الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب تَحْرِيمِ الْكَذِبِ وَبَيَانِ مَا يُبَاحُ مِنْهُ: قَوْله: (قَالَ اِبْن شِهَاب: وَلَمْ أَسْمَع يُرَخِّص فِي شَيْء مِمَّا يَقُول النَّاس كَذِب إِلَّا فِي ثَلَاث: الْحَرْب، وَالْإِصْلَاح بَيْن النَّاس، وَحَدِيث الرَّجُل اِمْرَأَته، وَحَدِيث الْمَرْأَة زَوْجهَا) قَالَ الْقَاضِي: لَا خِلَاف فِي جَوَاز الْكَذِب فِي هَذِهِ الصُّوَر، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِالْكَذِبِ الْمُبَاح فيها مَا هُوَ؟ فَقَالَتْ طَائِفَة: هُوَ عَلَى إِطْلَاقه، وَأَجَازُوا قَوْل مَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِع لِلْمَصْلَحَةِ، وَقَالُوا: الْكَذِب الْمَذْمُوم مَا فيه مَضَرَّة، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ} وَ{إِنِّي سَقِيم} وَقَوْله: إِنَّهَا أُخْتِي وَقَوْل مُنَادِي يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَيَّتهَا الْعِير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} قَالُوا: وَلَا خِلَاف أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ظَالِم قَتْل رَجُل هُوَ عِنْده مُخْتَفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَذِب فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَم أَيْنَ هُوَ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الطَّبَرِيُّ: لَا يَجُوز الْكَذِب فِي شَيْء أَصْلًا. قَالُوا: وَمَا جَاءَ مِنْ الْإِبَاحَة فِي هَذَا الْمُرَاد بِهِ التَّوْرِيَة، وَاسْتِعْمَال الْمَعَارِيض، لَا صَرِيح الْكَذِب، مِثْل أَنْ يَعِد زَوْجَته أَنْ يُحْسِن إِلَيْهَا وَيَكْسُوهَا كَذَا، وَيَنْوِي إِنْ قَدَّرَ اللَّه ذَلِكَ. وَحَاصِله أَنْ يَأْتِي بِكَلِمَاتٍ مُحْتَمَلَة، يَفْهَم الْمُخَاطَب مِنْهَا مَا يُطَيِّب قَلْبه. وَإِذَا سَعَى فِي الْإِصْلَاح نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَلَامًا جَمِيلًا، وَمِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَوَرَّى وَكَذَا فِي الْحَرْب بِأَنْ يَقُول لِعَدُوِّهِ: مَاتَ إِمَامكُمْ الْأَعْظَم، وَيَنْوِي إِمَامهمْ فِي الْأَزْمَان الْمَاضِيَة: أَوْ غَدًا يَأْتِينَا مَدَد أَيْ طَعَام وَنَحْوه. هَذَا مِنْ الْمَعَارِيض الْمُبَاحَة، فَكُلّ هَذَا جَائِز. وَتَأَوَّلُوا قِصَّة إِبْرَاهِيم وَيُوسُف وَمَا جَاءَ مِنْ هَذَا عَلَى الْمَعَارِيض. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا كَذِبه لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبهَا لَهُ فَالْمُرَاد بِهِ فِي إِظْهَار الْوُدّ وَالْوَعْد بِمَا لَا يَلْزَم وَنَحْو ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُخَادَعَة فِي مَنْع مَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ أَخْذ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ: 4718- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُنَبِّئكُمْ مَا الْعَضْه؟ هِيَ النَّمِيمَة الْقَالَة بَيْن النَّاس» هَذِهِ اللَّفْظَة رَوَوْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا (الْعِضَهُ) بِكَسْرِ الْعَيْن وَفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة عَلَى وَزْن الْعِدَة وَالزِّنَة، وَالثَّانِي (الْعَضْه) بِفَتْحِ الْعَيْن وَإِسْكَان الضَّاد عَلَى وَزْن الْوَجْه، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَشْهَر فِي رِوَايَات بِلَادنَا، وَالْأَشْهَر فِي كُتُب الْحَدِيث وَكُتُب غَرِيبه، وَالْأَوَّل أَشْهَر فِي كُتُب اللُّغَة وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّهُ رِوَايَة أَكْثَر شُيُوخهمْ، وَتَقْدِير الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم أَلَا أُنَبِّئكُمْ مَا الْعَضْه الْفَاحِش الْغَلِيظ التَّحْرِيم؟. .