الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: اللمع في أصول الفقه ***
وأما السكت عن الحكم فهو ان يرى رجلا يفعل فعلا فلا يوجب فيه حكما فينظر فيه؛ فإن لم يكن ذلك موضع حاجة لم يكن فى سكوته دليل على الإيجاب ولا على إسقاط لجواز ان يكون قد أخر البيان الى وقت الحاجة وإن كان موضع حاجة مثل الأعرابى الذى سأله عن الجماع فى رمضان فأوجب عليه العتق ولم يوجب على المرأة دل سكوته على انه غير واجب عليها لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز. والخبر هو الذى لايخلو من ان يكون صدقا أو كذبا. وله صيغة موضوعة فى اللغة تدل عليه، وهو قوله زيد قائم وعمرو قاعد وما أشبههما. وقالت الأشعرية لاصيغة له والدليل على فساد ذلك ان أهل اللغة قسموا الكلام أربعة أقسام فقالوا: أمر ونهى وخبر واستخبار , فالأمر قولك افعل، والنهى قولك لاتفعل، والخبر قولك زيد فى الدار، والإستخبار أزيد فى الدار، فدل على ماقلناه. اعلم ان الخبر ضربان: متواتر وآحاد. فأما الآحاد فله باب يأتى الكلام فيه ان شاء الله تعالى وبه الثقة. وأما المتواتر فهو كل خبر علم مخبره ضرورة، وذلك ضربان؛ تواتر من جهة اللفظ كالأخبار المتفقة عن القرون الماضية والبلاد النائية، وتواتر من طريق المعنى كالأخبار المختلفة عن سخاء حاتم وشجاعة على رضى الله عنه وما أشبه ذلك، ويقع الكلام بكلا الضربين. وقال البراهمة لايقع العلم بشيء من الأخبار. وهذا جهل فإنا نجد أنفسنا عالمة بما يؤدى اليها الخبر المتواتر من أخبار مكة وخراسان وغيرهما كما نجدها عالمة بما تؤدى اليه الحواس، فكما لايجوز انكار العلم الواقع بالحواس لم يجز انكار العلم الواقع بالأخبار. والعلم الذى يقع به ضرورى. وقال البلخى من المعتزلة العلم الواقع به نظرى، وهو قول ابى بكر الدقاق. وهذا خطأ لأنه لايمكن نفى مايقع به من العلم عن نفسه بالشك والشبهة، فكان ضروريا كالعلم الواقع عن الحواس. ولايقع العلم الضرورى بالتواتر الا بثلاث شرائط: احداها ان يكون المخبرون عددا لايصح منهم التواطؤ على الكذب، وان يستوى طرفاه ووسطه فيروى هذا العدد عن مثله الى ان يتصل بالمخبر عنه، وان يكون الخبر فى الاصل عن مشاهدة او سماع. فأما اذا كان عن نظر واجتهاد مثل ان يجتهد العلماء فيؤديهم الإجتهاد الى شيء لم يقع العلم الضرورى بذلك. ومن أصحابنا من اعتبر ان يكون العدد مسلمين. ومن الناس من قال لايجوز ان يكون العدد أقل من اثنى عشر. ومنهم من قال أقله سبعون. ومنهم من قال ثلاثمائة وأكثر. وهذا كله خطأ لأن وقوع العلم به لايختص بشيء مما ذكروه فسقط اعتبار ذلك. واعلم ان خبر الواحد ما انحط عن حد التواتر. وهو ضربان: مسند ومرسل. فأما المرسل فله باب يجيء ان شاء الله تعالى. وأما المسند فضربان: احدهما يوجب العلم، وهو على أوجه؛ منها خبر الله عز وجل وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ان يحكى الرجل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ويدعى علمه فلاينكر عليه فيقطع به على صدقه، ومنها ان يحكى الرجل شيئا بحضرة جماعة كثيرة ويدعى علمهم فلاينكرونه فيعلم بذلك صدقه، ومنها خبر الواحد الذى تلقته الأمة بالقبول فيقطع بصدقه سواء عمل الكل به او عمل البعض وتأوله