِمْ وَدَعْوَاهُمْ، فَقَالَ‏:‏ وَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِلَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ، وَدِينُكُمْ إِمَّا يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ، وَالْيَهُودِيُّ مِنْكُمْ يَزْعُمُ أَنَّ دِينَهُ إِقَامَةُ التَّوْرَاةِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهَا، وَالنَّصْرَانِيُّ مِنْكُمْ يَزْعُمُ أَنَّ دِينَهُ إِقَامَةُ الْإِنْجِيلِ وَمَا فِيهِ، وَهَذَانَ كِتَابَانِ لَمْ يَنْـزِلَا إِلَّا بَعْدَ حِينٍ مِنْ مَهْلِكِ إِبْرَاهِيمَ وَوَفَاتِهِ‏؟‏ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْكُمْ‏؟‏ فَمَا وَجْهُ اخْتِصَامِكُمْ فِيهِ، وَادِّعَاؤُكُمْ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتُمْ‏؟‏

وَقِيلَ‏:‏ نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي اِخْتِصَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي إِبْرَاهِيمَ، وَادِّعَاءِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ اِجْتَمَعَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ وَأَحْبَارُ يَهُودَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُنَازِعُوا عِنْدَهُ، فَقَالَتِ الْأَحْبَارُ‏:‏ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى‏:‏ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا نَصْرَانِيًّا‏!‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ ‏{‏‏"‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْـزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏، قَالَتِ النَّصَارَى‏:‏ كَانَ نَصْرَانِيًّا‏!‏ وَقَالَتِ الْيَهُودُ‏:‏ كَانَ يَهُودِيًّا‏!‏ فَأَخْبَرَهُمْ اللَّهُ أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مَا أُنْـزِلَا إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، وَبَعْدَهُ كَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ‏}‏ ‏"‏ وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، ‏{‏وَمَا أُنْـزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ‏}‏، فَكَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَكَانَتِ النَّصْرَانِيَّةُ بَعْدَ الْإِنْجِيلِ، ‏"‏أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏"‏‏؟‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي دَعْوَى الْيَهُودِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ مِنْهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ‏(‏ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَهُودَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى كَلِمَةِ السَّوَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ حَاجُّوا فِي إِبْرَاهِيمَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَاتَ يَهُودِيًّا‏.‏ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَنَفَاهُمْ مِنْهُ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْـزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، بَرَّأَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ، حِينَ اِدَّعَتْ كُلُّ أُمَّةٍ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَنِيفِيَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏"‏ فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ ‏"‏أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏)‏، تَفْقَهُونَ خَطَأَ قِيلِكُمْ‏:‏ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ حَدَثَتْ مِنْ بَعْدِ مَهْلِكِهِ بِحِينٍ‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏66‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏هَا أَنْتُمْ‏)‏، الْقَوْمُ الَّذِينَ ‏[‏قَالُوا فِي إِبْرَاهِيمَ مَا قَالُوا ‏"‏حَاجَجْتُمْ‏"‏‏]‏، خَاصَمْتُمْ وَجَادَلْتُمْ ‏"‏فِيمَا لَكَمَ بِهِ عِلْمٌ‏)‏، مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ الَّذِي وَجَدْتُمُوهُ فِي كُتُبِكُمْ، وَأَتَتْكُمْ بِهِ رُسُلُ اللَّهِ مِنْ عِنْدِهِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ وَثَبَتَتْ عِنْدَكُمْ صِحَّتُهُ ‏"‏فَلِمَ تُحَاجُّونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَلِمَ تُجَادِلُونَ وَتُخَاصِمُونَ‏"‏فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ فِي الَّذِي لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ، وَلَمْ تَجِدُوهُ فِي كُتُبِ اللَّهِ، وَلَا أَتَتْكُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُكُمْ، وَلَا شَاهَدْتُمُوهُ فَتَعْلَمُوهُ‏؟‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكَمَ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ أَمَّا ‏"‏الذِي لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ‏)‏، فَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ وَمَا أُمِرُّوا بِهِ‏.‏ وَأَمَّا ‏"‏الذِي لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ‏)‏، فَشَأْنُ إِبْرَاهِيمَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فِيمَا شَهِدْتُمْ وَرَأَيْتُمْ وَعَايَنْتُمْ ‏{‏فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ‏}‏، فِيمَا لَمْ تُشَاهِدُوا وَلَمْ تَرَوْا وَلَمْ تُعَايِنُوا ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا غَابَ عَنْكُمْ فَلَمْ تُشَاهِدُوهُ وَلَمْ تَرَوْهُ، وَلَمْ تَأْتِكُمْ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ أَمْرِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَمِمَّا تُجَادِلُونَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ عَلِمُ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ‏"‏وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏)‏، مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا عَايَنْتُمْ فَشَاهَدْتُمْ، أَوْ أَدْرَكْتُمْ عِلْمَهُ بِالْإِخْبَارِ وَالسَّمَاعِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏67‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَعْوَى الَّذِينَ جَادَلُوا فِي إِبْرَاهِيمَ وَمِلَّتِهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَادَّعَوْا أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِلَّتِهِمْ وَتَبْرِئَةٌ لَهُمْ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ لِدِينِهِ مُخَالِفُونَ وَقَضَاءٌ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ دِينِهِ، وَعَلَى مِنْهَاجِهِ وَشَرَائِعِهِ، دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ غَيْرِهِمْ‏.‏

يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَالْأَوْثَانَ أَوْ مَخْلُوقًا دُونَ خَالِقِهِ الَّذِي هُوَ إِلَهُ الْخَلْقِ وَبَارِئُهُمْ ‏"‏وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا‏)‏، يَعْنِي‏:‏ مُتَّبِعًا أَمْرَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ، مُسْتَقِيمًا عَلَى مَحَجَّةِ الْهُدَى الَّتِي أُمِرَ بِلُزُومِهَا ‏"‏مُسْلِمًا‏)‏، يَعْنِي‏:‏ خَاشِعًا لِلَّهِ بِقَلْبِهِ، مُتَذَلِّلًا لَهُ بِجَوَارِحِهِ، مُذْعِنًا لِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ مِنْ أَحْكَامِهِ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ‏"‏الحَنِيفِ‏"‏ فِيمَا مَضَى، وَدَلَّلْنَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَتِ الْيَهُودُ‏:‏ إِبْرَاهِيمُ عَلَى دِينِنَا‏.‏ وَقَالَتِ النَّصَارَى‏:‏ هُوَ عَلَى دِينِنَا‏.‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ، وَأَدْحَضَ حُجَّتَهُمْ- يَعْنِي‏:‏ الْيَهُودَ الَّذِينَ اِدَّعَوْا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ مَاتَ يَهُودِيًّا‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزَّهْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- لَا أَرَاهُ إِلَّا يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِيهِ-‏:‏ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مَنَ الْيَهُودِ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، وَقَالَ‏:‏ إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ دِينِكُمْ‏.‏ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ‏:‏ إِنَّكَ لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ‏.‏ قَالَ زَيْدٌ‏:‏ مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا وَأَنَا أَسْتَطِيعُ‏.‏ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا‏!‏ قَالَ‏:‏ وَمَا الْحَنِيفُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ‏.‏ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ فَقَالَ‏:‏ إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ دِينِكُمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ إِنَّكَ لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ لَا أَحْتَمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَا أَسْتَطِيعُ، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا‏؟‏ فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَهُ الْيَهُودِيُّ‏:‏ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا‏.‏ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ رَضِيَ الَّذِي أَخْبَرَاهُ وَالَّذِي اِتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ شَأْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمْ يَزَلْ رَافِعًا يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ وَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏68‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ‏}‏، إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ وَنُصْرَتِهِ وَوِلَايَتِهِ ‏"‏لَلَّذِينِ اِتَّبَعُوهُ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ الَّذِينَ سَلَكُوا طَرِيقَهُ وَمِنْهَاجَهُ، فَوَحَّدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَسَنُّوا سُنَّتَهُ، وَشَرَعُوا شَرَائِعَهُ، وَكَانُوا لِلَّهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ‏"‏وَهَذَا النَّبِيُّ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏وَالَّذِينَ آمَنُوا‏)‏، يَعْنِي‏:‏ وَالَّذِينَ صَدَّقُوا مُحَمَّدًا، وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ‏{‏وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ نَاصِرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ، الْمُصَدِّقِينَ لَهُ فِي نُبُوَّتِهِ وَفِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ، عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ‏.‏

وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ عَلَى مِلَّتِهِ وَسُنَّتِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَفِطْرَتِهِ ‏"‏وَهَذَا النَّبِيُّ‏)‏، وَهُوَ نَبِيُّ اللَّهِ مُحَمَّدٌ ‏"‏وَالَّذِينَ آمَنُوا‏"‏ مَعَهُ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ صَدَّقُوا نَبِيَّ اللَّهِ وَاتَّبَعُوهُ‏.‏ كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَجَابِرُ بْنُ الْكُرْدِيِّ، وَالْحُسْنُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَقْدِسِيُّ، قَالُوا‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمْ أَبِي وَخَلِيلُ رَبِّي، ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَرَاهُ قَالَ‏:‏ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ‏}‏، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ‏}‏ ‏(‏69‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏وَدَّتْ‏)‏، تَمَنَّتْ ‏"‏طَائِفَةٌ‏)‏، يَعْنِي جَمَاعَةً ‏"‏مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏)‏، وَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مِنَ الْيَهُودِ، وَأَهْلِ الْإِنْجِيلِ مِنَ النَّصَارَى ‏"‏لَوْ يُضِلُّونَكُمْ‏)‏، يَقُولُونَ‏:‏ لَوْ يَصُدُّونَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، عَنِ الْإِسْلَامِ، وَيَرُدُّونَكُمْ عَنْهُ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، فَيُهْلِكُونَكُمْ بِذَلِكَ‏.‏

وَ ‏"‏الإِضْلَالُ‏"‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْإِهْلَاكُ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ السَّجْدَةِ‏:‏ 10‏]‏، يَعْنِي‏:‏ إِذَا هَلَكْنَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ فِي هِجَاءِ جَرِيرٍ‏:‏

كُـنْتَ القَـذَى فِـي مَـوْجِ أَكْدَرَ مُزْبِدٍ *** قَـذَفَ الْأَتِـيُّ بِـهِ فَضَـلَّ ضَـلَالَا

يُعْنَى‏:‏ هَلَكَ هَلَاكًا، وَقَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ‏:‏

فَـآبَ مُضِلُّـوهُ بِعَيْـنٍ جَلِيَّـةٍ *** وَغُـودِرَ بِـالْجَوْلَانِ حَـزْمٌ ونَـائِلُ

يَعْنِي مُهْلِكُوهُ‏.‏

‏"‏وَمَا يَضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‏)‏، وَمَا يُهْلِكُونَ- بِمَا يَفْعَلُونَ مِنْ مُحَاوَلَتِهِمْ صَدِّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ- أَحَدًا غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ، يَعْنِي بِـ‏"‏أَنْفُسِهِمْ‏"‏‏:‏ أَتْبَاعُهُمْ وَأَشْيَاعَهُمْ عَلَى مِلَّتِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ، وَإِنَّمَا أَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ بِمَا حَاوَلُوا مِنْ ذَلِكَ لِاسْتِيجَابِهِمْ مِنَ اللَّهِ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ سَخَطَهُ، وَاسْتِحْقَاقِهِمْ بِهِ غَضَبَهُ وَلَعْنَتَهُ، لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَنَقْضِهِمْ الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِمْ، فِي اِتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِهِ‏.‏

ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاءُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ، مِنْ مُحَاوَلَةِ صَدِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى، عَلَى جَهْلٍ مِنْهُمْ بِمَا اللَّهُ بِهِمُ مُحِلٌّ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَمُدَّخِرٌ لَهُمْ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏وَمَا يَشْعُرُونَ‏"‏ أَنَّهُمْ لَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، بِمُحَاوَلَتِهِمْ إِضْلَالَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ‏.‏

وَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا يَشْعُرُونَ‏)‏، وَمَا يَدْرُونَ وَلَا يَعْلَمُونَ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏}‏ ‏[‏70‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ‏)‏، مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ‏"‏لِمَ تَكْفُرُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لِمَ تَجْحَدُونَ ‏"‏بِآيَاتِ اللَّهِ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَهُ إِلَيْكُمْ عَلَى أَلْسُنِ أَنْبِيَائِكُمْ، مِنْ آيَهِ وَأَدِلَّتِهِ‏"‏وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏"‏ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَوْبِيخٌ لِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُحُودِهِمْ نُبُوَّتَهُ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ، مَعَ شَهَادَتِهِمْ أَنَّ مَا فِي كُتُبِهِمْ حَقٌّ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ تَشْهَدُونَ أَنَّ نَعْتَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِكُمْ، ثُمَّ تَكْفُرُونَ بِهِ وَتُنْكِرُونَهُ وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏:‏ ‏{‏النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ تَشْهَدُونَ أَنَّ نَعْتَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِكُمْ، ثُمَّ تَكْفُرُونَ بِهِ وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏:‏ ‏(‏النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏}‏، ‏"‏آيَاتِ اللَّهِ‏"‏ مُحَمَّدًا، وَأَمَّا‏"‏تَشْهَدُونَ‏)‏، فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ، يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏}‏ ‏"‏ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، لَيْسَ لِلَّهِ دِينٌ غَيْرُهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ يَا أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ‏"‏لِمَ تَلْبَسُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لِمَ تَخْلِطُونَ ‏"‏الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ‏"‏‏.‏

