الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالزَّرْعِ وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَشَجَرِ الأَرْزِ: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسْتَحْصِد» بِفَتْحِ أَوَّله وَكَسْر الصَّاد ضَبَطْنَاهُ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ، وَعَنْ بَعْضهمْ بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الصَّاد عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله، وَالْأَوَّل أَجْوَد، أَيْ: لَا تَتَغَيَّر حَتَّى تَنْقَلِع مَرَّة وَاحِدَة كَالزَّرْعِ الَّذِي اِنْتَهَى يُبْسه. وَأَمَّا (الْأَرْزَة) فَبِفَتْحِ الْهَمْزَة وَرَاء سَاكِنَة ثُمَّ زَاي، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي ضَبْطهَا، وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَات وَكُتُب الْغَرِيب وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيّ وَصَاحِب نِهَايَة الْغَرِيب أَنَّهَا تُقَال أَيْضًا بِفَتْحِ الرَّاء، قَالَ فِي النِّهَايَة: وَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ (الْآرِزَة) بِالْمَدِّ وَكَسْر الرَّاء عَلَى وَزْن (فَاعِلَة) وَأَنْكَرَهَا أَبُو عُبَيْد، وَقَدْ قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْآرِزَة بِالْمَدِّ هِيَ الثَّابِتَة، وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيح هُنَا، فَإِنْكَار أَبِي عُبَيْد مَحْمُول عَلَى إِنْكَار رِوَايَتهَا كَذَلِكَ لَا إِنْكَار لِصِحَّةِ مَعْنَاهَا، قَالَ أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب: شَجَر مَعْرُوف يُقَال لَهُ: الْأَرْزَن يُشْبِه شَجَر الصَّنَوْبَر، بِفَتْحِ الصَّاد يَكُون بِالشَّامِ وَبِلَاد الْأَرْمَن، وَقِيلَ: هُوَ الصَّنَوْبَر. وَأَمَّا (الْمُجْذَبَة) فَبِمِيمٍ مَضْمُومَة ثُمَّ جِيم سَاكِنَة ثُمَّ ذَال مُعْجَمَة مَكْسُورَة، وَهِيَ الثَّابِتَة الْمُنْتَصِبَة، يُقَال مِنْهُ: جَذَبَ يَجْذِب وَأَجْذِب يَجْذِب. وَالِانْجِعَاف: الِانْقِلَاع. قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمُؤْمِن كَثِير الْآلَام فِي بَدَنه أَوْ أَهْله أَوْ مَاله، وَذَلِكَ مُكَفِّر لِسَيِّئَاتِهِ، وَرَافِع لِدَرَجَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِر فَقَلِيلهَا، وَإِنْ وَقَعَ بِهِ شَيْء لَمْ يُكَفِّر شَيْئًا مِنْ سَيِّئَاته، بَلْ يَأْتِي بِهَا يَوْم الْقِيَامَة كَامِلَة. 5025- سبق شرحه بالباب. 5026- سبق شرحه بالباب. .باب مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ: وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد: مِنْهَا اِسْتِحْبَاب إِلْقَاء الْعَالِم الْمَسْأَلَة عَلَى أَصْحَابه، لِيَخْتَبِر أَفْهَامهمْ، وَيُرَغِّبهُمْ فِي الْفِكْر وَالِاعْتِنَاء. وَفيه: ضَرْب الْأَمْثَال وَالْأَشْبَاه. وَفيه: تَوْقِير الْكِبَار كَمَا فَعَلَ اِبْن عُمَر لَكِنْ إِذَا لَمْ يَعْرِف الْكِبَار الْمَسْأَلَة فَيَنْبَغِي لِلصَّغِيرِ الَّذِي يَعْرِفهَا أَنْ يَقُولهَا. وَفيه: سُرُور الْإِنْسَان بِنَجَابَةِ وَلَده، وَحُسْن فَهْمه، وَقَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «لَأَنْ تَكُون قُلْت هِيَ النَّخْلَة أَحَبّ إِلَيَّ» أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو لِابْنِهِ، وَيَعْلَم حُسْن فَهْمه وَنَجَابَته. وَفيه: فَضْل النَّخْل. قَالَ الْعُلَمَاء: وَشَبَّهَ النَّخْلَة