البعض، فهذه الأخبار توجب العمل ويقع العلم بها استدلالا. والثانى يوجب العمل ولايوجب العلم، وذلك مثل الأخبار المروية والسنن والصحاح وما أشبهها. وقال بعض اهل العلم توجب العلم. وقال بعض المحدثين مايحكى اسناده أوجب العلم. وقال النظام يجوز ان يوجب العلم اذا قارنه سبب مثل ان يرى رجل مخرق الثياب فيجيء ويخبر بموت قريب له. وقال القاشانى وابن داود لايوجب العلم، وهو مذهب الرافضة. ثم اختلف هؤلاء فمنهم من قال العقل يمنع العمل به، ومنهم من قال العقل لايمنع الا ان الشرع لم يرد به. فالدليل على انه لايوجب العلم انه لو كان يوجب العلم لوقع العلم بخبر كل مخبر ممن يدعى النبوة او مآلا على غيره، ولما لم يقع العلم بذلك دل على انه لايوجب العلم. وأما الدليل على ان العقل لايمنع من التعبد به هو انه اذا جاز التعبد بخبر المفتى وشهادة الشاهد ولم يمنع العقل منه جاز بخبر المخبر. وأما الدليل على وجوب العمل به من حهة الشرع ان الصحابة رضى الله عنهم رجعت اليها فى الأحكام، فرجع عمر الى حديث حمل بن مالك فى دية الجنين وقال لو لم نسمع هذا لقضينا بغيره، ورجع عثمان كرم الله وجهه فى السكنى الى حديث فريعة بنت مالك، وكان على كرم الله وجهه يرجع الى اخبار الآحاد ويستظهر فيها باليمين وقال: اذا حدثنى احد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم احلفته فإذا حلف لى صدقته الا أبا بكر وحدثنى ابو بكر وصدق ابو بكر، ورجع ابن عمر الى خبر رافع بن خديج فى المخابرة، ورجعت الصحابة الى حديث عائشة رضى الله غنها فى التقاء الختانين فدل على وجوب العمل به. ولافرق بين ان يرويه واحد او اثنان. وقال أبو على الجبائى لايقبل حتى يرويه اثنان عن اثنين. وهذا خطأ لأنه إخبار عن حكم شرعى، فجاز قبوله من واحد كالفتيا. ويجب العمل به فيما تعم به البلوى وفيما لاتعم. وقال أصحاب أبى حنيفة رحمه الله لايجوز العمل به فيما تعم به البلوى. والدليل على فساد ذلك انه حكم شرعى يسوغ فيه الإجتهاد فجاز اثباته بخبر الواحد قياسا على ما لاتعم به البلوى. ويقبل ان خالف القياس ويقدم عليه. وقال أصحاب مالك رحمه الله اذا خالف القياس لم يقبل. وقال أصحاب أبى حنيفة رضى الله عنه اذا خالف القياس والأصول لم يقبل, وذكروا ذلك فى خبر التفليس والقرعة والمصراة والدليل على أصحاب مالك ان الخبر يدل على قصد صاحب الشرع بصريحه والقياس يدل على قصده بالاستدلال والصريح أقوى فيجب ان يكون بالتقديم أولى. وأما أصحاب أبى حنيفة رحمه الله فإنهم ان ارادوا بالأصول القياس على ماثبت بالأصول فهو الذى قاله أصحاب مالك، وقد دللنا على فساده، وان أرادوا نفس الأصول التى هى الكتاب والسنة والإجماع فليس معهم فى المسائل التى ردوا فيها خبر الواحد كتاب ولاسنة ولا إجماع، فسقط ماقالوه. والمرسل ما انقطع اسناده، وهو ان يروى عمن لم يسمع منه فيترك بينه وبينه واحد فى الوسط. فلا يخلو ذلك من احد امرين؛ إما ان يكون من مراسيل الصحابة أو من غير ها، فإن كان من مراسيل الصحابة وجب العمل به لأن الصحابة رضى الله عنهم مقطوع بعدالتهم. وان كان من مراسيل غيرهم نظرت؛ فإن كان من مراسيل غير سعيد بن المسيب لم يعمل به. وقال مالك وأبو حنيفة رضى الله عنهما يعمل به كالمسند. وقال عيسى