الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وكما تقول افتريت على الله إن كلمت فلانًا، و{افترينا} معناه شققنا بالقول واختلفنا. ومنه قول عائشة: من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى به فقد أعظم على الله الفرية، ونجاة شعيب من ملتهم كانت منذ أول أمره، ونجاه من آمن معه كانت بعد مواقعة الكفر، وقوله: {إلا أن يشاء الله} يحتمل أن يريد إلا أن يسبق علينا من الله في ذلك سابق وسوء وينفذ منه قضاء لا يرد.قال القاضي أبو محمد: والمؤمنون هم المجوزون لذلك وشعيب قد عصمته النبوة، وهذا أظهر ما يحتمل القول، ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما يفعله الكفار من القربات، فلما قال لهم: إنا لا نعود في ملتكم ثم خشي أن يتعبد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعاضر ملحد بذلك ويقول: هذه عودة إلى ملتنا استثنى مشيئة الله تعالى فيما يمكن أن يتعبد به ويحتمل أن يريد بذلك معنى الاستبعاد كما تقول: لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط، وقد علم امتناع ذلك فهو إحالة على مستحيل.قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل إنما هو للمعتزلة الذين من مذهبهم أن الكفر والإيمان ليسا بمشيئة من الله تعالى فلا يترتب هذا التأويل إلا عندهم، وهذا تأويل حكاه المفسرون ولم يشعروا بما فيه، وقيل: إن هذا الاستثناء إنما هو تستر وتأدُّب.قال القاضي أبو محمد: ويقلق هذا التأويل من جهة استقبال الاسثناء ولو كان في الكلام إن شاء الله قوى هذا التأويل، وقوله: {وسع ربنا كل شيء علمًا} معناه: وسع علم ربنا كل شيء كما تقول: تصبب زيد عرقًا أي تصبب عرق زيد، و{وسع} بمعنى أحاط، وقوله: {افتح} معناه أحكم والفاتح الفتاح القاضي بلغة حمير، وقيل بلغة مراد، وقال بعضهم: [الوافر] وقال الحسن بن أبي الحسن: إن كل نبي أراد الله هلاك قومه أمره بالدعاء عليهم ثم استجاب له فأهلكهم، وقال ابن عباس ما كنت أعرف معنى هذه اللفظة حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك أي أحاكمك، وقوله: {على الله توكلنا} استسلام لله وتمسك بلفظه وذلك يؤيد التأويل الأول في قوله: {إلا أن يشاء الله}. اهـ.
قال الفراء: وأهل عُمان يسمون القاضي: الفاتح والفتَّاح.قال الزجاج: وجائز أن يكون المعنى: أظهِر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وينكشف، فجائز أن يكونوا سألوا بهذا نزول العذاب بقومهم ليظهر أن الحق معهم. اهـ.
أراد أنه غني عن حاكمهم وقاضيهم.وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما كنت أدري ما معنى قوله ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول تعال أفاتحك يعني أقاضيك.وهذا قول قتادة والسدي وابن جريج وجمهور المفسرين أن الفاتح هو القاضي والحاكم سمي بذلك لأنه يفتح أغلاق الإشكال بين الخصوم ويفصلها.وقال الزجاج: وجائز أن يكون معناه ربنا أظهر أمرنا حتى ينفتح بيننا وبين قومنا وينكشف والمراد منه أن ينزل عليهم عذابًا يدل على كونهم مبطلين وعلى كون شعيب وقومه محقين وعلى هذا الوجه فالفتح يراد به الكشف والتمييز. اهـ.
