فصل: قال ابن الجوزي:

مساءً 11 :25
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
17
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وجملة: {وإذا صرفت أبصارهم} معطوفة على جملة: {ونادوا أصحاب الجنة}.
والصّرف: أمر الحالّ بمغادرة المكان.
والصّرف هنا مجاز في الإلتفات أو استعارةٌ.
وإسناده إلى المجهول هنا جار على المتعارف في أمثاله من الأفعال التي لا يُتطلّب لها فاعل، وقد تكون لهذا الإسناد هنا فائدة زائدة وهي الإشارة إلى أنّهم لا ينظرون إلى أهل النّار إلاّ نظرًا شبيهًا بفعل من يحمله على الفعل حَامِل، وذلك أنّ النّفس وإن كانت تكره المناظر السيّئة فإنّ حبّ الاطّلاع يحملها على أن توجّه النّظر إليها آونة لتحصيل ما هو مجهول لديها.
والتلقاء: مكان وجود الشّيء، وهو منقول من المصدر الذي هو بمعنى اللّقاء، لأنّ محلّ الوجود مُلاق للموجود فيه. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
انظر إلى التعبير القرآني {صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ} أي لم يصرفوا أبصارهم لأن المسألة ليست اختيارية؛ لأنهم يكرهون أن ينظروا لهم لأنهم ملعونون، وكأن في {صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ} لونا من التوبيخ لأهل النارُ.
وقوله الحق: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ} أي جهة أصحاب النار يقولون: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين}.
هنا يدعو أهل الأعراف: يا رب جنبنا أن نكون معهم. إنهم حين يرون بشاعة العذاب يسألون الله ويستعيذون به ألا يدخلهم معهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ} معناه: كلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النَّارِ تضرَّعُوا إلى اللَّهِ في ألاّ يجعلهم من زمرتهم.
وقرأ الأعمش: {وإذَا قلبت} وهي مخالفة للسواد كقراءة {لَمْ يَدْخُلُوهَا} وَهُمْ أهل النَّارِ تضرَّعُوا إلى اللَّهِ في ألاّ يجعلهم من زمرتهم.
أو وهم طامعون على أن هذه أقرب.
قوله: {تِلْقَاءَ} منصوب على ظرف المكان.
قال مكيٌّ: وجمعه تلاقِيّ.
قال شهابُ الدّين: {لأن} تِلْقَاء وزنه تِفْعَال كتمثال وتمثال وبابه يجمع على تَفَاعِيلُ، فالتقت الياء الزَّائدةُ مع الياء التي هي لام الكلمة، فأدغمت فصارت تَلاَقِيّ.
والتلقاء في الأصل، مصدر ثم جُعِلَ دالًا على المكان أي: على جهة اللِّقَاءِ والمقابلة.
قال الوَاحِدِيُّ: التّلقاء جهة اللِّقَاءِ، وهي في الأصل مصدر استعمل ظَرْفًا، ونقل المصادر على تِفعال بكسر التَّاء إلاَّ لفظتان: التِّلقاء، والمبرد عن البصريّين أنَّهُمَا قالا: لم يأت من المصادر على تِفعال بكسر التَّاء إلاَّ لفظتان: التِّلقاء، والتِّبيان، وما عدا ذلك من المصادر فمفتوح نحو: التَّرْداد والتكرار، ومن الأسماء مكسور نحو: تِمثال وتِمْساح وتِقْصار.
وفي قوله: {صُرِفَتْ أبْصَارُهُم} فائدة جليلة، وهو أنَّهُم لم يَلْتَفِتُوا إلى جهة النَّار إلا مجبورين على ذلك لا باختيارهم؛ لأن مكان الشرِّ محذور، وقد تقدَّم خلاف القُرَّاء في نحو: {تِلْقَاءَ أصْحَابِ} بالنِّسبة إلى إسقاط إحْدَى الهمزتين، أو إثباتها، أو تسهيلها في أوائل البقرة [6، 13].
و{قالوا} هو جواب {إذا} والعامل فيها. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
إنما يصرف أبصارهم اليومَ تقديرًا عليهم عظيم المِنّة التي بها نجاتُهم، فيزيدون في الاستغاثة وصدق الابتهاء، فتكمل بهم العارفة بإدامة ما لاطفهم به من الإيواء والحفظ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (48):