باب قُبْحِ الْكَذِبِ وَحُسْنِ الصِّدْقِ وَفَضْلِهِ: وَقِيلَ: الْبِرّ الْجَنَّة. وَيَجُوز أَنْ يَتَنَاوَل الْعَمَل الصَّالِح وَالْجَنَّة. وَأَمَّا الْكَذِب فَيُوصِل إِلَى الْفُجُور، وَهُوَ الْمَيْل عَنْ الِاسْتِقَامَة، وَقِيلَ؛ الِانْبِعَاث فِي الْمَعَاصِي. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّ الرَّجُل لَيَصْدُق حَتَّى يُكْتَب عِنْد اللَّه صِدِّيقًا، وَإِنَّ الرَّجُل لَيَكْذِب حَتَّى يُكْتَب عِنْد اللَّه كَذَّابًا» وَفِي رِوَايَة: «لِيَتَحَرَّى الصِّدْق وَلِيَتَحَرَّى الْكَذِب» وَفِي رِوَايَة: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْق يَهْدِي إِلَى الْبِرّ. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِب» قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا فيه حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْق، وَهُوَ قَصْده، وَالِاعْتِنَاء بِهِ، وَعَلَى التَّحْذِير مِنْ الْكَذِب وَالتَّسَاهُل فيه؛ فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فيه كَثُرَ مِنْهُ، فَعُرِفَ بِهِ، وَكَتَبَهُ اللَّه لِمُبَالَغَتِهِ صِدِّيقًا إِنْ اِعْتَادَهُ، أَوْ كَذَّابًا إِنْ اِعْتَادَهُ. وَمَعْنَى يُكْتَب هُنَا يُحْكَم لَهُ بِذَلِكَ، وَيَسْتَحِقّ الْوَصْف بِمَنْزِلَةِ الصِّدِّيقِينَ وَثَوَابهمْ، أَوْ صِفَة الْكَذَّابِينَ وَعِقَابهمْ، وَالْمُرَاد إِظْهَار ذَلِكَ لِلْمَخْلُوقِينَ إِمَّا بِأَنْ يَكْتُبهُ فِي ذَلِكَ لِيَشْتَهِر بِحَظِّهِ مِنْ الصِّفَتَيْنِ فِي الْمَلَأ الْأَعْلَى، وَإِمَّا بِأَنْ يُلْقِي ذَلِكَ فِي قُلُوب النَّاس وَأَلْسِنَتهمْ، وَكَمَا يُوضَع لَهُ الْقَبُول وَالْبَغْضَاء وَإِلَّا فَقَدَر اللَّه تَعَالَى وَكِتَابه السَّابِق بِكُلِّ ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوْجُود فِي جَمِيع نُسَخ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم بِبِلَادِنَا وَغَيْرهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَتْن الْحَدِيث إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيع النُّسَخ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ. وَنَقَلَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ عَنْ كِتَاب مُسْلِم فِي حَدِيث اِبْن مُثَنَّى وَابْن بَشَّار زِيَادَة: «وَإِنَّ شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِب، وَإِنَّ الْكَذِب لَا يَصْلُح مِنْهُ جِدّ وَلَا هَزْل، وَلَا يَعِد الرَّجُل صَبِيّه ثُمَّ يُخْلِفهُ» وَذَكَرَ أَبُو مَسْعُود أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَة فِي كِتَابه. وَذَكَرَهَا أَيْضًا أَبُو بَكْر الْبُرْقَانِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: وَلَيْسَتْ عِنْدنَا فِي كِتَاب مُسْلِم. قَالَ الْقَاضِي: (الرَّوَايَا) هُنَا جَمْع رَوِيَّة، وَهِيَ مَا يَتَرَوَّى فيه الْإِنْسَان وَيَسْتَعِدّ لَهُ أَمَام عَمَله. وَقَوْله: قَالَ، وَقِيلَ جَمْع رَاوِيَة، أَيْ حَامِل وَنَاقِل لَهُ. وَاَللَّه أَعْلَم. 4720- سبق شرحه بالباب. .باب فَضْلِ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَبِأَيِّ شيء يَذْهَبُ الْغَضَبُ: 4723- سبق شرحه بالباب. 