فصل: شهر شعبان سنة 1216:

مساءً 5 :40
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر رجب الفرد سنة 1216:

سافر سليمان آغا تابع صالح آغا الى اسلامبول.
وفيه أمر الوزير الأمراء المحبوسين بأن يكتبوا كتاباً الى الانكليز بأنهم أتباع السلطان وتحت طاعته وأمره إن شاء أبقاهم في إمارتهم وإن شاء قلدهم مناصب في ولايات أخرى وإن شاء طلبهم يذهبون إليه فلا دخل لكم بيننا وبينه وكلام في معنى ذلك فأرسلوا يقولون إن هذا الكلام لا عبرة به فإنهم مسجونون وتحت أمركم ومكتوب المقهور المكره لا يعمل به فإن كان ولابد فأرسلوهم إلينا لنخاطبهم ونعلم ضميرهم وحقيقة حالهم فلما كان ليلة الإثنين تاسعه أحضر الوزير ابراهيم بك والأمراء وأعلمهم أن قصده إرسالهم الى بر الجيزة عند الانجليز ليتفسحوا ذلك اليوم ويخبروهم أنهم مطيعون للسلطان وتحت أوامره وأن المراسلة التي أرسلوها عن طيب قلب أمنهم وليسوا مكرهين في ذلك فأظهر ابراهيم بك القنع عن الذهاب وأنه لا غرض له في الذهاب الى مخالفين الدين فجزن عليه ووعده خيراً وعاهدهم وحلفهم فنزلوا وركبوا من عنده في الصباح وما صدقوا بالخلاص وعدوا الى الجيزة وذهبوا الى عند الانجليز فتبعهم أتباعهم ومماليكهم يرمحون إليهم ويلحقون بهم فأقاموا هناك ولم يرجعوا فانتظر الوزير رجوعهم خمسة أيام وأرسل إليهم يدعوهم الى الرجوع حكم عهدهم فامتنع ابراهيم بك وتكلم بما في ضميره من قهره من الوزير وخيانته له.
وفي يوم السبت، عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات واجتمع المشايخ والوجاقلية وذلك بأمر من الوزير وأرسل إليهم مكاتبة وفي ضمنها النصيحة والرجوع الى الطاعة فأرسلوا في جواب الرسالة يقولون إنهم ليسوا مخافين ولا عاصين وأنهم مطيعون لأمر الدولة وإنما تأخرهم بسبب خوفهم وخصوصاً ما وقع لإخوانهم بإسكندرية وأنهم لم يذهبوا الى عند الانجليز إلا لعلمهم أنهم عسكر السلطان ومن المساعدين له على أعدائه ومتى ظهر لهم أمر يرتاحون فيه رجعوا الى الطاعة ونحو ذلك من الكلام.
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه، حضر عابدي بك نسيب مولانا الوزير فخرج إليه غالب أعيان العثمانية والجاويشية وطاهر باشا وعسكر الأرنؤد وتلقوه ودخل بحموله في موكب جليل وكان حضرة الوزير حاصلاً عنده توعك وغالب أوقاته محتجب عن ملاقاة الناس.
وفيه، ورد الخبر بسفر قبطان باشا من ساحل أبي قير الى اديار الرومية في منتصف الشهر وأما محمد باشا الوالي على مصر فإنه لم يزل مقيماً بأبي قير وحضر خازنداره وسكن ببيت البكري بالأزبكية.

.شهر شعبان سنة 1216:

واستهل بيوم الثلاثاء وفيه حضر يوسف أفندي وبيده مرسوم بولايته على نقابة الأشراف فبات ببولاق وأرسل ناساً يعلمون بحضوره فلم يخرج لملاقاته أحد ثم أن بعض الناس أحضر إليه فرساً فركبه في ثاني يوم وحضر الى مصر وأشاع أنه متولي نقابة الأشراف ومشيخة المدرسة الحبانية وخبر ذلك الإنسان أنه كان يبيع الخدرة واليميش بحانوت بخان الخليلي وهو من متصوفة الأتراك الذين يتعاطون الوعظ والإقراء باللغة التركية فمات شيخ رواق الأروام بالأزهر فاشتاقت نفسه للمشيخة على الرواق المذكور فتولاها بمعونة بعض سفهائهم فنقم عليه الطائفة أموراً واختلاسات من الوقف فتعصبوا عليه وعزلوه وولوا مكانه السيد حسين أفندي المولى الآن فحنق من ذلك وداخله قهر عظيم وحقد على حسين أفندي المذكور وأضمر له في نفسه المكروه فدعاه يوماً الى داره ودس له سماً في شرابه فنجاه الله من ذلك وشربت ابنة يوسف أفندي الداعي تلك الكاسة المسمومة غلطاً وماتت وشاع ذلك وتواترت حكايته بين الناس ورجع كيده عليه وذاق وبال أمره.