وَكَانَ خَلْطُهُمْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، إِظْهَارُهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ التَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، غَيْرَ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ‏.‏

كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِاِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّيِّفِ، وَعَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ‏:‏ تَعَالَوْا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْـزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غُدْوَةً وَنَكْفُرُ بِهِ عَشِيَّةً، حَتَّى نُلَبِّسَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، لَعَلَّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ، فَيَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ‏!‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ‏}‏ ‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لِمَ تَلْبَسُونَ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ بِالْإِسْلَامِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ دِينَ اللَّهِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ، الْإِسْلَامُ، وَلَا يُجْزَى إِلَّا بِهِ‏؟‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بِمِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الَّذِي لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرُهُ، الْإِسْلَامُ وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ ‏"‏وَلَا يُجْزَى إِلَّا بِهِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ‏}‏، الْإِسْلَامَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ فِي ذَلِكَ بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏(‏الحَقُّ‏"‏ التَّوْرَاةُ الَّتِي أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، وَ ‏"‏البَاطِلُ‏)‏، الَّذِي كَتَبُوهُ بِأَيْدِيهِمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏اللَّبْسِ‏"‏ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏(‏71‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَلِمَ تَكْتُمُونَ، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، الْحَقَّ‏؟‏

وَ ‏"‏الحَقُّ‏"‏ الَّذِي كَتَمُوهُ‏:‏ مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ نَعْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَبْعَثِهِ وَنُبُوَّتِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏، كَتَمُوا شَأْنَ مُحَمَّدٍ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَكْتُمُونَ شَأْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏:‏ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏"‏تَكْتُمُونَ الْحَقَّ‏)‏، الْإِسْلَامَ، وَأَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏"‏ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الدِّينَ الْإِسْلَامُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏)‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ‏:‏ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تَكْتُمُونَهُ مِنَ الْحَقِّ حَقٌّ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَبَرٌ عَنْ تَعَمُّدِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْكُفْرَ بِهِ، وَكِتْمَانِهِمْ مَا قَدْ عَلِمُوا مِنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجَدُوهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَجَاءَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏ ‏(‏72‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اِخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مَنْ أَمَرَتْ بِهِ‏:‏ مِنَ الْإِيمَانِ وَجْهَ النَّهَارِ، وَكُفْرِ آخِرِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مِنْهُمْ إِيَّاهُمْ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُبُوَّتِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ، فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ فِي ذَلِكَ بِالْعَزْمِ وَاعْتِقَادِ الْقُلُوبِ عَلَى ذَلِكَ وَبِالْكُفْرِ بِهِ وَجُحُودِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي آخِرِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ‏}‏، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ‏:‏ أَعْطُوهُمُ الرِّضَى بِدِينِهِمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُصَدِّقُوكُمْ، وَيَعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ فِيهِمْ مَا تَكْرَهُونَ، وَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَالَتِ الْيَهُودُ‏:‏ آمِنُوا مَعَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ مَعَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرِهَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏، كَانَ أَحْبَارُ قُرًى عَرَبِيَّةٍ اِثْنَيْ عَشَرَ حَبْرًا، فَقَالُوا لِبَعْضِهِمْ‏:‏ اُدْخُلُوا فِي دِينِ مُحَمَّدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَقُولُوا‏:‏ ‏"‏نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا حُقٌّ صَادِقٌ‏)‏، فَإِذَا كَانَ آخِرَ النَّهَارِ فَاكْفُرُوا وَقُولُوا‏:‏ ‏"‏إِنَّا رَجَعْنَا إِلَى عُلَمَائِنَا وَأَحْبَارِنَا فَسَأَلْنَاهُمْ، فَحَدَّثُونَا أَنَّ مُحَمَّدًا كَاذِبٌ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَقَدْ رَجَعْنَا إِلَى دِينِنَا فَهُوَ أَعْجَبُ إِلَيْنَا مِنْ دِينِكُمْ‏)‏، لَعَلَّهُمْ يَشُكُّونَ، يَقُولُونَ‏:‏ هَؤُلَاءِ كَانُوا مَعَنَا أَوَّلَ النَّهَارِ، فَمَا بَالُهُمْ‏؟‏ فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَتْ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ‏:‏ أَسْلِمُوا أَوَّلَ النَّهَارِ، وَارْتَدُّوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏.‏ فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَلَى سِرِّهِمْ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلِ الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ‏:‏ الصَّلَاةُ، وَحُضُورُهَا مَعَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَتَرْكُ ذَلِكَ آخِرَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ‏}‏، يَهُودُ تَقُولُهُ،‏.‏ صَلَّتْ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَكَفَرُوا آخِرَ النَّهَارِ، مَكْرًا مِنْهُمْ، لِيُرُوا النَّاسَ أَنْ قَدْ بَدَتْ لَهُمْ مِنْهُ الضَّلَالَةُ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا اِتَّبَعُوهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِمِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ‏}‏، الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا‏:‏ إِذَا لَقِيتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَآمِنُوا، وَإِذَا كَانَ آخِرَهُ فَصَلُّوا صَلَاتَكُمْ، لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا‏!‏ لَعَلَّهُمْ يَنْقَلِبُونَ عَنْ دِينِهِمْ، وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا‏:‏ ‏"‏وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ التَّوْرَاةَ ‏"‏آمِنُوا‏"‏ صَدِّقُوا ‏{‏بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏، وَذَلِكَ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدِّينِ الْحَقِّ وَشَرَائِعِهِ وَسُنَنِهِ ‏"‏وَجْهَ النَّهَارِ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ أَوَّلَ النَّهَارِ‏.‏

