الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: اللطائف (نسخة منقحة)
.الفصل التاسع والعشرون: في بديع خلق الله: واعدجبا كيف تتفكر بالغير وتنسى نفسك؟؟ تأمل بعين الفكر نطفة مغموسة في دم الحيض، ونقاش القدرى يشق سمعها وبصرها من غير مساس، بينما هي ترف في ثوب نطفة اكتست رداء علقة، ثم اكتست صفة مضغة، ثم انقسمت إلى لحم وعظم، فاستترت من يدي الأذى بوقاية جلد، ثم خرجت في صفة طفل، ثم اترقت مراقي الصبي، فتدرجت إلى نطاق النطق، وتشبثت بذيل الفهم، فكم من مصوت صوت بين أرجل التنقل، من تحريك جلاجل العبر، في خلاخل الفكر. كلما رنت غنت ألسن الهدى في مغاني المعاني، وكيف يسمع أطروش الشقوة؟ هيهات ليس للمزكوم من الورد نصيبن ولا للمسجون من العيد حظ، فإن كنت تعرف هذه العجائب ولا تتعجب منها، فتعجب من عدم تعجبك. كيف عدمت التفكر مع آلات الفهم، وأعميت بصيرتك بعد رؤيةب الحق، فإن أعجب أفعال القدرة ولقد {أَضَلَهُ اللَهُ عَلى عِلم}. .الفصل الثلاثون: الناس فقراء إلى الله تعالى: ولما بلغ أشده استوى على ظهر متن المبارزة: لمن؟ مع من؟ إلى أين؟ من أنت؟ من أنا؟. لَحا اللَهُ مَن لا يَنفَعُ الوُدُّ عِندَهُ. يا هذا: لنا بك لطف يزيد على كل لطف، إذا تبت من الذنب أنسينا الملك ما كتب وإذا حاسبناك سترناك كيلا يرى الخلق اصفرار لونك بالخجل، يا طاهر الفطرة: لا تتدنس بأنجاس الزلل، شمر أذيال التقى عن مزبلة الهوى، واحذر رشاش الخطأ أن ينتضح أثواب النظافة. وحل التكليف يحتاج إلى قوة التحرز، فانظر بين يديك {فَإِن زَلَلتُم مِن بَعدِ ما جاءَتكُم البَينات} فعيون العيون تغسل أدران القلوب. كان أول أمرك سليما يوم {وَأَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم} فأصلح آخر أمرك تسامح في الوسط. يا طويل الغيبة عن وطن {أَلَست} أين حنين شوقك. يا معرضا عنا: بمن تعوضت؟ يا ملتفتا عنا: لماذا فوضت؟؟ قف على الدرب وأنشد ظعائن الغاديني. أنين المذنبين أحب إليّ من زجل المسبحين. المطيع يدل بالعمل، والمذنب ذليل بالزلل، والمخطئ يحرك أوتار الوجل، وينشد بتطريب الخجل. واعجبا؟؟ يستقرض المالك قطرة من الدمع، وقد خلق سبعة أبحر {لَهُ مُلُكُ السَمَواتِ والأَرض} وقد بعث رسالة {مَن ذا الذي يُقرِضُ الله} الكبرياء ردائه، وهو يقول: جعت فلم تطعمني قطع أعناق الألسن أن تعترض بحسام {لا يَسأل} ثم أقبل بإنعام؟ هل من سائل. ما يسعه مسكسن، ويسعه قلب من تمسكن، غاب عن الأبصار، وبدا للبصائر. واعجبا يتحبب إليك وهو عنك غني، وتتمقت إليه فقير، إن تأخرت قربك، وإن توانيت عاتبك، ما آثر عليك من المخلوقات شيئا، وأنت تؤثر عليه كل شيء، فنكس رأس الندم، قبل العتاب، فمالك عن هذا جواب. .