بِالْمُسْلِمِ فِي كَثْرَة خَيْرهَا، وَدَوَام ظِلّهَا، وَطِيب ثَمَرهَا، وَوُجُوده عَلَى الدَّوَام، فَإِنَّهُ مِنْ حِين يَطْلُع ثَمَرهَا لَا يَزَال يُؤْكَل مِنْهُ حَتَّى يَيْبَس، وَبَعْد أَنْ يَيْبَس يُتَّخَذ مِنْهُ مَنَافِع كَثِيرَة، وَمِنْ خَشَبهَا وَوَرَقهَا وَأَغْصَانهَا، فَيُسْتَعْمَل جُذُوعًا وَحَطَبًا وَعِصِيًّا وَمَخَاصِر وَحُصْرًا وَحِبَالًا وَأَوَانِي وَغَيْر ذَلِكَ، ثُمَّ آخِر شَيْء مِنْهَا نَوَاهَا، وَيُنْتَفَع بِهِ عَلَفًا لِلْإِبِلِ، ثُمَّ جَمَال نَبَاتهَا، وَحُسْن هَيْئَة ثَمَرهَا، فَهِيَ مَنَافِع كُلّهَا، وَخَيْر وَجَمَال، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِن خَيْر كُلّه، مِنْ كَثْرَة طَاعَاته وَمَكَارِم أَخْلَاقه، وَيُوَاظِب عَلَى صَلَاته وَصِيَامه وَقِرَاءَته وَذِكْره وَالصَّدَقَة وَالصِّلَة، وَسَائِر الطَّاعَات، وَغَيْر ذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي وَجْه التَّشْبِيه، قِيلَ: وَجْه الشَّبَه أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ رَأْسهَا مَاتَتْ بِخِلَافِ بَاقِي الشَّجَر، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا لَا تَحْمِل حَتَّى تُلَقَّح. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله: «فَوَقَعَ النَّاس فِي شَجَر الْبَوَادِي» أَيْ: ذَهَبَتْ أَفْكَارهمْ إِلَى أَشْجَار الْبَوَادِي، وَكَانَ كُلّ إِنْسَان يُفَسِّرهَا بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاع شَجَر الْبَوَادِي وَذَهِلُوا عَنْ النَّخْلَة. 5028- قَوْله: (قَالَ اِبْن عُمَر: وَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِي أَنَّهَا النَّخْلَة، فَجَعَلْت أُرِيد أَنْ أَقُولهَا، فَإِذَا أَسْنَان الْقَوْم فَأَهَاب أَنْ أَتَكَلَّم) الرُّوع هُنَا بِضَمِّ الرَّاء، وَهُوَ النَّفْس وَالْقَلْب وَالْخَلَد، وَأَسْنَان الْقَوْم يَعْنِي كِبَارهمْ وَشُيُوخهمْ. قَوْله: (فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيم وَتَشْدِيد الْمِيم، وَهُوَ الَّذِي يُؤْكَل مِنْ قَلْب النَّخْل يَكُون لَيِّنًا. قَوْله: (حَدَّثَنَا سَيْف قَالَ: سَمِعْت مُجَاهِدًا) هَكَذَا صَوَابه (سَيْف) قَالَ الْقَاضِي: وَوَقَعَ فِي نُسْخَة (سُفْيَان) وَهُوَ غَلَط، بَلْ هُوَ سَيْف قَالَ الْبُخَارِيّ: وَكِيع يَقُول: هُوَ سَيْف أَبُو سُلَيْمَان، وَابْن الْمُبَارَك يَقُول: سَيْف بْن أَبِي سُلَيْمَان، وَيَحْيَى بْن الْقَطَّانِ يَقُول: سَيْف بْن سُلَيْمَان. 5029- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَحَاتّ وَرَقهَا» أَيْ: لَا يَتَنَاثَر وَيَتَسَاقَط. قَوْله: (لَا يَتَحَاتّ وَرَقهَا) قَالَ إِبْرَاهِيم: لَعَلَّ مُسْلِمًا قَالَ: (وَتُؤْتِي)، وَكَذَا وَجَدْت عِنْد غَيْرِي أَيْضًا (وَلَا تُؤْتِي أُكُلهَا كُلّ حِين) مَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان صَاحِب مُسْلِم وَرِوَايَة غَيْره أَيْضًا مِنْ مُسْلِم لَا يَتَحَاتّ وَرَقهَا، وَلَا تُؤْتِي أُكُلهَا كُلّ حِين، وَاسْتَشْكَلَ إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان هَذَا لِقَوْلِهِ: وَلَا تُؤْتِي أُكُلهَا، خِلَاف بَاقِي الرِّوَايَات، فَقَالَ: لَعَلَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ وَتُؤْتِي بِإِسْقَاطِ (لَا) وَأَكُون أَنَا وَغَيْرِي غَلِطْنَا فِي إِثْبَات (لَا) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره مِنْ الْأَئِمَّة: وَلَيْسَ هُوَ بِغَلَطٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ إِبْرَاهِيم، بَلْ الَّذِي فِي مُسْلِم صَحِيح بِإِثْبَاتِ (لَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيّ بِإِثْبَاتِ (لَا) وَوَجْهه أَنَّ لَفْظَة (لَا) لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَة بِتُؤْتِي، بَلْ مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيره: لَا يَتَحَاتّ وَرَقهَا، وَلَا مُكَرَّر أَيْ: لَا يُصِيبهَا كَذَا وَلَا كَذَا، لَكِنْ لَمْ يَذْكُر الرَّاوِي تِلْك الْأَشْيَاء الْمَعْطُوفَة، ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ: تُؤْتِي أُكُلهَا كُلّ حِين. .باب تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ وَبَعْثِهِ سَرَايَاهُ لِفِتْنَةِ النَّاسِ وَأَنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ قَرِينًا: 5031- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَرْش إِبْلِيس عَلَى الْبَحْر يَبْعَث سَرَايَاهُ يَفْتِنُونَ النَّاس» الْعَرْش هُوَ سَرِير الْمُلْك، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَرْكَزه الْبَحْر، وَمِنْهُ يَبْعَث سَرَايَاهُ فِي نَوَاحِي الْأَرْض. 5032- قَوْله: «فَيُدْنِيه مِنْهُ وَيَقُول: نِعْمَ أَنْتَ» هُوَ بِكَسْرِ النُّون وَإِسْكَان الْعَيْن وَهِيَ نِعْمَ الْمَوْضُوعَة لِلْمَدْحِ فَيَمْدَحهُ لِإِعْجَابِهِ بِصُنْعِهِ، وَبُلُوغه الْغَايَة الَّتِي أَرَادَهَا. قَوْله: «فَيَلْتَزِمهُ» أَيْ: يَضُمّهُ إِلَى نَفْسه وَيُعَانِقهُ. 5034- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينه مِنْ الْجِنّ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّه أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَيْرٍ» (فَأَسْلَم) بِرَفْعِ الْمِيم وَفَتْحهَا، وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَمَنْ رَفَعَ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَسْلَمُ أَنَا مِنْ شَرّه وَفِتْنَته، وَمَنْ فَتَحَ قَالَ: إِنَّ الْقَرِين أَسْلَمَ، مِنْ الْإِسْلَام وَصَارَ مُؤْمِنًا لَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَيْرٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَرْجَح مِنْهُمَا فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الصَّحِيح الْمُخْتَار الرَّفْع، وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاض، الْفَتْح وَهُوَ الْمُخْتَار، لِقَوْلِهِ: «فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَيْرٍ»، وَاخْتَلَفُوا عَلَى رِوَايَة الْفَتْح، قِيلَ: أَسْلَمَ بِمَعْنَى اِسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ، وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم (فَاسْتَسْلَمَ) وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَارَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر، قَالَ الْقَاضِي: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّة مُجْتَمِعَة عَلَى عِصْمَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّيْطَان فِي جِسْمه وَخَاطِره وَلِسَانه. وَفِي هَذَا الْحَدِيث: إِشَارَة إِلَى التَّحْذِير مِنْ فِتْنَة الْقَرِين وَوَسْوَسَته وَإِغْوَائِهِ، فَأَعْلَمَنَا بِأَنَّهُ مَعَنَا لِنَحْتَرِز مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَان. 5035- قَوْله: (حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر عَنْ اِبْن قُسَيْطٍ) هُوَ بِضَمِّ الْقَاف وَفَتْح السِّين الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الْيَاء، وَاسْمه: يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْطٍ بْن أُسَامَة بْن عُمَيْر اللَّيْثِيّ الْمَدَنِيّ أَبُو عَبْد التَّابِعِيّ، وَاسْم أَبِي صَخْر هَذَا حُمَيْدُ بْن زِيَاد الْخَرَّاط الْمَدَنِيّ سَكَنَ مِصْر. وَاَللَّه أَعْلَم. .