فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

صباحاً 8 :54
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويجوز أن يكون النصيب الجزءَ من أزمنة العذاب فيكون على حذف مضاف تقديره: من مُدة النار.
ولما كان جواب الذين استكبروا للذين استضعفوا جاريًا في مجرى المحاورة جرّد فعل قال من حرف العطف على طريقة المحاورة كما تقدم غير مرة.
ومعنى قولهم: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} نحن وأنتم مستوون في الكون في النار فكيف تطمعون أن ندفع عنكم شيئًا من العذاب.
وعلى وجه أن يكون قول الضعفاء {إنا كُنَّا لَكمُ تَبعًا} إلى آخره توبيخًا ولومًا لزعمائهم يكون قول الزعماء {إنَّا كُلٌّ فِيهَا} اعترافًا بالغلط، أي دَعُوا لومنا وتوبيخنا فقد كفانا أنا معكم في النار وتأكيد الكلام ب إنّ للاهتمام بتحقيقه أو لتنزيل من طالبوهم بالغناء عنهم من عذاب النار مع مشاهدتهم أنهم في العذاب مثلهم، منزلة من يحسبهم غير واقعين في النار، وفي هذا التنزيل ضرب من التوبيخ يقولون: ألستم تروننا في النار مثلكم فكيف نغني عنكم.
و{كل} مرفوع بالابتداء وخبره {فيها} والجملة من المبتدأ وخبره خبر إنَّ وتنوين {كل} تنوين عوض عن المضاف إليه، إذ التقدير: إنا كلُّنا في النار.
وجملة {إنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَادِ} تتنزل منزلة بدل الاشتمال من جملة {إنَّا كُلٌّ فيها} فكلتا الجملتين جواب لهم مؤيس من حصول التخفيف عنهم.
والمعنى: نحن مستوون في العذاب وهو حكم الله فلا مطمع في التقصي من حكمه فقد جوزي كل فريق بما يستحق.
وما في هذه الجملة الثانية من عموم تعلق فعل الحكم بين العباد ما يجعل هذا البدل بمنزلة التذييل، أي أن الله حكم بين العباد كلهم بجزاء أعمالهم فكان قسطنا من الحكم هذا العذاب.
فكلمة {حَكَمَ} هنا مستعملة في معناها الحقيقي وهو المكان المتوسط، أي وقع حكمه وقضاؤه في مجمعهم الذي حضره من حُكم عليه ومن حكم له ومن لم يتعرض للحكومة لأنه من أهل الكرامة بالجنة، فليست كلمة بين هنا بمنزلة بين في قوله تعالى: {فاحكم بينهم بما أنزل اللَّه} [المائدة: 48] فإنها في ذلك مستعملة مجازًا في التفرقة بين المحق والمبطل.
وفي هذه الآية عبرة لزعماء الأمم وقادتهم أن يحذروا الارتماء بأنفسهم في مهاوي الخسران فيوقعوا المقتدين بهم في تلك المهاوي فإن كان إقدامهم ومغامرتهم بأنفسهم وأممِهم على علم بعواقب ذلك كانوا أحرياء بالمذمة والخزي في الدنيا ومضاعفة العذاب في الآخرة، إذ ما كان لهم أن يغُرُّوا بأقوام وكلوا أمورهم بقادتهم عن حسن ظن فيهم، أن يخونوا أمانتهم فيهم كما قال تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13]، وإن كان قَحْمهم أنفسهم في مضائق الزعامة عن جهل بعواقب قصورهم وتقصيرهم فإنهم ملومون على عدم التوثق من كفاءتهم لتدبير الأمة فيخبِطوا بها خبط عشواء حتى يزلوا بها فيَهْوُوا بها من شواهق بعيدة فيصيروا رميمًا، ويَلْقوا في الآخرة جحيمًا.
{وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)} لما لم يجدوا مساغًا للتخفيف من العذاب في جانب كُبرائهم، وتنصَّلَ كبراؤُهم من ذلك أو اعترفوا بغلطهم وتوريطهم قومَهم وأنفسَهم تمَالأَ الجميع على محاولة طلب تخفيف العذاب بدعوة من خَزَنة جهنم، فلذلك أسند القول إلى الذين في النار، أي جميعهم من الضعفاء والذين استكبروا.
وخَزَنة: جمع خَازن، وهو الحافظ لما في المكان من مال أو عروض.
و{خزنة جهنم} هم الملائكة الموكَّلون بما تحويه من النار ووَقودها والمعذبين فيها وموكلون بتسيير ما تحتوي عليه دار العذاب وأهلها ولذلك يقال لهم: خزنة النار، لأن الخزن لا يتعلق بالنار بل بما يحويها فليس قوله هنا: {جهنم} إظهارًا في مقام الإِضمار إذ لا يحسن إضافة خزنة إلى النار ولو تقدم لفظ جهنم لقال: لخزنتها، كما في قوله في سورة [الملك: 6 8] {وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير} إلى قوله: {سألهم خزنتها} فإن الضمير ل {جهنم} لا ل {النار}.
