الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.مناسبة الآية لما قبلها: ولما تم ذلك على هذه الوجوه الظاهره التي أوجبت اليقين لكل منصف بأنهم مغلوبون وصل بها أمره صلى الله عليه وسلم وهو الحبيب العزيز بأن يصرح لهم بمضمون ذلك فقال: {قل للذين كفروا} أي من أهل زمانك جريًا على منهاج أولئك الذين أخذناهم {ستغلبون} كما غلبوا وإن كنتم ملأ الأرض لأنكم إنما تغالبون خالقكم وهو الغالب لكل شيء: وليُغلَبنّ مُغالبُ الغَلاّب واللام على قراءة الجمهور بالخطاب معدية، وعلى قراءة الغيب معللة، أي قل لأجلهم، أو هي بمعنى عن، أي قل عنهم، وقد أفهم الأخبار بمجرد الغلبة دون ذكر العذاب كما كان يذكر في تهديد من قبلهم أن أخذهم بيد المغالبة والمدافعة والنصرة تشريفًا لنبيهم صلى الله عليه وسلم لأنه عرض عليه عذابهم فأبى إلا المدافعة على سنة المصابرة، فكان أول ذلك غلبته صلى الله عليه وسلم على مكة المشرفة، وكان فتحها فتحًا لجميع الأرض لأنها أم القرى نبه على ذلك الحرالي. {وتحشرون} أي تجمعون بعد موتكم أحياء كما كنتم قبل الموت {إلى جهنم} قال الحرالي: وهي من الجهامة، وهي كراهه المنظر انتهى؛ فتكون مهادكم، لا مهاد لكم غيرها {وبئس} أي والحال أنها بئس {المهاد}. اهـ. .القراءات والوقوف: .القراءات: {آونبئكم} بالمد والواو المضمومة: يزيد وقالون وعباس وأوقية وأبو شعيب. الباقون بهمزتين هشام يدخل بينهما مدة. {ورضوان} بضم الراء حيث كان: الأعشى والبرجمي وافقا يحيى وحمادًا إلا في {من اتبع رضوانه} [المائدة: 16] في المائدة {أن الدين} بفتح إن علي. الباقون بالكسر. {وجهي} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن عامر غير النجاري عن هشام وحفص والمفضل والأعشى والبرجمي. {ومن اتبعني} بإثبات الياء في الحالين: سهل ويعقوب وابن شنبوذ عن قنبل وافق أبو عمر وأبا جعفر ونافع غير قالون في الوصل. {ويقاتلون الذين}: حمزة ونصير في رواية علي بن نصير. الباقون {ويقتلون}. {ليحكم} بضم الياء وفتح الكاف: أبو جعفر. الباقون بالعكس. .الوقوف: {العين} ط {من يشاء} ط {الأبصار} o، {والحرث} ط {الدنيا} ج للفصل بين النقيضين مع اتفاق الجملتين. {المآب} ج {من ذلكم} ط لتناهي الاستفهام. {من الله} ط {بالعباد} ج للاية على جعل {الذين} خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، أو مدحًا على أعني الذين ولجواز أنه نعت للعباد أو للمتقين. {النار} ج لأن {الصابرين} يصلح بدلًا من {الذين} والوقف أجود نصبًا على المدح. {بالأسحار} ط {إلا هو} ط للعطف، ولو وقف احترازًا عن وهم دخول الملائكة وأولو العلم في الاستثناء والمشاركة في الألوهية كان جيدًا. {بالقسط} ط، {الحكيم} ط إلا لمن قرأ إن بالفتح على البدل من {أنه} {الإسلام} o، {بينهم} ط لإطلاق حكم غير مخصوص بما قبله. {الحساب} o {ومن اتبعن} ط لابتداء أمر يشمل أهل الكتاب والعرب، والأول مختص بأهل الكتاب فلم يكن الثاني من جملة جزاء الشرط، {أأسلمتم} ط لتناهي الاستفهام إلى الشرط {اهتدوا} ج لابتداء شرط آخر مع العطف. {البلاغ} ط، {بالعباد} o، {بغير حق} ز لمن قرأ {ويقاتلون} لعدول المعنى من قوله: {يقتلون} {أليم} o، {والآخرة} ز للابتداء بالنفي مع اتحاد المقصود. {من ناصرين} o، {معرضون} o، {معدودات} ص لأن الواو للعطف أو الحال. {يفترون} o، {يظلمون} o. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال ابن عاشور: استئناف ابتدائي، للانتقال من النذارة إلى التهديد، ومن ضرب المثل لهم بأحوال سلفهم في الكفر، إلى ضرب المثل لهم بسابق أحوالهم المؤذنة بأن أمرهم صائر إلى زوال، وأن أمر الإسلام ستندك له صم الجبال. وجيء في هذا التهديد بأطنب عبارة وأبلغها؛ لأن المقام مقام إطناب لمزيد الموعظة، والتذكير بوصف يوم كان عليهم، يعلمونه. اهـ. .قال الفخر: .قال ابن عادل: وقال أبو حيّان:- في قراءة الغيبة-: الظاهر أنَّ الضميرَ للذين كفروا، وتكون الجملة- إذ ذاك ليست محكية بـ {قل} بل محكية بقول آخَرَ، التقدير: قل لهم قولي: سيغلبون وإخباري أنهم سيقع عليهم الغَلَبةُ، كما قال: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سلف} فبالتاء أخبرهم بمعنى ما أخبر به من أنهم سيُغْلَبون، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أخبر به أنهم {سيُغْلَبُون}. وهذا الذي قاله سبقه إليه الزمخشريُّ، فأخذه منه، ولكن عبارة الزمخشريِّ أوضحُ، قال رحمه الله: فإن قلت: أيُّ فَرْقٍ بين القراءتين- من حيث المعنى؟ قلت معنى القراءة بالتاء- أي من فوق- الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحَشْر إلى جهنَّمَ، فهو إخبار بمعنى: ستُغْلَبُون وتُحْشَرون، فهو كائن من نفس المتوعَّد به، وهو الذي يدل عليه اللفظ ومعنى القراءة بالياء الأمر بأن يحكي لهم ما أخْبِرَ به من وعيدهم بلفظه، كأنه قال: أدِّ إليهم هذا القول الذي هو قولي لك: {سيُغْلَبون ويُحْشَرون}. وجوَّز الفرَّاءُ وثعلبُ أن يكون الضمير في {سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ} لكفار قريش، ويُرَاد بالذين كفروا اليهود، والمعنى: قل لليهود: ستُغْلَبُ قريش. وهذا إنما يتجه على قراءة الغيبة فقط. قال مَكيٌّ: ويقوِّي القراءة بالياء- أي من تحت- إجماعهم على الياء في قوله: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، والتاء يعني من فوق أحَبُّ إليَّ، لإجماع الحَرَميَّينِ وعاصم وغيرهم على ذلك. قال شهابُ الدينِ: ومِثْل إجماعهم على قوله: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ} [الأنفال: 38] إجماعُهم على قوله: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ} [النور: 30]، وقوله: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ} [الجاثية: 14]، وقال الفرّاء: مَن قرأ بالتاءِ جعل اليهود والمشركين داخِلينَ في الخطاب، ثم يجوز- في هذا المعنى- التاء والياء، كما تقول في الكلام: قل لعبد الله: أنه قائم، وإنك قائم. وفي حرف عبد الله: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ}، ومَن قرأ بالياء فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود، وأنَّ الغَلَبَةَ تقع على المشركين، كأنه قيل: قل يا محمد لليهود سيُغْلَب المشركون، ويُحْشَرُونَ، فليس يجوز في هذا المعنى إلاَّ الياءُ لأن المشركين غيب. اهـ. .قال الألوسي: .قال الفخر: الأول: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا يوم بدر وقدم المدينة، جمع يهود في سوق بني قينقاع، وقال: يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا، فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك أن قتلت نفرًا من قريش لا يعرفون القتال، لو قاتلتنا لعرفت، فأنزل الله تعالى هذه الآية. الرواية الثانية: أن يهود أهل المدينة لما شاهدوا وقعة أهل بدر، قالوا: والله هو النبي الأمي الذي بشرنا به موسى في التوراة، ونعته وأنه لا ترد له راية، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا فلما كان يوم أُحد ونكب أصحابه قالوا: ليس هذا هو ذاك، وغلب الشقاء عليهم فلم يسلموا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. والرواية الثالثة: أن هذه الآية واردة في جمع من الكفار بأعيانهم علم الله تعالى أنهم يموتون على كفرهم، وليس في الآية ما يدل على أنهم من هم. اهـ. .قال أبو حيان: .قال الماوردي: أحدهما: بالقهر والاستيلاء، إن قيل إنها خاصة. والثاني: بظهور الحجة، إن قيل إنها عامة. اهـ. .قال الفخر: .فصل في تكليف ما لا يطاق: .فائدة: [الأخبار عما يحصل في المستقبل]: قوله: {سَتُغْلَبُونَ} إخبار عن أمر يحصل في المستقبل، وقد وقع مخبره على موافقته، فكان هذا إخبارًا عن الغيب وهو معجز، ونظيره قوله تعالى: {غُلِبَتِ الروم في أَدْنَى الأرض وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} الروم: 2، 3) الآية، ونظيره في حق عيسى عليه السلام {وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ في بُيُوتِكُمْ} [آل عمران: 49]. اهـ. .فائدة: [حصول البعث يوم القيامة]: دلّت الآية على حصول البعث في القيامة، وحصول الحشر والنشر، وأن مرد الكافرين إلى النار. ثم قال: {وَبِئْسَ المهاد} وذلك لأنه تعالى لما ذكر حشرهم إلى جهنم وصفه فقال: {بِئْسَ المهاد} والمهاد: الموضع الذي يتمهد فيه وينام عليه كالفراش، قال الله تعالى: {والأرض فرشناها فَنِعْمَ الماهدون} [الذاريات: 48] فلما ذكر الله تعالى مصير الكافرين إلى جهنم أخبر عنها بالشر لأن بئس مأخوذ من البأساء هو الشر والشدة، قال الله تعالى: {وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165] أي شديد وجهنم معروفة أعاذنا الله منها بفضله. اهـ. .قال القرطبي: وقال مجاهد: المعنى بئس ما مهدوا لأنفسهم، فكأنّ المعنى: بئس فعلهم الذي أدّاهم إلى جهنم. اهـ. .قال ابن عادل: والجملة قبله خبره، ولو كان- كما قال غيره- مبتدأ محذوف الخبر، أو بالعكس، لما حذف ثانيًا؛ للإجحاف بحذف سائر الجملة. و{بئس} مأخوذ من البأساء، وهو الشر والشدة، قال تعالى: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165] أي: شديد. اهـ. .قال الألوسي: .من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري:
|