ثم أنه سافر الى اسلامبول وأقام هناك مدة إقامة الفرنسيس بمصر ولم يزل يتحيل ويتداخل في بعض حواشي الدولة وعرض بطلب النقابة ومشيخة الحبانية فأعطوه ذلك لعدم علمهم بشأنه وظنهم أنه أهل لذلك بقوله لهم إنه كان شيخاً على الأزهر ومعرفته بالعلم فلما حصل بمصر وظهر أمره تجمعت أعيان الأشراف وقالوا لا يكون هذا حاكماً ولا نقيباً علينا أبداً وتنوقل خبره وظهر حاله لأكابر الدولة وحضرة الصدر الأعظم فلم يصغوا إليه ولم يسعفوه وأهمل أمره وهكذا شأن رؤساء الدولة أدام الله بقاءهم إذا تبين لهم الصواب في قضية لا يعدلون الى خلافه.

.من الحوادث الهامة:

أنه تقيد بأبواق القاهرة بعض من نصارى القبط ومعهم بعض من العسكر فصاروا يأخذون دراهم من كل من وجدوا معه شيئاً سواء كان داخلاً أو خارجاً بحسب اجتهادهم وكذلك ما يجلب من الأرياف وزاد تعديهم فعم الضرر وعظم الخطب وغلت الأسعار وكل من ورد بشيء يبيعه يشتط في ثمنه ويحتج بأنه دفع عليه كذا وكذا من دراهم المكس فلا يسع المشتري إلا التسليم لقوله والتصديق له وقبول عذره والسبب في ذلك أن الذين تقيدوا بديوان العشور بساحل بولاق دس عليهم بعض المتقيدين معهم من الأقباط بأن كثيراً من المتاجر التي يؤخذ عليها العشور يذهب بها أربابها من طريق البر ويدخلون بها في أوقات الغفلة تحاشياً عن دفع ما عليها وبذلك لا يجتمع المال المقرر بالديوان فيلزم أن يتقيد بكل باب من يترقب لذلك ويرصده ويأخذ ما يخص الديوان من ذلك فأذن كبراء الديوان بذلك فانفتح لهم بذلك الباب فولجوه ولم يحسبوا للعاقبة من حساب وزادوا في الجور والفضائح وأظهروا ما في نفوسهم من القبائح فساءت الظنون واستغاثت المستغيثون وأكثر سخاف الأحلام مما لا طائل تحته من الكلام إلى أن زاد التشكي وأنهى الأمر الى الوزير فأمر بإبطال ذلك وانجلت تلك الغمة.
وفيه، أيضاً عرض طائفة القبانية وتشكوا مما رتب عليهم من الجمرك السنوي فأطلق لهم الأمر برفعه عنهم.
وفيه قبضوا على رجل من المفسدين بإقليم المنوفية يقال له راضي النجار وأحضروه الى مصر وقطعت رأسه بالرميلة.
وفي خامسه، نزل محمد باشا توسون والي جدة من القلعة في موكب وتوجه الى العادلية قاصداً السفر الى جدة.
وفي يوم الأربعاء تاسعه، قبضوا على ثلاثة من النصارى الأروام المتزيين بزي العساكر الانكشارية ويعملون القبائح بالرعية فرموا رقابهم أحدهم بالدرب الأحمر والثاني بسوق السلاح عند الرفاعي والثالث بالرميلة.
وفي يوم الخميس عاشره، أيضاً قطعوا رأس علي جلبي تابع حسين أغاشنن بباب الخرق بين المفارق بأمر من الوزير والسبب في ذلك أن المرحوم يوسف باشا المذكور الكبير المتوفى بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كان أودع عند حسين أغاشنن وديعة فلما ملك الفرنسيس مصر وجرى ما جرى من ورود العرضي والصلح ونقضه فاعتقد قصار العقول أن الأمر انتهى للفرنسيس فتجاوزوا الحد وأغروا ببعضهم وتتبعوا العورات وكشفوا عن المستورات ودلوا الفرنسيس على المخبآت وتقربوا إليهم بكل ما وصلت إليه همتهم وراجت به سلعتهم والمسكين المقتول مد يده الى بعض ودائع سيده فاختلس منها وتوسع في نفسه وركب الخيول واتخذ له خدماً وتداخل مع الفرنسيس وحواشيهم فاستخفوا عقله فاستفسروا منه فأخبرهم بالوقائع والخبايا فاستخرجوها ونقلوها وكانت شيئاً كثيراً جداً وأظهر أن ذلك لم يكن بواسطته ليواري ما اختلسه لنفسه ويكون له عذر في ذلك فلما حضر له سيده صحبة العرضي ذهب إليه وتملق له وربط في رقبته منديلاً فأهمل أمره الى هذا الوقت حتى اطمأن خاطره ثم أنه أخبر بقصته الوزير لعلمه أنه سيطالب بوديعة يوسف باشا فأمره بأن يرفع قصته الى القاضي ويثبت تلك الدعوى لتبرأ ساحته عند الدولة ففعل ثم أمر الوزير بقتل علي جلبي المذكور فقتل وترك من ميا ثلاثة أيام بلياليها.
