الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»
.تفسير الآيات (5- 8): وقوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} الباءُ باءُ السببِ وقَالَ ابن عباس وغيرُه: المعنى أوحَى إليهَا، قال * ص *: المشهورُ أنَّ {أوحى} يتعدى ب {إلى} وَعُدِّيَ هنا باللامِ مُرَاعَاةً للفَوَاصِل، وقال أَبو البقاء: {لَهَا} بِمَعْنَى إلَيْهَا، انتهى. وقوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً} بمعنى: يَنْصَرِفُونَ مِنْ موضعِ وُرُودِهم مُختلِفي الأَحْوَالِ، قال الجمهور: وُرُوْدُهُمْ بالموت، وصدورُهُمْ هو القيامُ إلَى البَعْثِ والكلُّ سائرٌ إلى العَرْضِ ليرَى عَمَله، ويقفُ عليه، وقيل: الورودُ هو ورودُ المَحْشَرِ والصَّدَرُ أشْتَاتَاً هُو صَدَرُ قَوْمٍ إلى الجنةِ وقَوْمٍ إلى النَّارِ ليروا جَزَاء أعمالهم. وَقَوْلهِ جلت عظمته: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} الآية، كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي هذه الآيَةَ الجِامِعَةَ الفَاذَّةَ، ويروى أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هذه السُّورَةُ بَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ أُسْأَلُ عَنْ مَثَاقِيلِ الذَّرِّ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أبا بَكْرٍ، مَا رَأَيْتَهُ في الدُّنْيَا مِمَّا تَكْرَهُ فَبِمَثاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ، وَيَدَّخِرُ لَكَ اللَّهُ مَثَاقِيلَ ذَرِّ الخَيْرِ إلَى الآخِرَةِ»، قال الداووديُّ: بَيْنَمَا عُمَرُ بن الخَطَّابِ بِطَرِيقِ مَكَّةَ ليلاً، إذا رَكْبٌ مُقْبِلينَ مِنْ جِهَةٍ، فَقَالَ لبعض مَنْ معه: سَلْهُمْ مِنْ أَيْنَ أقبلوا؟ فقال له أحدهم: من الفَجِّ العميقِ، نُرِيدُ البَلَدَ العَتِيقَ، فَأُخْبِرَ عَمَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَوَقَعُوا في هذا؟ قُلْ لَهُمْ، فَمَا أَعْظَمُ، آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ، وأَحْكَمُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ، وَأَعْدَلُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ، وأرجى آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ، وَأَخْوَفُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ قَائِلُهُمْ: أَعْظَمُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ آيَةُ الكُرْسِيِّ [البقرة: 255]، وَأَحْكَمُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} [النحل: 90] وَأعْدَلُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} وأرجى آيَةٍ في كِتَابِ اللَّهِ: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يضاعفها وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 40] وَأَخْوفُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّه: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] فأُخْبِرَ عمرَ بِذلكَ، فَقَالَ لَهُمْ عمرُ: أَفِيكُم ابنُ أُمِّ عَبْدٍ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَكَ، قال عُمَرُ: كُنَيْفٌ مُليءَ عِلْماً آثرْنَا بِهِ أهْلَ القَادِسِيَّةِ عَلَى أنْفُسِنَا. قال الداوودي، ومعْنَى أعظم آية يُرِيدُ في الثواب، انتهى. .