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تقدم كلامهم لأهل الجنة بالسلام، أخبر أنهم يكلمون أهل النار بالتوبيخ والملام فقال: {ونادى} وأظهر الفاعل لئلا يلبس بأهل الجنة فقال: {أصحاب الأعراف} أي الحال صرف وجوهم إلى جهة أهل النار {رجالًا} أي من أهل النار {يعرفونهم} أي بأعيانهم، وأما معرفتهم إجمالًا فتقدم، وإنما قال هنا: {بسيماهم} لأن النار قد أكلتهم وغيرت معالمهم مع تغيرهم بالسمن وسواد الوجوه وعظم الجثث ونحوه {قالوا} نفيًا أو استفهامًا توبيخًا وتقريعًا {ما أغنى عنكم جمعكم} أي للمال والرجال {وما كنتم تستكبرون} أي تجددون بهما هذه الصفة وتوجدونها دائمًا في الدنيا زاعمين أنه لا غالب لكم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين بقوله: {وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم تِلْقَاء أصحاب النار قَالُواْ رَبَّنَا} [الأعراف: 47] أتبعه أيضًا بأن أصحاب الأعراف ينادون رجالًا من أهل النار، واستغنى عن ذكر أهل النار لأجل أن الكلام المذكور لا يليق إلا بهم، وهو قولهم: {مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} وذلك لا يليق إلا بمن يبكت ويوبخ، ولا يليق أيضًا إلا بأكابرهم، والمراد بالجمع، إما جمع المال، وإما الاجتماع والكثرة {وَمَا كُنتُمْ تَستَكبِرُون} والمراد: استكبارهم عن قبول الحق، واستكبارهم على الناس المحقين.
وقرئ {تستكثرون} من الكثرة، وهذا كالدلالة على شماتة أصحاب الأعراف بوقوع أولئك المخاطبين في العقاب، وعلى تبكيت عظيم يحصل لأولئك المخاطبين بسبب هذا الكلام. اهـ.

.قال السمرقندي:

{ونادى أصحاب الأعراف رِجَالًا} يعني: في النار {يَعْرِفُونَهُمْ بسيماهم قَالُواْ مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ} في الدنيا {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أي ما أغنى عنكم ما كنتم تستكبرون عن الإيمان.
وقرأ بعضهم {وما كنتم تستكثرو}.
يعني تجمعون المال الكثير.
وهي قراءة شاذة. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله: {رجالًا} يريد من أهل النار، ويحتمل أن يكون هذا النداء وأهل النار في النار، فتكون معرفتهم بعلامات معرفة بأنهم أولئك الذين عرفوا الدنيا، ويحتمل أن يكون هذا النداء وهم يحملون إلى النار، فتكون السيما التي عرفوا بها أنهم أهل النار تسويد الوجوه وتشويه الخلق، وقال أبو مجلز الملائكة تنادي رجالًا في النار، وقال غيره بل الآدميون ينادون أهل النار، وقيل: إن {ما} في قوله: {ما أغنى} استفهام بمعنى التقرير والتوبيخ، وقيل {ما} نافية والأول أصوب، و{جمعكم} لفظ يعم جموع الأجناد والخول وجمع المال لأن المراد بالرجال أنهم جبارون ملوك يقررون يوم القيامة على معنى الإهانة والخزي، و{ما} الثانية: مصدرية، وقرأت فرقة {تستكثرون} بالثاء مثلثة من الكثرة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ونادى أصحاب الأعراف رجالًا يعرفونهم بسيماهم}
روى أبو صالح عن ابن عباس قال: ينادون: يا وليد بن المغيرة، يا أبا جهل بن هشام، يا عاص بن وائل، يا أمية بن خلف، يا أُبَيّ بن خلف، يا سائر رؤساء الكفار، ما أغنى عنكم جمعكم في الدنيا المال والولد.
{وما كنتم تستكبرون} أي: تتعظَّمون عن الإيمان. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ونادى أصحاب الأعراف رجالًا} يعني ونادى أصحاب الأعراف رجالًا كانوا عظماء في الدنيا وهم من أهل النار {يعرفونهم بسيماهم} يعني سيما أهل النار {قالوا} يعني أصحاب الأعراف لهؤلاء الذين عرفوهم في النار {ما أغنى عنكم جمعكم} يعني ما كنتم تجمعون من الأموال والعدد في الدنيا {وما كنتم تستكبرون} يعني وما أغنى عنكم تكبركم عن الإيمان شيئًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ونادى أصحاب الأعراف رجالًا يعرفونهم بسيماهم قَالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون}
يحتمل أن يكون هذا النداء وأولئك الرجال في النار ومعرفتهم إياهم في الدنيا بعلامات ويحتمل أن يكون وهم يحملون إلى النار وسيماهم تسويد الوجه وتشويه الخلق، وقال أبو مجلز: الملائكة تنادي رجالًا في النار وهذا على تفسيره أنّ الأعراف هم ملائكة والجمهور على أنهم آدميون ولفظ {رجالًا} يدل على أنهم غير معينين، وقال ابن القشيري: ينادي أصحاب الأعراف رؤساء المشركين قبل امتحاء صورهم بالنار يا وليد بن المغيرة يا أبا جهل بن هشام يا عاصي بن وائل يا عتبة بن أبي معيط يا أمية بن خلف يا أبي بن خلف يا سائر رؤساء الكفّار {ما أغنى عنكم جمعكم} في الدنيا المال والولد والأجناد والحجاب والجيوش {وما كنتم تستكبرون} عن الإيمان انتهى، {وما أغنى} استفهام توبيخ وتقريع، وقيل: نافية و{ما} في و{ما كنتم} مصدريّة أي وكونكم تستكبرون وقرأت فرقة تستكثرون بالثاء مثلثة من الكثرة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ونادى أصحاب الأعراف}
كرر ذكرهم مع كفاية الإضمار لزيادة التقرير {رجالا} من رؤساء الكفار حين رأوهم فيما بين أصحاب النار {يعرفونهم بسيماهم} الدالة على سوء حالهم يومئذ وعلى رياستهم في الدنيا {قالوا} بدل من نادى {ما أغنى عنكم} ما استفهامية للتوبيخ والتقريع أو نافية {جمعكم} أي أتباعكم وأشياعكم أو جمعكم للمال {وما كنتم تستكبرون} ما مصدرية أي ما أغنى عنكم جمعكم واستكباركم المستمر عن قبول الحق، أو على الخلق وهو الأنسب بما بعده، وقرئ {تستكثرون} من الكثرة أي من الأموال والجنود. اهـ.

