فصل: البلاغة:

صباحاً 12 :46
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

إنما عطف قوله فإذا مس الإنسان ضر في آخر السورة بالفاء وفي أولها بالواو لأن هذه نشأت عن قوله وإذا ذكر اللّه وحده اشمأزت قلوبهم أي أنهم يشمئزون عن ذكر اللّه ويستبشرون بذكر الآلهة.
أما الأولى فلم تنشأ عما قبلها وإنما هو وصف الكلام اقتضى عطفها بالواو لمناسبة ما قبلها.

.[سورة الزمر: الآيات 50- 52]:

{قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}.

.الإعراب:

{قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} قد حرف تحقيق وقالها فعل ماض ومفعول به مقدم والهاء عائدة على مقالتهم وهي: إنما أوتيته عن علم لأنها كلمة والذين فاعله ومن قبلهم متعلقان بمحذوف صلة الموصول.
{فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} الفاء عاطفة وما نافية وأغنى فعل ماض وعنهم متعلقان به وما فاعل أغنى وجملة كانوا صلة وكان واسمها وجملة يكسبون خبرها.
{فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا} الفاء عاطفة وأصابهم سيئات فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر وما موصولة أو مصدرية في محل جر بالإضافة.
{وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ} الواو عاطفة والذين مبتدأ وجملة ظلموا صلة ومن هؤلاء حال وجملة سيصيبهم سيئات ما كسبوا خبر الذين، وما هم: ما نافية حجازية وهم اسمها والباء حرف جر زائد ومعجزين مجرور بالباء لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما.
{أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} الهمزة للاستفهام الإنكاري والواو عاطفة على محذوف تقديره أقالوها ولم يعلموا ولم حرف نفي وقلب وجزم ويعلموا فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي يعلموا وأن واسمها وجملة يبسط الرزق خبرها ولمن متعلقان بيبسط وجملة يشاء صلة ويقدر عطف على يبسط.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} إن وخبرها المقدم واللام المزحلقة وآيات اسمها المؤخر ولقوم صفة لآيات وجملة يؤمنون صفة لقوم.

.[سورة الزمر: الآيات 53- 59]:

{قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59)}.

.الإعراب:

{قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} كلام مستأنف مسوق لبيان أن الإنابة مطلوبة لأن الفسحة عظيمة للمسرف. ويا عبادي منادى مضاف إلى ياء المتكلم المفتوحة وقرئ {يا عباد} بكسرها وقد تقدم حكم المنادى المضاف لياء المتكلم والذين نعت لعبادي وجملة أسرفوا صلة وعلى أنفسهم متعلقان بأسرفوا ولا ناهية وتقنطوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل ومن رحمة اللّه متعلقان بتقنطوا. وقنط من باب تعب وسلم فيجوز كسر نونه وفتحها في المضارع وقد قرئ بهما وفي المختار: القنوط: اليأس وبابه جلس ودخل وطرب وسلم فهو قنط وقنوط وقانط وقد قرئ بالضم شذوذا.
{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} إن واسمها وجملة يغفر خبرها والجملة تعليل للنهي عن القنوط ولذلك قيل: هذه أرجى آية في القرآن وسيأتي بيان ما فيها من أفانين البلاغة، والذنوب مفعول به وجميعا حال وذلك بعد التوبة من الشرك وإن واسمها وهو ضمير فصل أو مبتدأ والغفور الرحيم خبران لإن أو لهو والجملة خبر إن.
{وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} وأنيبوا الواو عاطفة وأنيبوا فعل أمر وفاعله وإلى ربكم متعلقان بأنيبوا وأسلموا عطف أيضا وله متعلقان بأسلموا ومن قبل متعلقان بمحذوف حال وأن وما في حيزها مصدر مؤول مضاف إلى الظرف ويأتيكم فعل مضارع منصوب بأن والكاف مفعول به مقدم والعذاب فاعل مؤخر وثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وتؤمرون فعل مضارع مرفوع لأنه لم يعطف على يأتيكم وسيأتي السر في ذلك في باب البلاغة.
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} واتبعوا عطف على وأنيبوا وأحسن مفعول به لاتبعوا وما اسم موصول مضاف لأحسن وجملة أنزل إليكم صلة ومن ربكم متعلقان بأنزل أيضا.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} من قبل متعلقان بمحذوف حال وأن وما في حيزها في محل جر بالإضافة وبغتة حال والواو حالية وأنتم مبتدأ وجملة لا تشعرون خبر والجملة نصب على الحال.
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} أن وما في حيزها في محل نصب مفعول لأجله، وقدّره الزمخشري كراهة أن تقول وقدّره أبو البقاء أنذر ناكم مخافة أن تقول، ونفس فاعل تقول وسيأتي السر في تنكيرها في باب البلاغة ويا حرف نداء وحسرتا منادى مضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا وأصله يا حسرتي أي ندامتي وعلى ما فرطت أي على تفريطي فما مصدرية والمصدر المؤول مجرور بعلى والجار والمجرور متعلقان بحسرتا وفي جنب اللّه متعلقان بفرطت وسيأتي بحث هذه الكناية في باب البلاغة.
{وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} الواو للحال وإن مخففة من الثقيلة أي والحال أني وكان واسمها واللام الفارقة ومن الساخرين خبر كنت ومحل الجملة نصب على الحال.
{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} أو حرف عطف وتقول عطف على أن تقول ولو شرطية وأن وما في حيزها فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت وأن واسمها وجملة هداني خبرها واللام واقعة في جواب لو وكان واسمها ومن المتقين خبرها والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط جازم.
{أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أو تقول عطف على ما تقدم والفاعل مستتر تقديره هي يعود على نفس وأو للتنويع لما تقوله النفس في ذلك اليوم العصيب تعللا بما لا يفيد ولا يسفر عن فائدة ولو شرطية وأن وما في حيزها فاعل لفعل محذوف وأن وخبرها المقدم وكرة اسمها المؤخر، فأكون: الفاء عاطفة وأكون معطوف على كرة فهو عطف على اسم خالص من التقدير بالفعل وقد تقدمت الإشارة إليه وإما تكون الفاء للسببية وأكون فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية الواقعة جوابا للتمني المفهوم من قوله لو أن لي كرة والفرق بين الوجهين أنه على الأول يكون فيه الكون من جملة المتمنى وعلى الثاني يكون فيه الكون مترتبا على حصول المتمنى لا متمنى.
{بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ} بلى حرف جواب جاء لرد النفي الذي تضمنه قول القائل لو أن اللّه هداني وقد حرف تحقيق وجاءتك آياتي فعل ومفعول به وفاعل فكذبت بها عطف على جاءتك وكنت كان واسمها ومن الكافرين خبرها.