تفسير سورة والعاديات: وقيل: مدنية. بسم الله الرحمن الرحيم .تفسير الآيات (1- 6): قال ابنُ عباس وغيره: المرادُ ب {والعاديات}: الخيلُ؛ لأَنها تَعْدُو بالفُرْسَانِ، وَتَضْبَحُ بأصْوَاتِها، وعن ابن مسعود وعلي أن {العاديات} هنا: الإبِلُ لأنها تَضْبَحُ في عَدْوِها، قال علي رضي اللَّه عنه: والقَسَمُ بالإبل العادياتِ مِنْ عَرَفَةَ ومِنَ المُزْدَلِفَةِ، إذا دَفَعَ الحاجُّ، وبإبِل غَزْوَةِ بدرٍ، والضَّبْحُ تَصْوِيتٌ جَهِيرٌ عِنْدَ العَدْوِ، قال الداوودي: وهو الصوتُ الذي يُسْمَعُ من أجوافِها وقتَ الرَّكْضِ، انتهى. وقوله تعالى: {فالموريات قَدْحاً} قال علي وابن مسعود هي: الإبلُ؛ وذلك بأنها في عَدْوِها تَرْجُمُ الحَصْبَاءَ بالحَصْبَاءِ فَتَتَطَايرُ منهَا النارُ، فذلك القَدْحُ، وقال ابن عباس: هي الخيلُ؛ وذلكَ بِحَوَافِرِها في الحِجَارة، وقال ابن عباس أيضاً وجماعةٌ الكلام عَامٌّ يَدْخُلُ في القَسَمِ كلُّ مَنْ يُظْهِرُ بِقَدْحِه ناراً. * ص *: {قَدْحاً} أبو البقاءِ: مَصْدَرٌ مؤكِّد؛ لأَن المُورِيَ هُوَ القَادِح، انتهى، {فالمغيرات صُبْحاً} قال علي وابن مسعود هي: الإبلُ مِنْ مزدلفةَ إلى مِنًى، وفي بدرٍ، وقال ابن عباس وجماعة كثيرة: هي الخيلُ، واللَّفْظَةُ منَ الغَارَةِ في سبيلِ اللَّهِ وغير ذلك من سير الأُمَمِ وعُرْفُ الغَارَاتِ أنَّها مَعَ الصَّبَاحِ، والنَّفْعُ الغبارُ الساطِعُ المثَارُ، والضمير في {بِهِ} ظاهرُه أَنَّه للصُّبْحِ المذكورِ، ويحتملُ أنْ يكونَ للمكانِ والموْضِع الذي يقتضيه المعنى، ومشهورٌ إثارةُ النَّقْعِ هو للخيل، وقال علي: هو هنا للإبل. {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} قال علي وابن مسعود هي: الإبلُ، و{جَمْعاً} هي المزدلفة، وقال ابن عباس وجماعة: هي الخيلُ، والمرادُ جَمْعٌ مِنَ الناسِ هم المَغْزُوُّونَ، والقَسَمُ واقِع على قوله: {إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} ورُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الكَنُودُ؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الكَفُورُ الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ، وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ»، وقد يَكُونُ في المؤمِنينَ الكَفُورُ بالنِّعْمَةِ فتقديرُ الآيةِ: إنَّ الإنْسَانَ لِنعمةِ ربِّه لَكَنُودٌ، وأَرْضٌ كَنُودٌ: لاَ تُنْبِتُ شَيْئاً، والكَنُودُ: العَاصِي بلُغَةِ كِنْدَة، ويقال للبخيل: كَنُودٌ، وفي البخاريِّ عن مجاهدٍ: الكَنُودُ الكَفُورُ، انتهى. .تفسير الآيات (7- 11): وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} يحتملُ الضميرُ أنْ يعودَ عَلَى اللَّهِ تعالى؛ وقالَهُ قتادة، ويحتملُ أَنْ يَعُودَ على الإنسان؛ أَنَّه شَاهِدٌ عَلى نَفْسِهِ بِذَلِكَ؛ وهذا قول مجاهد وغيره. {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ} أي: وإنَّ الإنسانَ لحبِّ الخَيْرِ، والمعنى من أجْلِ حبِّ الخَيْرِ، {لَشَدِيدٌ} أي: بَخِيلٌ بالمَالِ ضَابِطٌ له، والخيرُ هنا المالُ، ويحتملُ أن يُرَادُ هنا الخيرُ الدنيويُّ من مالٍ، وصحةٍ، وجاهٍ عندَ الملوك، ونحوه؛ لأَنَّ الكفارَ والجُهَّال لا يعرفونَ غَيْرَ ذلكَ، وأَمَّا الحُبُّ في خَيْرِ الآخرة فَمَمْدُوحٌ؛ مَرّجُوٌّ لَه الفوزُ، وقَال الفراء: مَعْنَى الآيةِ: أَنَّ الإنسانَ لشديدُ الحبِّ لِلْخَيْرِ ولما تَقَدَّمَ الخيرُ قَبْلَ شديدٍ حُذَف مِنْ آخِره؛ لأَنه قَدْ جَرَى ذِكْرهُ؛ ولرؤوسِ الآي، انتهى. وقوله تعالى: {أَفَلاَ يَعْلَمُ} تَوْقِيفٌ، أي: أفلا يعلم مآلَه ومصيرَه فيستعدّ لَهُ. {وَحُصِّلَ مَا في الصدور}، أي: مُيِّزَ وأبْرزَ مَا فِيها ليقعَ الجزاءُ عليه، ويفسِّرُ هذَا قولُه صلى الله عليه وسلم: «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» وفي قولِه تعالى: {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} وَعِيدٌ، * ص *: والعَامِلُ في {يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} على تضمينِه مَعْنى: لَمُجازٍ؛ لأَنَّه تَعَالَى خَبِيرٌ دَائِماً، انتهى. .تفسير سورة القارعة: بسم الله الرحمن الرحيم .تفسير الآيات (1- 11): قَال الجُمْهُورُ: {القارعة} القيامةُ نَفْسُها، والفَرَاشُ: الطيرُ الذي يَتَسَاقَطُ في النارِ؛ ولا يَزَال يتقحمُ على المصباحِ، وقال الفَرَّاءُ: هو صَغِيرُ الجَرَادِ الذي ينتشر في الأرضِ والهواءِ، وفي البخاريّ: {كالفراش المبثوث}: كَغْوَغَاءِ الجَرَادِ يركبُ بعضُه بعضاً؛ كذلكَ الناسُ يومئِذٍ؛ يجولُ بعضُهم في بعض، انتهى، و{المبثوث} هنا معناه: المتفرِّقُ جمعُه؛ وجملتُه مَوْجودةٌ متصلةٌ، والعِهْنُ هو: الصوفُ والنَّفْشُ خَلْخَلَةُ الأَجْزَاءِ وتفريقُها عَن تَرَاصِيها. وقوله تعالى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} قال كثير من المفسرين: المرادُ بالأُمِّ نَفْسُ الهَاوِيَةِ، وهذا كما يقال للأَرْضِ أم الناس؛ لأنها تُؤوِيهِمْ، وقال أبو صالح وغيره: المُرَادُ أُم رأْسِه؛ لأَنَّهُمْ يَهْوُونَ عَلى رُؤوسِهم؛ وَرَوى المبرِّدُ «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ لرَجُلٍ: لاَ أُمَّ لَكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَدْعُوني إلَى الهدى وَتَقُولُ: لاَ أُمَّ لَكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنَّما أَرَدْتُ لاَ نَارَ لَكَ، قال اللَّهُ تعالى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}». .تفسير سورة التكاثر: بسم الله الرحمن الرحيم .