الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.سورة القيامة: .فصول مهمة تتعلق بالسورة الكريمة: .فصل في فضل السورة الكريمة: فضل السّورة: عن أُبي: «منْ قرأها شهِدْت أنا وجبْرئيلُ يوم القيامة أنّه كان مؤمنا بيوم القيامة، وجاء ووجهه مُسْفِرٌ على وجوه الخلائق يوم القيامة». وحديث علي: «يا علي منْ قرأها أعطاه الله ثواب أُمّتي ذكرا وأُنثى، وكتب الله له بكلّ آية قرأها ثمانين حسنة». اهـ. .فصل في مقصود السورة الكريمة: .قال البقاعي: .قال مجد الدين الفيروزابادي: .بصِيرة في: {لا أقسم بيوم القيامة}: وآياتها أربعون في عدّ الكوفيّين، وتسع وثلاثون في عدّ الباقين. وكلماتها مائة وتسع وتسعون. وحروفها ثلاثمائة واثنتان وخمسون. المختلف فيها آية: {لِتعْجل به} فواصل آياتها (يقرأه). سمّيت سورة القيامة، لمفتتحها، ولقوله: {يسْألُ أيّان يوْمُ الْقِيامةِ}. .مقصود السّورة: المنسوخ فيها آية واحدة: م {لا تحرك به لِسانك لِتعْجل به} ن {سنُقرئك فلا تنسى}. اهـ. .فصل في متشابهات السورة الكريمة: .قال ابن جماعة: 56- مسألة: قوله تعالى: {أوْلى لك فأوْلى (34) ثُمّ أوْلى لك فأوْلى} ما معناه؟ وما فائدة تكراره؟. جوابه: هو دعاء على المخاطب بالويل وهو مشتق من (ولى) إذا قرب، ومعناه: أقرب لك الويل، وأما تكراره فإما تأكيد له، أو أن الأول للدنيا، والثانى للآخرة، أي: ويل له فيهما. والله أعلم. اهـ. .قال مجد الدين الفيروزابادي: قوله: {لا أُقْسِمُ بِيوْمِ الْقِيامةِ} ثمّ أعاد، فقال: {ولا أُقْسِمُ بِالنّفْسِ اللّوّامةِ} فيه ثلاث أقوال: أحدها أنّه سبحانه أقسم بهما، والثانى: لم يقسم بهما، والثّالث: أقسم بيوم القيامة، ولم يُقسم بالنّفس. وقد ذكرنا بسْطه في التفسير. قوله: {وخسف الْقمرُ} وكرّره في الآية الثّانية {وجُمِع الشّمْسُ والْقمرُ}؛ لأنّ الأوّل عبارة عن بياض العين بدليل قوله: {فإِذا برق الْبصرُ وخسف الْقمرُ}. وفيه قول ثان- وهو قول الجمهور- أنهما بمعنى واحد. وجاز تكراره لأنّه أخبر عنه بغير الخبر الأوّل. وقيل: الثانى وقع موقع الكناية؛ كقوله تعالى: {قدْ سمِع اللّهُ... وتشْتكِي إِلى اللّهِ... واللّهُ يسْمعُ... إِنّ اللّه} فصرّح؛ تعظيما، وتفخيما، وتيمّنا، قال تاج القراء: ويحتمل أن يقال: أراد بالأوّل الشّمس؛ قياسا على القمرين. ولهذا ذكّر فقال: {وجُمِع الشّمْسُ والْقمرُ} أي جُمِع القمران؛ فإِنّ التّثنية أُخت العطف. وهذه دقيقة. قوله: {أوْلى لك فأوْلى} كرّرها مرّتين، بل كرّرها أربع مرّات؛ فإِنّ قوله: {أوْلى لك} تمام في الذمّ؛ بدليل قوله: (فأولى لهم)؛ فإِنّ جمهور المفسرين ذهبوا إِلى أنّه للتّهديد. وإِنّما كرّرها لأنّ المعنى: أولى لك الموت، فأولى لك العذاب في القبر ثمّ أولى أهوالُ القيامة، فأولى لك عذاب النّار، نعذ بالله منها. اهـ. .فصل في التعريف بالسورة الكريمة: .قال ابن عاشور: عُنونت هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وكتب السنة ب (سورة القيامة) لوقوع القسم بيوم القيامة في أولها ولم يقسم به فيما نزل قبلها من السور. وقال الألوسي: يقال لها (سورة لا أقسم)، ولم يذكرها صاحب (الإِتقان) في عداد السور ذات أكثر من اسم. وهي مكية بالاتفاق. وعدّت الحادية والثلاثين في عداد نزول سور القرآن. نزلت بعد سورة القارعة وقبل سورة الهُمزة. وعدد آيها عند أهل العدد من معظم الأمصار تسعا وثلاثين آية، وعدّها أهل الكوفة أربعين. أغراضها: اشتملت على إِثباتتِ البعث. والتذكير بيوم القيامة وذكر