وفي الكشاف أنه من الإِظهار في مقام الإِضمار للتهويل بلفظ {جهنم} والمسلك الذي سلكناه أوضح.
وفي إضافة رب إلى ضمير المخاطبين ضرب من الإِغراء بالدعاء، أي لأنكم أقرب إلى استجابته لكم.
ولما ظنُّوهم أرجى للاستجابة سألوا التخفيف يومًا من أزمنة العذاب وهو أنفع لهم من تخفيف قوة النار الذي سألوه من مستكبريهم.
وجزم {يخفف} بعد الأمر بالدعاء، ولعله بتقدير لام الأمر لكثرة الاستعمال، ومن أهل العربية من يجعله جزمًا في جواب الطلب لتحقيق التسبب.
فيكون فيه إيذان بأن الذين في النار واثقون بأن خزنة جهنم إذا دعوا الله استجاب لهم.
وهذا الجزم شائع بعد الأمر بالقول وما في معناه لهذه النكتة وحقه الرفع أو إظهار لام الأمر.
وتقدم الكلام عليه عند قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} في سورة [إبراهيم: 31].
وضمّن {يخفف} معنى ينقص فنصب {يومًا} أو هو على تقدير مضاف، أي عذاب يوم، أي مقدار يوم، وانتصب {يومًا} على المفعول به ل {يخفف}.
واليومُ كناية عن القلة، أي يخفف عنا ولو زمنًا قليلًا.
و{مِنَ العَذَابِ} بيان ل {يومًا} لأنه أريد به المقدار فاحتاج إلى البيان على نحو التمييز.
ويجوز تعلقه ب {يخفف}.
وجوَابُ خزنة جهنم لهم بطريق الاستفهام التقريري المراد به: إظهارُ سوء صنيعهم بأنفسهم إذ لم يتبعوا الرسل حتى وقعوا في هذا العذاب، وتنديمُهم على ما أضاعوه في حياتهم الدنيا من وسائل النجاة من العقاب.
وهو كلام جامع يتضمن التوبيخ، والتنديم، والتحسير، وبيان سبب تجنب الدعاء لهم، وتذكيرهم بأن الرسل كانت تحذرهم من الخلود في العذاب.
والواو في قوله: {أوَلَمْ تَكُ تَأتِيكُم رُسُلُكُم} لم يعرج المفسرون على موقعها.
وهي واو العطف عطف بها {خزنة جهنم} كلامهم على كلام الذين في النار من قَبيل طريقة عطف المتكلم كلامًا على كلاممٍ صدر من المخاطب إيماء إلى أن حقه أن يكون من بقية كلامه وأن لا يُغفِله، وهو ما يلقب بعطف التلقين كقوله تعالى: {قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي} [البقرة: 124] فإن أهل النار إذا تذكروا ذلك علموا وجاهة تنصل خزنة جهنم من الشفاعة لهم، وتفريع {فادعو} على ذلك ظاهر على كلا التقديرين.
وهمزة الاستفهام مقدمة من التأخير على التقديرين، لوجوب صدارتها.
وجملة {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} يجوز أن تكون من كلام خزنة جهنم تذييلًا لكلامهم يبين أن قولهم: {فادعو} مستعمل في التنبيه على الخطأ، أي دعاؤكم لم ينفعكم لأن دعاء الكافرين في ضلال والواو اعتراضية، ويجوز أن تكون من كلام الله تعالى تذييلًا واعتراضًا.
والبينات: الحجج الواضحة والدعَوات الصريحة إلى اتباع الهدى.
فلم يسعهم إلا الاعتراف بمجيء الرسل إليهم بالبينات فقالوا: بلى، فرد عليهم خزنة جهنم بالتنصل من أن يدعُوا الله بذلك، إلى إيكال أمرهم إلى أنفسهم بقولهم: {فادعو} تفريعًا على اعترافهم بمجيء الرسل إليهم بالبينات.
ومعنى تفريعه عليه هو أنه مفرع عليه باعتبار معناه الكِنائي الذي هو التنصل من أن يَدعُوا لهم، أي كما توليتم الإعراض عن الرسل استبدادًا بآرائكم فتولَّوا اليومَ أمرَ أنفسكم فادعوا أنتم، فإن من تولى قُرها يَتولَّى حَرَّها، فالأمر في قوله: {فادعو} مستعمل في الإِباحة أو في التسوية، وفيه تنبيه على خطإِ السائلين في سُؤالهم.
وزيادة فعل الكَون في {أوَلَمْ تَكُ تَأتِيكم} للدلالة على أن مجيء الرسل إلى الأمم أمر متقرر محقّق، لما يدل عليه فعل الكَون من الوجود بمعنى التحقق، وأما الدلالة على أن فعل الإِتيان كان في الزمن الماضي فهو مستفاد من لَم النافية في الماضي.
والضلال: الضياع، وأصله: خطأ الطريق، كما في قوله تعالى: {أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد} [السجدة: 10].
والمعنى: أن دعاءهم لا ينفعهم ولا يُقبل منهم، وسواء كان قوله: {وَمَا دُعاء الكافرين إلاَّ فِي ضلال} من كلام الملائكة أو من كلام الله تعالى فهو مقتض عموم دعائهم لأن المصدر المضاف من صيغ العموم فيقتضي أن دعاء الكافرين غير متقبل في الآخرة وفي الدنيا لأن عموم الذوات يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة.
وأما ما يوهم استجابة دعاء الكافرين نحو قوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعًا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها} [الأنعام: 63، 64] وقوله: {دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق} [يونس: 22، 23]، فظاهر أن هذه لا تدل على استجابة كرامة ولكنها لتسجيل كفرهم ونكرانهم، وقد يُتوهم في بعض الأحوال أن يَدْعو الكافر فيقع ما طَلبه وإنما ذلك لمصادفة دعائه وقَت إجابة دعاء غيره من الصالحين، وكيف يستجاب دعاء الكافر وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم استبعاد استجابة دعاء المؤمن الذي يأكل الحرام ويلبس الحرام في حديث مسلم عن أبي هريرة: ذَكَر رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلًا «يُطيلُ السَّفَر أشعثَ أَغْبَرَ يُمدُّ يديْه إلى السماء: يا رَبِّ يا رَبِّ، ومطعَمُه حَرام ومَشْرَبُه حرام وغُذّي بالحرام فأنَّى يستجاب له».
ولهذا لم يقل الله: فلما استجاب دعاءهم، وإنما قال: فلما نجاهم، أي لأنه قدّر نجاتهم من قبل أن يدعوا أو لأن دعاءهم صادف دعاء بعض المؤمنين. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)} قد تقدم ذكر الخلاف هل هذه المقالة لموسى أو لمؤمن آل فرعون. والدعاء إلى طاعة الله وعبادته وتوحيده هو الدعاء إلى سبب النجاة فجعله دعاء إلى النجاة اختصارًا واقتضابًا. وكذلك دعاؤهم إياه إلى الكفر واتباع دنيهم: هو دعاء إلى سبب دخول النار، فجعله دعاء إلى النار اختصارًا، ثم بين عليهم ما بين الدعوتين من البون في أن الواحدة شرك وكفر، والأخرى دعوة إلى الإسناد إلى عزة الله وغفرانه.
وقوله: {ما ليس لي به علم} ليس معناه أني جاهل به، بل معناه العلم بأن الأوثان وفرعون وغيره ليس لهم مدخل في الألوهية، وليس لأحد من البشر علم بوجه من وجوه النظر بأن لهم في الألوهية مدخلًا، بل العلم اليقين بغير ذلك من حدوثهم متحصل، و: {لا جرم} مذهب سيبويه والخليل أنها {لا} النافية دخلت على {جرم} ومعنى: {جرم} ثبت ووجب، ومن ذلك جرم بمعنى كسب، ومنه قول الشاعر أبو اسماء بن الضريبة: الكامل:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ** جرمت فزارة بعدها من أن يغضبوا

أي أوجبت لهم ذلك وثبتته لهم، فكأنه الكلام نفي للكلام المردود عليه ب {لا} وإثبات للمستأنف ب {جرم} و أن على هذا النظر في موضع رفع ب {جرم} وكذلك {أن} الثانية والثالثة، ومذهب جماعة من أهل اللسان أن {لا جرم} بمعنى لابد ولا محالة ف {أن} على هذا النظر في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي لا محالة بأن ما. و ما بمعنى الذي واقعة على الأصنام وما عبدوه من دون الله.
