فصل: تفسير الآيات (80- 84):

صباحاً 11 :16
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
19
الجمعة
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (80- 84):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ربما قيل: إنه لو كان لأصحاب الأيكة بيوت متقنة لمنعتهم من العذاب؟ عطف عليهم من هم على طريق أخرى من متاجرهم إلى الشام، وكانوا قد طال اغترارهم بالأمل حتى اتخذوا الجبال بيوتًا، وكانت آيتهم في غاية الوضوح فكذبوا بها، تحقيقًا لأن المتعنتين لو رأوا كل آية لقالوا إنما سكرت أبصارنا فقال: {ولقد كذب}.
ولما كان السياق للمكذبين وما وقع لهم بتكذيبهم، قدم فاعل، فقال مشيرًا إلى إتقان بيوتهم: {أصحاب الحجر} وهم ثمود قوم صالح عليه السلام، وديارهم بين المدينة الشريفة والشام {المرسلين} أي كلهم بتكذيب رسولهم كما كذب هؤلاء المرسلين بتكذيبك، لأن الرسل يشهد بعضهم لبعض بالصدق، فمن كذب واحدًا منهم فقد كذب الجميع، وهم في إثبات الرسالة بالمعجزة على حد سواء؛ ثم أتبع ذلك قوله: {وءاتيناهم} أي بعظمتنا على يد رسولهم صالح عليه السلام {ءاياتنا} أي كلها، بإيتاء الناقة وسقيها ودرها وشربها، لأن الممكنات كلها بالنسبة إلى قدرته على حد سواء، فمن كذب بواحدة منها فقد كذب بالجميع {فكانوا} أي كونًا هو كالجبلة {عنها} أي الآيات كلها خاصة، لا عن زينة الدنيا التي تجر إلى الباطل {معرضين} أي راسخين في الإعراض، لم يؤمنوا بها، التفاتًا إلى قوله تعالى: {ولو فتحنا عليهم بابًا من السماء}- الآيتين، وتمثيلًا له ردًا للمقطع على المطلع؛ ثم أخبر أنهم كانوا مثل هؤلاء في الأمن من العذاب والغفلة عما يراد بهم مع أنهم كانوا أشد منهم فقال: {وكانوا ينحتون} والنحت: قلع جزء بعد حزء من الجسم على سبيل المسح {من الجبال} التي تقدم أنا جعلناها رواسي {بيوتًا ءامنين} عليها من الانهدام، وبها من لحاق ما يكره، لا كبيوتكم التي لا بقاء لها على أدنى درجة {فأخذتهم} أي فتسبب عن تكذيبهم أن أخذتهم أخذ العذاب والانتقام {الصيحة} حال كونهم {مصبحين} أي داخلين في الصبح {فما} أي فتسبب عن الصيحة أنه ما {أغنى} أي أجزأ {عنهم ما كانوا} أي بجبلاتهم {يكسبون} من البيوت والأعمال والعدد والآلات الخبيثة، لأنه لا يعجزنا شيء لأنه لا كلفة علينا فيما نفعل {إنما نقول له كن فيكون} وفعلنا بهم ذلك لأنهم كانوا على باطل، فكان تعذيبنا لهم حقًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)}
هذه هي القصة الرابعة، وهي قصة صالح.
قال المفسرون: الحجر اسم وادٍ كان يسكنه ثمود وقوله: {المرسلين} المراد منه صالح وحده، ولعل القوم كانوا براهمة منكرين لكل الرسل وقوله: {وءاتيناهم ءاياتنا} يريد الناقة، وكان في الناقة آيات كثيرة كخروجها من الصخرة وعظم خلقها وظهور نتاجها عند خروجها، وكثرة لبنها وأضاف الإيتاء إليهم وإن كانت الناقة آية لصالح لأنها آيات رسولهم، وقوله: {فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} يدل على أن النظر والاستدلال واجب وأن التقليد مذموم وقوله: {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال} قد ذكرنا كيفية ذلك النحت في سورة الأعراف وقوله: {ءَامِنِينَ} يريد من عذاب الله، وقال الفراء: {ءَامِنِينَ} أن يقع سقفهم عليهم وقوله: {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أي ما دفع عنهم الضر والبلاء ما كانوا يعملون من نحت تلك الجبال ومن جمع تلك الأموال، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن العربى:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:
المسألة الأولى: فِي الْحِجْرِ وَتَفْسِيرِهِ:
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا دِيَارُ ثَمُودَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ وَادٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْته وَحَظَرْت عَلَيْهِ، وَمِنْهُ: {وَحِجْرًا مَحْجُورًا} وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هاهنا دِيَارُ ثَمُودَ.
