الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ الله ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَالله يُحْيِي وَيُمِيتُ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158)}. أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض} الآية. قال: هذا قول عبدالله بن أبي بن سلول والمنافقين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم} الآية. قال: هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي {إذا ضربوا في الأرض} وهي التجارة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} قال: هذا قول الكفار إذا مات الرجل يقولون: لو كان عندنا ما مات فلا تقولوا كما قال الكفار. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} قال: يحزنهم قولهم لا ينفعهم شيئًا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} لقلة اليقين بربهم {والله يحيي ويميت} أي يُعَجِّلُ ما يشاء ويؤخر ما يشاء من آجالهم بقدرته {ولئن قتلتم في سبيل الله} الآية. أي الموت كائن لابد منه، فموت في سبيل الله أو قتل {خير} لو علموا واتقوا {مما يجمعون} من الدنيا التي لها يتأخرون عن الجهاد تخوف الموت والقتل لما جمعوا من زهيد الدنيا زهادة في الآخرة {ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون} أي ذلك كائن إذ إلى الله المرجع فلا تَغُرَنَّكم الحياة الدنيا ولا تغتروا بها، وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه منه آثر عندكم منها. وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ {متم} و(إذا متنا). كل شيء في القرآن بكسر الميم. اهـ. .سؤال وجواب: قلنا: إن الذي تجمعونه في الدنيا قد يكون من باب الحلال الذي يعد خيرا، وأيضا هذا وارد على حسب قولهم ومعتقدهم أن تلك الأموال خيرات، فقيل: المغفرة خير من هذه الأشياء التي تظنونها خيرات. اهـ. .تفسير الآية رقم (159): .مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: إلى غير ذلك من الأمور التي توجب لرؤساء الجيوش وقادة الجنود اتهام أتباعهم وسوء الظن بهم الموجب للغضب والإيقاع ببعضهم ليكون ذلك زاجرًا لهم عن العود إلى مثله فقال تعالى: {فبما رحمة من الله} أي الذي له الكمال كله {لنت لهم} أي ما لنت لهم هذا اللين الخارق للعادة ورفقت بهم هذا الرفق بعدما فعلوا بك إلا بسبب رحمة عظيمة من الله الحائز لجميع الكمال، فقابلتهم بالجميل ولم تعنفهم بأنهزامهم عنك بعد إذ خالفوا رأيك، وهم كانوا سببًا لاستخراجك؛ والذي اقتضى هذا الحصر هو ما لأنها نافية في سياق الإثبات فلم يمكن أن توجه إلا إلى ضد ما أثبته السياق، ودلت زيادتها على أن تنوين {رحمة} للتعظيم، أي فبالرحمة العظيمة لا بغيرها لنت. ولما بين سبحانه وتعالى سبب هذا اللين المتين بين ثمرته ببيان ما في ضده من الضرر فقال: {ولو كنت فظًّا} أي سيئ الخلق جافيًا في القول: {غليظ القلب} أي قاسية لا تتأثر بشيء، تعاملهم بالعنف والجفاء {لانفضّوا} أي تفرقوا تفرقًا قبيحًا لا اجتماع معه {من حولك} أي ففات المقصود من البعثة. ولما أخبره سبحانه وتعالى أنه هو عفا عنهم ما فرطوا في حقه أمره بالعفو عنهم فيما يتعلق به صلى الله عليه وسلم، وبالاستمرار على مشاورتهم عند النوائب لئلا يكون خطؤهم في الرأي- أولًا في الخروج من