4724- سبق شرحه بالباب. 4725- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي اِشْتَدَّ غَضَبه: «إِنِّي لَأَعْرِف كَلِمَة لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِد: أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم» فيه أَنَّ الْغَضَب فِي غَيْر اللَّه تَعَالَى مِنْ نَزْغ الشَّيْطَان، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْغَضَب أَنْ يَسْتَعِيذ فَيَقُول: أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم، وَأَنَّهُ سَبَب لِزَوَالِ الْغَضَب. وَأَمَّا قَوْل هَذَا الرَّجُل الَّذِي اِشْتَدَّ غَضَبه: هَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُون؟ فَهُوَ كَلَام مَنْ لَمْ يَفْقَه فِي دِين اللَّه تَعَالَى، وَلَمْ يَتَهَذَّب بِأَنْوَارِ الشَّرِيعَة الْمُكَرَّمَة، وَتَوَهَّمَ أَنَّ الِاسْتِعَاذَة مُخْتَصَّة بِالْمَجْنُونِ، وَلَمْ يَعْلَم أَنَّ الْغَضَب مِنْ نَزَغَات الشَّيْطَان، وَلِهَذَا يَخْرُج بِهِ الْإِنْسَان عَنْ اِعْتِدَال حَاله، وَيَتَكَلَّم بِالْبَاطِلِ، وَيَفْعَل الْمَذْمُوم، وَيَنْوِي الْحِقْد وَالْبُغْض وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِح الْمُتَرَتِّبَة عَلَى الْغَضَب، لِهَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَوْصِنِي قَالَ: «لَا تَغْضَب» فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: «لَا تَغْضَب» فَلَمْ يَزِدْهُ فِي الْوَصِيَّة عَلَى لَا تَغْضَب مَعَ تَكْرَاره الطَّلَب، وَهَذَا دَلِيل ظَاهِر فِي عِظَم مَفْسَدَة الْغَضَب وَمَا يَنْشَأ مِنْهُ. وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذَا الْقَائِل: هَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُون كَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، أَوْ مِنْ جُفَاة الْأَعْرَاب. وَاَللَّه أَعْلَم. 4726- سبق شرحه بالباب. .باب خُلِقَ الإِنْسَانُ خَلْقًا لاَ يَتَمَالَكُ: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَف» عُلِمَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَك. الْأَجْوَف صَاحِب الْجَوْف، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي دَاخِله خَال. وَمَعْنَى (لَا يَتَمَالَك) لَا يَمْلِك نَفْسه وَيَحْبِسهَا عَنْ الشَّهَوَات، وَقِيلَ: لَا يَمْلِك دَفْع الْوَسْوَاس عَنْهُ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِك نَفْسه عِنْد الْغَضَب، وَالْمُرَاد جِنْس بَنِي آدَم. .باب النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ: 4729- سبق شرحه بالباب. 4730- سبق شرحه بالباب. 4731- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ اللَّه خَلَقَ آدَم عَلَى صُورَته» فَهُوَ مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب الْإِيمَان بَيَانُ حُكْمهَا وَاضِحًا وَمَبْسُوطًا، وَأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاء مَنْ يُمْسِك عَنْ تَأْوِيلهَا، وَيَقُول: نُؤْمِن بِأَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّ ظَاهِرهَا غَيْر مُرَاد، وَلَهَا مَعْنَى يَلِيق بِهَا، وَهَذَا مَذْهَب جُمْهُور السَّلَف، وَهُوَ أَحْوَط وَأَسْلَم. وَالثَّانِي أَنَّهَا تُتَأَوَّل عَلَى حَسَب مَا يَلِيق بِتَنْزِيهِ اللَّه تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء. قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا الْحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ ثَابِت، وَرَوَاهُ بَعْضهمْ: «إِنَّ اللَّه خَلَقَ آدَم عَلَى صُورَة الرَّحْمَن»، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْد أَهْل الْحَدِيث، وَكَأَنَّ مَنْ نَقَلَهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ لَهُ، وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَقَدْ غَلِطَ اِبْن قُتَيْبَة فِي هَذَا الْحَدِيث، فَأَجْرَاهُ عَلَى ظَاهِره، قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى صُورَة لَا كَالصُّوَرِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِر الْفَسَاد؛ لِأَنَّ الصُّورَة تُفِيد التَّرْكِيب، وَكُلّ مُرَكَّب مُحْدَث، وَاَللَّه تَعَالَى لَيْسَ هُوَ مُرَكَّبًا، فَلَيْسَ مُصَوَّرًا. قَالَ: وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُجَسِّمَة: جِسْم لَا كَالْأَجْسَامِ لَمَّا رَأَوْا أَهْل السُّنَّة يَقُولُونَ: الْبَارِي سُبْحَانه وَتَعَالَى شَيْء لَا كَالْأَشْيَاءِ طَرَدُوا الِاسْتِعْمَال فَقَالُوا: جِسْم لَا كَالْأَجْسَامِ. وَالْفَرْق أَنَّ لَفْظ شَيْء لَا يُفِيد الْحُدُوث، وَلَا يَتَضَمَّن مَا يَقْتَضِيه، وَأَمَّا جِسْم وَصُورَة فَيَتَضَمَّنَانِ التَّأْلِيف وَالتَّرْكِيب، وَذَلِكَ دَلِيل الْحُدُوث. قَالَ: الْعَجَب مِنْ اِبْن قُتَيْبَة فِي قَوْله: صُورَة لَا كَالصُّوَرِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِر الْحَدِيث عَلَى رَأْيه يَقْتَضِي خَلْق آدَم عَلَى صُورَته، فَالصُّورَتَانِ عَلَى رَأْيه سَوَاء، فَإِذَا قَالَ: لَا كَالصُّوَرِ تَنَاقَض قَوْله. وَيُقَال لَهُ أَيْضًا: إِنْ أَرَدْت بِقَوْلِك: صُورَة لَا كَالصُّوَرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَلَّفٍ وَلَا مُرَكَّب فَلَيْسَ بِصُورَةٍ حَقِيقِيَّة، وَلَيْسَتْ اللَّفْظَة عَلَى ظَاهِرهَا، وَحِينَئِذٍ يَكُون مُوَافِقًا عَلَى اِفْتِقَاره إِلَى التَّأْوِيل، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيله فَقَالَتْ طَائِفَة: الضَّمِير فِي (صُورَته) عَائِد عَلَى الْأَخ الْمَضْرُوب، وَهَذَا ظَاهِر رِوَايَة مُسْلِم، وَقَالَتْ طَائِفَة: يَعُود إِلَى آدَم، وَفيه ضَعْف، وَقَالَتْ طَائِفَة: يَعُود إِلَى اللَّه تَعَالَى، وَيَكُون الْمُرَاد إِضَافَة تَشْرِيف وَاخْتِصَاص كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَاقَة اللَّه} وَكَمَا يُقَال فِي الْكَعْبَة: بَيْت اللَّه وَنَظَائِره. وَاَللَّه أَعْلَم. 4732- قَوْله: (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْن مَالِك الْمَرَاغِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) (الْمَرَاغِيّ) بِفَتْحِ الْمِيم وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة مَنْسُوب إِلَى الْمَرَاغَة بَطْن مِنْ الْأَزْدِ، لَا إِلَى الْبَلَد الْمَعْرُوفَة بِالْمَرَاغَةِ مِنْ بِلَاد الْعَجَم. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ضَبْطه، وَأَنَّهُ مُنْتَسِب إِلَى بَطْن مِنْ الْأَزْدِ هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور، وَلَمْ يَذْكُر الْجُمْهُور غَيْره وَذَكَرَ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى مَوْضِع بِنَاحِيَةِ عُمَان، وَذَكَرَ الْحَافِظ عَبْد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِيُّ أَنَّهُ الْمُرَاغِيّ بِضَمِّ الْمِيم، وَلَعَلَّهُ تَصْحِيف مِنْ النَّاسِخ. وَالْمَشْهُور الْفَتْح، وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ الْجَيَّانِيّ، وَالْقَاضِي فِي الْمَشَارِق، وَالسَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب، وَخَلَائِق، وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة وَكُتُبِ الْحَدِيث. قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَقِيلَ: إِنَّهُ بِكَسْرِ الْمِيم. قَالَ: وَالْمَشْهُور الْفَتْح. