الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وفي قوله: {ما لا تعلمون} إبهام عليهم وهو عامّ ولكن ساق ذلك مساق المعلومات التي يخاف عليهم ولم يسمعوا قطّ بأمه عُذِّبت فتضمّن التهديد والوعيد فيحتمل أن {يرِيد ما لا تعلمون} من صفات الله وقدرته وشدة بطشه على من اتخذ إلهًا معه أو {يريد ما لا تعلمون} مما أوحي إلي، قال ابن عطية: ولابد أنّ نوحًا عليه السلام وكل نبيّ مبعوث إلى الخلق كانت له معجزة بخرق العادة فمنهم من عرفنا بمعجزته ومنهم من لم يعرف وما أحسن سياق هذه الأفعال قال أولًا {أبلغكم رسالات ربي} وهذا مبدأ أمره معهم وهو التبليغ، كما قال: إنْ عليك إلا البلاغ ثم قال: {وأنصح لكم} أي أخلص لكم في تبيين الرّشد والسلامة في العاقبة إذا عبدتم الله وحده ثم قال وأعلم من الله: {ما لا تعلمون} من بطشه بكم وهو مآل أمركم إذا لم تفردوه بالعبادة فنبّه على مبدأ أمره ومنتهاه معهم. اهـ.
وقرئ {أبْلِغُكم} من الإبلاغ، وجمعُ الرسالاتِ لاختلاف أوقاتِها أو لتنوّع معانيها، أو لأن المرادَ بها ما أوحيَ إليه وإلى النبيين من قبله، وتخصيصُ ربوبيتِه تعالى به عليه الصلاة والسلام بعد بيانِ عمومِها للعالمين للإشعار بعلة الحُكمِ الذي هو تبليغُ رسالتِه تعالى إليهم فإن ربوبيتَه تعالى به عليه الصلاة والسلام من موجبات امتثالِه بأمره تعالى بتبليغ رسالتِه تعالى إليهم {وَأَنصَحُ لَكُمْ} عطفٌ على {أبلّغُكم} مبينٌ لكيفية أداءِ الرسالةِ، وزيادةُ اللامِ مع تعدّي النُصحِ بنفسه للدلالة على إمحاض النصيحةِ لهم وأنها لمنفعتهم ومصلحتِهم خاصةً، وصيغةُ المضارعِ للدِلالة على تجدد نصيحتِه لهم كما يعرف عنه قوله تعالى: {رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلًا ونَهَارًا} وقولُه تعالى: {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} عطفٌ على ما قبله وتقريرٌ لرسالته عليه الصلاة والسلام، أي أعلم من جهة الله تعالى بالوحي ما لا تعلمونه من الأمور الآتيةِ، أو أعلم من شؤونه عز وجل وقدرتِه القاهرةِ وبطشِه الشديدِ على أعدائه وأن بأسَه يُردّ عن القوم المجرمين ما لا تعلمون. قيل: كانوا لا يسمعون بقوم حل بهم العذابُ قبلَهم فكانوا غافلين آمنين لا يعلمون ما علِمه نوحٌ عليه السلام بالوحي. اهـ.
حيث لم يقل سمته حملًا له على المعنى لأمن اللبس، وأوجب بعضهم الحمل على الاستئناف زعمًا منه أن ما ذكر قبيح حتى قال المازني: لولا شهرته لرددته، وتعقب ذلك الشهاب بأن ما ذكره المازني في صلة الموصول لا في وصف النكرة فإنه وارد في القرآن مثل {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 55] وقد صرح بحسنه في كتب النحو والمعاني، على أن ما ذكره في الصلة أيضًا مردود عند المحققين وإن تبعه فيه ابن جني حتى استرذل قول المتنبي: وفي الانتصاف أنه حسن في الاستعمال وكلام أبي الحسن أصدق شاهد على ما قال وعلى حسن كلام ابن الحسين، وهذا كما قال الشهاب إذا لم يكن الضمير مؤخرًا نحو الذي قرى الضيوف أنا أو كان للتشبيه نحو أنا في الشجاعة الذي قتل مرحبًا.وقرأ أبو عمرو {أُبَلّغُكُمْ} بتسكين الباء وتخفيف اللام من الإبلاغ، وجمع الرسالات مع أن رسالة كل نبي واحدة وهو مصدر والأصل فيه أن لا يجمع رعاية لاختلاف أوقاتها أو تنوع معاني ما أرسل عليه السلام به أو أنه أراد رسالته ورسالة غيره ممن قبله من الأنبياء كإدريس عليه السلام وقد أنزل عليه ثلاثون صحيفة، وشيث عليه السلام وقد أنزل عليه خمسون صحيفة، ووضع الظاهر موضع الضمير وتخصيص ربوبيته تعالى له عليه السلام بعد بيان عمومها للعالمين للإشعار بعلة الحكم الذي هو تبليغ رسالته تعالى إليهم فإن ربوبيته تعالى له من موجبات امتثاله بأمره تعالى بتبليغ رسالته.{وَأَنصَحُ لَكُمْ} أي أتحرى ما فيه صلاحكم بناءً على أن النصح تحري ذلك قولًا أو فعلًا، وقيل: هو تعريف وجه المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكروه، والمعنى هنا أبلغكم أوامر الله تعالى ونواهيه وأرغبكم في قبولها وأحذركم عقابه إن عصيتموه، وأصل النصح في اللغة الخلوص يقال: نصحت العسل إذا خلصته من الشمع، ويقال: هو مأخوذ من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه شبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بفعل الخياط فيما يسد من خلل الثوب، وقد يستعمل لخلوص المحبة للمنصوح له والتحري فيما يستدعيه حقه، وعلى ذلك حمل ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» ويقال: نصحته ونصحت له كما يقال: شكرته وشكرت له، قيل: وجىء باللام هنا ليدل الكلام على أن الغرض ليس غير النصح وليس النصح لغيرهم بمعنى أن نفعه يعود عليهم لا عليه عليه السلام كقوله: {مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان: 57] وهذا مبني على أن اللام للاختصاص لا زائدة، وظاهر كلام البعض يشعر بأنها مع ذلك زائدة وفيه خفاء.وصيغة المضارع للدلالة على تجدد نصحه عليه السلام لهم كما يفصح عنه قوله: {رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح: 5].وقوله تعالى: {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} عطف على ما قبله وتقرير لرسالته عليه السلام أي أعلم من قبله تعالى بالوحي أشياء لا علم لكم بها من الأمور الآتية.فمن لابتداء الغاية مجازًا أو أعلم من شؤونه عز وجل وقدرته القاهرة وبطشه الشديد على من لم يؤمن به ويصدق برسله ما لا تعلمونه.فمن إما للتبعيض أو بيانية لما، ولابد في الوجهين من تقدير المضاف، قيل: كانوا لم يسمعوا بقوم حل بهم العذاب قبلهم فكانوا آمنين غافلين لا يعلمون ما علمه نوح عليه السلام فهم أول قوم عذبوا على كفرهم. اهـ.
|