الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة يجد العصا والسوط أيعرف: قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: فأرجو أن يكون خفيفا، معناه عندي: فأرجو أن يكون خفيفا أن ينتفع به على وجه التملك له ما لم يجد صاحبه، وإن أبى الانتفاع عليه، وهذا في التافه الذي لا قيمة له؛ لأن تعريفه غير واجب، فقوله: يعرفه، يريد: على وجه الاستحباب والله أعلم، ولو كان له قدر يجب تعريفه لما صح له تمليكه بعد التعريف، وقد مضى بيان هذا في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. .مسألة حكم لقطة العروض: قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حكم لقطة العروض كحكم لقطة الدنانير والدراهم التي قال فيها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعرف عفاصها ووكاءها، وعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها»، فإذا وجد حديدة وجب عليه أن يعرفها فإن لم يعرف فإن شاء حبسها وإن شاء تصدق بها ويكون صاحبها على حقه فيها إن شاء ضمنه، وهو مخير إن شاء تصدق بها بعينها على مسكين واحد أو على مساكين تكون بينهم كما قال، وإن شاء باعها فتصدق بثمنها لزمه الأكثر من قيمتها يوم تصدق بها أو من الثمن الذي باعها به، وليس عليه أن يكسرها إن كانت من الخناجر التي يتخذها السفهاء أو من السلاح التي يقاتل بها، ويبيعها كما هي إلا أن يخشى أن يصل إلى العدو أو إلى من يناوئ المسلمين من أهل الإسلام في الفتن التي تكون بينهم، فيكره له أن يبيعها حتى يكسرها. واختلف إن باعها قبل أن يكسرها من العدو أو ممن يقاتل بها المسلمين من أهل الإسلام أو ممن يعلم أنه يحملها إليهم ويبيعها منهم فيما يجب عليه في الثمن الذي أخذه فيها إن لم يقدر على استرجاعها على ثلاثة أقوال قد ذكرناها في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب التجارة إلى أرض الحرب فهو موضعها الأليق بها، وبالله التوفيق. .مسألة التقاط العبد الآبق: قلت: أرأيت إذا انقطعت السنة ولم يخف عليه ضيعة، أيباع؟ قال: نعم ولا يحبس بعد السنة. قال محمد بن رشد: قوله: إن الآبق يحبس سنة- هو مثل ما في المدونة. وقوله: إنه إن خشيت عليه الضيعة بيع قبل السنة- هو مفسر لما في المدونة، وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب أنه إن خشيت عليه الضيعة خلي سبيله ولم يبع، وقد مضى القول على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة المجعول له الثاني هو المنتفع بعمل الأول إذا أفلت قريبا من مكان سيده: قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن المجعول له الثاني هو المنتفع بعمل الأول إذا أفلت قريبا من مكان سيده بخلاف المجاعلة على حفر الآبار وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، والله الموفق. .مسألة يجد القبر في أرض العدو فيه فضة وذهب وجوهر وغير ذلك: قال: وقد سئل مالك عن الرجل يجد القبر في أرض العدو فيه فضة وذهب وجوهر وغير ذلك، فقال: هو لجميع أهل ذلك الجيش؛ لأنه إنما وصل إليه بالجيش. وأما ما ذكرت من العمد والخشب والصخر فإن كان أمرا يعرف أنه من دفن الجاهلية فهو عندي بمنزلة ما يوجد من ركازهم فإن كانوا أهل صلح كان ذلك لأهل ذلك البلد من أهل الذمة، وإن كانوا عنوة رأيته لجماعة المسلمين ورأيت لمن وجده أن يبيعه ويتصدق