بن أبان ان كان من مراسيل التابعين وتابعى التابعين قبل، وان كان من مراسيل غيرهم لم يقبل الا ان يكون المرسل إماما. فالدليل على ماقلناه ان العدالة شرط فى صحة الخبر والذى ترك تسميته يجوز ان يكون عدلا ويجوز ان لايكون عدلا، فلايجوز قبول خبره حتى يعلم. وان كان من مراسيل ابن المسيب فقد قال الشافعى رضى الله عنه مراسيله عندنا حسن، فمن أصحابنا من قال مراسيله حجة لأنها تتبعت فوجدت كلها مسانيد. ومنهم من قال هى كغيرها، وانما استحسنها الشافعى رضى الله عنه استئناسا بها لا انها حجة. فأما اذا قال أخبرنى الثقة عن الزهرى فهو كالمرسل لأن الثقة مجهول عندنا فهو بمنزلة من لم يذكره أصلا. وأما خبر العنعنة اذا قال أخبرنا مالك عن الزهرى فهو مسند. ومن الناس من قال حكمه حكم المرسل. وهذا خطأ لأن الظاهر انه سماع عن الزهرى وان كان بلفظ العنعنة، فوجب ان يقبل. وأما اذا قال أخبرنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم فيحتمل ان يكون ذلك عن الجد الأدنى وهو محمد بن عبد الله بن عمرو فيكون مرسلا ويحتمل ان يكون عن جده الأعلى فيكون مسندا فلايحتج به لأنه يحتمل الإرسال والإسناد، فلايجوز اثباته بالشك الا ان يثبت انه ليس يروى الا عن جده الأعلى فحينئذ يحتج به. واعلم انه لايقبل الخبر حتى يكون الراوى فى حال السماع مميزا ضابطا لأنه اذا لم يكن بهذه الصفة عن السماع لم يعلم مايرويه. وان لم يكن بالغا عند السماع جاز.ومن الناس من قال يعتبر ان يكون فى حال السماع بالغا.وهذا خطأ لأن المسلمين أجمعوا على قبول خبر أحداث الصحابة والعمل بما سمعوه فى حال الصغر كابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وغيرهم، فدل على ماقلناه. وينبغى ان يكون عدلا مجتنبا للكبائر متنزها عن كل مايسقط المروءة من المجون والسخف والأكل فى السوق والبول فى قارعة الطريق لأنه اذا لم يكن بهذه الصفة لم يؤمن من ان يتساهل فى رواية ما لا اصل له. ولهذا رد امير المؤمنين على كرم الله وجهه حديث أبى سنان الأشجعى وقال: بوال على عقيبه. وينبغى ان يكون ثقة مأمونا لايكون كذابا ولا ممن يزيد فى الحديث ماليس منه. فإن عرف بشيء من ذلك لم يقبل حديثه لأنه لايؤمن ان يضيف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم يقله. وكذلك يجب ان يكون غير مبتدع يدعو الناس الى البدعة، فإنه لايؤمن ان يضع الحديث على وفق بدعته. وأما اذا لم يدع الناس الى البدعة فقد قيل ان روايته تقبل. قال الشيخ الإمام رحمه الله والصحيح عندى انها لاتقبل لأن المبتدع فاسق فلايجوز ان يقبل خبره. وينبغى ان يكون غير مدلس. والتدليس هو ان يروى عمن لم يسمع منه ويوهم انه سمع منه ويروى عن رجل يعرف بنسب أو اسم فيعدل عن ذلك الى مايعرف به من اسمائه يوهم انه غير ذلك الرجل المعروف. وقال كثير من اهل العلم يكره ذلك الا انه لايقدح ذلك روايته، وهو قول بعض اصحابنا لأنه لم يصرح بكذب. ومن الناس من قال برد حديثه لأنه فى الإيهام عمن لم يسمع توهيم ما لا أصل له فهو كالمصرح بالكذب، وفى العدول عن الإسم المشهور الى غيره تغرير عمن لعله غير مرضى، فوجب التوقف عن حديثه. ويجب ان يكون ضابطا حال الرواية محصلا لما يرويه. فأما اذا كان مغفلا لم يقبل خبره فإنه لايؤمن ان يروى بما لم يسمعه. فإن كان له حال غفلة وحال تيقظ فما يرويه فى حال تيقظه مقبول، وان روى عنه حديثا ولم يعلم انه رواه فى حال التيقظ أو الغفلة لم يعمل به. وجملته ان الراوى لايخلو إما ان يكون معلوم العدالة أو معلوم الفسق أو مجهول الحال.