وكما تقول افتريت على الله أن كلمت فلانًا ولم ينشد ابن عطية البيت الذي يقيّد قوله بقيت وما بعده بالشرط وهو قوله: ولما كان أمر الدّين هو الأعظم عند المؤمن والمؤثر على أمر الدنيا لم يلتفتوا إلى الإخراج وإن كان أحد الأمرين هو الأعظم عند المؤمن والمؤثر على الكذب أقسم على وقوعه الكفار فقالوا قد افترينا على الله كذبًا إن عدنا في ملّتكم وتقدّم تفسير العود بالصيرورة وتأويله إن كان في معنى الرجوع إلى ما كان الإنسان فيه بالنسبة إلى النبي المعصوم من الكبائر والصغائر.{وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا} أي وما ينبغي ولا يتهيّأ لنا {أن نعود} في ملّتكم {إلا أن يشاء الله ربّنا} فنعود فيها وهذا الاستثناء على سبيل عذق جميع الأمور بمشيئة الله وإرادته وتجويز العود من المؤمنين إلى ملتهم دون شعيب لعصمته بالنبوّة فجرى الاستثناء على سبيل تغليب حكم الجمع على الواحد وإن لم يكن ذلك الواحد داخلًا في حكم الجمع، وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبّد الله به المؤمنين مما تفعله الكفرة من القربات فلما قال لهم إنا لا نعود في ملّتكم ثم خشي أن يتعبّد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك ويقول هذه عودة إلى ملتنا استثنى مشيئة الله فيما يمكن أن يتعبّد به انتهى، وهذا الاحتمال لا يصحّ لأن قوله: {بعد إذ نجانا الله منها} إنما يعني النجاة من الكفرة والمعاصي لا من أعمال البرّ، وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بذلك معنى الاستبعاد كما تقول لا أفعل ذلك حتى يشيب الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط وقد علم امتناع ذلك فهي إحالة على مستحيل وهذا تأويل حكاه المفسرون ولم يشعروا بما فيه انتهى، وهذا تأويل إنما هو للمعتزلة مذهبهم أنّ الكفر والإيمان ليس بمشيئة من الله تعالى، وقال الزمخشري: فإن قلت: وما معنى قوله: {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله} والله تعالى متعال أن يشاء ردة المؤمنين وعودهم في الكفر، قلت: معناه إلا أن يشاء الله خذلاننا ومنعنا الإلطاف لعلمه تعالى أنها لا تنفع فينا ويكون عبثًا والعبث قبيح لا يفعله الحكيم والدليل عليه قوله: {وسع ربنا كل شيء علمًا} أي هو عالم بكل شيء مما كان ويكون وهو تعالى يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل قلوبهم وكيف تنقلب وكيف تقسو بعد الرّقة وتمرض بعد الصحة وترجع إلى الكفر بعد الإيمان ويجوز أن يكون قوله: {إلا أن يشاء الله} حسمًا لطمعهم في العود لأن مشيئة الله تعالى بعودهم في الكفر محال خارج عن الحكمة انتهى وهذان التأويلان على مذهب المعتزلة، وقيل: هذا الاستثناء إنما هو تسليم وتأدّب، قال ابن عطية: وتعلق هذا التأويل من جهة استقبال الاستثناء ولو كان الكلام إن شاء قوى هذا التأويل انتهى وليس يقوي هذا التأويل لا فرق بين إلا أن يشاء وبين إلا أن شاء لأنّ إنّ تخلص الماضي للاستقبال كما تخلص أنْ المضارع للاستقبال وكلا الفعلين مستقبل وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في {فيها} يعود على القرية لا على الملح.{وسع ربنا كل شيء علمًا} تقدم تفسير نظيرها في الأنعام في قصة إبراهيم عليه السلام.{على الله توكلنا} أي في دفع ما توعدتمونا به وفي حمايتنا من الضلال وفي ذلك استسلام الله وتمسّك بلطفه وذلك يؤيد التأويل الأوّل في إلا أن يشاء الله، وقال الزمخشري: يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان.{ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} أي احكم والفاتح والفتاح القاضي بلغة حمير وقيل بلغة مراد، وقال بعضهم: وقال ابن عباس: ما كنت أعرف معنى هذه اللفظة حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها تعال أفاتحْك أي أحاكمك، وقال الفرّاء أهل عمان يسمون القاضي الفاتح، وقال السدّي وابن بحر: احكم بيننا، قال أبو إسحاق وجائز أن يكون المعنى أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وبين قومنا وينكشف ذلك وذلك بأن ينزل بعدوّهم من العذاب ما يظهر به أنّ الحق معهم، قال ابن عباس: كان كثير الصلاة ولما طال تمادى قومه في كفرهم ويئس من صلاحهم دعا عليهم فاستجاب دعاءه وأهلكهم بالرّجفة، وقال الحسن: إنّ كل نبي أراد هلاك قومه أمره بالدعاء عليهم ثم استجاب له فأهلكهم. اهـ.
|