بثمنه، فإن كان أمرا يعرف أنه من متاع الإسلام لم أره للمبتاع. وقلت للبائع: فإن عرفت أنه لك أو قامت لك عليه بينة فهو لك، وإن لم تدعه رأيت لمن وجده أن يعرفه كما يعرف اللقطة، وما يوجد من دفن الإسلام وإن لم يوجد له أحد باعها عنه وتصدق بثمنه. قال ابن القاسم: إذا لم يوجد من أهل تلك القرية التي صالحوا عليها أحد وكانوا قد بادوا تصدق بما وجد من ذلك كله كما يتصدق بما وجد في القرية التي أخذت عنوة. قال محمد بن رشد: سأله في هذه الرواية عما وجد المشتري في الأرض التي اشتراها واشترط مجهولها ومعلومها مما جهلاه من الصخر والحجارة والعمد والرخام والأبنية والذهب والفضة، فقال: إن ذلك لا يكون للمبتاع، ويكون حكمه حكم الركاز إن علم أنه من دفن الجاهلية على التفصيل الذي ذكرناه على أصل مذهبه في أن الركاز تبع للأرض الذي وجد فيها، إن كانت مفتحة بصلح وغيره وأنه لا يكون لواجده بعد إخراج الخمس منه إلا أن يكون موجودا في أرض حرة لم تفتح بصلح ولا عنوة وحكم اللقطة إن علم أنه من دفن الإسلام، ومعنى ذلك إذا لم يدعه البائع أو ادعاه فلم يشبه قوله وتبين كذبه. وأما إذا ادعاه فأشبه قوله فإنه يكون له مع إذا لم يكن له عليه بينة على قياس قوله. وفي تَكَلُّمِ ابْنِ القاسم على حكم ما وجد المبتاع في الأرض التي ابتاع على الشرط الذي ذكره وسكوته عن البيع- دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ عنده وأن الشرط لا يفسد، وقد اختلف في ذلك، فروى زياد قال: سألت مالكا عن رجل ابتاع منزلا أو حظا من منزل فكتب المشتري مجهولا أو معلوما أو كتب يعلم أو لا يعلم، قال: لا ينقض هذا البيع ونحوه مما يتوثق به المشتري بعد أن ينص ما اشترى نصفا أو ربعا أو جزءا من الأجزاء. وفي تفسير ابن مزين: أن البيع فاسد في الأرض إذا اشتراها واشترط معروفها ومجهولها، بخلاف إذا اشترى العبد واشترى مجهول ماله ومعلومه، وقال: إن الفرق بينهما أن مال العبد إنما يستثنيه المشتري ويشترطه للعبد لا لنفسه، ألا ترى أنه يطأ ملك يمينه ويكون له حتى ينتزعه منه سيده، وأن مجهول الأرض إذا اشترطه المشتري قد اشترى ما لا يعرف، ومحمد بن دينار يقول للمبتاع ما يوجد في الأرض الذي ابتاع مما جهلاه، وهو قول سحنون في نوازله من كتاب جامع البيوع، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. قال في الورثة يقتسمون الأرض فيجد أحدهم في حظه بئرا وبيتا أو صخرا أو عمدا أو الرجل يشتري الأرض فيجد فيه شيئا من ذلك: إن ذلك لمن وقع في قسمه من الورثة وللمشتري في الشراء، ولا حق فيه للبائع، وهذا الاختلاف إنما هو في المجهول الذي لا يعلم صاحبه، وأما إن ثبت أن ما وجد مغيبا في الأرض من متاع البائع أو متاع من ورثه عنه فلا اختلاف في أنه له، وكذلك ما علم أنه من دفن الجاهلية يكون حكمه حكم الركاز الموجود في تلك الأرض بلا اختلاف، فيكون تبعا للأرض على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك إن كانت مفتحة بعنوة أو بصلح ولواجده إن كانت حرة من أرض العرب، ويكون لواجده على مذهب ابن نافع كانت الأرض حرة أو عنوة أو صلحية متملكة أو غير متملكة، وبالله التوفيق. .مسألة العشرة دراهم أو النصف دينار يجده الرجل: قال ابن القاسم وابن وهب، في الحاج يجد اللقطة نحوا من عشرين دينارا أو أكثر فيعرفها سنة فلم يجد لها طالبا، هل يأكلها، وفي العشرة دراهم أو النصف دينار يجده الرجل، كم ترى له أن يحبسه ويعرفه؟ قال ابن وهب: قد بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال في اللقطة: إنه يعرفها سنة فإن جاء لها طالب دفعها إليه، فإن لم يأت لها طالب دفعها إليه، فإن لم يأت لها طالب بعد اليوم أداها إليه إن كانت عنده، وإن لم يكن عنده شيء كانت عليه دينا حتى يجد قضاءها ويكون صاحبها أسوة الغرماء، وإن مات كان في سعة إن شاء الله إن لم يوجد له مال؛ لأن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ قد أذن له في أكلها، وأما الشيء اليسير مثل الدريهمات والدينار فإني أرى أن يعرف أياما فإن لم يجد له صاحبا وكان محتاجا أنفق ذلك على نفسه، وإن كان غنيا عنه تصدق به عن صاحبه، قال ابن القاسم: ما ينبغي أن ينفق على نفسه منه شيئا قليلا ولا كثيرا. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب فلا وجه لإعادته. .مسألة ما يقذف البحر من الخشب والحوت والقصاع ونحو هذا: قال محمد بن رشد: معنى هذا عندي في الشيء اليسير الذي يعلم أن صاحبه لا يشح به ولا يطلبه، وأما الشيء الذي له قدر وبال فحكمه حكم اللقطة على ما يأتي في الرسم الذي بعد هذا، وقد كان الشيوخ يحملون المسألتين على أنهما متعارضتان وليس ذلك بصحيح، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم من قولنا ما بَيَّنَ هذا الذي ذهبنا إليه في هذه المسألة. .مسألة ما لفظ البحر من المتاع: وسئل ابن القاسم: عما لفظ البحر من المتاع فيجده الرجل مما حمله التجار ولا يعرفه، فقال: إن كان من متاع المسلمين عرفه، وإن كان من متاع أهل الشرك نظر السلطان فيه فوضعه على ما يرى، ولم يكن لمن أخذه، وإن شك فيه رأيت أن يعرفه ثم يتصدق به. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا اختلاف فيما لفظه البحر من أموال التجار المعطوبين فيه أن حكمه حكم اللقطة، بخلاف مسألة رسم سن من سماع ابن القاسم فيما ألقوه بأيديهم من متاعهم لتجارة أنفسهم، هذا قد قيل فيه: إنه لمن وجده، إذ قد ألقوه بأيديهم على وجه اليأس منه، بمنزلة الذي تقوم عليه دابته في السفر فيسلمها على وجه اليأس منها على الاختلاف في ذلك، وقد ذكرناه في مسألة حلف أن لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. .مسألة اللقطة بعد تعريفها سنة: قال محمد بن رشد: هذا بيِّن على ما قاله: إن الخطاب يوجه في اللقطة من النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى واجدها بقوله له: «اعرف عفاصها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها»، فإن أخذها منه وتصدق بها كان متعديا فيها وضامنها له إلا أن يعطيه إياها واجدها باختياره ليتصدق بها على سبيل الوكالة له، فلا ينتقل عنه الضمان إن جاء صاحبها، وبالله التوفيق. .مسألة اللقطة توجد في قرية ليس فيها إلا أهل الذمة: قال محمد بن رشد: هذا قول فيه نظر، إذ في الإمكان أن تكون لمسلم وإن كانت وجدت بين أهل الذمة، فكان الاحتياط أن لا تدفع إلى أحبارهم إلا بعد التعريف لها استحسانا لقلة الظن أنها لهم على غير قياس، فإن دفعت إليهم بعد التعريف لها ثم جاء صاحبها غرموها له، وإنما كان يلزم أن تدفع ابتداء إلى أحبارهم لو تحقق أنها لأهل الذمة بيقين لا شك فيه مع من يقولوا: إن من ديننا أن يكون حكم اللقطة لأهل ملتنا مصروفا إلينا، وأما إذا لم يتحقق ذلك فكان القياس أن لا تدفع إلى أحبارهم وتكون موقوفة أبدا، وبالله التوفيق. .