الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»
.تفسير الآية رقم (18): عَلَتْ رُتبةُ الأحدية صفةَ البشرية، فهذا لم يزل لم يكن فحصل. ومتى يكون بقاء للحدثان مع وضوح سلطان التوحيد؟ .تفسير الآية رقم (19): غلَبَتْ شهادة الحق- سبحانه- كلَّ شهادة، فهم إذا أقبلوا يشهدون فلا تحيط بحقائِقِ الشيء علومُهم، والحقُّ- سبحانه- هو الذي لا يخفى عليه شيءٌ، ثم أخبره- صلى الله عليه وسلم أنه مبعوثٌ إلى الكافة ومَنْ سيوجد إلى يوم القيامة. .تفسير الآية رقم (20): أحاط علمُهم بصدقِ المصطفى- صلى الله عليه وسلم- في نُبوَّتِه، ولكن أدركتهم الشقاوة الأزلية فعقدت ألسنتهم عن الإقرار به؛ فجحدوه جهراً، وعلموا صِدْقَه سِرًّا. .تفسير الآية رقم (21): شؤم الخذلان بلغ بالنكاية فيهم ما جرَّهم إلى الإصرار على الكذب على الله تعالى، ثم لم يستحيوا من اطلاعه، ولم يخشوا من عذابه. .تفسير الآية رقم (22): يجمعهم ليوم الحشر والنشر، لكنه يفرقهم في الحكم والأمر، فالبعث يجمعهم ولكن الحكم يفرقهم. .تفسير الآية رقم (23): هذا الذي أخبر عنهم غايةُ التمرد؛ حيث جحدوا ما كَذبُوا فيه وأقسموا عليه، ولو كان لهم بالله عِلمٌ بأنه يعلم سِرَّهم ونجواهم، ولا يخفى عليه شيءٌ من أُولاَهم وعُقباهم، لكن الجهل الغالب عليهم استنطقهم بما فيه فضائحهم. .تفسير الآية رقم (24): هذه كلمة تعجب؛ يعني إنَّ قصتهم منها ما هو محلُّ التعجب لأمثالكم. .تفسير الآية رقم (25): قوله جلّ ذكره: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِِمْ أَكِنَّةٌ أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْراًْ}. بيَّنَ أن السمعَ- في الحقيقة- سمعُ القبول، وذلك عن عين اليقين يصدر، فأما سَمْعُ الظاهر فلا عِبْرَةَ به. ويقال مَنْ ابتلاه الحقُّ بقلبٍ مطبق، ووضع فوق بصيرته غطاءَ التلبيس لم يزدْه ذلك إلا نفرة على نفرة. قوله جلّ ذكره: {وَإِن يَرَوا كُلَّ آيةٍ لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}. يعني مَنْ أَقصَته القسمة الأزلية لم تنعشه الحيلة الأبدية. .تفسير الآية رقم (26): في هذه الآية إشارة صعبة (لمن) يدعو إلى الحق جهراً ثم لا يأتي بذلك سراً. ويقال خالَفَتْ أحوالُهم قضايا أقوالهم، وجرى إجرامُهم مجرى مَنْ ألقوا حِبالَهم على غاربهم، وكذلك من أبعده عن القسمة لم يقربه فعلُه. .تفسير الآية رقم (27): يعني حين ينجز للعبد ما وعده له من القربة يشغل من شاء بنوعٍ من العلة حتى لا يطلع أحد على محل الأسرار. .تفسير الآيات (28- 29): غداً يوم تنتهك الأستار، وتظهر الأسرار- فكم من مُجَلَّل بثوب تقواه، ويَحْكُم له معارفُه بأنه زاهدٌ في دنياه، راغب في عقباه، محبٌ لمولاه، مُفَارِقٌ لهواه، فَيُكْشَفُ الأمرعلى خلاف ما فهموه، ويفتضح عندهم بغير ما ظنوه. وكم من متهتك ستر بما أظهر عليه! ظنَّ الكلُّ أنه خليع العذار هيِّن الأعلال، مشوش الأسرار، فظهر لذوي البصائر جوهره، وبدت عن خفايا الستر حقيقته. ثم قال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} أخبر عما علم أنه لا يكون أنه لو كان كيف كان يكون؛ فقال لو رُدَّ أهل العقوبة إلى دنياهم لعادوا إلى جحدهم وإنكارهم، وكذلك لو رُدَّ أهل الصفاء والوفاء إلى دنياهم لعادوا إلى حسن أعمالهم. .تفسير الآية رقم (30): يا حسرة عليهم من موقف الخجل، محل مقاساة الوَجَل، وتذكر تقصير العمل! فهم واقفون على أقدام الحسرة، يقرعون أسنان النجز حين لا ندم ينفعهم، ولا شكوى تُسْمَعُ منهم، ولا رحمة تنزل عليهم. وحين يقول لهم: أليس هذا بالحق؟ يُقِرُّونَ كارهين، ويصرخون بالتبري عن كل غَيْر. .