شهر رمضان المعظم سنة 1216 استهل بيوم الأربعاء ولم يعمل فيه شنك الرؤيا على العادة خوفاً من عربدة العساكر والمحتسب كان غائباً فركب كتخداه بدلاً عنه بموكبه فقط ولم يركب معه مشايخ الحرف فذهب الى المحكمة وثبت الهلال تلك الليلة ونودي بالصوم من الغد.
وفيه، أمر الوزير محمد باشا العربي بالسفر الى البلاد الشامية فبرز خيامه الى خارج باب النصر وخرج هو في ثالثه وسافر وأشيع سفر الوزير أيضاً وذلك بعد أن حضرت أجوبة من الباب الأعلى.
وفي ثالثه، ارتحل محمد باشا المذكور.
وفي خامسه، انتقل رئيس أفندي من بيت الألفي وسكن في بيت إسمعيل بك وشرعوا في تعميره وإصلاحه لسكن والي مصر.
وفي ثاني عشره، وصل محمد باشا والي مصر الى شلقان.
وفي ثالث عشره، ضربت عدة مدافع من الجيزة صباحاً ومساء فقيل إنه حضر ستة قناصل الى الجيزة.
وفي خامس عشره، حضر القناصل المذكورون الى بيت الوزير وقابلوه فخلع عليهم خلعاً ورجعوا الى أماكنهم في الجيزة.
وفي ذلك اليوم، وصل محمد باشا والي مصر الى جهة بولاق ونصب وطاقه بالقرب من المكان المعروف بالحلي ثم انتقل الى جهة قبة النصر فلما كان يوم الجمعة سابع عشره وصل الى المدينة من باب النصر في موكبه وطوائفه على غير الهيئة المعتادة ولم يلبس الطلخان تأدباً مع الوزير لحصوله بمصر فتوجه الى بيت الوزير وأفطر معه.
وفي تلك الليلة عزل خليل أفندي الرجائي من دفتردارية الدولة وقلد عوضه حسن أفندي باش محاسب وسببه أن الوزير طلب خلعاً ليخلعها على والي مصر وقناصل الانكليز فتأخر حضورها فحنق وسأل عن سبب تأخير المطلوب فقال الرسول إن الخازندار قال حتى استأذن الدفتردار فحنق الوزير وأمر بحبس الخازندار وعزل الدفتردار وهرب السفير الذي كان بينهما.
وفيه انتقل الأمراء المصرلية المرادية من الجيزة الى جزيرة الذهب ونصبوا وطاقهم بها وأرسلوا ما كان عندهم من الحريم الى دورهم بمصر واستمر ابراهيم بك وعثمان بك الحسيني ومحمد بك المبدول وقاسم بك أبو سيف بالجيزة، ولم يعلم حقيقة حالهم، ثم في ثاني يوم لحق ابراهيم بك وباقي الجماعة بالآخرين وخرج إليهم طلبهم ومتاعهم وأغراضهم، فلما كان ليلة الإثنين تاسع عشره ركبوا ليلاً بأجمعهم الى الصعيد من الجهة الغربية وتخلف عنهم قاسم بك أبو سيف لمرضه وكذلك تخلف عنهم محمد آغا أغات المتفرقة وآخرون.
وفي عشرينه، نودي بالأمان على المماليك وأتباعهم ومن تخلف عنهم أو انقطع منهم وكذلك في ثاني يوم.
وفيه قلد محمد باشا والي مصر حسن آغا وألبسه على جرجا.
وفي ثامن عشرينه، عزل الباشا محمد آغا المعروف بالزربة من الكتخدائية وهو من المصرلية وولاه كشوفية الغربية وتقلد عوضه في الكتخدائية يوسف آغا أمين الضربخانة سابقاً وتقلد كشوفية المنوفية وتقلد كشوفية القليوبية.