.البلاغة:

1- في قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إن اللّه يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} فنون متنوعة من علمي البديع والبيان نلخصها فيما يلي:
1- إقباله سبحانه عليهم وفي ذلك منتهى الاطمئنان لهم لمحو ما سبق لهم من ذنوب وأوضار والإشعار بأن أمامهم مندوحة من الوقت لاستدراك ما فرط ورأب ما انصدع.
2- نداؤهم، وفي ذلك من التودّد إليهم والتلطف بهم ما يهيب بذوي المسكة من العقول منهم إلى المبادرة بالإنابة والرجوع بالتوبة.
3- إضافتهم إليه إضافة تشريف لهم، وأنهم خلقاء بآصرة العبودية يمتون بها اليه سبحانه، وذلك كاف لمقابلتهم ذلك بالمثل وإعلان التوبة للازدلاف اليه بها.
4- إضافة الرحمة إلى أخص أسمائه تعالى وأجلها وأنها هي الأصل في معاملته لعباده.
5- إعادة الظاهر بلفظه في قوله إن اللّه يغفر الذنوب جميعا.
6- الالتفات من التكلم إلى الغيبة في قوله من رحمة اللّه لتخصيص الرحمة بالاسم الكريم كما تقدم آنفا.
7- إبراز الجملة من قوله إنه هو الغفور الرحيم مؤكدة بأن وبضمير الفصل وبالصفتين المودعتين للمبالغة فهذه سبعة فنون كاملة في آية واحدة.
2- الإيضاح:
وذلك في قوله {ثم لا تنصرون} فلقائل أن يقول لم لم يعطف تنصرون على أن يأتيكم المنصوب والجواب عن هذا الإشكال أنه أراد- وهو أعلم- العدة بإخبارهم أنه لن ينصرهم أبدا في الاستقبال ما داموا مصرين على عدم الإنابة محجمين عن الإسلام وقد تقدمت آية مماثلة لها في هذا الفن في سورة آل عمران.
3- التنكير:
والسر في تنكير النفس في قوله {أن تقول نفس} التقليل، لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر وانها نفس متميزة من الأنفس بهذه السمة من اللجاج في الكفر وربما أريد بها التكثير على حد قول الأعشى:
ورب بقيع لو هتفت بجوه ** أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا

يريد كراما كثيرين لا كريما واحدا ومثله: رب بلد قطعت، ورب بطل قارعت وهو يقصد بلادا وأبطالا.
4- الكناية:
في قوله {على ما فرطت في جنب اللّه} والجنب الجانب يقال: أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته وفلان لين الجنب والجانب ثم قالوا فرط في جنبه وفي جانبه يريدون في حقه، قال جميل بن معمر:
أما تتقين اللّه في جنب وامق ** له كبد حرى عليك تقطع

غريب مشوق مولع بادكاركم ** وكل غريب الدار بالشوق مولع

يستعطف جميل صاحبته بثينة ويتوجع إليها مما نابه فيها أي أما تخافين اللّه في جنب وامق أي في حقه الواجب عليك فالجنب كناية عن ذلك والوامق الشديد المحبة يعني نفسه وحرى أي ذات حر واحتراق، وتقطع: أصله تتقطع والادكار أصله الاذتكار قلبت تاء الافتعال دالا مهملة وأدغمت الذال المعجمة فيها، وخاطبها خطاب جمع المذكر تعظيما لها وفي البيت الثاني رد العجز على الصدر وهو من بديع الكلام. وهذه الكناية تسمى كناية نسبة، وقد تقدم القول في أقسام الكناية، لأنك إذا أثبتّ الأمر في مكان الرجل وحيّزه فقد أثبتّه فيه، قال زياد الأعجم:
إن السماحة والمروءة والندى ** في قبة ضربت على ابن الحشرج

يعني أنه مختص بهذه الصفات لا توجد في غيره ولا خيمة هناك ولا ضرب أصلا.

.الفوائد:

ألف الفصل:
ألف الفصل تزاد بعد واو الجماعة مخافة التباسها بواو النسق مثل: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له} ومثل: كفروا ووردوا، ألا ترى أنهم لو لم يدخلوا الألف بعد الواو ثم اتصلت بكلام بعدها ظن القارئ أنها كفر وورد فحيزت الواو لما قبلها بألف الفصل، ولما فعلوا ذلك في الأفعال التي تنقطع واوها من الحروف قبلها نحو ساروا وجاءوا فعلوا ذلك في الأفعال التي تتصل واوها بالحروف قبلها نحو كانوا وبانوا ليكون حكم هذه الواو في كل موضع حكما واحدا.