أشراطه. وإثبات الجزاء على الأعمال التي عملها الناس في الدنيا. واختلاف أحوال أهل السعادة وأهل الشقاء وتكريم أهل السعادة. والتذكيرِ بالموت وأنه أول مراحل الآخرة. والزجرِ عن إيثار منافع الحياة العاجلة على ما أعد لأهل الخير من نعيم الآخرة. وفي (تفسير ابن عطية) عن عُمر بن الخطاب ولم يسنده: أنه قال (من سأل عن القيامة أو أراد أن يعرف حقيقة وقوعها فليقرأ هذه السورة). وأُدمج فيها آيات{لا تحرك به لسانك إلى وقُرءانه}(القيامة: 16، 17) لأنها نزلت في أثناء نزول هذه السورة كما سيأتي. اهـ. .قال سيد قطب: هذه السورة الصغيرة تحشد على القلب البشري من الحقائق والمؤثرات والصور والمشاهد، والإيقاعات واللمسات، ما لا قبل له بمواجهته ولا التفلت منه.. تحشدها بقوة، في أسلوب خاص، يجعل لها طابعا قرآنيا مميزا، سواء في أسلوب الأداء التعبيري، أو أسلوب الأداء الموسيقي، حيث يجتمع هذا وذاك على إيقاع تأثير شعوري قوي، تصعب مواجهته ويصعب التفلت منه أيضا! إنها تبدأ في الآيتين الأوليين منها بإيقاع عن القيامة، وإيقاع عن النفس: {لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة}.. ثم يستطرد الحديث فيها متعلقا بالنفس ومتعلقا بالقيامة، من المطلع إلى الختام، تزاوج بين النفس وبين القيامة حتى تنتهي. وكأن هذا المطلع إشارة إلى موضوع السورة. أو كأنه اللازمة الإيقاعية التي ترتد إليها كل إيقاعات السورة، بطريقة دقيقة جميلة.. من تلك الحقائق الكبيرة التي تحشدها هذه السورة في مواجهة القلب البشري، وتضرب بها عليه حصارا لا مهرب منه.. حقيقة الموت القاسية الرهيبة التي تواجه كل حي، فلا يملك لها ردا، ولا يملك لها أحد ممن حوله دفعا. وهي تتكرر في كل لحظة، ويواجهها الكبار والصغار، والأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعاف، ويقف الجميع منها موقفا واحدا.. لا حيلة. ولا وسيلة. ولا قوة. ولا شفاعة. ولا دفع. ولا تأجيل.. مما يوحي بأنها قادمة من جهة عليا لا يملك البشر معها شيئا. ولا مفر من الاستسلام لها، والاستسلام لإرادة تلك الجهة العليا.. وهذا هو الإيقاع الذي تمس به السورة القلوب وهي تقول: {كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق.. إلى ربك يومئذ المساق}.. ومن تلك الحقائق الكبيرة التي تعرضها السورة، حقيقة النشأة الأولى، ودلالتها على صدق الخبر بالنشأة الأخرى، وعلى أن هناك تدبيرا في خلق هذا الإنسان وتقديرا.. وهي حقيقة يكشف الله للناس عن دقة أدوارها وتتابعها في صنعة مبدعة، لا يقدر عليها إلى الله، ولا يدعيها أحد ممن يكذبون بالآخرة ويتمارون فيها. فهي قاطعة في أن هناك إلها واحدا يدبر هذا الأمر ويقدره؛ كما أنها بينة لا ترد على يسر النشأة الآخرة، وإيحاء قوي بضرورة النشأة الأخرى، تمشيا مع التقدير والتدبير الذي لا يترك هذا الإنسان سدى، ولا يدع حياته وعمله بلا وزن ولا حساب.. وهذا هو الإيقاع الذي تمس السورة به القلوب وهي تقول في أولها: {أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه}ثم تقول في آخرها: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى}.. ومن المشاهد المؤثرة التي تحشدها السورة، وتواجه بها القلب البشري مواجهة قوية.. مشهد يوم القيامة وما يجري فيه من انقلابات كونية، ومن اضطرابات نفسية، ومن حيرة في مواجهة الأحداث الغالبة حيث يتجلى الهول في صميم الكون، وفي أغوار النفس وهي تروغ من هنا ومن هناك كالفأر في المصيدة! وذلك ردا على تساؤل الإنسان عن يوم