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ عَذَّبَ النَّاسَ بِغَيْرِ حَقٍّ: 4734- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّه يُعَذِّب الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ النَّاس» هَذَا مَحْمُول عَلَى التَّعْذِيب بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَا يَدْخُل فيه التَّعْذِيب بِحَقٍّ كَالْقِصَاصِ، وَالْحُدُود، وَالتَّعْزِير، وَنَحْو ذَلِكَ. قَوْله: «أُنَاس مِنْ الْأَنْبَاط» هُمْ فَلَّاحُو الْعَجَم. قَوْله: (وَأَمِيرهمْ يَوْمئِذٍ عُمَيْر بْن سَعْد) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ: (عُمَيْر) بِالتَّصْغِيرِ. اِبْن سَعْد بِإِسْكَانِ الْعَيْن مِنْ غَيْر يَاء، وَفِي بَعْضهَا (عُمَيْر بْن سَعِيد) بِكَسْرِ الْعَيْن وَزِيَادَة يَاء. قَالَ الْقَاضِي: الْأَوَّل هُوَ الْمَوْجُود لِأَكْثَر شُيُوخنَا، وَفِي أَكْثَر النُّسَخ وَأَكْثَر الرِّوَايَات، وَهُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ عُمَيْر بْن سَعْد بْن عُمَيْر الْأَنْصَارِيّ الْأَوْسِيّ مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف، وَلَّاهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِمْص، وَكَانَ يُقَال لَهُ: يُسَبِّح، وَجَدُّهُ أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ أَحَد الَّذِينَ جَمَعُوا الْقُرْآن وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله: (أَمِيرهمْ عَلَى فِلَسْطِين) هِيَ بِكَسْرِ الْفَاء وَفَتْح اللَّام، وَهِيَ بِلَاد بَيْت الْمَقْدِس وَمَا حَوْلهَا. قَوْله: (فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا) ضَبَطُوهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْمُهْمَلَة، وَالْمُعْجَمَة أَشْهَر وَأَحْسَن. 4735- سبق شرحه بالباب. .باب أَمْرِ مَنْ مَرَّ بِسِلاَحٍ فِي مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الْجَامِعَةِ لِلنَّاسِ الْإِمْسَاك بِنِصَالِهَا: 4737- وَأَمَّا قَوْل أَبِي مُوسَى: (سَدَّدْنَاهَا بَعْضنَا فِي وُجُوه بَعْض) أَيْ قَوَّمْنَاهَا إِلَى وُجُوههمْ، وَهُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة مِنْ السَّدَاد، وَهُوَ الْقَصْد وَالِاسْتِقَامَة. 4740- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلَّذِي يَمُرّ بِالنَّبْلِ فِي الْمَسْجِد: فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالهَا لِئَلَّا يُصِيب بِهَا أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» فيه هَذَا الْأَدَب، وَهُوَ الْإِمْسَاك بِنِصَالِهَا عِنْد إِرَادَة الْمُرُور بَيْن النَّاس فِي مَسْجِد أَوْ سُوق أَوْ غَيْرهمَا. وَالنُّصُول وَالنِّصَال جَمْع نَصْل، وَهُوَ حَدِيدَة السَّهْم. وَفيه اِجْتِنَاب كُلّ مَا يُخَاف مِنْهُ ضَرَر. .