وفي ليلة الأربعاء تاسع عشرينه، ذهب يوسف أفندي الى عند والي مصر فقلده نقابة الأشراف وألبسه فروة بعد أن كان أهمل أمره.
وفيه عزل أغات الانكشارية وتولى آخر عوضه من العثمانية ونزل المعزول الى بولاق ليسافر الى جهة الصعيد.

.شهر شوال سنة 1216:

استهل بيوم الخميس في ثالثه يوم السبت خرج جاليش الوزير الى قبة النصر ونودي بخروج العساكر ويكون آخر خروجهم يوم الإثنين فشرعوا في الخروج بأحمالهم ودوابهم، فلما كان يوم الإثنين خامسه خرج الوزير على حين غفلة الى قبة النصر وتتابع خروج الأثقال والأحمال والعساكر وحصل منهم في الناس عربدة وأذية وأخذ بعضهم من عطارين القصر ابن ثلاثة أرطال بن ثمنها مائة وعشرون نصفاً فرمى له عشرين نصفاً فصرخ الرجل، وقال أعطني حقي فضربه وقتله فأغلق الناس الحوانيت وانكفوا في دورهم فاستمرت جميع حانيت البلدة مغلوقة حتى سافرت العساكر وانتقلت من قبة النصر ولازم حضرة محمد باشا والي مصر وطاهر باشا على المرور والطواف بالشوارع بالتبديل وثياب التخفيف ليلاً ونهاراً ولولا ذلك لحصل من العسكر ما لا خير فيه.
وفيه كتبت فرمانات وألصقت بالشوارع ومفارق الطرق مضمونها بأن لا أحد يتعرض بأذية لغيره وكل من كان له دعوى أو شكية فليرفع قصته الى الباشا وكل إنسان يمشي في زيه وقانونه القديم ويلازموا على الصلوات بالجماعة في المساجد ويوقدوا قناديل ليلاً على البيوت والمساجد والوكائل والخانات التي بالشوارع ولا يمر أحد من العسكر من بعد الغروب والذي يمشي بعد الغروب من أهل البلد يكون معه فانوس أو سراج ويبيعون ويشترون بالحظ والمصلحة ولا أحد يخفي عنده أحداً من عسكر العرضي والذي يبقى منهم بيده يعاقب وأن القهاوي المحدثة جميعها تغلق ولا يفتح لا القهاوي القديمة الكبار ولا يبيت أحد من العسكر في قهوة ولا يبيعون المسكرات ولا يشترونها إلا الكفرة سراً وأمثال ذلك فانسرت القلوب بتلك الفرمانات واستبشروا بالعدل.
وفيه خرجت عساكر، وسافرت الى جهة قبلي وعدتهم ستة آلاف وذلك بسبب الأمراء المصرلية الهربانين وقرر لهم بأن من أتى برأس صنجق فله ألف دينار أو كاشف فله ثلثمائة أو جندي أو مملوك فله مائة.
وفي يوم السبت، ركب الوزير من قبة النصر وارتحل العرضي الى الخانكة وعند ركوبه حضر إليه السيد عمر أفندي النقيب وبعض المتعممين لوداعه فأعطاهم صرراً وقرؤوا له الفاتحة وركب وخرج أيضاً في ذلك اليوم بقية المشايخ وذهبوا الى الخانكة أيضاً ودعوه ورجعوا.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره، أحضر الباشا محمد آغا الوالي وسليم آغا المحتسب وأمر برمي رقابهما فقطعوا رأس الوالي تحت بيت الباشا على الجسر والمحتسب عند باب الهواء وختم على دورهما في تلك الساعة وشاع خبر ذلك في البلد، فارتاع الناس لذلك واستعظموه وداخل الخوف أهل الحرف مثل الجزارين والخبازين وغيرهم وعلقوا اللحم الكثير بحوانيتهم وباعوه بتسعة أنصاف بعد أن كانوا يبيعونه بأحد عشر مع قلته واحتكاره وكانوا نبهوا عليهم قبل ذلك فلم يستمعوا.