(بَاب لَنْ يَدْخُل أَحَد الْجَنَّة بِعَمَلِهِ بَلْ بِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى): اِعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة: أَنَّهُ لَا يَثْبُت بِالْعَقْلِ ثَوَاب وَلَا عِقَاب وَلَا إِيجَاب وَلَا تَحْرِيم وَلَا غَيْرهمَا مِنْ أَنْوَاع التَّكْلِيف، وَلَا تَثْبُت هَذِهِ كُلّهَا وَلَا غَيْرهَا إِلَّا بِالشَّرْعِ، وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَيْضًا: أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَجِب عَلَيْهِ شَيْء تَعَالَى اللَّه، بَلْ الْعَالَم مُلْكه، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي سُلْطَانه، يَفْعَل فيهمَا مَا يَشَاء، فَلَوْ عَذَّبَ الْمُطِيعِينَ، وَالصَّالِحِينَ أَجْمَعِينَ، وَأَدْخَلَهُمْ النَّار كَانَ عَدْلًا مِنْهُ وَإِذَا أَكْرَمَهُمْ وَنَعَّمَهُمْ وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة فَهُوَ فَضْل مِنْهُ، وَلَوْ نَعَّمَ الْكَافِرِينَ وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ وَخَبَره صِدْق، أَنَّهُ لَا يَفْعَل هَذَا، بَلْ يَغْفِر لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة بِرَحْمَتِهِ، وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ وَيُخَلِّدهُمْ فِي النَّار عَدْلًا مِنْهُ. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَة فَيُثْبِتُونَ الْأَحْكَام بِالْعَقْلِ، وَيُوجِبُونَ ثَوَاب الْأَعْمَال، وَيُوجِبُونَ الْأَصْلَح، وَيَمْنَعُونَ خِلَاف هَذَا فِي خَبْط طَوِيل لَهُمْ، تَعَالَى اللَّه عَنْ اِخْتِرَاعَاتهمْ الْبَاطِلَة الْمُنَابِذَة لِنُصُوصِ الشَّرْع. وَفِي ظَاهِر هَذِهِ الْأَحَادِيث: دَلَالَة لِأَهْلِ الْحَقّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقّ أَحَد الثَّوَاب وَالْجَنَّة بِطَاعَتِهِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} {وَتِلْك الْجَنَّة الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وَنَحْوهمَا مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى أَنَّ الْأَعْمَال يُدْخَل بِهَا الْجَنَّة، فَلَا يُعَارِض هَذِهِ الْأَحَادِيث، بَلْ مَعْنَى الْآيَات: أَنَّ دُخُول الْجَنَّة بِسَبَبِ الْأَعْمَال، ثُمَّ التَّوْفِيق لِلْأَعْمَالِ وَالْهِدَايَة لِلْإِخْلَاصِ فيها، وَقَبُولهَا بِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى وَفَضْله، فَيَصِحّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل بِمُجَرَّدِ الْعَمَل. وَهُوَ مُرَاد الْأَحَادِيث، وَيَصِحّ أَنَّهُ دَخَلَ بِالْأَعْمَالِ أَيْ بِسَبَبِهَا، وَهِيَ مِنْ الرَّحْمَة. وَاَللَّه أَعْلَم. وَمَعْنَى: «يَتَغَمَّدنِي بِرَحْمَتِهِ»: يُلْبِسنِيهَا وَيُغَمِّدنِي بِهَا، وَمِنْهُ أَغْمَدْت السَّيْف وَغَمَدْته إِذَا جَعَلْته فِي غِمْده وَسَتَرْته بِهِ. وَمَعْنَى: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا»: اُطْلُبُوا السَّدَاد وَاعْمَلُوا بِهِ، وَإِنَّ عَجَزْتُمْ عَنْهُ فَقَارِبُوهُ، أَيْ: اِقْرَبُوا مِنْهُ، وَالسَّدَاد: الصَّوَاب، وَهُوَ بَيْن الْإِفْرَاط وَالتَّفْرِيط، فَلَا تَغْلُوا وَلَا تُقَصِّرُوا. 5036- سبق شرحه بالباب. 