مسألة يجد الشاة قد اختلطت بغنمه فلا يجد لها صاحبا: قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا إنه يضمنها لربها إن جاء إذا تصدق بها مثل قول مالك في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، خلاف قوله في رسم الأقضية الثاني منه. وقوله في لبنها: إنه يشربه؛ لأنه يرعاها ويتفقدها- يبين قول مالك في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، وقد مضى تحصيل القول في ذلك كله في الموضعين، وبالله التوفيق. .مسألة اللقطة يجدها الرجل فيستنفقها بعد السنة: قال محمد بن رشد: ليس سكوت أشهب عن ذكر السلطان في هذا بمخالف لقول ابن وهب؛ لأن السلطان هو الناظر في هذا لصاحب اللقطة لكونه في منزلة الغائب؛ إذ لا يعرف، ومعنى ذلك إذا عرف إقراره باستنفاقه اللقطة قبل أن يقوم عليه الغرماء، إذ لا يجوز إقرار المفلس بالدين بعد التفليس لمعين معلوم، فكيف لغائب مجهول، وبالله التوفيق. .مسألة الرجلين يدعيان اللقطة عند الرجل: قلت: فلو قال: هي في خرقة حمراء وخيط أبيض فوجدت الخرقة كما قال والخيط أسود؟ قال: فيستبرأ أيضا ثم يرجع بعد ذلك، فقال لي: هذا قد أكذب نفسه إذ ادعى المعرفة بالوكاء والعفاص ثم وجد بعد ذلك على غير ما قال، فلا يصدق، وإنما يصدق إذا أصاب في بعض وادعى الجهالة في بعض فيستبرأ، فإن جاء أحد بأحق مما ادعى وإلا أعطيها، قيل: فوصف العفاص والوكاء وادعى أنها دنانير فوجد العفاص والوكاء كما قال ووجد فيها دراهم؟ قال: لا يعطاها؛ لأنه إنما ادعى دنانير ذهبت منه، لم يدع دراهم، قال لي: وكذلك لو قال خرقة حمراء وخيط أبيض والدنانير هاشمية، فوجدت الخرقة والخيط كما قال، ووجدت الدنانير عتق لم يكن له شيء. قال محمد بن رشد: قال: إنه إذا ادعى اللقطة رجلان، فوصف أحدهما العفاص والوكاء، ووصف الآخر عدد الدنانير ووزنها، إنها للذي عرف العفاص والوكاء، يريد: مع يمينه، والاختلاف في هذا، وإنما لا اختلاف إذا جاء وحده، فقيل: إنها تدفع إليه بالصفة دون يمين، وهو ظاهر مذهب ابن القاسم في المدونة، والوجه في ذلك أن الصفة في اللقطة التي لا دافع لها كالبينة القاطعة فيما له من يدفع عنه، وقيل: إنه لا يدفع إليه إلا بيمين. وقال: إن وصفها رجلان أحلفا، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر فهي لمن حلف منهما، وإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا قسمت بينهما، فقوله: إنه يقسم بينهما إذا نكلا رد لقوله: إنه لا يدفع إليه إذا جاء وحده إلا بيمين، واستحسن أصبغ في أحد قوليه إذا وصف أحدهما العفاص والوكاء ووصف الآخر عدد الدنانير والدراهم، وصفتها أن تقسم بينهما بعد أيمانهما كما لو اجتمعا جميعا على صفة العفاص والوكاء. والاختيار أن يصف مدعي اللقطة العفاص والوكاء وما اشتملا عليه من عدد الدنانير والدراهم وصفتها، فإن وصف بعضا وجهل بعضا أو غلط فيه ففي ذلك اختلاف وتفصيل: فأما جهله بالعدد فلا يضره إذا عرف العفاص والوكاء، وكذلك غلطه فيه بالزيادة لا يضره لجواز أن يكون قد اغتيل في شيء منها، واخلف في غلطه فيه بالنقصان إذا عرف العفاص والوكاء على قولين، وكذلك واختلف في غلطه فيه بالنقصان إذا عرف العفاص والوكاء وأما إذا غلط في صفة