فإن كانت عدالته معلومة كالصحابة رضى الله عنهم أو أفاضل التابعين كالحسن وعطاء والشعبى والنخعى واجلاء الأئمة كمالك وسفيان وابى حنيفة والشافعى وأحمد وإسحق ومن يجرى مجراهم وجب قبول خبره ولم يجب البحث عن عدالته. وذهبت المعتزلة والمبتدعة الى ان فى الصحابة فساقا، وهم الذين قتلوا عليا كرم الله وجهه من أهل العراق واهل الشام، حتى اجترءوا ولم يخافوا الله عز وجل وأطلقوا هذا القول على طلحة والزبير وعائشة رضى الله عنهم. وهذا قول عظيم فى السلف. والدليل على فساد قولهم ان عدالتهم قد ثبتت ونزاهتهم قد عرفت، فلايجوز ان تزول عما عرفناه الا بدليل قاطع، ولأنهم لم يظهر منهم معصية اعتمدوها وإنما دارت بينهم حروب كانوا فيها متأولين. ولهذا امتنع خلق كثير من خيار الصحابة والتابعين عن معاوية فى قتال على كرم الله وجهه على ذلك واستعفوا عن القتال معه لما دخل عليهم من الشبهة فى ذلك كسعد بن ابى وقاص وأصحاب ابن مسعود وغيرهم. ولهذا كان على رحمة الله عليه يأذن فى قبول شهادتهم والصلاة معهم، فلا يجوز ان يقدح ذلك فى عدالتهم. فأما أبو بكرة ومن جلد معه فى القذف فإن أخبارهم تقبل لأنهم لم يخرجوا مخرج القذف بل أخرجوه مخرج الشهادة، وإنما جلدهم عمر كرم الله وجهه باجتهاده، فلم يجز ان يقدح بذلك فى عدالتهم ولم يرد خبرهم. وان كان معلوم الفسق لم يقبل خبره سواء كان فسقه بتأويل أو بغير تأويل. وقال بعض المتكلمين يقبل الفاسق بتأويل اذا كان أمينا فى دينه حتى الكافر. والدليل على ماقلناه قوله عز وجل: " ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " ولم يفرق، ولأنه اذا لم يخرجه التأويل عن كونه كافرا أو فاسقا لم يخرجه عن ان يكون مردود الخبر. فإذا كان مجهول الحال لم يقبل حتى تثبت عدالته. وقال أصحاب أبى حنيفة رحمه الله يقبل. والدليل على ما قلناه ان كل خبر لم يقبل من الفاسق لم يقبل من مجهول العدالة كالشهادة. ويجب البحث عن العدالة الباطنة كما يجب ذلك فى الشهادة. ومن أصحابنا من قال يكفى السؤال عن العدالة فى الظاهر، فإن مبناه على الظاهر وحسن الظن، ولهذا يجوز قبوله من العبد. فإن اشترك رجلان فى الإسم والنسب واحدهما عدل والآخر فاسق فروى خبر عن هذا الإسم لم يقبل حتى يعلم انه عن عدل. ويثبت التعديل والجرح فى الخبر بواحد. ومن أصحابنا من قال لايثبت الا من نفسين كتزكية الشهود. والأول أصح لأن الخبر يقبل من واحد فكذلك تزكية المخبر. ولايقبل التعديل الا ممن يعرف شروط العدالة وما يفسق به الانسان لأنا لو قبلنا ممن لايعرف لم نأمن ان نشهد بعدالة من هو فاسق أو فسق من هو عدل. ويكفى فى التعديل ان يقول هو عدل. ومن أصحابنا من قال يحتاج ان يقول هو عدل على ولى. ومن الناس من قال لابد من ذكر ما صار به عدلا. والدليل على انه يكفى قوله عدل ان قوله عدل يجمع انه عدل عليه وله ولايحتاج الى الزيادة عليه. والدليل على انه لايحتاج الى ذكرما يصير به عدلا أنا لانقبل الا قول