5037- سبق شرحه بالباب. 5038- سبق شرحه بالباب. 5039- سبق شرحه بالباب. 5040- سبق شرحه بالباب. 5041- سبق شرحه بالباب. 5042- سبق شرحه بالباب. 5043- سبق شرحه بالباب. .باب إِكْثَارِ الأَعْمَالِ وَالاِجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ: .باب الاِقْتِصَادِ فِي الْمَوْعِظَةِ: وَفِي هَذَا الْحَدِيث: الِاقْتِصَاد فِي الْمَوْعِظَة، لِئَلَّا تَمَلّهَا الْقُلُوب فَيَفُوت مَقْصُودهَا. .كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها: .قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُفَّتْ الْجَنَّة بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّار بِالشَّهَوَاتِ»: قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا مِنْ بَدِيع الْكَلَام وَفَصِيحه وَجَوَامِعه الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّمْثِيل الْحَسَن، وَمَعْنَاهُ: لَا يُوصَل الْجَنَّة إِلَّا بِارْتِكَابِ الْمَكَارِه، وَالنَّار بِالشَّهَوَاتِ، وَكَذَلِكَ هُمَا مَحْجُوبَتَانِ بِهِمَا، فَمَنْ هَتَكَ الْحِجَاب وَصَلَ إِلَى الْمَحْجُوب، فَهَتْك حِجَاب الْجَنَّة بِاقْتِحَامِ الْمَكَارِه، وَهَتْك حِجَاب النَّار بِارْتِكَابِ الشَّهَوَات، فَأَمَّا الْمَكَارِه فَيَدْخُل فيها الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَات، وَالْمُوَاظَبَة عَلَيْهَا، وَالصَّبْر عَلَى مَشَاقّهَا، وَكَظْم الْغَيْظ، وَالْعَفْو وَالْحِلْم وَالصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الْمُسِيء وَالصَّبْر عَنْ الشَّهَوَات، وَنَحْو ذَلِكَ. وَأَمَّا الشَّهَوَات الَّتِي النَّار مَحْفُوفَة بِهَا، فَالظَّاهِر أَنَّهَا الشَّهَوَات الْمُحَرَّمَة كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالنَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة وَالْغِيبَة وَاسْتِعْمَال الْمَلَاهِي وَنَحْو ذَلِكَ. وَأَمَّا الشَّهَوَات الْمُبَاحَة فَلَا تَدْخُل فِي هَذِهِ لَكِنْ يُكْرَه الْإِكْثَار مِنْهَا مَخَافَة أَنْ يَجُرّ إِلَى الْمُحَرَّمَة، أَوْ يُقَسِّي الْقَلْب، أَوْ يَشْغَل عَنْ الطَّاعَات أَوْ يُحْوِج إِلَى الِاعْتِنَاء بِتَحْصِيلِ الدُّنْيَا لِلصَّرْفِ فيها وَنَحْو ذَلِكَ. 5051- قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: «أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر ذُخْرًا بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمْ اللَّه عَلَيْهِ» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «أَطْلَعْتُكُمْ عَلَيْهِ» هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة: «ذُخْرًا» فِي جَمِيع النُّسَخ، وَأَمَّا رِوَايَة هَارُون بْن سَعِيد الْأَيْلِيِّ الْمَذْكُورَة قَبْلهَا فَفيها ذِكْر فِي بَعْض النُّسَخ: «وَذُخْرًا» كَالْأَوَّلِ فِي بَعْضهَا، قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَة الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ أَبْيَن كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، قَالَ: وَالْأَوْلَى رِوَايَة الْفَارِسِيّ فَأَمَّا (بَلْهَ) فَبِفَتْحِ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَإِسْكَان اللَّام، وَمَعْنَاهَا: دَعْ عَنْك مَا أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ، فَاَلَّذِي لَمْ يُطْلِعكُمْ عَلَيْهِ أَعْظَم، وَكَأَنَّهُ أَضْرَبَ عَنْهُ اِسْتِقْلَالًا لَهُ فِي جَنْب مَا لَمْ يُطْلِع عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا: غَيْر، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا: كَيْف. .