الفصل الحادي والثلاثون: تضرع الصالحين: فلو رأيتهم يمشون في ثياب التجمل، عليهم قناع القناعة {يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَعَفُف} ينامون ولا نوم الغرقى، ويأكلون ولا أكل الثكلى تأكل كل يوم المصيبة، ولكن هدم الحزن أكثر من بناء العزاء. لو كانت لك عين بصيرة عرفت القوم، وخط الولاية على وجه الولي قلم هندي، لا يعرفه إلا عالم به، تلمح القوم بأعين البصائر العواقب، ولم يروا عائقا عن المطلوب سوى النفس، فتلطفوا لقهرها بحيلة لا يعرفها ابن هند ولا يعلمها ابن العاص فلما أسروها فتكوا فيها، ولا فتك ابن طملجم قلوبُ أسودٍ في صدور رجال. إِنّكَ لَو رَأَيتَ ذا العَزمِ مِنهُم رَأَيتَ لَيثا قَد حُورِب، إِذا هَمَّ أَلقى بَينَ عَينَيهِ عَزمَهُ. هبت زعازع الفكر، فقلبت أرض القلوب، فألقى فيها بذر العزائم، فسقته مزن الجد، فدبت الأرواح في أغصان المعاملة، فظهرت أزهارها، إذا رأوا ذكر الله ففاح عبير النور، أطيب عرفا من مسك، فقويت بريحه نفوس المريدين. لا يحصل خطير إلا بخطر، فاخنس في خيسك، يا مخنث العزم، الربح في ركوب البحر، الدر في قعر اليم، العلم في ترك النوم، الفخر في هجر النفس. من يحب العز يدأب إليه، فكذا من طلب الدر غاص عليه، لولا التخلل بالعبا ما جاءت مدحة أنا عنك راض لأبي بكر ولولا إرسال البراءة إلى الضرة: طلقتك ثلاثا، ما اشتاقت الجنة إلى علي. .الفصل الثاني والثلاثون: الإيمان بالقدر: المخلوق هدف، والمقادير سهام، والرامي من تعلم، فما الحيلة؟؟ صوارم القدر إذا هزت تقلقلت رقاب المقربين، إذا غضب على قوم فلم تنفعهم الحسنات، ورضي عن قوم فلم تضرهم السيئات، هبت عواصف الأقدار. فخب بحر التكليف، وتقلبت بيداء الوجود بساكني الأكوان، فانقلعت أطناب الأنساب، ووقعت خيم المتكبرين، فانقلب قصر قيصرط وتبدد شمل أبي طالب ووهي عمل أبي جهل وانكسر جيش كسرى وانبت حبل صاحب تبت فلما طلع الفجر، وركد البحر، إذا أبو طالب غريق في لجة اليم، وسلمان على ساحل السلام، والوليد بن المغيرة يقدم قومه في التيه. وصهيب قد قدم من قافلة الروم، وأبوجهل في رقدة المخلفة، وبلال ينادي: الصلاة خير من النوم. .الفصل الثالث والثلاثون: عقوبة الحرص على الدنيا: الدنيا ظل، إن أعرضت عن ظلك لحقك، وإن طلبته تقاصر، اخدمي من خدمني، واستخدمي من خدمك. الزاهد لا يلتفت إلى الظل، فيتبعه الظل، والحريص كلما التفت لم يره. أيها الحريص على الدنيا: إلى كم تهيم في بيداء التحير؟؟ {كَالَّذي اِستَهوَتهُ الشَياطين} ألحرصك حد؟ أم لأملك منتهى؟ ويحك: إن البحر لا ينزف، فاقنع بالري. ويحك: سير التواني لا ينقطع، هيهات أن يستغني من لا يكفيه ما بكفه، ويحك: إن المفروح به هو المحزون عليه لو فطنت. الدنيا خمر، كلما شرب منها الحريص زاد عطشه، ادرع من ثوب القناعة ما يشمل ك الأطراف، فالقناعة تدفع بالراحة في صدور الهم، وتهدي الراحة إلى تعب القلب. وَكُلُ الشَّر في الشَّرِه وكم من شارب شرق قبل الري، وإنما اللذة خناق من عسل. وقع نحل على نيلوفر فأعجبه ريحه، فأقام على ورقه المنتشر، فلما جاء الليل تقبض الورق، وغاص في الماء، فهلك النحل. حرصك غيم وعقلك شمس، والغيم يحجب القلب عن مشاهدة الآخرة، فابعث شمال العزم يمزق شملة شملة. عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك، وشرب الماء على الري يورث الاستسقاء، ما أمنعك من الدنيا!! ولكن الحمة قرين العسل. ليس للحريص عيش، وأي عيش لمن يصبح وما شبع؟؟ ويمسي وما قنع؟ وتراه أحير من بقة في حقة خلف ما لا يساوي جناح بعوضة. إنما المراد من الدنيا ما يصلح البدن ليسعى فيما خلق له، فالاشتغال بالتزيد عائد بالنقص في المقصود، إن جامع الأموال لغير البلاغ خازن للورثة، فهو يحرق نفسه بنار الحرص، وينتفع بربح جمعه غيره، كانتفاع الناس بعرف العود المحترق. كم قتلت الدنيا قبلك، كما أهلك حبها مثلك؟ يا كنعان الأمل يا نمورد الحيل، يا ثعلبة البخل، يا نعمان الزلل، أنت في جمع الأموال شبه حاطب وفي تبذير العمر رفيق حاتم تمشي في الأمل على طريق أشعب فكيف بك إذا ندمت ندامة الكسعي. ألقيت نفسك في جب حب الدنيا، فمتى يخلصك وارد الزهد، تسمع نغمات الفرح: يا بشرى. .الفصل الرابع والثلاثون: في قيام الليل: بحر طيعك أجاج، وماء قلبك عذب، والعقل بينهما قائم مقام الخضر، فيا موسى الطلبك لا تبرح عن السلوك حتى تبلغ مجمع البحرين. قف على قدم الصبر، وإن طال الوقوف، تجلس سعلى مقلوب كرسي؟. يا نائما طول الليل: سارت الرفقة، طلعت شمس الشيب وما انتهت الرقدة، لو قمت وقت السحر رأيت طريق العباد قد غص بالزحام، ولو وردت ماء مدين وجدت عليه أمة من الناس يسقون. واسحرة ليل القوم ما أضوأها، قاموا على أقدام التحير بين ركن الحذر، وشارع الشوق، يسترهم ذيل الليل تحت مخيم الظلام، وإن ناحوا فأشجى من متيم، وإن ندبوا فأفصح من خنسا . لاحت لهم الجادة فلما سلكوا {قالوا رَبُنا الله ثُمّ اِستَقاموا} هيهات منك غبار ذلك الموكب. أملهم أقصر من فتر، ومنازلهم أقفر من قبر، نومهم أعز من الوفاء، أخبراهم أرق من النسيم، السهر عندهم أحلى من إغفاءة الفجر، كلما افتتحوا سورة وجدوا بها وجد يعقوب بمقيص يوسف. احضر وقت السحر مع القوم حين تفريق الخلع، فإن لم تصلح أسهمت من نصيب {وَإِذا حَضَرَ القِسمَةَ أُولوا القُربى}. لو صعدت من صدرك صعداء أنفاس الأسف لأثارت سحابا يقطر من قطرية قطر العفو، لو أرسلت عبرة من جفن على جفاء عادت فأعادت نحس الزلل جفاء. أبواب الملوك لا تطرق بالأيدي، ولا تضرب بالحجر بل بنفس المحتاجز وعذري إقراري بأن ليس لي عذر. إذا سارت ركائب الأسحار فابعث معهم رسالة لهف تحتوي على عسرة محصر. .