من تعرف فيه شروط العدالة فلا يحتاج الى بيان شروط العدالة. ولايقبل الجرح الا مفسرا فأما اذا قال هو ضعيف أو فاسق لم يقبل. وقال أبو حنيفة رحمه الله اذا قال هو فاسق قبل من غير تفسير. وهذا غير صحيح لأن الناس يختلفون فيما يرد به الخبر ويفسق به الإنسان، فربما اعتقد فى أمر انه جرح وليس بجرح فوجب بيانه. فإن عدله واحد وجرحه آخر قدم الجرح على التعديل لأن مع شاهد الجرح زيادة علم فقدم على المزكى. فإن روى عن المجهول عدل لم يكن ذلك تعديلا. وقال بعض أصحابنا ان ذلك تعديل. والدليل على فساد ذلك هو أنا نجد العدول يروون عن المدلسين والكذابين. ولهذا قال الشعبى: أخبرنى الحارث الأعور وكان والله كذابا، فلم يكن فى الرواية عنه دليل على التعديل. فأما اذا عمل العدل بخبره وصرح بأنه عمل بخبره فهو تعديل لأنه لايجوز ان يعمل به الا وقد قبله. وإن عمل بموجب خبره ولم يسمع منه انه عمل بالخبر لم يكن ذلك تعديلا لأنه قد يعمل بموجب الخبر من جهة القياس ودليل غيره، فلم يكن ذلك تعديل. والإختيار فى الرواية ان يروى الخبر بلفظه لقوله صلى الله عليه وسلم:" نضر الله امرأ سمع مقالتى فوعاها ثم أداها كما سمع رب حامل فقه الى من هو تفقه منه ". فإن اورد الرواية بالمعنى نظرت؛ فإن كان ممن لايعرف معنى الحديث لم يجز لأنه لايؤمن ان يغير معنى الحديث. وإن كان ممن يعرف معنى الحديث نظرت؛ فإن كان ذلك فى خبر محتمل لم يجز ان يروى بالمعنى لأنه ربما نقل بلفظ لايؤدى مراد الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يجوز ان يتصرف فيه، وان كان خبرا ظاهرا ففيه وجهان: من أصحابنا من قال لايجوز لأنه ربما كان التعبد باللفظ كتكبير الصلاة. والثانى انه يجوز، وهو الأظهر لأنه يؤدى معناه فقام مقامه، ولهذا روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال " اذا اصبت فلا بأس ". والأولى ان يروى الحديث بتمامه. فإن روى البعض وترك البعض لم يجز ذلك على قول من يقول ان نقل الحديث بالمعنى لايجوز، وأما على قول من قال ان ذلك جائز فقد اختلفوا فى هذا؛ فمنهم من قال ان كان قد نقل ذلك هو او غيره بتمامه مرة جاز ان ينقل البعض، وان لم يكن قد نقل ذلك لاهو ولا غيره لم يجز. ومنهم من قال ان كان يتعلق بعضه ببعض لم يجز. فإن كان الخبر يشتمل على حكمين لايتعلق احدهما بالآخر جاز نقل احد الحكمين بترك الآخر، وهو الصحيح. ومن الناس من قال لايجوز بكل حال. والدليل على الصحيح هو انه اذا تعلق بعضه ببعض كان فى ترك بعضه تغرير لأنه ربما عمل بظاهره فيخل بشرط من شروط الحكم، واذا لم يتعلق بعضه ببعض فهو كالخبرين يجوز نقل احدهما دون الآخر. وينبغى لمن لايحفظ الحديث ان يرويه من الكتاب. فإن كان يحفظ فالأولى ان يرويه من كتاب لأنه أحوط. فإن رواه من حفظه جاز.وأما اذا لم يحفظ وعنده كتاب وفيه سماعه بخطه وهو يذكر انه سمع جاز ان يرويه وان لم يذكر كل حديث فيه. وان لم يذكر انه سمع هذا الخبر فهل يجوز ان يرويه فيه وجهان: احدهما يجوز، وعليه يدل قوله فى الرسالة. والثانى لايجوز، وهو الصحيح لأنه لايأمن ان يكون قد زور على خطه، فلا تجوز الرواية بالشك. فأما اذا روى عن شيخ ثم نسى الشيخ الحديث لم يسقط الحديث. وقال الكرخى من أصحاب أبى حنيفة رحمه الله يسقط الحديث.