باب النَّهْيِ عَنِ الإِشَارَةِ بِالسِّلاَحِ إِلَى مُسْلِمٍ: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمّه» مُبَالَغَة فِي إِيضَاح عُمُوم النَّهْي فِي كُلّ أَحَد، سَوَاء مَنْ يُتَّهَم فيه، وَمَنْ لَا يُتَّهَم، وَسَوَاء كَانَ هَذَا هَزْلًا وَلَعِبًا، أَمْ لَا؛ لِأَنَّ تَرْوِيع الْمُسْلِم حَرَام بِكُلِّ حَال، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقهُ السِّلَاح كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَلَعْن الْمَلَائِكَة لَهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ حَرَام. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ الْمَلَائِكَة تَلْعَنهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ» هَكَذَا فِي عَامَّة النُّسَخ، وَفيه مَحْذُوف، وَتَقْدِيره حَتَّى يَدَعهُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ. 4742- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُشِير أَحَدكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَان يَنْزِع فِي يَده» كَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «لَا يُشِير» بِالْيَاءِ بَعْد السِّين، وَهُوَ صَحِيح، وَهُوَ نَهْي بِلَفْظِ الْخَبَر كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُضَارّ وَالِدَة} وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّات أَنَّ هَذَا أَبْلَغ مِنْ لَفْظ النَّهْي. و«لَعَلَّ الشَّيْطَان يَنْزِع» ضَبَطْنَاهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيع رِوَايَات مُسْلِم، وَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا، وَمَعْنَاهُ يَرْمِي فِي يَده، وَيُحَقِّق ضَرْبَته وَرَمْيَته. وَرُوِيَ فِي غَيْر مُسْلِم بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ بِمَعْنَى الْإِغْرَاء أَيْ يَحْمِل عَلَى تَحْقِيق الضَّرْب بِهِ، وَيُزَيَّن ذَلِكَ. .باب فَضْلِ إِزَالَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ: 4743- سبق شرحه بالباب. 4744- سبق شرحه بالباب. 4745- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْت رَجُلًا يَتَقَلَّب فِي الْجَنَّة فِي شَجَرَة قَطَعَهَا مِنْ ظَهْر الطَّرِيق» أَيْ يَتَنَعَّم فِي الْجَنَّة بِمَلَاذِهَا بِسَبَبِ قَطْعه الشَّجَرَة. 4746- سبق شرحه بالباب. 4747- قَوْله: (عَنْ أَبَانَ بْن صَمْعَة قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْوَازِع) أَمَّا (أَبَان) فَقَدْ سَبَقَ فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب أَنَّهُ يَجُوز صَرْفه وَتَرْكه، وَالصَّرْف أَجْوَد، وَهُوَ قَوْل الْأَكْثَرِينَ. (وَصَمْعَة) بِصَادٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ مِيم سَاكِنَة ثُمَّ عَيْن مُهْمَلَة. قِيلَ: إِنَّ أَبَانَا هَذَا هُوَ وَالِد عُتْبَة الْغُلَام الزَّاهِد الْمَشْهُور، و(أَبُو الْوَازِع) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة اِسْمه جَابِر بْن عَمْرو الرَّاسِبِيّ بِكَسْرِ السِّين الْمُهْمَلَة وَبَعْدهَا بَاء مُوَحَّدَة، وَهِيَ نِسْبَة إِلَى بَنِي رَاسِب قَبِيلَة مَعْرُوفَة نَزَلَتْ الْبَصْرَة. 4748- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَمِرَّ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيق» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّة الرُّوَاة بِتَشْدِيدِ الرَّاء، وَمَعْنَاهُ أَزِلْهُ. وَفِي بَعْضهَا (وَأَمِزَ) بِزَايٍ مُخَفَّفَة، وَهِيَ بِمَعْنَى الْأَوَّل. .باب تَحْرِيمِ تَعْذِيبِ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي لاَ يُؤْذِي: 4749- سبق شرحه بالباب. 4750- سبق شرحه بالباب. 