المسألة الثانية:
ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَلَّا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا، وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا وَاسْتَقَيْنَا. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهْرِيقُوا الْمَاءَ» وَعَنْهُ فِيهِ أَيْضًا «أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ، وَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وَاعْتَجَنُوا بِهِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وَأَنْ يَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ».
المسألة الثالثة:
رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِ الْحِجْرِ: لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ، إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ حَذَرًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ»
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجْرَ قَالَ: لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ، فَقَدْ سَأَلَهَا قَوْمُ صَالِحٍ فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا، وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا، فَأَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ أَخْمَدَتْ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْهُمْ، إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مِنْهُمْ كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ فَقِيلَ: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَبُو رِغَالٍ. فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ»
المسألة الرابعة:
أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَبِهَرْقِ مَاءِ دِيَارِ ثَمُودَ، وَإِلْقَاءِ مَا عُجِنَ وَحِيسَ بِهِ لِأَجْلِ أَنَّهُ مَاءُ سُخْطٍ، فَلَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فِرَارًا مِنْ سَخَطِ اللَّهِ.
وَقَالَ: «اعْلِفُوهُ الْإِبِلَ»؛ فَكَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَجُوزُ أَنْ يَعْلِفَهُ الْإِبِلُ وَالْبَهَائِمُ؛ إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا، وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَسَلِ النَّجِسِ إنَّهُ تُعْلَفُهُ النَّحْلُ.
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا دَارُ سُخْطٍ وَبُقْعَةُ غَضَبٍ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُوهَا إلَّا بَاكِينَ».
وَرُوِيَ «أَنَّهُ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ، وَأَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهَا»
المسألة الخامسة:
فَصَارَتْ هَذِهِ بُقْعَةً مُسْتَثْنَاةً مِنْ قَوْلِهِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَ تُرَابُهَا طَهُورًا»؛ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا، وَلَا الْوُضُوءُ مِنْ مَائِهَا، وَلَا الصَّلَاةُ فِيهَا.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةُ وَالْحَمَّامُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَهُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: الْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْمَقْبَرَةُ، وَالْحَمَّامُ، وَالطَّرِيقُ، وَظَهْرُ الْكَعْبَةِ، وَأَعْطَانُ الْإِبِلِ».
وَذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا مِنْهَا جُمْلَةً، وَجِمَاعُهَا هَذِهِ الثَّمَانِيَةُ.
التَّاسِعُ: الْبُقْعَةُ النَّجِسَةُ.
الْعَاشِرُ: الْبُقْعَةُ الْمَغْصُوبَةُ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَمَامَك جِدَارٌ عَلَيْهِ نَجَسٌ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: الْكَنِيسَةُ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: الْبِيعَةُ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: بَيْتٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: الْأَرْضُ الْمُعْوَجَّةُ.
السَّادِسَ عَشَرَ: مَوْضِعٌ تَسْتَقْبِلُ فِيهِ نَائِمًا أَوْ وَجْهَ رَجُلٍ.
السَّابِعَ عَشَرَ: الْحِيطَانُ.
وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ، وَمِنْ هَذَا مَا مُنِعَ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَمِنْهُ مَا مُنِعَ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ الْمُحَقَّقَةِ أَوْ لِغَلَبَتِهَا، وَمِنْهُ مَا مُنِعَ مِنْهُ عِبَادَةً.
