الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{ولنبلونكم} بالأمر بالجهاد وسائر التكاليف الشاقة.{حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} على مشاقه.{وَنَبْلُوأخباركم} ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها وقبحها. أوأخبارهم عن إيمانهم وموالاتهم المؤمنين في صدقها وكذبها. وقرأ أبو بكر الأفعال الثلاثة بالياء لتوافق ما قبلها. وعن يعقوب {وَنَبْلُوَ} بسكون الواو على تقدير ونحن نبلو.{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله وَشَاقُّواْ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} هم قريظة والنضير أو المطعمون يوم بدر.{لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} بكفرهم وصدهم. أولن يضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاقته وحذف المضاف لتعظيمه وتفظيع مشاقته.{وَسَيُحْبِطُ أعمالهم} ثواب حسنات أعمالهم بذلك. أو مكايدهم التي نصبوها في مشاقته فلا يصلون بها إلى مقاصدهم ولا تثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم.{يا أيها الذين ءَآمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول ولا تُبْطِلُواْ أعمالكم} بما أبطل به هؤلاء كالكفر والنفاق والعجب والرياء والمن والأذى ونحوها. وليس فيه دليل على إحباط الطاعات بالكبائر.{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} عام في كل من مات على كفره وإن صح نزوله في أصحاب القليب. ويدل بمفهو مه على أنه قد يغفر لمن لم يمت على كفره سائر ذنوبه.{فَلاَ تَهِنُواْ} فلا تضعفوا.{وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} ولا تدعوا إلى الصلح خورًا وتذللًا. ويجوز نصبه بإضمار إن وقرىء {ولا تدعوا} من ادعى بمعنى دعا. وقرى أبو بكر وحمزة بكسر السين.{وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} الأغلبون.{والله مَعَكُمْ} ناصركم.{ولن يَتِرَكُمْ أعمالكم} ولن يضيع أعمالكم. من وترت الرجل إذا قتلت متعلقًا به من قريب أوحميم فأفردته منه من الوتر. شبه به تعطيل ثواب العمل وإفراده منه.{إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ ولهو} لإثبات لها.{وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} ثواب إيمانكم وتقواكم.{ولاَ يَسْئَلْكُمْ أموالكم} جميع أموالكم بل يقتصر على جزء يسير كربع العشر والعشر.{إِنْ يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} فيجهدكم بطلب الكل والإِحفاء والإِلحاف المبالغة وبلوغ الغاية يقال: أحفى شاربه إذ استأصله.{تَبْخَلُواْ} فلا تعطوا.{وَيُخْرِجْ أضغانكم} ويضغنكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والضمير في يخرج لله تعالى. ويؤيده القراءة بالنون أو البخل لأنه سبب الإِضغان. وقرىء {وتخرج} بالتاء والياء ورفع {أضغانكم}.{هَا أَنتُمْ هؤلاء} أي أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون وقوله: {تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله} استئناف مقرر لذلك. أوصلة لـ: {هَؤُلاء} على أنه بمعنى الذين وهو يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرهما.{فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} ناس يبخلون وهو كالدليل على الآية المتقدمة.{وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} فإن نفع الإنفاق وضر البخل عائدان إليه. والبخل يعدى بعن وعلى لتضمنه معنى الإِمساك والتعدي فإنه إمساك عن مستحق.{والله الغنى وَأَنتُمُ الفقراء} فما يأمركم به فهو لاحتياجكم إليه فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم.{وَإِن تَتَولواْ} عطف على {إِن تُؤْمِنُواْ}.{يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} يقم مقامكم قومًا آخرين.{ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} في التو لي والزهد في الإِيمان. وهم الفرس لأنه سئل عليه الصلاة والسلام عنه وكان سلمان إلى جنبه فضرب فخذه وقال: «هذا وقومه» أو الأنصار أو اليمن أو الملائكة. عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة محمد كان حقًا على الله أن يسقيه من أنهار الجنة». اهـ.
ويقال للمخطىء لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب. وقال الكلبي: لحن القول كذبه. ولم يتكلم بعد نزولها منافق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عرفه. وعن ابن عباس هو قولهم ما لنا إن أطعنا من الثواب ولا يقولون ما علينا إن عصينا من العقاب {والله يعلم أعمالكم} فيميز خيرها من شرها وإخلاصها من نفاقها {ولنبلونكم} أي لنأمرنكم بما لا يكون متعينًا للوقوع بل يحتمل الوقوع واللاوقوع كما يفعل المختبر حتى يظهر المجاهد والصابر من المنافق والمضطرب.{ونبلوأخباركم} التي تحكي عنكم كقولكم {امنا بالله وباليوم الآخر} [البقرة: 8] أو عهودكم كقوله: {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار} [الأحزاب: 15] أوأسراركم أو ما ستفعلونه أوأخباركم الأراجيف كقوله: {والمرجفون في المدينة} [الأحزاب: 60] عن الفضل أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم لا تبلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا. ثم أنزل في اليهود من قريظة والنضير أو في رؤساء قريش المطعمين يوم بدر {إن الذين كفروا} الآية. وأعمالهم طاعاتهم في زمن اليهودية. ومكايدهم التي نصبوها في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم أوإطعامهم. ثم أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله بالتوحيد والتصديق مع الإخلاص وأن لا يبطلوا إحسانهم بالمعاصي والرياء وبالمن والأذى. عن أبي العالية قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون إنه لا يضر مع (لا إله إلا الله) ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت الآية. فكانوا يخافون الكبائر على أعمالهم. وعن قتادة: رضي الله عن عبد لم يحبط عمله الصالح بعمله السيء. ثم أراد أن يبين أن أعمال المكلف إذا بطلت فإن فضل الله باقٍ يغفر له إن شاء ما لم يمت على الكفر فقال: {إن الذين كفروا} الآية. قال مقاتل: نزلت في رجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن والده وقال: إنه كان محسنًا في كفره. وعن الكلبي: نزلت في رؤساء أهل بدر.{فلا تهنوا} لا تضعفوا ولا تجبنوا {وتدعوا إلى السلم} أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح. ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار (إن) بعد الواو في جواب النهي {وأنتم الأعلون} الغالبون المستولون عليهم {والله معكم} بالنصرة والكلاءة {ولن يتركم أعمالكم} أي لن ينقصكم جزاء أعمالكم من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلًا من ولد أوأخ أوقريب أوسلبت ماله وأصله من الوتر وهو الفرد. كأنك أفردته من قريبه أو ماله. وفي الحديث «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» وهو من فصيح الكلام. ثم زادهم حثًا على الجهاد بتحقير الدنيا في أعينهم وبأنه سبحانه إنما يحثهم على الإيمان والجهاد وسائر أبواب التقوى لتعود فائدتها عليهم كما قال «خلقتكم لتربحوا عليّ لا لأربح عليكم» قوله: {ولا يسألكم أموالكم} أي كل أموالكم ولكنه يقتصر منها على ربع العشر. أولا يسألكم أموالكم لنفسه ولكن لتكون زادًا لكم في المعاد. وقيل: لا يسألكم أموالكم رسولي لنفسه. وقيل: إنهم لا يملكون شيئًا وإن المال مال الله وهو المنعم بإعطائه. والقول هو الأول لقوله: {إن يسألكموها فيحفكم} أي يجهد كم يبلغ الغاية فيها من أحفى شاربه استأصله كأنه جعله حافيًا مما في ملكه أي عاريًا {تبخلوا ويخرج} الإحفاء أو الله تعالى على طريق التسبب {أضغانكم} أي تضطغنون على الرسل وتظهرون كراهة هذا الدين.
|