المدينة. وثانيًا في تضييع المركز، وثالثًا في إعراضهم عن الإثخان في العدو بعد الهزيمة الذي ما شرع القتال إلا لأجله بإقبالهم عن النهب، ورابعًا في وهنهم عند كر العدو إلى غير ذلك- موجبًا لترك مشاورتهم، فيفوت ما فيها من المنافع في نفسها وفيما تثمره من التألف والتسنن وغير ذلك فقال سبحانه وتعالى: {فاعف عنهم} أي ما فرطوا في هذه الكره في حقك {واستغفر لهم} أي الله سبحانه وتعالى لما فرطوا في حقه {وشاورهم} أي استخرج آراءهم {في الأمر} أي الذي تريده من أمور الحرب تألفًا لهم وتطييبًا لنفوسهم ليستن بك من بعدك {فإذا عزمت} أي بعد ذلك على أمر فمضيت فيه، وقراءة من ضم التاء للمتكلم بمعناها، أي فإذا فعلت أنت أمرًا بعد المشاورة لأني فعلت فيه- بأن أردته- فعل العازم. ولما أمر بالمشاورة التي هي النظر في الأسباب أمر بالاعتصام بمسببها من غير التفات إليها ليكمل جهاد الإنسان بالملابسة ثم التجرد فقال: {فتوكل} أي فيه {على الله} أي الذي له الأمر كله، ولا يردك عنه خوف عاقبة- كما فعلت بتوفيق الله في هذه الغزوة، ثم علل ذلك بقوله: {إن الله} أي الذي لا كفوء له {يحب المتوكلين} أي فلا يفعل بهم إلا ما فيه إكرامهم وإن رُئي غير ذلك. اهـ. .قال الفخر: .اللغة: {غليظ القلب} هو الذي لا يتأثر قلبه ولا يرق، ومن ذلك قول الشاعر: لنحن أغلظ أكبادا من الإبل. {انفضوا} تفرقوا وأصل الفض الكسر ومنه قولهم: لا يفضض الله فاك. {يغل} الغلول: الخيانة وأصله أخذ الشيء في الخفية يقال: غل فلان في الغنيمة أي أخذ شيئا منها في خفية. {باء} رجع. {سخط} السخط: الغضب الشديد. {مأواه} منزله ومثواه. {يزكيهم} يطهرهم. {من} المنة: الإنعام والإحسان. {فادرءوا} الدرء: الدفع ومنه: {ويدرأ عنها العذاب}. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال الفخر: وروي أن امرأة عثمان دخلت عليه صلى الله عليه وسلم، وكان النبي وعلي يغسلان السلاح، فقالت: ما فعل ابن عفان؟ أما والله لا تجدونه إمام القوم، فقال لها علي: ألا إن عثمان فضح الزمان اليوم، فقال عليه الصلاة والسلام «مه» وروي أنه قال حيئنذ: «أعياني أزواج الأخوات أن يتحابوا»، ولما دخل عليه عثمان مع صاحبيه ما زاد على أن قال: «لقد ذهبتم فيها عريضة». وروي عن بعض الصحابة أنه قال: لقد أحسن الله إلينا كل الإحسان، كنا مشركين، فلو جاءنا رسول الله بهذا الدين جملة، وبالقرآن دفعة لثقلت هذه التكاليف علينا، فما كنا ندخل في الإسلام، ولكنه دعانا إلى كلمة واحدة، فلما قبلناها وعرفنا حلاوة الإيمان، قبلنا ما وراءها كلمة بعد كلمة على سبيل الرفق إلى أن تم الدين وكملت الشريعة. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إنما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها». واعلم أن سر الأمر في حسن الخلق أمران: اعتبار حال القائل، واعتبار حال الفاعل، أما اعتبار حال القائل فلأن جواهر النفوس مختلفة بالماهية، كما قال عليه الصلاة والسلام: «الأرواح جنود مجندة» وقال: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة» وكما أنها في جانب النقصان تنتهي إلى غاية البلادة والمهانة والنذالة، واستيلاء الشهوة والغضب عليها واستيلاء حب المال واللذات، فكذلك في جانب الكمال قد تنتهي إلى غاية القوة والجلالة، أما في القوة النظرية فيكون كما وصفه الله تعالى