باب إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا: قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْمُرَاد بِظِلِّهَا كَنَفهَا وَذَرَاهَا، وَهُوَ مَا يَسْتُر أَغْصَانهَا، وَالْمُضَمَّر بِفَتْحِ الضَّاد وَالْمِيم الْمُشَدَّدَة الَّذِي ضُمِّرَ لِيَشْتَدّ جَرْيه، وَسَبَقَ فِي كِتَاب الْجِهَاد صِفَة التَّضْمِير، قَالَ الْقَاضِي: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ الْمُضَمِّر بِكَسْرِ الْمِيم الثَّانِيَة صِفَة الرَّاكِب الْمُضَمِّر لِفَرَسِهِ وَالْمَعْرُوف هُوَ الْأَوَّل. 5055- سبق شرحه بالباب. 5056- سبق شرحه بالباب. .باب إِحْلاَلِ الرِّضْوَانِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلاَ يَسْخَطُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا: .باب تَرَائِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ الْغُرَفِ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ فِي السَّمَاءِ: .باب في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم والجمال: .باب أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَصِفَاتُهُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَوْجَتَانِ» هَكَذَا فِي الرِّوَايَات بِالتَّاءِ، وَهِيَ لُغَة مُتَكَرِّرَة فِي الْأَحَادِيث، وَكَلَام الْعَرَب، وَالْأَشْهَر حَذْفهَا، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن، وَأَكْثَر الْأَحَادِيث. قَوْله: «وَمَا فِي الْجَنَّة أَعْزَب» هَكَذَا فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا (أَعْزَب) بِالْأَلِفِ، وَهِيَ لُغَة، وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة (عَزَبَ) بِغَيْرِ أَلِف، وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ جَمِيع رُوَاتهمْ رَوَوْهُ: «وَمَا فِي الْجَنَّة عَزَب» بِغَيْرِ أَلِف إِلَّا الْعُذْرِيّ فَرَوَاهُ بِالْأَلِفِ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالْعَزَب مَنْ لَا زَوْجَة لَهُ، وَالْعُزُوب: الْبُعْد، وَسُمِّيَ عَزَبًا لِبُعْدِهِ عَنْ النِّسَاء، قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث: أَنَّ النِّسَاء أَكْثَر أَهْل الْجَنَّة. وَفِي الْحَدِيث الْآخَر أَنَّهُنَّ أَكْثَر أَهْل النَّار، قَالَ: فَيَخْرُج مِنْ مَجْمُوع هَذَا أَنَّ النِّسَاء أَكْثَر وَلَد آدَم، قَالَ: وَهَذَا كُلّه فِي الْآدَمِيَّات، وَإِلَّا فَقَدْ جَاءَ لِلْوَاحِدِ مِنْ أَهْل الْجَنَّة مِنْ الْحُور الْعَدَد الْكَثِير. 5063- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَشْحهمْ الْمِسْك» أَيْ: عَرَقهمْ، «وَمَجَامِرهمْ الْأَلُوَّة» بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَضَمّ اللَّام أَيْ: الْعُود الْهِنْدِيّ، وَسَبَقَ بَيَانه مَبْسُوطًا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْلَاقهمْ عَلَى خُلُق رَجُل وَاحِد» قَدْ ذَكَرَ مُسْلِم فِي الْكِتَاب اِخْتِلَاف اِبْن أَبِي شَيْبَة وَأَبِي كُرَيْب فِي ضَبْطه، فَإِنَّ اِبْن أَبِي شَيْبَة يَرْوِيه بِضَمِّ الْخَاء وَاللَّام، وَأَبُو كُرَيْب بِفَتْحِ الْخَاء وَإِسْكَان اللَّام وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَقَدْ اِخْتَلَفَ فيه رُوَاة صَحِيح الْبُخَارِيّ، وَيُرَجَّح الضَّمّ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيث الْآخَر: «لَا اِخْتِلَاف بَيْنهمْ وَلَا تَبَاغُض، قُلُوبهمْ قَلْب وَاحِد»، وَقَدْ يُرَجَّح الْفَتْح بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَام الْحَدِيث: «عَلَى صُورَة أَبِيهِمْ آدَم أَوْ عَلَى طُوله». قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَلَا يَتْفِلُونَ» هُوَ بِكَسْرِ الْفَاء وَضَمّهَا، حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره، وَفِي رِوَايَة: «لَا يَبْصُقُونَ» وَفِي رِوَايَة: «لَا يَبْزُقُونَ» وَكُلّه بِمَعْنًى. .باب فِي صِفَاتِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا وَتَسْبِيحِهِمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا: 5066- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَأْكُلُونَ فيها وَيَشْرَبُونَ» مَذْهَب أَهْل السُّنَّة وَعَامَّة الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَهْل الْجَنَّة يَأْكُلُونَ فيها وَيَشْرَبُونَ، يَتَنَعَّمُونَ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ، مِنْ مَلَاذّ وَأَنْوَاع نَعِيمهَا تَنَعُّمًا دَائِمًا لَا آخِر لَهُ، وَلَا اِنْقِطَاع أَبَدًا، وَإِنَّ تَنَعُّمهمْ بِذَلِكَ عَلَى هَيْئَة تَنَعُّم أَهْل الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَيْنهمَا مِنْ التَّفَاضُل فِي اللَّذَّة وَالنَّفَاسَة، الَّتِي لَا يُشَارِك نَعِيم الدُّنْيَا إِلَّا فِي التَّسْمِيَة، وَأَصْل الْهَيْئَة، وَإِلَّا فِي أَنَّهُمْ لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَلَا يَبْصُقُونَ، وَقَدْ دَلَّتْ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم وَغَيْره، أَنَّ نَعِيم الْجَنَّة دَائِم لَا اِنْقِطَاع لَهُ أَبَدًا. .باب فِي دَوَامِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تعملون}: .باب فِي صِفَةِ خِيَامِ الْجَنَّةِ وَمَا لِلْمُؤْمِنِينَ فِيهَا مِنَ الأَهْلِينَ: .باب مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ: وَالثَّانِي: قَوْله سَيْحَان وَجَيْحَان، وَيُقَال: سَيْحُون وَجَيْحُون فَجَعَلَ الْأَسْمَاء مُتَرَادِفَة، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ سَيْحَان غَيْر سَيْحُون، وَجَيْحَان غَيْر جَيْحُون، بِاتِّفَاقِ النَّاس كَمَا سَبَقَ. وَالثَّالِث: أَنَّهُ بِبِلَادِ خُرَاسَان، وَأَمَّا سَيْحَان وَجَيْحَان بِبِلَادِ الْأَرْمَن بِقُرْبِ الشَّام. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا كَوْن هَذِهِ الْأَنْهَار مِنْ مَاء الْجَنَّة فَفيه تَأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي عِيَاض: أَحَدهمَا: أَنَّ الْإِيمَان عَمَّ بِلَادهَا، أَوْ الْأَجْسَام الْمُتَغَذِّيَة بِمَائِهَا صَائِرَة إِلَى الْجَنَّة. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحّ أَنَّهَا عَلَى ظَاهِرهَا، وَأَنَّ لَهَا مَادَّة مِنْ الْجَنَّة، وَالْجَنَّة مَخْلُوقَة مَوْجُودَة الْيَوْم عِنْد أَهْل السُّنَّة، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث الْإِسْرَاء أَنَّ الْفُرَات وَالنِّيل يَخْرُجَانِ مِنْ الْجَنَّة، وَفِي الْبُخَارِيّ: «مِنْ أَصْل سِدْرَة الْمُنْتَهَى». .