فَمَا مُنِعَ مِنْهُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ إنْ فُرِشَ فِيهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ كَالْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ فِيهَا أَوْ إلَيْهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَ أَبُو مُصْعَبٍ عَنْهُ الْكَرَاهِيَةَ، وَفَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا بَيْنَ الْمَقْبَرَةِ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ، لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ إلَّا أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهَا مَاءٌ كَثِيرٌ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمَقْبَرَةِ يَتَأَكَّدُ إذَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّهَا دَارُ عَذَابٍ كَالْحِجْرِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا يُصَلَّى إلَيْهَا».
وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مِمَّا صَنَعُوا.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا يُصَلَّى فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَإِنْ فَرَشَ ثَوْبًا، كَأَنَّهُ رَأَى لَهَا عِلَّتَيْنِ: الِاسْتِقْذَارَ بِهَا وَقِفَارَهَا، فَتُفْسِدُ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَيَفْعَلُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ.
وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ الصَّلَاةَ إلَى قِبْلَةٍ فِيهَا تَمَاثِيلُ، وَفِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَاهـ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لَا تُجْزِئُ.
وَذَلِكَ عِنْدِي بِخِلَافِ الْأَرْضِ؛ فَإِنَّ الدَّارَ لَا تُدْخَلُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَالْأَرْضُ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا فَإِنَّ الْمَسْجِدِيَّةَ فِيهَا قَائِمَةٌ لَا يُبْطِلُهَا الْمِلْكُ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين}
وهم ثمود قوم صالح، وفي {الحجر} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الوادي، قاله قتادة.
الثاني: أنها مدينة ثمود، قاله ابن شهاب.
الثالث: ما حكاه ابن جرير أن الحجر أرض بين الحجاز والشام.
وروى جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ في غزاة تبوك بالحجر، فقال: «هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلاّ رجلًا كان في حَرَم الله، منعه حرمُ الله من عذاب الله. قيل: يا رسول الله من هو؟ قال: أبو رغال».
قوله عز وجل: {وكانوا ينحتون مِنَ الجبال بيوتًا آمنين} فيه أربعة أوجه:
أحدها: آمنين أن تسقط عليهم.
الثاني: آمنين من الخراب.
الثالث: آمنين من العذاب.
الرابع: آمنين من الموت. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ}
و{أصحاب الحجر} هم ثمود، وقد تقدم قصصهم، و{الحجر} مدينتهم، وهي ما بين المدينة وتبوك، وقال: {المرسلين} من حيث يجب بتكذيب رسول واحد تكذيب الجميع، إذ القول في المعتقدات واحد للرسل أجمع، فهذه العبارة أشنع على المكذبين، والآية التي آتاهم الله في الناقة وما اشتملت عليه من خرق العادة حسبما تقدم تفسيره وبسطه، وقرأ أبو حيوة {وآتيناهم آيتنا} مفردة، وقوله تعالى: {وكانوا ينحتون} الآية، يصف قوم صالح بشدة النظر للدنيا والتكسب منها فذكر من ذلك مثالًا أن بيوتهم كانوا ينحتونها من حجر الجبال، والنحت النقر بالمعاول ونحوها في الحجارة والعود ونحوه، وقرأ جمهور الناس {ينحِتون} بكسر الحاء، وقرأ الحسن {ينحَتون} بفتحها، وذلك لأجل حرف الحلق، وهي قراءة أبي حيوة، وقوله: {آمنين} قيل معناه من انهدامها، وقيل من حوادث الدنيا، وقيل من الموت لاغترارهم بطول الأعمال.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف، وأصح ما يظهر في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة. فكانوا لا يعملون بحسبها، بل كانوا يعملون بحسب الأمن منها، ومعنى {مصبحين} أي عند دخولهم في الصباح، وذكر أن ذلك كان يوم سبت، وقد تقدم قصص عذابهم وميعادهم وتغير ألوانهم، ولم تغن عنهم شدة نظرهم للدنيا وتكسبهم شيئًا، ولا دفع عذاب الله، و{ما} الأولى تحتمل النفي وتحتمل التقرير، والثانية مصدرية. اهـ.