تفسير الآيات (1- 4): قوله تعالى: {ألهاكم التكاثر} أي: شَغَلَكُمْ المباهاةُ والمفاخرةُ بكثرةِ المالِ والأولادِ والعَدَدِ، وهذا هِجِّيرى أبناءِ الدنيا العربِ وغيرهم؛ لا يتخلصُ منه إلا العلماء المتقون، قال الفخر: فالألفُ واللامُ في {التكاثر} ليسَ للاسْتِغْرَاقِ بَلْ للمَعْهُودِ السَّابِقِ في الذِّهْنِ، وهو التكاثرُ في الدنيا؛ ولذاتِها وعلائِقها؛ فإنّه هُو الذي يَمْنَعُ عن طاعةِ اللَّه وعبوديَّتِه؛ ولما كَان ذلك مُقَرَّراً في العقولِ ومُتَّفَقاً عليه في الأديان لاَ جَرَمَ؛ حَسُنَ دخولُ حرف التعريف عليه؛ فالآيةُ دالَّةٌ على أن التكاثرَ والتفاخرَ بما ذُكِرَ مذمومٌ، انتهى. وقوله تعالى: {حتى زُرْتُمُ المقابر} أي حتى مُتُّمْ فَدُفِنْتُم في المقابِر وهذا خبرٌ فيه تَقْرِيعٌ وتوبيخ وتحسُّرٌ، وفي الحديثِ الصحيحِ عنه صلى الله عليه وسلم «يَقُولُ ابن آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ يَا بْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أو تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ» قال * ص *: قرأ الجمهورُ: {الْهَاكُم} على الخبرِ، وابنُ عباسٍ بالمدِّ، والكسائي في روايةٍ بهمزَتَيْنِ، ومعنى الاستفهامِ التوبيخُ والتقريرُ، انتهى، قال الفخر: اعْلَمْ أنَّ أهم الأمور وأولاها بالرعايةِ تَرْقِيقُ القلبِ، وإزالَةُ حُبِّ الدنيا منه، ومُشَاهَدَةُ القبورِ تُورِثُ ذلكَ؛ كما ورد به الخَبَرُ، انتهى. وقوله تعالى: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} زَجْرٌ ووعيدٌ، ثم كُرِّرَ تَأكِيداً، ويأخذ كل إنسانٍ من هذا الزجرِ والوعيدِ المُكَرَّرِ على قدر حظِّهِ من التوغُّلِ فيما يُكْرَه؛ هذا تأويل الجمهور، وقال عليٌّ: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} في القبرِ، {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} في البَعْثِ، قال الفخر: وفي الآيةِ تَهْدِيدٌ عظيمٌ للعلماءِ فَإنها دالة على أنه لَوْ حَصَلَ اليقينُ لَتَرَكُوا التكاثُرَ والتَّفَاخُرَ؛ فهذا يَقْتَضِي أنَّ مَنْ لا يتركُ التكاثرَ والتفاخرَ أنْ لاَ يكونَ اليقينُ حَاصِلاً له؛ فالويلُ للعالمِ الذي لا يكونُ عَاقِلاً؛ ثم الويل له، انتهى. .تفسير الآيات (5- 8): وقوله تعالى: {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين} جوابُ {لو} محذوفٌ تقديرهُ لاَزْدُجِرْتُمْ، وبَادَرْتُم إنقاذَ أنفُسِكم من الهَلَكَةِ، واليقينُ أعلى مراتبِ العلم، ثم أخْبَرَ تعالى الناسَ أنَّهُم يَرَوْنَ الجحيمَ، وقال ابن عباس: هذا خطابٌ للمشركينَ والمَعْنَى على هذا التأويلِ: أنها رؤيةُ دخولٍ وصَلْيٍ؛ وَهُوَ عينُ اليقينِ لَهُم، وقال آخرونَ: الخطابُ للناسِ كلِّهم، فهي كقوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] فالمعنى أنّ الجميعَ يَرَاها؛ ويجوزُ النَّاجِي وَيَتَكَرْدَسُ فيها الكافرُ، * ص *: {لَتَرَوُنَّ} ابن عامر والكسائي بضم التاء، والباقون بفتحها، انتهى. وقوله تعالى: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} تأكيدٌ في الخبرِ، وعينُ اليقينِ: حقيقتُه وغايتُه، ثم أخْبَر تعالى أنّ الناسَ مَسْؤولونَ يَوْمَئِذٍ عَنْ نعيمِهم في الدنيا؛ كيفَ نالُوه ولِمَ آثَرُوهُ، وتَتَوَجَّهُ في هذا أسئلةٌ كَثِيرَةٌ بِحَسَبِ شَخْصٍ شَخْصٍ، وهِيَ مُنْقَادَةٌ لِمَنْ أُعْطِيَ فَهْماً في كِتَابِ اللَّه عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأصْحابِه: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِه، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هذا