باب يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ: قَوْله: (حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن الشَّاعِر، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعْد، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِي سَلِمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْإِسْنَاد فِي عَامَّة النُّسَخ، وَوَقَعَ فِي بَعْضهَا (حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَة) فَزَادَ الزُّهْرِيُّ، قَالَ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ: وَالصَّوَاب هُوَ الْأَوَّل، قَالَ: وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ أَبُو مَسْعُود فِي الْأَطْرَاف، قَالَ: وَلَا أَعْلَم لِسَعْدِ بْن إِبْرَاهِيم رِوَايَة عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَاب الْعِلَل: لَمْ يُتَابِع أَبُو النَّضْر عَلَى وَصْله عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، قَالَ: وَالْمَحْفُوظ عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَة مُرْسَلًا، كَذَا رَوَاهُ يَعْقُوب وَسَعْد بْن إِبْرَاهِيم بْن سَعْد، قَالَ: وَالْمُرْسَل الصَّوَاب، هَذَا كَلَام الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالصَّحِيح أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَقْدَح فِي صِحَّة الْحَدِيث، فَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّل هَذَا الْكِتَاب أَنَّ الْحَدِيث إِذَا رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا كَانَ مَحْكُومًا بِوَصْلِهِ عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح، لِأَنَّ مَعَ الْوَاصِل زِيَادَة عُلِمَ حِفْظهَا، وَلَمْ يَحْفَظهَا مَنْ أَرْسَلَهُ. وَاَللَّه أَعْلَم. 5075- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلَقَ اللَّه آدَم عَلَى صُورَته طُوله سِتُّونَ ذِرَاعًا» هَذَا الْحَدِيث سَبَقَ شَرْحه وَبَيَان تَأْوِيله، وَهَذِهِ الرِّوَايَة ظَاهِرَة فِي أَنَّ الضَّمِير فِي (صُورَته) عَائِد إِلَى آدَم، وَأَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ خُلِقَ فِي أَوَّل نَشْأَته عَلَى صُورَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الْأَرْض، وَتُوُفِّيَ عَلَيْهَا، وَهِيَ طُوله سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَلَمْ يَنْتَقِل أَطْوَارًا كَذُرِّيَّتِهِ، وَكَانَتْ صُورَته فِي الْجَنَّة هِيَ صُورَته فِي الْأَرْض لَمْ تَتَغَيَّر. قَوْله: «قَالَ: اِذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَر، وَهُمْ نَفَر مِنْ الْمَلَائِكَة جُلُوس فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَك، فَإِنَّهَا تَحِيَّتك وَتَحِيَّة ذُرِّيَّتك، فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة اللَّه» فيه: أَنَّ الْوَارِد عَلَى جُلُوس يُسَلِّم عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ الْأَفْضَل أَنْ يَقُول: السَّلَام عَلَيْكُمْ بِالْأَلِفِ وَاللَّام، وَلَوْ قَالَ: سَلَام عَلَيْكُمْ، كَفَاهُ، وَأَنَّ رَدّ السَّلَام يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون زِيَادَة عَلَى الِابْتِدَاء، وَأَنَّهُ يَجُوز فِي الرَّدّ أَنْ يَقُول: السَّلَام عَلَيْكُمْ، وَلَا يُشْتَرَط أَنْ يَقُول: وَعَلَيْكُمْ السَّلَام. وَاَللَّه أَعْلَم.
|