الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عطية: زال الامتناع، وهذا كقولهم ذلذل بالتنوين وهم يريدون: الذلاذل لما زال البناء، قال الزجاج: والتنوين في {غواش} عند سيبويه عوض من الياء المنقوصة ورد أبو علي ان يكون هذا هو مذهب سيبويه، ويجوز الوقوف ب يا وبغير يا والاختيار بغير يا. اهـ. .قال الخازن: .قال أبو حيان: هذه استعارة لما يحيط بهم من النار من كل جانب كما قال لهم {من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} والغواشي جميع غاشية، قال ابن عباس والقرظي وابن زيد: هي اللحف، وقال عكرمة: يغشاهم الدّخان من فوقهم، وقال الزّجاج: غاشية من النار، وقال الضحاك: المهاد الفرش والغواشي اللحف والتنوين في {غواش} تنوين صرف أو تنوين عوض قولان وتنوين عوض من الياء أو من الحركة قولان كل ذلك مقرّر في علم النحو، وقرئ {غواش} بالرفع كقراءة عبد الله: {وله الجوار المُنشئات}. اهـ. .قال أبو السعود: .قال الألوسي: والآية على ما قيل مثل قوله تعالى: {لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر: 16] والمراد أن النار محيطة بهم من جميع الجوانب وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم قال: «هي طبقات من فوقه وطبقات من تحته لا يدري ما فوقه أكثر أو ما تحته غير أنه ترفعه الطبقات السفلى وتضعه الطبقات العليا ويضيق فيما بينهما حتى يكون بمنزلة الزج في القدح» وتنوين {غَوَاشٍ} عوض عن الحرف المحذوف أو حركته، والكسرة ليست للإعراب وهو غير منصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع، وبعض العرب يعربه بالحركات الظاهرة على ما قبل الياء لجعلها محذوفة نسيًا منسيًا، ولذا قرئ {غَوَاشٍ} بالرفع كما في قوله تعالى: {وَلَهُ الجوار} [الرحمن: 24] في قراءة عبد الله. {تَتْبِيبٍ وكذلك} أي ومثل ذلك الجزء الشديد {نَجْزِى الظالمين} عبر عنهم بالمجرمين تارة وبالظالمين أخرى للتنبيه على أنهم بتكذيبهم بالآيات واستكبارهم عنها جمعوا الصفتين. وذكر الجرم مع الحرمان من الجنة والظلم مع التعذيب بالنار تنبيهًا على أنه أعظم الأجرام، ولا يخفى على المتأمل في لطائف القرآن العظيم ما في إعداد المهاد والغواشي لهؤلاء المستكبرين عن الآيات ومنعهم من العروج إلى الملكوت وتقييد عدم دخولهم الجنة بدخول البعير بخرق الإبرة من اللطافة فليتأمل. اهـ. .قال ابن عاشور: والمِهاد بكسر الميم ما يُمْهَد أي يفرش، و{غواش} جمع غاشية وهي مَا يغشى الإنسانَ، أي يغطّيه كاللّحاف، شبّه ما هو تحتهم من النّار بالمِهاد، وما هو فوقهم منها بالغواشي، وذلك كناية عن انتفاء الرّاحة لهم في جهنّم، فإنّ المرء يحتاج إلى المهاد والغاشية عند اضطجاعه للرّاحة، فإذا كان مهادهم وغاشيتهم النّار. فقد انتفت راحتهم، وهذا ذِكر لعذابهم السّوء بعد أن ذكر حِرمانهم من الخير. وقوله: {غَواش} وصف لمقدّر دلّ عليه قوله: {من جهنّم}، أي ومن فوقهم نيران كالغواشي. وذّيله بقوله: {وكذلك نَجزي الظالمين} ليدلّ على أن سبب ذلك الجزاء بالعقاب: هو الظلمُ. وهو الشّرك. ولمّا كان جزاء الظّالمين قد شبّه بجزاء الذين كذّبوا بالآيات واستكبروا عنها، علم أنّ هؤلاء المكذّبين من جملة الظّالمين. وهم المقصود الأوّل من هذا التّشبيه، بحيث صاروا مثلًا لعموم الظالمين، وبهذين العمومين كان الجملتان تذييلين. وليس في هذه الجملة الثّانية وضع الظّاهر موضع المضمر: لأنّ الوصفين، وإن كانا صادقين معًا على المكذّبين المشبَّهِ عقابُ أصحاب الوصفين بعقابهم. فوصف المجرمين أعمّ مفهومًا من وصف الظّالمين، لأنّ الإجرام يشمل التّعطيل والمجوسيّة بخلاف الإشراك. وحقيقة وضع المظهر موقع المضمر إنّما تتقوّم حيث لا يكون للاسم الظّاهر المذكور معنى زائد على معنى الضّمير. اهـ. .قال الشعراوي: المهاد هو الفراش، ومنه مهد الطفل، والغاشية هي الغطاء، أي أن فرش هذا المهاد وغطاءه جهنم. وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى: {لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ...} [الزمر: 16] إذن الظلل والغواشي تغطي جهتين في التكوين البعدي للإِنسان، والأبعاد ستة وهي: الأمام والخلف، واليمين والشمال، والفوق والتحت، والمهاد يشير إلى التحتية، والغواشي تشير إلى الفوقية، وكذلك الظلل من النار، ولكن الحق شاء أن يجعل جهنم تحيط بأبعاد الكافر الستة فيقول سبحانه: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا...} [الكهف: 29] وهذا يعني شمول العذاب لجميع اتجاهات الظالمين. وجهنم مأخوذة من الجهومة وهي الشيء المخوف العابس الكريه الوجه، ثم يأتي بالمقابل ليشحن النفس بكراهية ذلك الموقف، ويحبب إلى النفس المقابل لمثل هذا الموقف، فيقول سبحانه: {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ...}. اهـ. .التفسير المأثور: أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {لهم من جهنم مهاد} قال: الفرش {ومن فوقهم غواش} قال: اللحف. وأخرج هناد وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي. مثله. وأخرج أبو الحسن القطان في الطوالات وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم «يكسى الكافر لوحين من نار في قبره، فذلك قوله: {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش}». وأخرج ابن مردويه عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية لهم في جهنم مهاد ومن فوقهم غواش قال: هي طبقات من فوقه وطبقات من تحته لا يدري ما فوقه أكثر أو ما تحته، غير أنه ترفعه الطبقات السفلى وتضعه الطبقات العليا ويضيق فيما بينهما حتى يكون بمنزلة الزج في القدح». اهـ. .فوائد لغوية وإعرابية: قوله: {لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ} هذه الجملة محتملة للحاليّة والاستئناف، ويجوزُ حينئذ في {مهاد} أن تكون فاعلًا بـ {لهم} فتكون الحال من قبيل المفرات، وأن تكون متبدأ، فتكون من قبيل الجمل. و{مِنْ جَهَنَّمَ} حال من {مِهَاد}؛ لأنَّهُ لو تأخر عنه لكان صفة، أو متعلق بما تعلَّق به الجار قبله. و{جَهَنَّم} لا تنصرف لاجتماع التَّأنيث والتعريف. وقيل: اشتقاقه من الجهومة، وهي الغلظ يقال: رجل جهم الوجْهِ أي غَلِيظه، فسميت بهذا الغلظ أمرها في العذاب. والمِهَاد جمع: مَهْدٍ، وهو الفراشُ. قال الأزهريُّ: المَهْدُ في اللُّغة الفرش، يقال للفراش: مِهَادٌ. قوله: {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} غواشٍ: جمع غاشية، وللنُّحاة في الجمع الذي على فواعل إذا كان منقوصًا بقياس خلاف: هل هو مُنْصَرِفٌ؟. فبعضهم قال: هو مَنْصرفٌ؛ لأنه قد زال منه صيغة منتهى الجموع، فصار وزنُهُ وَزْنَ جَنَاحٍ وَقَذالٍ فانصرف. وقال الجَمْهُورُ: هو ممنوعٌ من الصَّرف، والتنوين تنوين عوضٍ. واختلف في المعوِّض عَنْهُ ماذا؟ فالجمهور على أنَّهُ عوض من الياء المَحْذُوفَةِ. وذهب المُبردِ إلى أنَّهُ عوض من حركتها، والكسرُ ليس كسر إعراب، وهكذا: حَوَارٍ وموالٍ وبعضهم يجرُّه بالفتحة، قال: [الطويل] وقال آخر: [الرجز] وهذا الحكمُ ليس مختصًا بصيغة مفاعل، بل كلُّ غير منصرف إذا كان منقوصًا، فحكمهُ ما تقدَّم نحو: يُعيْل تصغير يَعْلَى ويَرْم اسم رجل، وعيله قوله: وَمِنْ يَعَيْلِيَا وبعض العرب يعرب غواش ونحوه بالحركاتِ على الحرف الذي قبل الياء المحذوفة، فيقول: هؤلاء جوارٍ. وقرئ: {ومِنْ فَوْقِهِم غَوَاشٌ} برفع الشين، وهي كقراءة عبد الله: {وَلَهُ الجوار} [الرحمن: 24] برفع الراء. فإن قيل: {غَوَاش} على وزن فواعل؛ فيكون غير منصرف فكيف دخله التنوين؟. فالجوابُ: على مذهب الخَلِيلِ وسيبويهِ أنَّ هذا جمع، والجمع أثقل من الواحد، وهو أيضًا الجمع الأكبر الذي تتناهى الجموع إيله، فزاده ذلك ثقلًا، ثم وقعت الياء في آخره وهي ثقيلة، فلمَّا اجتمعت فيه هذه الأشياء خفَّفوه بحذف الياء، فلَّما حذفوا الياء نقص عن مثال فوَاعل فصار غواش بوزن جناح، فدخلهُ التَّنوين لنقصانه عن هذا المثال. قال المفسِّرون: معنى الآية: الإخبارُ عن إحاطة النَّار بهم من كل جانب قوله: {وكذلِكَ} تقدم مثله [الأعراف: 40]. وقوله: {والظَّالمِيْنَ} يحتمل أن يكون من باب وقوع الظَّاهر موقع المضمر، والمراد بـ {الظَّالمِينَ} المجرمون، ويحتمل أن يكونوا غيرهم، وأنَّهُم يُجزون كجزائهم. اهـ.
|