الْيَوْمِ»، الحديثُ في الصحيح؛ إذْ ذَبَحَ لَهُمْ أبُو الهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ شَاةً وَأَطْعَمَهُمْ خُبْزاً وَرُطَباً، واستعذب لَهُمْ مَاءً، وَعَنْ أبي هريرةَ في حديثهِ في مسيرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ إلى بَيْتِ أبي الهَيْثَمِ، وأكْلِهِمُ الرُّطَبَ وَاللَّحْمَ وَشُرْبِهمُ المَاءَ، وقوله صلى الله عليه وسلم هذا هُوَ النَّعِيمُ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وإنَّ ذَلِكَ كَبُرَ على أصحابهِ، وإنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَال: «إذا أَصَبْتُمْ مِثْلَ هذا وَضَرَبْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، فَقُولُوا: باسم اللَّهِ، وعلى بَرَكَةِ اللَّهِ، وَإذَا شَبِعْتُمْ، فَقُولُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْبَعَنَا وَأَرْوَانَا، وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا وَأَفْضَلَ، فَإنَّ هذا كَفَافٌ بِذَاكَ» هذا مختصرٌ رواه الحاكم في المستدركِ، انتهى من سلاح المؤمن قال الداوديُّ: وعن الحسنِ وقَتَادَة: ثَلاَثٌ لا يَسْأَلُ اللَّهُ عنهنّ ابنَ آدمَ ومَا عَدَاهُنَّ فيه الحسابُ والسؤال؛ إلا مَا شَاءَ اللَّهُ: كسوةٌ يوارِي بها سوءَتَه، وكِسْرَةٌ يَشُدَّ بِهَا صلبَه، وبيتٌ يُكِنُّه مِنَ الحرِّ والبردِ، انتهى. .تفسير سورة العصر: بسم الله الرحمن الرحيم .تفسير الآيات (1- 3): قال ابن عباس: {والعصر} الدهرُ، وقال مقاتل: العَصْرُ هي صلاةُ العَصْرِ، وهي الوُسْطَى، أقْسَم اللَّهُ بها، وقال أُبَيُّ بن كعب: سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَن {والعصر} فَقَالَ: «أقْسَمَ رَبُّكُمْ بآخِر النَّهَارِ»، و{الإنسان} هنا اسْمُ جنسٍ والخُسْرُ: النُّقْصَانُ وَسُوءُ الحالِ، وَمَنْ كَانَ مِنَ المؤمنينَ في مُدَّةِ عمره في التَّواصِي بالحقِّ، والصَّبْرِ، والعَمَلِ؛ بِحَسَبِ الوَصَاةِ فَلاَ خُسْرَ مَعَه وَقَدْ جَمَعَ الخيرَ كلَّه. .تفسير سورة الهمزة: بسم الله الرحمن الرحيم .تفسير الآيات (1- 9): تقدم تفسير: {وَيْلٌ} وال {هُمَزَةٍ}: الذي يَهْمِزُ الناسَ بلسانهِ، أي: يَعيبُهم ويَغْتَابُهم، وال {لُّمَزَةٍ}: قريبٌ في المعنَى مِنْ هَذَا، وَقَدْ تَقَدم بيانُه في قوله تعالى: {وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} [الحجرات: 11]، وفي قوله: {الذين يَلْمِزُونَ المطوعين} [التوبة: 79] وغيرهِ، قيل: نَزَلَتْ هذه الآيةُ في الأَخْنَسِ بن شُرَيْق، وقِيلَ في جميل بن عامر، ثم هِي تتناولُ كلَّ منِ اتَّصَفَ بهذه الصفاتِ. {وَعَدَّدَهُ} معناه: أحْصَاهُ وحافظَ على عَدَدِهِ أنْ لاَ يَنْتَقِصَ، وقَال الداوودي: {وَعَدَّدَهُ}: أي: اسْتَعَدَّه، انتهى، {لَيُنبَذَنَّ}: لَيُطْرَحَنَّ * ص *: {نَارُ الله}: خَبَرُ مبتدإٍ مَحْذُوفٍ، أي: هي نارُ اللَّهِ، انتهى. و{التى تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة}: أي: الَّتِي يَبْلُغَ إحْرَاقَها وألمهَا القلوبُ. و{موصدة}: أي مُطْبَقَة مُغْلَقَة. {فِى عَمَدٍ} جَمْعِ عَمُودٍ، وقرأ ابن مسعود: {مُؤصَدَةٌ بِعَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} وقال ابن زيد: المعنى: في عَمَدٍ حديدٍ مَغْلُولينَ بها، والكلُّ في نار، عافانا اللَّه من ذلك. .