وَسَمَّى أَوَّلَهُ‏"‏وَجْهًا‏"‏ لَهُ، لِأَنَّهُ أَحْسَنُهُ، وَأَوَّلُ مَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ فَيَرَاهُ مِنْهُ، كَمَا يُقَالُ لِأَوَّلِ الثَّوْبِ‏:‏ ‏"‏وَجْهُهُ‏)‏، وَكَمَا قَالَ رَبِيعُ بْنُ زِيَادٍ‏:‏

مَـنْ كَـانَ مَسْـرُورًا بِمَقْتَـلِ مَـالِكٍ *** فَلْيَـأْتِ نِسْـوَتَنَا بِوَجْـهِ نَهَـارِ

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏وَجْهَ النَّهَارِ‏)‏، أَوَّلَ النَّهَارِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏"‏وَجْهَ النَّهَارِ‏)‏، أَوَّلَ النَّهَارِ ‏"‏وَاكْفُرُوا آخِرَهُ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ آخِرَ النَّهَارِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ‏}‏، قَالَ قَالَ‏:‏ صَلُّوا مَعَهُمْ الصُّبْحَ، وَلَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ آخِرَ النَّهَارِ، لَعَلَّكُمْ تَسْتَزِلُّونَهُمْ بِذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْله‏:‏ ‏{‏وَاكْفُرُوا آخِرَهُ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ، أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ وَاجْحَدُوا مَا صَدَّقْتُمْ بِهِ مِنْ دِينِهِمْ فِي وَجْهِ النَّهَارِ، فِي آخِرِ النَّهَارِ ‏"‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏"‏‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ مَعَكُمْ وَيَدَعُونَهُ‏:‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيد، عَنْ قتادة‏:‏ ‏"‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَعَلَّهُمْ يَدَعُونَ دِينَهُمْ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏)‏، لَعَلَّهُمْ يَنْقَلِبُونَ عَنْ دِينِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏)‏، لَعَلَّهُمْ يَشُكُّونَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏)‏، قَالَ‏:‏ يَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَلَا تُصَدِّقُوا إِلَّا مَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ فَكَانَ يَهُودِيًّا‏.‏

وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قَوْلِ الطَّائِفَةِ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ‏:‏ ‏{‏آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ‏}‏‏.‏

وَ ‏"‏اللَّامُ‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ‏}‏، نَظِيرَةُ ‏"‏اللَّامِ‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ رِدْفَكُمْ، ‏{‏بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ النَّمْلِ‏:‏ 72‏]‏‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ‏}‏، هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ الْيَهُودِيَّةَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ يَزِيدَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِدِينِكُمْ، وَمَنْ خَالَفَهُ فَلَا تُؤْمِنُوا لَهُ‏.‏