الفصل الخامس والثلاثون: في علو الهمة: ويحك، اخرج بالزهد من هذا الفناء المحشو بالفناء إلى حضرة القدس، وإعراض النفس، فهناك لا يتعذر مطلوب، ولا يفقد محبوب. يا هذا: أعرف أدلتك بالطريق قلبك، وأجهل الكل بالسبيل نفسك، فسر على وفاق القلب لا على مراد النفس. يا ذا الهمة: اركب مطايا الجد وإن طال السرى. علامة التوفيق فصم عرى التواني، وآية الخذلان مسامرة الأماني. الهوى يحرض على العاجل، فلو لاحت من فارس عزيمة إقدام نكص الشيطان على عقبيه. يا محب الدنيا: قيمتك محبوبك، لو علت همتك لارتفعت عن الدنيا، يا مدعي مقام الخليل: مالك والخلة. لاح لك من الهوى أقل شيء فآثرته علينا، لقد كان دينار عملك مستورا لولا محك {وَلَنَبلوَنَكُم} قلبك غائب في طلب الدنيا، فقد ضاع الحديث معك، إن الهدف إذا انهدم بطل النشاب، قلعت سكر الهوى فردمت به باب القلب، فلم يصل إليه سيل المواعظ. خرجت عن عمران التقوى، فوقعت في فقر الزلل. وَمِنَ العَناءِ رِياضَةُ الهَرِمِ كم قد عزمت على طاعة وتوبة؟ ما لليلى الهوى ما تبصر توبة؟ تبيت من الغرام في شعار أويس فإذا أصبحت أخذت طريق قيس تنقض عرى العزائم عروة عروة، وكل صريع بالهوى رفيق عروة كما دفنت كثيرا من الأعزة، وهل يرجع كثير عن حب عزة. .الفصل السادس والثلاثون: الحذر من النفاق: إذا نزلت عن مطية الإخلاص، مشيت في حسك التعثر، فتقطعت قدم القصد،ن ولم ينقطع المنزل، الرياء أصل النفاق، نفاق المنافقين صير المسجد مزبلة، فقال المنزه {لا تَقُم فيهِ} وإخلاص المخلصين رفع قدر الوسخ «رب أشعث أغبر». إذا هبت زعازع المنافقة لم تضر شجرة الإخلاص، لأن أصلها ثابت، فأما شجرة الرياء فعند نسيم {وَقِدمِنا إِلى ما عَمِلوا مِن عَمل} اجتثت من فوق الأرض. لا تنظر إلى جولة الباطل، وارتقب دولة الحق، إذا رأيت منافقا قد تبع فتذكر الدجال غدا، والسامري بالأمس، وانتظر للسامري {لا مَساس} وَللأَلد باب لد. شجرة الصنوبر تثمر في ثلاثين سنة، وشجرة الدباء تصعد في أسبوعين، فتدرك الصنوبر فتقول شجرة الدباء: إن الطريق التي قطعت في ثلاثين سنة قد قطعتها في أسبوعين، فيقال لك شجرة ولي شجرة!! فتجيبها: مهلا إلى أن تهب ريحب الخريف. وكم من متشبه بالصالحين في تخشعه ولباسه، وأفواه القلوب تنفر من طعم مذاقه {وَهُم يَحسَبون أَنهُم يُحسِنونَ صُنعاً}. في ظلمة الليل يتشبه الشجر بالرجال، فإذا طلع الفجر بان الفرق. في وقت الضحى يتمثل السراب بالماء، فمن قرب منه لم يجده شيئا. واأسفا: ما أكثر الزور. تراهم كالنخل، وما تدري ما الدخل. أيها المرائي: قلب من ترائيه بيد من تعصيه؟؟ لا تنقش على الدرهم الزائف اسم الملك، فما كل سوداء تمرة، ولا يتبهرج الشحم بالورم. |