فصل: قال القاسمي:

صباحاً 8 :46
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [32].
{قُلْ} أي: لهؤلاء المشركين الذي يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم: {مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ} أي: من الثياب وسائر ما يتجمل به: {اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} من النبات كالقطن والكتان، والحيوان كالحرير والصوف، والمعادن كالدروع، هكذا عمم المفسرون هنا، وجهه أن تخصيصه يغني عنه ما مر: {وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} أي: المستلذات من المآكل والمشارب.
قال المهايمي: يعني إن زعموا أن التزين والتلذذ ينافيان التذلل الذي هو العبادة، فيحرمان معها، فأعلمهم أن قد أخرجها لعباده الذين خلقهم لعبادته ليتزينوا بها حال العبادة، فعل عبيد الملوك إذا حضروا خدمتهم، ولا ينافي ذلك تذللهم لهم، وكذلك الطيبات التي خلقها التي خلقها لتطييب قلوب عباده ليشكروه، والشكر عبادة، فلا ينافي التلذذ العبادة، بل قد يكون داعية إليها. انتهى.
تنبيهات:
الأول: فسرت الطيبات بالحلال، وفسرت باللحم والدسم الذي كانوا يحرمونه أيام الحج كما تقدم، وفسرت بالبحائر والسوائب كما قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا}. وظاهر أن لفظ الآية أعم من ذلك، وإن كان يدخل فيه ما ذكر دخولًا أوليًا، لأنها إنما وردت نعيًا عليهم فيه، والعبرة بعموم اللفظ.
قال الرازي: لفظ الزينة يتناول جميع أنواع التزين، ومنه تنظيف البدن، ومنه المركوب، ومنه أنواع الحي يعني للنساء. ثم قال: ويدخل تحت الطيبات، كل ما يستلذ ويشتهى من أنواع المأكولات والمشروبات، ويدخل تحته التمتع بالنساء والطيب، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون، ما هم به من الإختصاء والتبتل.
الثاني: دلت الآية على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات الإباحة، لأن الاستفهام في: {مَنْ} لإنكار تحريمها على وجه بليغ، لأن إنكار الفاعل يوجب إنكار الفعل لعدمه بدونه.
الثالث: في الآية رد على من تورّع من أكل المستلذات وليس الملابس الرقيقة، لأنه لا زهد في ترك الطيب منها، ولهذا جاءت الآية معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرم ذلك على نفسه، أو حرمه على غيره، وما أحسن ما قال ابن جرير الطبري: لقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف، على لباس القطن والكتان، مع وجود السبيل إليه من حله، ومن أكل البقول والعدس، واختاره على خبر البر، ومن ترك أكل اللحم خوفًا من عارض الشهوة. انتهى.
الرابع: قال ابن الفرس: واستدل بالآية من أجاز لبس الحرير والخز للرجال.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سنان بن سلمة أنه كان يلبس الخز، فقال له الناس مثلك يلبس هذا؟ فقال لهم: من ذا الذي يحرم زينة الله التي أخرج لعباده؟ ولكن أخرج عن طاوس أنه قرأ هذه الآية وقال: لم يأمرهم بالحرير ولا الديباج، ولكنه كانوا إذا طاف أحدهم وعليه ثيابه ضرب وانتزعت عنه. كذا في الإكليل.
أقول: عدم شمول الآية للحرير غني عن البيان، لأنه ما خصه الدليل لا يتناوله العام، والأحاديث في تحريم الحرير لا تحصى كثرة، فاستنباط حله منها مردود على زاعمه.
{قُلْ هِي} أي: زينة الله والطيبات، مخلوقة: {لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بالأصالة، والكفرة وإن شاركوهم فيها فتبع: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: لا يشاركهم فيها غيرهم، لأن الله حرم الجنة على الكافرين وانتصابها على الحالية، وقرئ بالرفع، أي: على أنه خبر بعد خبر.
لطيفة:
قال المهايمي: إنما خلقت للمؤمنين ليعلموا بها لذات الآخرة، فيرغبوا فيها مزيد رغبة، لكن شاركهم الكفرة فيها لئلا يكون هذا الفرق ملجئًا لهم إلى الإيمان.
فإذا ذهب هذا المعنى، تصير خالصة لهم يوم القيامة، فلو حرمت على المؤمنين لكانت مخلوقة للكافرين، وهو خلاف مقتضى الإيمان، وهو العبادة والتقوى، ولكن من غير انهماك في الشهوات.
{كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي: الحكمة في خلق الأشياء، واستعمال الأشياء على نهج ينفع ولا يضر.
فإن زعموا أنه يُخاف من التزين والتلذذ الوقوع في الكبر، والإنهماك في الشهوات، فيحرمان على أهل العبادة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}
وما دام أخرجها لعباده فهو قد أرادها لهم، وما ينفع منها للإناث جعلتها السنة للإِناث، وما يصح منها للذكور أحلتها السنّة لهم، وكذلك الطيب من الرزق حلال للمؤمنين والمؤمنات. ولنلحظ دقة الأسلوب هنا في قوله تعالى: {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا...} [الأعراف: 32]
ثم يتابع سبحانه: {خَالِصَةً يَوْمَ القيامة...} [الأعراف: 32]
فكأننا أمام حالتين اثنتين: حالة في الدنيا، وأخرى في يوم القيامة، معنى ذلك أن الزينة في الحياة الدنيا غير خالصة؛ لأن الكفار يشاركونهم فيها، فهي من عطاء الربوبية، وعطاء الربوبية للمؤمن وللكافر، وربما كان الكافر أكثر حظًّا في الدنيا من المؤمن، ولكن في الآخرة تكون الزينة خالصة للمؤمنين لا يشاركهم فيها الكافرون.
وكذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يعطي اليقظة الإِيمانية في المؤمن بوجود الأغيار فيه، ومعنى وجود الأغيار أنه قد يتعرض الإِنسان لتقلبات بين الصحة والمرض والغنى والفقر والقوة والضعف. وهكذا يكون الإٍنسان في الدنيا؛ فهي دار الأغيار، ويصيب الإِنسان فيها أشياء قد يكرهها؛ لذلك فالدنيا ليست خالصة النعيم لما فيها من أغيار تأتيك فتسوؤك. إنها تسوؤك عند غيبة شحنة الإِيمان منك؛ لأنك إن استصحبت شحنة الإِيمان عند كل حدث أجراه الله عليك لَلَفَتَكَ الله إلى حكمته. {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً يَوْمَ القيامة...} [الأعراف: 32]
ويمكن أن نقرأ كلمة {خالصة} منصوبة على أنها حال، ويمكن أن نقرأها في قراءة أخرى مرفوعة على أنها خبر بعد خبر، والمعنى: أنها غير خالصة للمؤمنين في الدنيا لمشاركة الكفار لهم فيها، وغير خالصة أيضًا من شوائب الأغيار ولكنها وفي الآخرة خالصة للمؤمنين فلا يشاركهم الكفار ولا تأتي لهم فيها الأغيار.
ويذيل الحق الآية بقوله: {... كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32]
معنى {نُفَصِّلُ الآيات} أي لا نأتي بالآيات مجملة بل نفصل الآيات لكل مؤمن، فلا نترك خللًا، ونأتي فيها بكل ما تتطلبه أقضية الحياة، بتفصيل يُفهمنا قضايانا فهمًا لا لبس فيه. اهـ.