.قال الألوسي:

{ونادى أصحاب الأعراف}
كرر ذكرهم مع كفاية الإضمار لزيادة التقرير.
وقيل: لم يكتف بالإضمار للفرق بين المراد منهم هنا.
والمراد منهم فيما تقدم فإن المنادي هناك الكل وهنا البعض.
وفي إطلاق أصحاب الأعراف على أولئك الرجال بناءً على أن مآلهم إلى الجنة دليل على أن عنوان الصحبة للشيء لا يستدعي الملازمة له كما زعمه البعض {رِجَالًا} من رؤساء الكفرة كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل حين رأوهم فيما بين أصحاب النار {يَعْرِفُونَهُمْ بسيماهم} بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها من سواد الوجه وتشويه الخلق وزرقة العين كما قال الجبائي أو بصورهم التي كانوا يعرفونهم بها في الدنيا كما قال أبو مسلم أو بعلامتهم الدالة على سوء حالهم يومئذٍ وعلى رياستهم في الدنيا كما قيل ولعله الأولى.
وأيًا ما كان فالجار والمجرور متعلق بما عنده ويفهم من كلام بعضهم وفيه بعد أنه متعلق بنادى والمعنى نادوا رجالًا يعرفونهم في الدنيا بأسمائهم وكناهم وما يدعون به من الصفات.
{قَالُواْ} بيان لنادى أو بدل منه {مَا أغنى عَنكُمْ} استفهام للتقريع والتوبيخ ويجوز أن يراد النفي أي ما كفاكم ما أنتم فيه {جَمْعُكُمْ} أتباعكم وأشياعكم أو جمعكم المال فهو مصدر مفعوله مقدر {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أي واستكباركم المستمر عن قبول الحق أو على الخلق وهو الأنسب بما بعده.
وقرئ {تستكثرون} من الكثرة.
و{فِى مَا} على هذه القراءة تحتمل أن تكون اسم موصول على معنى ما أغنى عنكم أتباعكم والذي كنتم تستكثرونه من الأموال.
ويحتمل عندي أن تكون في القراءة السبعية كذلك والمراد بها حينئذٍ الأصنام.
ومعنى استكبارهم إياها اعتقادهم عظمها وكبرها أي ما أغنى عنكم جمعكم وأصنامكم التي كنتم تعتقدون كبرها وعظمها. اهـ.