4751- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ جَرَّاء هِرَّة» أَيْ مِنْ أَجْلهَا يُمَدّ وَيُقْصَر، يُقَال: مِنْ جَرَّائِك، وَمِنْ جَرَّاك، وَجَرِيرك، وَأَجْلك بِمَعْنًى. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُرَمْرِم مِنْ خَشَاش الْأَرْض» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ: (تُرَمْرِم) بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الرَّاء الثَّانِيَة. وَفِي بَعْضهَا (تُرَمِّم) بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْمِيم الْأُولَى وَرَاء وَاحِدَة. وَفِي بَعْضهَا (تُرَمَّم) بِفَتْحِ التَّاء وَالْمِيم أَيْ تَتَنَاوَل ذَلِكَ بِشَفَتَيْهَا. .باب تَحْرِيمِ الْكِبْرِ: وَأَمَّا تَسْمِيَته إِزَارًا وَرِدَاء فَمَجَاز وَاسْتِعَارَة حَسَنَة كَمَا تَقُول الْعَرَب: فُلَان شِعَاره الزُّهْد، وَدِثَاره التَّقْوَى لَا يُرِيدُونَ الثَّوْب الَّذِي هُوَ شِعَار أَوْ دِثَار، بَلْ مَعْنَاهُ صِفَته، كَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ. وَمَعْنَى الِاسْتِعَارَة هُنَا أَنَّ الْإِزَار وَالرِّدَاء يُلْصَقَانِ بِالْإِنْسَانِ، وَيَلْزَمَانِهِ، وَهُمَا جَمَال لَهُ. قَالَ: فَضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِكَوْنِ الْعِزّ وَالْكِبْرِيَاء بِاَللَّهِ تَعَالَى أَحَقَّ، وَلَهُ أَلْزَم، وَاقْتَضَاهُمَا جَلَاله. وَمِنْ مَشْهُور كَلَام الْعَرَب فُلَان وَاسِع الرِّدَاء، وَغَمِر الرِّدَاء أَيْ وَاسِع الْعَطِيَّة. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاَللَّه لَا يَغْفِر اللَّه لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَلَّا أَغْفِر لِفُلَانٍ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْت لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْت عَمَلك» مَعْنَى (يَتَأَلَّى) يَحْلِف، وَالْأَلْيَة الْيَمِين. وَفيه دَلَالَة لِمَذْهَبِ أَهْل السُّنَّة فِي غُفْرَان الذُّنُوب بِلَا تَوْبَة إِذَا شَاءَ اللَّه غُفْرَانهَا. وَاحْتَجَّتْ الْمُعْتَزِلَة بِهِ فِي إِحْبَاط الْأَعْمَال بِالْمَعَاصِي الْكَبَائِر. وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّهَا لَا يُحْبَط إِلَّا بِالْكُفْرِ، وَيُتَأَوَّل حُبُوط عَمَل هَذَا عَلَى أَنَّهُ أُسْقِطَتْ حَسَنَاته فِي مُقَابَلَة سَيِّئَاته، وَسُمِّيَ إِحْبَاطًا مَجَازًا، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ أَمْر آخَر أَوْجَبَ الْكُفْر، وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذَا كَانَ فِي شَرْع مَنْ قَبْلنَا، وَكَانَ هَذَا حُكْمهمْ. .باب فَضْلِ الضُّعَفَاءِ وَالْخَامِلِينَ: وَقِيلَ: مَعْنَى الْقَسَم هُنَا الدُّعَاء، وَإِبْرَاره إِجَابَته. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب النَّهْيِ عَنْ قَوْلِ هَلَكَ النَّاسُ: وَقَالَ: الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَزَال الرَّجُل يَعِيب النَّاس، وَيَذْكُر مَسَاوِيَهُمْ، وَيَقُول: فَسَدَ النَّاس، وَهَلَكُوا، وَنَحْو ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ أَيْ أَسْوَأ حَالًا مِنْهُمْ بِمَا يَلْحَقهُ مِنْ الْإِثْم فِي عَيْبهمْ، وَالْوَقِيعَة فيهمْ، وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْعُجْب بِنَفْسِهِ، وَرُؤْيَته أَنَّهُ خَيْر مِنْهُمْ. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب الْوَصِيَّةِ بِالْجَارِ وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِ: 4759- قَوْله: «فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ» أَيْ أَعْطِهِمْ مِنْهُ شَيْئًا. .