.التفسير المأثور:

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل الله: {قل من حرم زينة الله} فأمروا بالثياب أن يلبسوها {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} قال: ينتفعون بها في الدنيا لا يتبعهم فيها إثم يوم القيامة.
وأخرج وكيع في الغرر عن عائشة. أنها سئلت عن مقانع القز؟ فقالت: ما حرم الله شيئًا من الزينة.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} قال: المشركون يشاركون المؤمنين في زهرة الدنيا وهي خالصة يوم القيامة للمؤمنين دون المشركين.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس والطيبات من الرزق قال: الودك واللحم والسمن.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال: كان قوم يحرمون من الشاة لبنها ولحمها وسمنها، فأنزل الله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} قال: والزينة الثياب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والطيبات من الرزق} قال: هو ما حرم أهل الجاهلية عليهم في أموالهم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالًا} [يونس: 59] وهو هذا، فأنزل الله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا} يعني شارك المسلمون الكفار في الطيبات في الحياة الدنيا، فأكلوا من طيبات طعامها ولبسوا من جياد ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شيء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الزينة تخلص يوم القيامة لمن آمن في الدنيا.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم قال: سمعت الحجاج بن يوسف يقرأ {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة} بالرفع. قال عاصم: ولم يبصر الحجاج اعرابها، وقرأها عاصم بالنصب {خالصة}. اهـ.