بقوله: {نُّورٌ على نُورٍ} [النور: 35] وقوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] وأما في القوة العملية، فكما وصفه الله بقوله: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} كأنها من جنس أرواح الملائكة، فلا تنقاد للشهوة ولا تميل لدواعي الغضب، ولا تتأثر من حب المال والجاه، فإن من تأثر عن شيء كان المتأثر أضعف من المؤثر، فالنفس إذا مالت إلى هذه المحسوسات كانت روحانياتها أضعف من الجسمانيات، وإذا لم تمل إليها ولم تلتفت إليها كانت روحانياتها مستعلية على الجسمانيات، وهذه الخواص نظرية، وكانت نفسه المقدسة في غاية الجلالة والكمال في هذه الخصال. وأما اعتبار حال الفاعل فقوله عليه الصلاة والسلام: «من عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب» فإنه يعلم أن الحوادث الأرضية مستندة إلى الأسباب الإلهية، فيعلم أن الحذر لا يدفع القدر، فلا جرم إذا فاته مطلوب لم يغضب، وإذا حصل له محبوب لم يأنس به، لأنه مطلع على الروحانيات التي هي أشرف من هذه الجسمانيات، فلا ينازع أحدًا من هذا العالم في طلب شيء من لذاتها وطيباتها، ولا يغضب على أحد بسبب فوت شيء من مطالبها، ومتى كان الإنسان كذلك كان حسن الخلق، طيب العشرة مع الخلق، ولما كان صلوات الله وسلامه عليه أكمل البشر في هذه الصفات الموجبة لحسن الخلق، لا جرم كان أكمل الخلق في حسن الخلق. اهـ. فصل: قال الفخر: احتج أصحابنا في مسألة القضاء والقدر بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ}. وجه الاستدلال أنه تعالى بين أن حسن خلقه مع الخلق، إنما كان بسبب رحمة الله تعالى، فنقول: رحمة الله عند المعتزلة عامة في حق المكلفين، فكل ما فعله مع محمد عليه الصلاة والسلام من الهداية والدعوة والبيان والارشاد، فقد فعل مثل ذلك مع إبليس وفرعون وهامان وأبي جهل وأبي لهب، فإذا كان على هذا القول كل ما فعله الله تعالى مع المكلفين في هذا الباب مشتركا فيه بين أصفى الأصفياء، وبين أشقى الأشقياء لم يكن اختصاص بعضهم بحسن الخلق وكمال الطريقة مستفادًا من رحمة الله، فكان على هذا القول تعليل حسن خلق الرسول عليه الصلاة والسلام برحمة الله باطلا، ولما كان هذا باطلا علمنا أن جميع أفعال العباد بقضاء الله وبقدره، والمعتزلة يحملون هذا على زيادة الألطاف وهذا في غاية البعد، لأن كل ما كان ممكنًا من الألطاف، فقد فعله في حق المكلفين، والذي يستحقه المكلف بناء على طاعته من مزيد الألطاف، فذاك في الحقيقة إنما اكتسبه من نفسه لا من الله، لأنه متى فعل الطاعة استحق ذلك المزيد من اللطف، ووجب إيصاله إليه، ومتى لم يفعل امتنع إيصاله، فكان ذلك للعبد من نفسه لا من الله. اهـ. .قال ابن عطية: .قال الفخر: وعقب أبو حيان على كلام الفخر قائلا: وما ذهب إليه خطأ من وجهين: أحدهما: أنه لا تضاف ما الاستفهامية، ولا أسماء الاستفهام غير أي بلا خلاف، وكم على مذهب أبي إسحاق. والثاني: إذا لم تصح الإضافة فيكون إعرابه بدلًا، وإذا كان بدلًا من اسم الاستفهام فلابد من إعادة همزة الاستفهام في البدل، وهذا الرجل لحظ المعنى ولم يلتفت إلى ما تقرر في علم النحو من أحكام الألفاظ، وكان يغنيه عن هذا الارتباك والتسلق إلى ما لا يحسنه والتسور عليه. قول الزجاج في ما هذه؟ إنها صلة فيها معنى التوكيد بإجماع النحويين. اهـ.
|