الدنانير فلا أعلم خلافا في أن لا شيء له. وأما العفاص والوكاء إذا وصف أحدهما وجهل الآخر أو غلط فيه ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا شيء له إلا بمعرفتهما جميعا. والثاني: أنه يستبري أمره فإن لم يأت أحد بأثبت مما أتى به دفعت له. والثالث: أنه إن ادعى الجهالة استبرئ أمره، وإن غلط لم يكن له شيء، وهذا أعدل الأقوال، والله أعلم. ولو جهل العفاص والوكاء جميعا وعرف عدد الدنانير وصفتها ووزنها لتخرج على قول أصبغ الذي قاله على طريق الاستحسان إذا وصف أحد المدعيين العفاص والوكاء، والآخر عدد الدنانير وصفتها ووزنها أن تقسم بينهما أن تكون له إذا جاء وحده فوصف عدد الدنانير والدراهم وصفتها ووزنها وجهل العفاص والوكاء جميعا، وبالله التوفيق. .مسألة يلتقط الشاة الضالة بموضع يجوز له أكلها: قلت: فلو اعترفها ربها في يديه قبل أن يأكلها، قال: فهو أولى بها إذا أدركها، قيل: فلو كان ملتقطا استحياها حتى قدم بها الأحياء، أيكون له أن يعرفها؟ قال: هذا مخالف لما ذكرت، وعليه أن يعرفها أو يصرفها إلى أهل قرية يعرفونها ولا حق له فيها ولا يحل له حبسها؛ لأنه إنما جاز أكلها وذبحها بالفلاة أو المنقطع لئلا تتلف إن تركها أكلتها السباع وإن تحملها أضرت به، فلما تحمل من حملها ما لم يكن عليه حتى بلغها الأحياء كانت كما التقطها هنا، تعرف ولا تؤكل. قال محمد بن رشد: اعترض أبو إسحاق التونسي قول أصبغ هذا إذا قدم بها الأحياء مذبوحة، فقال: الأصوب أن لا يأكل اللحم وأن يبيعه ويوقف ثمنه؛ لأن الإباحة إنما كانت له حيث لا ثمن له، ولو تركه هناك لأكله الذئب وفي الحاضرة قد صار له ثمن، وهو صحيح، وبالله التوفيق. تم كتاب اللقطة بحمد الله تعالى. .كتاب المزارعة: .مسألة اشتركا على مزارعة: قال محمد بن رشد: قوله: اشتركا على مزارعة، معناه: اشتركا في الحرث للزراعة، وإرادته أنهما اشتركا على أن يجعل كل واحد منهما زوجه ويده ونصف البذر، والأرض لهما أو بأيديهما اكتراء أو مزارعة أو منحة؛ بدليل قوله: فزرع صاحب النصف الجيد قمحه فزرع منه كذا وكذا، وزرع الآخر قمحه الرديء فزرع منه كذا وكذا، والشركة على هذا إنما تصح إذا كان يحتاجان فيها إلى التعاون في إقران البقر للحرث وحلها والقيام عليها في سقيها وعلفها وما أشبه ذلك. ويختلف في هذه الشركة، هل تلزم بالعقد أم لا؟ على اختلافهم في المزارعة، فجاء جوابه في هذه المسألة على القول بأنها لا تلزم بالعقد، وهي رواية أصبغ عنه في سماعه بعد هذا؛ لأنه أفسد الشركة بينهما مسامحة أحدها الآخر بعد العقد فيما أخرج من القمح الذي لا يعدل قمحه في الطيب، مع ما بينهما من التفاوت الكثير الذي لا يجوز أن يسمح في مثله في الشركة التي لا تلزم بالعقد، وذلك معارض لقوله في رسم الجواب بعد هذا على ما سنذكره ونبين وجهه إن شاء الله، وأما على القول بأنها تلزم بالعقد فيجوز أن يسمح أحدهما للآخر بعد العقد بالقليل والكثير قولا واحدا. فقوله على القول بفساد الشركة بمسامحة أحدهما الآخر بعد العقد إذ لم يرها لازمة بالعقد: إنه يؤدي كل واحد منهما إلى صاحبه نصف ثمن زريعته فيستويان- صحيح على القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة بينهما على ما اشتركا عليه ويتعادلان فيما أخرجاه فمن كان له منهما فضل على صاحبه رجع به عليه، وهو قول ابن حبيب في الواضحة