تفسير الآيات (31- 33): خسران وأي خسران! لم يخسروا مالاً، ولا مقاماً ولا حالاً، ولكن كما قيل: المصيبة لهم والحسرة على غيرهم، ومَنْ لم يَعْرِفْ جَلالَ قدره متى تأسَّف على ما يفوته من حديثه وأمره؟! وقوله: {وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ}: ما كان للنفس فيه حظ ونصيب اليوم فهو من الدنيا، وما كان من الدنيا فإنه- لا محالة- يُلهيك عن مولاك، وما يشغلك عن الحق ركونُه فغيرُ مباركٍ قُرْبُه. قوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ}: هذه تعزية للرسول- صلى الله عليه وسلم- وتسلية. أي قد نعلم ما قالوا فيك وهم إنما قالوا ذلك بسَببِنَا ولأَجْلِنا. ولقد كُنْتَ عظيمَ الجاه فيهم قبل أن أوقعنا عليكَ هذا الرقم؛ وكانوا يسمونك محمداً الأمين، فإنْ أصابَكَ ما يصيبك فَلأَجْلِ حديثنا، وغيرُ ضائعٍ لك هذا عندنا، وحالُكَ فينا كما قيل: .تفسير الآية رقم (34): يعني إنَّ مَنْ سَلَكَ سبيلَنا صبر على ما أصابه من حديثنا، فلا خَسِرَتْ فينا صفقتُه، ولا خَفِيَتْ علينا حالتُه، وما قَابَلَ حُكْمَنَا مَنْ عَرَفَنَا إلا بالمُهج، وما حملوا ما لقوا فينا إلا على الحدق: .تفسير الآية رقم (35): لفرط شفقته- صلى الله عليه وسلم- استقصى في التماس الرحمة من الله لهم، وحمل على قلبه العزيز بسبب ما عَلِمَ من سوء أحوالهم ما أثَّر فيه من فنون الأحزان. فعرَّفه أنهم مُبْعَدُون عن التقريب، منكوبون بسالف القسمة. ولو أراد الحقُّ- سبحانه- لخَفَّفَ عنهم، ولو شاء أن يهديَهم لكان لهم مقيل في الصدور، ومثوى على النشاط، ولكن مَنْ كبَسَتْهُ العِزَّةُ لم تُنْعِشْه الحيلة. .تفسير الآية رقم (36): مَنْ فقد الاستماع في سرائره عَدِمَ توفيقَ الاتِّباعِ بظاهره، والاختيارُ السابقُ في معلومه- سبحانه- غالبٌ. .تفسير الآية رقم (37): استزادوا من المعجزات وقد حصل من ذلك ما يذبح العذر، ولم يعلموا أن الله المانع لهم فلولا ما (...) من بصائرهم لما تواهموا من عدم دلائلهم. .تفسير الآية رقم (38): يعني تساوت المخلوقات، وتماثلت المصنوعات في الحاجة إلى المُنْشِئ: في حال الإبداع ثم في حال البقاء، وكذلك جميع الصفات النفسية والنعوت الذاتية توقفت عن الإيجاد والاختيار، فما من شيء من عينٍ وأثر، ورسم وطلل.. إلا وهو على وحدانيته شاهِدٌ، وعلى كون أنه مخلوق.. دليلٌ ظاهرٌ. .تفسير الآية رقم (39): الذين فاتتهم العناية الأزلية سَدَّ الحرمانُ أسماعَهم، وغَشَّى الخِذلان أبصارَهم. والإرادة لا تُعارَض، والمشيئةُ لا تَزَاحَم، والحقُّ- سبحانه- في جميع الأحوالِ غالبٌ. .تفسير الآيات (40- 41): إذا مَسَّكم الضُرُّ، ونَابَكُم أمرٌ فمِمَّنْ ترومون كَشْفَه؟ ومَنْ الذي تؤملون لُطْفَه؟ أمخلوقاً شرقياً أم شخصاً غربياً؟ أم مَلَكاً سماوياً أم عبداً أرضياً؟ ثم قال: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ}: أي إنكم- إنْ تذللتم بنفوسكم أو فكرتم طويلاً بقلوبكم- لن تجدوا من دونه أحداً، ولا عن حكمه مُلْتَحَداً، فتعودون إليه في استكشاف الضر، واستلطاف الخير والبرِّ، كما قيل: فإذا جرَّبْتَ الكُل، وذُقْتَ الحُلْوَ والمُرَّ، أفضى بك الضُرُّ إلى بابه، فإذا رجعت بنعت الانكسار، وشواهد الذل والاضطرار، فإنه يفعل ما يريد: إِنْ شاء أتاح اليُسْر وأزال العُسر، وإن شاء ضاعف الضُر وعوَّض الأجر، وإنْ شاء ترك الحال على ما (قبل) السؤال والابتهال. .تفسير الآية رقم (42): يخبر عن سالف سنته في أبداء الأمم وما أوجب لمن أطاعه منهم من النعم والكرم، وما أحلَّ بمن خالفه من الألم وفنون النِّقَم. .تفسير الآيات (43- 44): يعني أنهم لما أَظَلَّهُم البلاء، فلو رجعوا بجميل التضرع وحسن الابتهال والتملق لكشفنا عنهم المحن، ولأتحنا لهم المنن، ولكن صدَّهم الخذلان عن العقبى فأصروا على تمردهم، فَقَسَتْ قلوبُهم وتضاعفت أسباب شقوتهم. قوله تعالى: {فَلمّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} يخبر عن خَفِيَ مكره بهم، وكيف أنه استدرجهم، ثم أذاقهم وبالَ أمرهم فقال: لما طالتْ عن الحضرة غيبتُهم، ولم تنجحْ مواعظُنا فيهم سَهَّلْنَا لهم أسبابَ العوافي وصببنا عليهم عزالي النِّعم، وفتحنا لهم أبواب الرفاهية، فلما استمكن الرجاءُ من قلوبهم أخذناهم بغتةً وعذبنَاهم فجأة، وأذقناهم حسرةً فإذا هم من الرحمة قانطون، ولِمَا خامر قلوبَهم- من أسباب الوحشة عن الاستراحة بدوام المناجاة- آيسون.
|