تفسير سورة ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل: بسم الله الرحمن الرحيم .تفسير الآيات (1- 5): هذه السورةُ تنبيهٌ على العِبرَةِ في أخذِ اللَّهِ تعالى لأَبْرَهَةَ أميرِ الحَبَشَةِ، حينَ قَصَدَ الكعبةَ ليهدمَها، وكانَ صاحبَ فيلٍ يَرْكَبُه، وقصتُه شهيرةٌ في السِّيرَ فِيها تطويلٌ، واختصارها أن أبرهَة بَنَى في اليمنِ بَيْتاً وأرادَ أن يَرِدَ إليه حجُّ العَرَبِ، فذهبَ أعرابي وأحْدَثَ في ذلك البيتِ، فَغَضِبَ أَبْرَهَةُ واحْتَفَلَ في جُمُوعِه، ورَكِبَ الفيلَ وقَصَدَ مكةَ، فَلمَّا قَرُبَ منها، فَرَّتْ قريشٌ إلى الجبالِ والشِّعَابِ من مَعَرَّةِ الجيْشِ، ثم تَهَيَّأ أبرهةُ لدخولِ مكةَ وَهَيَّأَ الفيلَ، فأخَذَ نُفَيْلُ بنُ حَبِيبٍ بِأُذُنِ الفيلِ وكان اسمه محموداً، فقال له: ابْرُكْ، محمودُ؛ فَإنَّكَ في حَرَمِ اللَّه، وارْجِعْ مِنْ حَيْثُ جئتَ رَاشِداً، فَبَرَكَ الفِيلُ بِذِي الغَمِيسِ، فَبَعَثُوهُ فَأَبَى فَضَرَبُوا رأسه بالمِعْوَلِ، ورَامَوْهُ بِمَحَاجِنِهِمْ فَأَبَى، فَوَجَّهُوه رَاجِعاً إلى اليمنِ، فَقَام يُهَرْوِلُ، فبعثَ اللَّه عليهم طَيْراً جماعاتٍ جماعاتٍ سُوداً مِنَ البَحْرِ، عِنْدَ كُلِّ طَائرٍ ثَلاَثَةُ أحْجَارٍ؛ في منقارِه، ورِجْلَيْهِ، كلُّ حَجَرٍ فَوْقَ العَدَسَةِ ودون الْحمَّصَةِ، ترميهم بهَا، فَمَاتوا في طريقِهم متفرقينَ وتَقَطَّع أبْرَهَةُ أُنْمَلَةً أُنْمَلَةً حتى مات، وحَمَى اللَّهُ بيتَه، والأبابيلُ: الجماعاتُ تَجِيءُ شيئاً بَعْدَ شيءٍ، قال أبو عبيدةَ: لاَ وَاحِدَ لَهُ مِنْ لفظهِ، قال الفخر: و{فِى تَضْلِيلٍ} مَعْنَاهُ: في تَضْيِيعٍ وإبْطَالٍ، يقال: ضَلَّلَ كيدَه، إذا جعَلَه ضَالاًّ ضَائِعاً، ونظيرُه قوله تعالى: {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ في ضلال} [غافر: 25] انتهى، والعَصْفُ: وَرَقُ الحِنْطَةِ وتِبْنُه، والمعنى صَارُوا طَحِيناً ذَاهِباً كَوَرَقِ حِنْطَةٍ أَكَلَتْهُ الدَّوابُّ، ورَاثَتْهُ، فَجَمَعَ لَهُمْ المهَانَةَ والخِسَّةَ والتَّلَفَ، قال الفخر: وقيل المعنى: كَعَصْفٍ صَالحٍ لِلأَكْلِ، والمعنى جَعَلَهُمْ كَتِبْنٍ تأكُلُه الدَّوَابُّ؛ وهو قولُ عكرمةَ والضحاك، انتهى، ومن كتابِ وسائل الحاجات وآداب المناجات للإمام أبي حامد الغزالي رحمه اللَّه تعالى قَال: وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصالحينَ وأربابِ القلُوب أنه من قَرأَ في رَكْعَتي الفَجْر؛ في الأُولَى الفاتحةَ و{ألَمْ نَشْرَحْ}، وفي الثانيةِ الفاتحةَ و{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} قَصُرَتْ يَدُ كُلِّ عَدُوِّ عنه، ولم يُجْعَلْ لهم إليه سبيلٌ، قال الإمام أبو حامد: وهذا صحيح لاَ شَكَّ فِيه، انتهى.
|