القيامة في شك واستبعاد ليومها المغيب، واستهانة بها ولجاج في الفجور. فيجيء الرد في إيقاعات سريعة، ومشاهد سريعة، وومضات سريعة: {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسأل أيان يوم القيامة فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصِيرة ولو ألقى معاذيره}.. ومن هذه المشاهد مشهد المؤمنين المطمئنين إلى ربهم، المتطلعين إلى وجهه الكريم في ذلك الهول. ومشهد الآخرين المقطوعي الصلة بالله، وبالرجاء فيه، المتوقعين عاقبة ما أسلفوا من كفر ومعصية وتكذيب. وهو مشهد يعرض فيه قوة وحيوية كأنه حاضر لحظة قراءة القرآن. وهو يعرض ردا على حب الناس للعاجلة، وإهمالهم للآخرة. وفي الآخرة يكون هذا الذي يكون: {كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة}.. وفي ثنايا السورة وحقائقها تلك ومشاهدها تعترض أربع آيات تحتوي توجيها خاصا للرسول صلى الله عليه وسلم وتعليما له في شأن تلقي هذا القرآن. ويبدو أن هذا التعليم جاء بمناسبة حاضرة في السورة ذاتها. إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف أن ينسى شيئا مما يوحى إليه، فكان حرصه على التحرز من النسيان يدفعه إلى استذكار الوحي فقرة فقرة في أثناء تلقيه؛ وتحريك لسانه به ليستوثق من حفظه. فجاء هذا التعليم: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه}.. جاءه هذا التعليم ليطمئنه إلى أن أمر هذا الوحي، وحفظ هذا القرآن، وجمعه، وبيان مقاصده.. كل أولئك موكول إلى صاحبه. ودوره هو، هو التلقي والبلاغ. فليطمئن بالا، وليتلق الوحي كاملا، فيجده في صدره منقوشا ثابتا.. وهكذا كان.. فأما هذا التعليم فقد ثبت في موضعه حيث نزل.. أليس من قول الله؟ وقول الله ثابت في أي غرض كان؟ ولأي أمر أراد؟ وهذه كلمة من كلماته تثبت في صلب الكتاب شأنها شأن بقية الكتاب.. ودلالة إثبات هذه الآيات في موضعها هذا من السورة دلالة عميقة موحية على حقيقة لطيفة في شأن كل كلمات الله في أي إتجاه.. وفي شأن هذا القرآن وتضمنه لكل كلمات الله التي أوحى بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرم منها حرف، ولم تند منها عبارة. فهو الحق والصدق والتحرج والوقار! وهكذا يشعر القلب- وهو يواجه هذه السورة- أنه محاصر لا يهرب. مأخوذ بعمله لا يفلت. لا ملجأ له من الله ولا عاصم. مقدرة نشأته وخطواته بعلم الله وتدبيره، في النشأة الأولى وفي النشأة الآخرة سواء، بينما هو يلهو ويلعب ويغتر ويتبطر: {فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى}.. وفي مواجهة تلك الحشود من الحقائق والمؤثرات واللمسات والإيحاءات يسمع التهديد الملفوف: {أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى} فيكون له وقعه ومعناه! وهكذا تعالج السورة عناد هذا القلب وإعراضه وإصراره ولهوه. وتشعره بالجد الصارم الحازم في هذا الشأن، شأن القيامة، وشأن النفس وشأن الحياة المقدرة بحساب دقيق. ثم شأن هذا القرآن الذي لا يخرم منه حرف، لأنه من كلام العظيم الجليل، الذي تتجاوب جنبات الوجود بكلماته، وتثبت في سجل الكون الثابت، وفي صلب هذا الكتاب الكريم. وقد عرضنا نحن لحقائق السورة ومشاهدها فرادى لمجرد البيان. وهي في نسق السورة شيء آخر. إذ أن تتابعها في السياق، والمزاوجة بينها هنا وهناك، ولمسة القلب بجانب من الحقيقة مرة، ثم العودة إليه بالجانبالآخر بعد فترة.. كل ذلك من خصائص الأسلوب القرآني في مخاطبة القلب البشري؛ مما لا يبلغ إليه أسلوب آخر، ولا طريقة أخرى. اهـ.
|