إذا سلما من كراء الأرض بما يخرج منها، وهو الذي يأتي أيضا على القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب العمل، إذ قد عملا جميعا، وعلى القول أيضا بأنه من اجتمع له شيئان من ثلاثة أصول: وهي العمل والأرض والبذر، وعلى القول أيضا أنه لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة أصول: وهي الأرض والبذر والبقر؛ إذ قد اجتمع لكل واحد منهما البذر والبقر، وعلى القول أيضا بأنه لمن اجتمع له منهما شيئان من أربعة أصول: وهي الأرض والعمل والبقر والبذر إذ قد اجتمع لكل واحد منهما ثلاثة أشياء. وأما على القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر فيجب أن يكون لكل واحد منهما ما أنبت قمحه، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي، فقال: إن كان بينهما تفاوت لا يجوز أن يسمح به في الشركة، فكان يجب أن يكون لكل واحد منهما ما أنبت قمحه كشعير وقمح، إلا أن يقدر أن التفويت إذا كان بإذن صاحبه صار كالقبض، فيجب مثل ذلك في القمح والشعير وفي الشركة الفاسدة بالعروض أن يضمن كل واحد منهما نصف قيمة عرض صاحبه، وهذا الذي قاله أبو إسحاق التونسي صحيح؛ كأن وجه القول في كون الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر هو بقاء يده على بذره مع شريكه فلم يبن بحصته منه بينونة صحيحة، هذا وجه القول في هذه المسألة. وقد قال ابن دحون فيها: هذه مسألة مشكلة؛ لأنه أبطل ما قد تراضيا به، وإنما ذلك لأنهما لما القمح من السوق وكانا كأنهما إنما اشتركا بالأثمان التي اشتريا بها. فردها إلى تساوي الأثمان، ألا ترى أنه لو ضاع ما اشترى أحدهما قبل شراء الآخر كان عليهما إذا اشتراه للزراعة وللشركة التي عقدا حول ذلك على أنهما إنما اشتركا بأثمان ما اشتريا، فردهما إلى التساوي، ولو كان ثمن القمح الرديء مثل القمح الجيد لم يتراجعا إذا تراضيا، ولو كان ثمن الرديء أكثر من ثمن الطيب لرجع على صاحب الطيب بما فضله إذا تراضيا أولا، ولو كان القمح أخرجه كل واحد منهما من داره ولم يشتره وتراضيا بجيده ورديئه لم يكن لأحدهما رجوع في ذلك، وإنما جاز له الرجوع لما اشتريا من السوق فصار إنما اشتركا بالأثمان فيها وتراجعا. هذا نص قول ابن دحون، وهو كلام مختل الوجه له؛ لأن لفظ الشركة تقتضي التكافؤ فيما يخرجه كل واحد منهما عوضا عما يخرجه صاحبه، فإذا رضي أحدهما بعد عقد الشركة بأن يخرج صاحبه أدنى من القمح الذي يخرج هو، فقد يفضل بنصف ما زادت قيمة طعامه على طعام صاحبه، وكان ذلك على القول بأن العقد غير لازم بمنزلة ما لو شاركه على ذلك ابتداء، ووجب أن تفسخ الشركة بينهما إلا أن يفوت بالبذر فيكون لكل واحد منهما ما أنبت قمحه على القول بأن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر، ويكون الزرع بينهما على القول الآخر ويتعادلان في قيمة ما أخرج كل واحد منهما من الطعام اشتراه من السوق أو جاء به من داره، واستدلاله على الفرق بين الوجهين بما ذكره من الضمان لا يصح، إذ لا فرق بينهما في الضمان أيضا وإن تلف بعد أن عرضه على صاحبه فرضيه وأجازه لكانت مصيبته منهما على قياس القول بأن الزرع بينهما ومن صاحبه الذي جاء له من عنده على قياس القول بأن له ما أنبت دون شريكه، ولا فرق في ذلك كله بين أن يشتريه من السوق أو يأتي به من داره، وبالله التوفيق.
|