الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من لطائف وفوائد المفسرين: قال عليه الرحمة: قوله جلّ ذكره: {يَا أَيُّهَأ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}. الناس في طاعة الله على أقسام: فمطيعٌ لخوفِ عقوبتِه، ومطيعٌ طمعًا في مثوبته، وآخر تحققًا بعبوديته، وآخر تشرفًا بربوبيته. وكم بين مطيعٍ ومطيعٍ! وأنشدوا: قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ} ولم يقل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وفي ذلك نوع تخصيص، وحزب تفضيل يَلْطُفُ عن العبارة ويَبْعُد عن الإشارة. قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ}. أي تسمعون دعاءه إياكم، وتسمعون ما أُنزِلَ عليه من دعائي إياكم. اهـ. .تفسير الآية رقم (21): .من أقوال المفسرين: .قال البقاعي: .قال الفخر: ومنه قولهم سمع الله لمن حمده، والمعنى: ولا تكونوا كالذين يقولون بألسنتهم أنا قبلنا تكاليف الله تعالى، ثم إنهم بقلوبهم لا يقبلونها. وهو صفة للمنافقين كما أخبر الله عنهم بقوله: {وَإِذَا لَقُواْ الذين ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شياطينهم قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: 14]. اهـ. .قال السمرقندي: قال الكلبي: وهم بنو عبد الدار، لم يسلم منهم إلا رجلان: مصعب بن عمير وسويد بن حرملة. وقال الضحاك ومقاتل: أي سمعنا الإيمان وهم لا يسمعون، يعني المنافقين. اهـ. .قال الثعلبي: .قال ابن عطية: .قال ابن الجوزي: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها نزلت في بني عبد الدار بن قصيّ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: في اليهود قريظة والنضير، روي عن ابن عباس أيضًا. والثالث: في المنافقين، قاله ابن إسحاق، والواقدي، ومقاتل. وفي معنى الكلام قولان: أحدهما: أنهم قالوا: سمعنا، ولم يتفكَّرُوا فيما سمعوا، فكانوا كمن لم يسمع، قاله الزجاج. والثاني: أنهم قالوا: سمعنا سماع من يقبل، وليسوا كذلك، حكي عن مقاتل. اهـ. .قال القرطبي: وهو من سماع الأذن. {وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي لا يتدبّرون ما سمِعوا، ولا يفكّرون فيه؛ فهم بمنزلة من لم يسمع وأعرض عن الحق. نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم. فدلّت الآية على أن قول المؤمن: سمعت وأطعت، لا فائدة فيه ما لم يظهر أثر ذلك عليه بامتثال فعله. فإذا قصر في الأوامر فلم يأتها، واعتمد النواهي فاقتحهما فأيّ سمع عنده وأي طاعة! وإنما يكون حينئذ بمنزلة المنافق الذي يظهر الإيمان، ويسر الكفر؛ وذلك هو المراد بقوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}. يعني بذلك المنافقين، أو اليهود أو المشركين، على ما تقدّم. اهـ. .قال أبو حيان: .قال أبو السعود: تقريرٌ للنهي السابق وتحذيرٌ عن مخالفته بالتنبيه على أنه مؤديةٌ إلى انتظامهم في سلك الكفرةِ بكون سماعِهم كَلا سماعٍ أي لا تكونوا بمخالفة الأمر والنهي {كالذين قَالُواْ سَمِعْنَا} بمجرد الادعاءِ من غير فهمٍ وإذعانٍ كالكفرة والمنافقين الذي يّدعون السماعَ {وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} حالٌ من ضمير قالوا أي قالوا ذلك والحالُ أنهم لا يسمعون حيث لا يصدّقون ما سمعوه ولا يفهمونه حقَّ فهمِه فكأنهم لا يسمعونه رأسًا. اهـ. .