وقوله: {ليس له دعوة} أي قدر وحق يجب أن يدعى أحد إليه، فكأنه تدعونني إلى ما لا غناء له وبين أيدينا خطب جليل من الرد إلى الله. وأهل الإسراف والشرك. هم أصحاب النار بالخلود فيها والملازمة، أي فكيف أطيعكم مع هذه الأمور الحقائق، في طاعتكم رفض العمل بحسبها والخوف. قال ابن مسعود ومجاهد: المسرفون: سفاكو الدماء بغير حلها. وقال قتادة: هم المشركون. ثم توعدهم بأنهم سيذكرون قوله عن حلول العذاب بهم، وسوف بالسين. إذ الأمر محتمل أن يخرج الوعيد في الدنيا أو في الآخرة، وهذا تأويل ابن زيد. وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو فتح الياء من: {أمريَ} والضمير في: {وقاه} يحتمل أن يعود على موسى، ويحتمل أن يعود على مؤمن آل فرعون، وقال قائلو ذلك: إن ذلك المؤمن نجا مع موسى عليه السلام في البحر، وفر في جملة من فر معه من المتبعين.
وقرأ عاصم: {فوقاه الله} بالإمالة.
{وحاق} معناه: نزل، وهي مستعملة في المكروه. و: {سوء العذاب} الغرق وما بعده من النار وعذابها.
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}.
قوله: {النار} رفع على البدل من قوله: {سوء} [غافر: 45]. وقالت فرقة: {النار} رفع بالابتداء وخبره: {يعرضون}. وقالت فرقة: هذا الغدو والشعي هو في الدنيا، أي في كل غدو وعشي من أيام الدنيا يعرض آل فرعون على النار. وروي في ذلك عن الهزيل بن شرحبيل والسدي: أن أرواحهم في أجواف الطير سود تروح بهم وتغدو إلى النار، وقاله الأوزاعي حين قال له رجل: إني رأيت طيورًا بيضًا تغدو من البحر ثم ترجع بالعشي سودًا مثلها، فقال الأوزاعي: تلك هي التي في حواصلها أرواح آل فرعون يحترق رياشها وتسود بالعرض على النار. وقال محمد بن كعب القرظي وغيره: أراد أنهم يعرضون في الآخرة على النار على تقدير ما بين الغدو والعشي، إذا لا غدو ولا عشي في الآخرة، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا وقوله: {ويوم تقوم الساعة} يحتمل أن يكون {يوم} عطفًا على {عشيًّا} والعامل فيه {يعرضون} ويحتمل أن يكون كلامًا مقطوعًا والعامل في: {يوم} {ادخلوا} والتقدير: على كل قول يقال ادخلوا.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم والأعرج وأبو جعفر وشيبة والأعمش وابن وثاب وطلحة: {أدخلوا} بقطع الألف. وقرأ علي بن أبي طالب وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم والحسن وقتادة: {ادخلوا} بصلة الألف على الأمر ل {آل فرعون} على هذه القراءة منادى مضاف. و: {أشد} نصب على ظرفية.
والضمير في قوله: {يتحاجون} لجميع كفار الأمم، وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون، والعامل في {إذ} فعل مضمر تقديره: واذكر. قال الطبري: {وإذ} هذه عطف على قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر} [غافر: 18] وهذا بعيد.
قال القاضي أبو محمد: والمحاجة: التحاور بالحجة والخصومة.
و: {الضعفاء} يريد في القدر والمنزلة في الدنيا. و: {الذين استكبروا} هم أشراف الكفار وكبراؤهم، ولم يصفهم بالكبر إلا من حيث استكبروا، لأنهم من أنفسهم كبراء، ولو كانوا كذلك في أنفسهم لكانت صفته الكبر أو نحوه مما يوجب الصفة لهم. و تبع: قيل هو جمع واحد تابع، كغائب وغيب، وقيل هو مفرد يوصف به الجمع، كعدل وزور وغيره.
وقوله: {مغنون عنا} أي يحملون عنا كله ومشقته، فأخبرهم المستكبرون أن الأمر قد انجزم بحصول الكل منهم فيها وأن حكم الله تعالى قد استمر بذلك.
وقوله: {كل فيها} ابتداء وخبر، والجملة موضع خبر إن.
وقرأ ابن السميفع: {إنا كلًا} بالنصب على التأكيد.
ثم قال جميع من في النار لخزنتها وزبانيتها: {ادعوا ربكم} عسى أن يخفف عنا مقدار يوم من أيام الدنيا من العذاب، فراجعتهم الخزنة على معنى التوبيخ لهم. والتقرير: {أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات} فأقر الكفار عند ذلك وقالوا {بلى} أي قد كان ذلك، فقال لهم الخزنة عند ذلك: فادعوا أنتم إذًا، وعلى هذا معنى الهزء بهم، فادعوا أيها الكافرون الذين لا معنى لدعائهم، وقالت فرقة: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} هو من قول الخزنة. وقالت فرقة: هو من قول الله تعالى إخبارًا منه لمحمد صلى الله عليه وسلم، وجاءت هذه الأفعال على صيغة المضي، قال الناس الذين استكبروا وقال للذين في النار، لأنها وصف حال متيقنة الوقوع فحسن ذلك فيها. اهـ.