باب اسْتِحْبَابِ طَلاَقَةِ الْوَجْهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ: .باب اسْتِحْبَابِ الشَّفَاعَةِ فِيمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ: وَأَمَّا الشَّفَاعَة فِي الْحُدُود فَحَرَام، وَكَذَا الشَّفَاعَة فِي تَتْمِيم بَاطِل، أَوْ إِبْطَال حَقٍّ، وَنَحْو ذَلِكَ، فَهِيَ حَرَام. .باب اسْتِحْبَابِ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَمُجَانَبَةِ قُرَنَاءِ السَّوْءِ: قَالَ الْقَاضِي: وَمَا رُوِيَ مِنْ كَرَاهَة الْعُمَرَيْنِ لَهُ فَلَيْسَ فيه نَصٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَجَاسَته، وَلَا صَحَّتْ الرِّوَايَة عَنْهُمَا بِالْكَرَاهَةِ، بَلْ صَحَّتْ قِسْمَة عُمَر بْن الْخَطَّاب الْمِسْك عَلَى نِسَاء الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَعْرُوف عَنْ اِبْن عُمَر اِسْتِعْمَاله. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب فَضْلِ الإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ: 4763- قَوْله: (اِبْن بَهْرَام) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاء وَكَسْرهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْ الْبَنَات بِشَيْءٍ». إِنَّمَا سَمَّاهُ اِبْتِلَاء لِأَنَّ النَّاس يَكْرَهُونَهُنَّ فِي الْعَادَة وَقَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم}. 4764- قَوْله: (إِنَّ زِيَاد بْن أَبِي زِيَاد مَوْلَى اِبْن عَيَّاش حَدَّثَهُ عَنْ عِرَاك) هُوَ عَيَّاش بِالْمُثَنَّاةِ وَالشِّين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ زِيَاد بْن أَبِي زِيَاد وَاسْم أَبِي زِيَاد: مَيْثَرَة الْمَدَنِيّ الْمَخْزُومِيّ مَوْلَى عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش بِالْمُعْجَمَةِ اِبْن أَبِي رَبِيعَة بْن الْمُغِيرَة. 4765- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَنَا وَهُوَ، وَضَمَّ أَصَابِعه». وَمَعْنَى (عَالَهُمَا) قَامَ عَلَيْهِمَا بِالْمُؤْنَةِ وَالتَّرْبِيَة وَنَحْوهمَا، مَأْخُوذ مِنْ الْعَوْل وَهُوَ الْقُرْب، وَمِنْهُ: «اِبْدَأْ بِمَنْ تَعُول» وَمَعْنَاهُ جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ. فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلِيل عَلَى كَوْن أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّة وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَة فيهمْ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: أَمَّا أَوْلَاد الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ فَالْإِجْمَاع مُتَحَقِّق عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّة، أَمَّا أَطْفَال مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَجَمَاهِير الْعُلَمَاء عَلَى الْقَطْع لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَقَلَ جَمَاعَة الْإِجْمَاع فِي كَوْنهمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة قَطْعًا لِقَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتهمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتهمْ} وَتَوَقَّفَ بَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ فيها، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَع لَهُمْ كَالْمُكَلَّفِينَ. وَاَللَّه أَعْلَم.
|