قال الألوسي: {وَلاَ تَكُونُواْ} تقريرًا لما قبله أي لا تكونوا بمخالفة الأمر والنهي {كالذين قَالُواْ سَمِعْنَا} كالكفرة والمنافقين الذين يدعون السماع {وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي سماعًا ينتفعون به لأنهم لا يصدقون ما سمعوه ولا يفهمونه حق فهمه والجملة في موضع الحال من ضمير قالوا: والمنفى سماع خاص لكنه أتي به مطلقًا للإشارة إلى أنهم نزلوا منزلة من لم يسمع أصلًا بجعل سماعهم كالعدم. اهـ. .قال ابن عاشور: وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي للاهتمام به ليتقرر مفهومه في ذهن السامع فيرسخ اتصافه بمفهوم المسند، وهو انتفاء السمع عنهم، على أن المقصود الأهم من قوله: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} هو التعريض بأهل هذه الصلة من الكافرين أو المنافقين لا خشية وقوع المؤمنين في مثل ذلك. وصيغ فعل {لا يسمعون} بصيغة المضارع لإفادة أنهم مستمرون على عدم السمع، فلذلك لم يقل وهم لم يسمعوا. اهـ. .قال الشعراوي: في هذه الآية الكريمة ينهانا الحق جل وعلا أن نكون مثل من قالوا: {سمعنا} وحكم الله بأنهم لا يسمعون، وهؤلاء هم من أخذوا السمع بقانون الأحداث الجارية على ظواهر الحركة فسمعوا ولم يلتفتوا؛ لأن المراد بالسماع ليس أن تسمع فقط، بل أن تؤدي مطلوب ما سمعت، فإن لم تؤد مطلوب ما سمعت، فكأنك لم تسمع. بل تكون شرًّا ممن لم يسمع؛ لأن الذي لم يسمع لم تبلغه دعوة، أماَّ أنت فسمعت فبلغتك الدعوة ولكنك لك تستجب ولم تنفذ مطلوبها. إذن قول الله تعالى: {سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [الأنفال: 21]. يفسر لنا أن هذا السماع منهم كان مجرد انتقال الصوت من المتكلم إلى أذن السامع بالذبذبة التي تحدث، ولم يأخذوا ما سمعوه مأخذًا جادًا ليكون له الأثر العميق في حياتهم. فإذا لم يتأثروا بالمنهج، فكأنهم لم يسمعوا، وياليتهم لم يسمعوا؛ لأنهم صاروا شرّا ممن لم يسمع. {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [الأنفال: 21]. أو أن السمع يراد ويقصد به القبول، مثلما نقول: اللهم اسمع دعاء فلان، وأنت تعلم أن الله سميع الدعاء وإن لم تقل أنت ذلك، لكنك تقول: اللهم اسمع دعاء فلان بمعنى اللهم اقبله، فيكون المراد بالسمع القبول. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: قال عليه الرحمة: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)} لا تكونوا ممن يشهد جهرًا، ويجحد سِرًّا. ويقال لا تُقِرُّوا بلسانكم، وتصِرُّوا على كفرانكم. ويقال مَنْ نطق بتلبيسِه تشهد الخِبرة بتكذيبه. اهـ. .تفسير الآية رقم (22): .مناسبة الآية لما قبلها: ولما كانت حال من هذا شأنه مشابهة لحال الأصم في عدم السماع لعدم الانتفاع به، والأبكم في عدم كلامه لعدم تكلمه بما ينفع، والعادم للعقل في عدم عقله لعدم انتفاعه به، قال معللًا لهذا النهي معبرًا بأنسب الأشياء لما وصفهم به: {إن شر الدواب} أي التي تدب على وجه الأرض، جعلهم من جنس الحشرات أو البهائم ثم جعلهم شرها. ولما كان لهم من يفضلهم، وكانت العبرة بما عنده سبحانه، قال تعالى: {عند الله} أي الذي له جميع الكمال من إحاطة العلم والقدرة وغيرها {الصم البكم} أي الطرش الخرس طرشًا وخرسًا بالغين {الذين لا يعقلون} أي لا يتجدد لهم عقل، ومن لم ينتفع بسماع الداعي كان كذلك. اهـ.
|