وفي صبحها يوم الثلاثاء، قلد علي آغا الشعراوي الزعامة عوضاً عن محمد آغا المقتول وزين الفقار كتخدا أمين احتساب عوضاً عن سليم آغا أرنؤد المقتول أيضاً واجتمعوا ببيت القاضي، وحضر أرباب الحرف وعملوا قائمة تسعيرة لجميع المبيعات من المأكولات وغيرها فعملوا اللحم الضاني بثمانية أنصاف والماعز بسبعة والجاموسي بستة وأن لا يباع فيه شيء من السقط مثل الكبدة والقلب وغير ذلك والسمن المسلي بمائة وثمانين نصفاً العشرة أرطال بعد أن كانت بثلثمائة وأربعين والزبد العشرة بمائتين وستين بعد أن كانت بمائتين وأربعين. وجميع الخضراوات تباع بالرطل حتى الفجل والليمون والجبل الذي بخيره بثلاثة أنصاف بعد عشرة والخبز رطل بنصف فضة وكذلك جميع الأشياء العطرية والأقمشة العشرة أحد عشر والراوية الماء بعشرة أنصاف بعد عشرين، وغير ذلك ورسموا بأن الرطل في الأوزان مطلقاً يكون قباني اثنى عشر وقية وأبطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به الأدهان والأجبان والخضراوات وهو أربعة عشر وقية، فلم يستمر من هذه الأوامر بعد ذلك سوى نقص الأرطال ولما برزت هذه الرسوم هرع الناس لشراء اللحم والمأكولات حتى فرغ الخبز من الأفران وشق المحتسب فقبض على جماعة من الخبازين وخزم آنافهم وعلق فيها الخبز وكذلك الجزارون خزمهم وعلق في آنافهم اللحم وأكثر حضرة الباشا وعظماء أتباعه من التجسس وتبديل الشكل والملبوس والمرور والمشي ولزموا الأدب ومشى كل أحد في طريقته ودربه ومشت النساء كعادتهن في الأسواق لقضاء أشغالهن، فلم يتعرض لهن أحد من العسكر، كما كانوا يفعلون.
وفي يوم الخميس خامس عشره، ارتحل الوزير من بلبيس.
وفي يوم السبت سابع عشره، سافر خليل أفندي الرجائي الدفتردار المعزول في البحر من طريق دمياط وانتقل شريف أفندي الدفتردار الى الدار التي كان بها الأول وهي دار البارودي بباب الخرق.
وفي يوم الاثنين تاسع عشره، كان موكب أمير الحاج عثمان بك وصحبته المحمل على العادة وخرج في أبهة ورونق وانسرت القلوب في ذلك اليوم الى لقائه ونجز له جميع اللوازم مثل الصرة وعوائد العربان وغير ذلك وكان المتقيد بتشهيل ذلك وبجميع اللوازم حضرة شريف أفندي الدفتردار.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه، شنقوا ثلاثة أنفار في جهات مختلفة تزيوا بزي العسكر يقال إنهم من الفرنسيس افتقدوهم من العسكر المتوجه الى الحج.
وفي ذلك اليوم، عمل حضرة الباشا ديواناً وأرسل الجاويشية الى جميع المشايخ والعلماء وخلع عليهم خلعاً سنية زيادة على العادة أكثر من سبعين خلعة، وكذلك على الوجاقلية والأفندية وجبر خاطر الجميع وكانت العادة في هذا التلبيس أن يكون عند قدومه والسبب في تأخيره لهذا الوقت تعويق حضور المراكب التي بها تلك الخلع.
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه، انتقل أمير الحاج بالركب من الحصوة الى البركة.
وفيه ركب حضرة محمد باشا الى الإمام الشافعي فزاره وأنعم على الخدمة بستين ألف فضة وألبسهم خلعاً وفرق دنانير ودراهم كثيرة في غير محلها وكذلك يوم الجمعة ركب وتوجه الى المشهد الحسيني، فصلى الجمعة وخلع على الإمام الراتب والخطيب وكبير الخدمة فراوي وفرق دراهم كثيرة في طريقه ورجع من ناحية الجمالية وكان في موكب جليل على الغاية.
وفيه أمر المشار إليه بنصف عدة مشانق عند أبواب المدينة برسم الباعة والمتسببين والخبازين وغيرهم وأكثر أرباب الدرك من المرور والتجسس والتخويف وعلقوا عدة أناس من الباعة على حوانيتهم وخزموهم من آنافهم فرخص السعر وكثرت البضائع والمأكولات وحصل الأمن في الطرق وانكفت العربان وقطاع الطريق فحضرت الفلاحون من البلاد وكثر السمن والجبن والأغنام وكبر العيش وكثر وجوده وانحط سعر السمن عن التسعيرة عشرين نصفاً لكثرته ولله الحمد وهاب الناس هذا الباشا وخافوه وصاروا يترنمون به في البلاد والأرياف ويغنون بذكره حتى الصبيان في الأسواق ويقولون سيدي يا محمد باشا يا صاحب الذهب الأصفر وغير ذلك وكان في مبدأ أره يظنه الظمآن ماء.