الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن
.تفسير الآيات (42- 45): التفسير: قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} هو خطاب للنبىّ- صلوات اللّه وسلامه عليه- ثم هو بعد هذا خطاب عام لكل من هو أهل للخطاب، من المؤمنين والمشركين.. ثم هو تهديد للمشركين، وأخذ لهم وهم متلبسون بجرمهم، وبموقفهم العنادىّ اللئيم من النبي الكريم، ومن كلمات اللّه سبحانه، التي حملها إليهم. فاللّه سبحانه وتعالى مطلع على كل ما يعملون، عالم بكل ما انطوت عليه صدورهم، من تدبير سيئ، ومكر خبيث.. برسول اللّه، وآيات اللّه. وهم إذ كانوا في دنياهم هذه في عافية، ولم يؤاخذوا بما أجرموا، فليس ذلك عن غفلة من اللّه تعالى عن أعمالهم- تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا- وليس عن تجاوز عنهم، إذ هم ليسوا أهلا لأن يحلّوا في ساحة المغفرة.. وإنما يؤخرهم اللّه ليوم تشخص فيه الأبصار، أي تتجمد الأبصار، فلا تطرف، لهول ما ترى، حيث يمسك بها هذا الهول، ويشدّها إليه هذا البلاء، فتسكن وتجمد! قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ}. تبيّن هذه الآية حالا من أحوال هؤلاء الظالمين، وهم في موقف الحساب والمساءلة وبين يدى هذا الهول العظيم، الذي تنقلب فيه طبيعتهم، ويغيب عنهم صوابهم، وتفلت منهم جوارحهم. وفى قوله تعالى: {مهطعين} إشارة إلى أنهم يساقون سوقا عنيفا من قبورهم إلى ساحة المحشر.. كما يقول سبحانه: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [43: المعارج] وكما يقول جل شأنه: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} [8: القمر]. والمهطع: هو المسرع. وقوله تعالى: {مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ} أي مطأطئى الرءوس، ذلة، وانكسارا، وضعفا عن حمل هذا الهمّ الثقيل الذي ينوءون تحته، من بلاء هذا الهول العظيم. وقوله تعالى: {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أي مأخوذة أبصارهم، إذا وقعت على هول من أهوال المحشر لصقت به، ولم تعد إلى أصحابها.. فذلك هو اليوم الذي تشخص فيه الأبصار! وقوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ} أي قلوبهم فارغة، معطلة عن أن تنبض بأى شعور، أو تعى أي حديث، مما استولى عليها من ذهول: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [1- 2: الحج]. قوله تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ}. هذا نذير آخر من نذر يوم القيامة، يأتى في صورة من صور تلك المحاولات الكثيرة، التي يحاولها أهل الشرك والضلال، ليفلتوا من عذاب هذا اليوم العظيم. وفى هذه الصورة يضرع الظالمون إلى اللّه أن يعيدهم مرة أخرى إلى الحياة الدنيا، ليصححوا أخطاءهم، وليكفّروا عن سيئاتهم، وليأخذوا طريقا غير الطريق الذي أخذوه.. إنه لو تحقق لهم هذا الرجاء لأجابوا دعوة اللّه، واتبعوا رسل اللّه.. وآمنوا كما آمن المؤمنون، وكانوا في عباد اللّه الصالحين!!. هكذا يقولون وهم كاذبون. وفى قوله تعالى: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ} تذكير للظالمين بما كان منهم في دنياهم، وقراءة عليهم لصفحة من صفحات حياتهم المجللة بالسواد.. {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ} لقد كنتم في دنياكم- وقد غركم الغرور- على يقين بأنكم لن تخلوا مكانكم منها، ولن تتحولوا عنها أبدا.. هكذا كنتم مع الدنيا، ولو عدتم إليها لما كنتم أحسن حالا من حالكم الأولى معها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} [28: الأنعام]. وقوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ}. فى هذه الآية ردّ على أولئك الذين ظلموا، وبأن عودتهم مرة أخرى إلى الحياة لن تغير من أحوالهم شيئا، وأنهم لن يرجعوا عما كانوا.. ذلك لأن النّذر لا نقع منهم موقع العبرة والعظة.. فلو أنهم كانوا يأخذون من النذر عبرة وعظة، لكان لهم فيما وقع تحت أبصارهم في حياتهم الأولى، مزدجر عما اقترفوه من آثام، وفعلوه من منكرات.. فلقد سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم، ورأوا ما فعل للّه بهم، وما أخذهم به من عذاب ونكال.. ومع هذا فإنهم ساروا على نفس الطريق الذي سلكه أسلافهم هؤلاء.. من ظلم، وبغى، وضلال، ولم يكن لهم فيما حلّ بهم نظر واعتبار.! فكيف ينفعهم هذا الموقف الذي وقفوه في الآخرة، وعاينوا فيه ما أعد اللّه للظالمين من بلاء وهوان؟ إن هذا من ذاك، سواء بسواء! وإنه إذا كان في عذاب الآخرة عبرة لمعتبر، فإن في مصارع الظالمين في الدنيا، وفيما يأخذهم اللّه به من بأساء وضراء، لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. وفى هذا يقول تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [36- 37: فاطر]. .تفسير الآيات (46- 52): التفسير: قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ}. المكر: التدبير السيّء، والمراد به هنا، ما كان من المشركين من مواقف مع الدعوة الإسلامية، وما كانوا يبيتونه لها. وعند اللّه مكرهم: أي أن هذا التدبير السيّء، وهذا الكيد الخبيث، هو مما علمه اللّه منهم، وسجله عليهم، وسيحاسبهم عليه. والآية الكريمة، تعيد هؤلاء الضالين، إلى الحياة الدنيا، بعد أن عرضتهم الآيات السابقة على النار، وأشرفت بهم على أهوالها، وأرتهم اليأس من العودة إلى الحياة الدنيا، بعد الموت والبعث.. ثم هاهم أولاء يستيقظون من تلك الأحلام المزعجة على هذا الواقع، فإذا هم في دنياهم لم يبرحوها بعد، وقد كانت أمنيتهم أن يعودوا إليها، ليصلحوا ما أفسدوا.. وها هم أولاء في دنياهم تلك.. فماذا هم فاعلون؟ إنهم لن يفعلوا غير ما فعلوا، ولن يتحولوا عما هم فيه من كفر وضلال. وفى قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ} إلفات لهم إلى هذا الكفر الذي هم فيه، وهذا الضلال المشتمل عليهم.. فهل سيظلّون على صحبتهم لهذا الكفر، ومعايشتهم لهذا الضلال؟ سنبصر ويبصرون!- وفى قوله تعالى: {وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ} إشارة إلى أن هذا المكر هو الذي جعلهم أعداء للّه.. يكفرون به، ويجعلون له أندادا، ويقولون فيه مقولات منكرة، تلك المقولات التي تتأذّى منها السموات والأرض، حتى لتكاد تتفطر منها رعبا وفزعا أن يصيبها شيء من غضب اللّه، الذي سينزل بأصحاب هذه الأقوال.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً} [88- 91: مريم]. والمشركون وإن لم يقولوا بنسبة الولد إلى اللّه، كما قالت اليهود: عزير ابن اللّه، وكما قالت النصارى: المسيح ابن اللّه.. لكنهم قالوا: إن الملائكة بنات اللّه.. كما يقول اللّه تبارك وتعالى عنهم: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ} [19: الزخرف]. قوله تعالى: {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ} هو تثبيت للنبى الكريم، وتطمين لقلبه، بأن اللّه منجز وعده إياه، وهو النصر على كل قوى الشر والعدوان، المتربصة به.. فهذا حكم للّه فيما بين رسله وأقوامهم، كما يقول سبحانه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [21: المجادلة]. فاللّه سبحانه وتعالى {عَزِيزٌ} يغلب ولا يغلب.. {ذُو انتِقامٍ} يأخذ الظالمين بظلمهم، ولا يدعهم يفلتون من العقاب الراصد لهم. وقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ}. أي في هذا اليوم تتجلى عزة اللّه سبحانه وتعالى، ويتجلى انتقامه من الظالمين، حيث توفى كل نفس ما كسبت.. وأنه إذا كان منه سبحانه وتعالى إمهال للظالمين في الدنيا، فإنهم إذا حشروا في هذا اليوم، أخذوا بكل ما عملوا، وذاقوا وبال أمرهم، واستوفوا نصيبهم من العذاب الأليم. وفى قوله تعالى: {تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ} إشارة إلى أنه في هذا اليوم- يوم القيامة- تتغير معالم هذا الوجود الذي عرفه الناس في حياتهم الدنيا. فلا الأرض أرض، ولا السماء سماء، وذلك لما ترجف به الأرض من أهوال، كما يقول سبحانه: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا} [14: المزمل] وكما يقول سبحانه: {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [1- 5: الانفطار]. قوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}. مقرنين: أي يقرن بعضهم إلى بعض، ومنه القرين، وهو الصاحب. والأصفاد: جمع صفد، وهو القيد.. والسرابيل جمع سربال، وهو القميص. القطران: الزفت. والمعنى: أنه في هذا اليوم يرى المجرمون وهم مقرنون في الأصفاد، أي مقيدون