وهذا غير صحيح لأن الراوى عنه ثقة، ويجوز ان يكون الشيخ قد نسى فلا تسقط رواية صحيحة فى الظاهر.فأما اذا جحد الشيخ الحديث وكذب الراوى عنه سقط الحديث لأنه قطع بالجحود ورد الحديث فتعارض روايته وجحود الشيخ فسقطا، ولايكون هذا التكذيب قدحا فى الرواية عنه لأنه كما يكذبه الشيخ فهو ايضا يكذب الشيخ. فإذا قرأ الشيخ الحديث عليك جاز ان تقول سمعته وحدثنى وأخبرنى وقرأ على سواء قال اروه عنى أو لم يقل. وان أملى عليك جاز جميع ماذكرنا. ويجوز ان يقول أملى على لأن جميع ذلك صدق. فأما اذا قرأت عليه الحديث وهو ساكت يسمع لم يجز ان تقول سمعته ولاحدثنى ولا أخبرنى. ومن الناس من قال يجوز ذلك. وهذا خطأ لأنه لم يوجد شيء من ذلك. فإن قال له هو كما قرأت عليك فاقرأ به جاز ان يقول أخبرنى ولا يقول حدثنى لأن الإخبار يستعمل فى كل ما يتضمن الإعلام، والحديث لايستعمل الا فيما سمعه مشافهة. فأما اذا أجازه لم يجز ان يقول حدثنى ولا أخبرنى ويجوز ان يقول أجازنى وأخبرنى إجازة، ويجب العمل به. وقال بعض أهل الظاهر لايجب العمل به. وهذا خطأ لأن القصد ان يثبت ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم، فلا فرق بين النطق وبين مايقوم مقامه. فأما اذا كتب اليه رجل وعرف خطه جاز ان يقول كتب الى به فأخبرنى كتابة. ومن أصحابنا من قال لايقبل بالخط كما لايعمل فى الشهادة. وهذا غير صحيح لأن الأخبار مبناها على حسن الظن. اذا روى الخبر ثقة رد بأمور: احدها ان يخالف موجبات العقول، فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول، وأما بخلاف العقول فلا. والثانى ان يخالف نص كتاب أو سنة متواترة، فيعلم انه لا أصل له أو منسوخ. والثالث ان يخالف الإجماع، فيستدل به على انه منسوخ او لا أصل له لأنه لايجوز ان يكون صحيحا غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه. والرابع ان ينفرد الواحد برواية ما يجب على الكافة علمه، فيدل ذلك على انه لا أصل له لأنه لايجوز ان يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم. والخامس ان ينفرد برواية ماجرت به العادة ان ينقله أهل التواتر، فلا يقبل لأنه لايجوز ان ينفرد فى مثل هذا بالرواية. فأمااذا ورد مخالفا للقياس او انفرد الواحد برواية ما تعم به البلوى لم يرد، وقد حكينا الخلاف فى ذلك، فأغنى عن الإعادة. فأما اذا انفرد بنقل حديث واحد لايرويه غيره لم يرد خبره. وكذلك لوانفرد بإسناد ما أرسله غيره او رفع ما وقفه غيره او بزيادة لا ينقلها غيره. وقال بعض أصحاب الحديث يرد. وقال أصحاب أبى حنيفة رحمه الله اذا لم ينقل نقل الأصل لم يقبل. وهذا خطأ لأنه يجوز ان يكون أحدهم سمع الحديث كله والآخر سمع بعضه أو احدهم سمعه مسندا او مرفوعا فلا نترك رواية الثقة لذلك. هذا ما تيسر لي جمعه من تعليقات قصيرة على ألفاظ اللمع أخذتها من الشروح والحواشى في أصول الفقه حسب الميسور على أني في ذلك قليل البضاعة وضعيف الإستطاعة فالمرجو ممن اطلع على عيب أو خلل في هذه التعليقات التصويب والتصحيح مع الإنصاف على إعطاء كل ذي حق حقه كما أرجو الله تعالى أن ينفع بها كما نفع بمتنها لكل طالب ويبارك له فيها وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|