بالأغلال، وقد قرن بعضهم إلى بعض.. فكانوا كيانا واحدا، مشدودا إلى سلسلة، قد شدّ كل واحد منهم إلى حلقة فيها.. إذلالا لهم، وامتهانا.. هكذا شأن المجرمين الذين يساقون إلى ساحة المحاكمة، ليسمعوا إلى حكم القضاء فيهم!. وليس هذا فحسب، بل إنهم ليعرضون هذا العرض المهين، عراة حفاة. قد طليت أجسادهم بالقطران، فكان هذا القطران لباسهم الذي يراهم الناس فيه، في هذا اليوم العظيم.. {سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ}. وليس هذا فحسب أيضا، بل إن لهم من نار جهنم لفحات، تداعبهم بها، ضربا على وجوههم، ولطما على خدودهم: {وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} أي تغطى وجوههم بلهيبها!. ذلك منظر تقشعر منه الأبدان، وتنخلع منه القلوب.. تتجلى فيه نقمة للّه، حيث تنزل بالظالمين، وتأخذهم أحد عزيز مقتدر.. وما ظلمهم اللّه، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ}. هو تعليل لهذا البلاء العظيم، وهذا الهوان المهين، الذي يلقاه هؤلاء الظالمون يوم القيامة، فهذا بما كسبته أيديهم، وقد كان من عدل اللّه سبحانه أن يعاقب المذنبين الظالمين، وأن يثبت المحسنين المتقين. وهو سبحانه وتعالى يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}؟ (35- 36: القلم)- وفى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} إشارة إلى أن كثرة المحاسبين بين يدى اللّه تعالى، من محسنين ومسبئين، لا يكون منها إبطاء أو إمهال في أن ينال كل عامل جزاء عمله، فالمحسنون يعجّل لهم جزاؤهم الحسن، حتى يسعدوا به، ويهنئوا بالعيش فيه، وحتى لا يستولى عليهم الفلق، وتهجم عليهم الوساوس، وهم في انتظار كلمة الفصل فيهم.. وكذلك المسيئون، لن يمهلوا في لقاء العقاب الراصد لهم، وذلك حتى تنقطع آمالهم في النجاة، فإن المحكوم عليه بالموت، لا ينقطع رجاؤه حتى يلقى مصيره، ويشهد الموت عيانا. قوله تعالى: {هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ}. {هذا} إشارة إلى ما جاء في آيات اللّه من هدى، فيه بيان للناس، وبلاغ مبين. وحجة دامغة، تخرص كل مكابر، وتفحم كل معاند.. ففى كلمات اللّه التي حملها رسول اللّه إلى الناس، بلاغ لهم، وزاد طيّب، يتزودون به في طريقهم إلى اللّه، ويبلغون به شاطئ الأمن والسلام. قوله تعالى: {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ} معطوف على محذوف، تقديره هذا بلاغ للناس، ليدلهم على ربهم، وليكون نذيرا لهم من عذابه، إذا هم صمّوا وعموا عن الاستماع إلى آياته، وليعلموا إذا تدبّروا هذه الآيات وعقلوها، أن إلههم إله واحد لا شريك له. وقوله تعالى: {وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ} معطوف على محذوف أيضا.. تقديره- فإذا لم يكن لهؤلاء الضالين أسماع تسمع، أو عقول تعقل، أو بصائر تستبصر وتتذكر- فليتركوا وشأنهم، وليذكر أولو الألباب، الذين ينبغى لهم ألا يمرّوا بآية من آيات اللّه، دون أن يلتقطوا منها عبرة، أو يأخذوا منها موعظة. وننظر في الآية الكريمة نظرة شاملة: {هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ}. ننظر فنجد: أولا: أن القرآن الكريم هو بلاغ للناس جميعا، يحمل في مضامينه أضواء مشعة، تكشف الطريق إلى لهدى والإيمان: {هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ}. وثانيا: أنه مع هذا البلاغ المبين، وذلك البيان الكاشف، فإن كثيرا من الناس لا تكتحل أبصارهم بهذا النور، ولا تتفتح قلوبهم لهذا الخير. وكلّ حظهم من هذا البلاغ المبين أنه حجة عليهم، وإنذار لهم بالعذاب الأليم: {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ}. وثالثا: أن الذين نظروا في آيات اللّه، وأعطوها آذانهم وقلوبهم، قد عرفوا بها طريقهم إلى اللّه، وعلموا أنه إله واحد، لا شريك له.. {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ}. ورابعا: أن في هذا الذي انكشف من أمر الناس، وموقفهم من آيات. بين ضال لم يزده هذا البلاغ المبين إلا عمى وضلالا. وبين مهتد، زاده هذا البلاغ المبين هدى وإيمانا- في هذا وذلك عبرة وعظة، فليعتبر بهذا أهل البصائر، وليتذكر أولو الألباب والعقول.. الذين هم أهل لهذا الخطاب المبين، من ربّ العالمين.
|