الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة ضمان الجرة التي تنكسر من المكتري: قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن ما أتى تلفه من قبل ما عليه استحمل من عثار إنسان أو دابة لم يغرمها فلا ضمان على الأجير فيه ولا كراء له؛ لأنه حمل ذلك على البلاغ كالسفينة، وقد قيل: إنه إذا سقط عنه الضمان لزم رب المتاع أو الطعام أن يأتي بمثله يحمله ويكون له كراؤه، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة وهو أشهب، وقيل: إن له بحساب ما بلغ ولا يلزم رب المتاع والطعام أن يأتي بمثله، وهو الذي يأتي على قول ابن نافع في المدونة في السفن أن له بحساب ما بلغت، وإذا ظهر الكسر فهو مصدق في العثار كما قال. وأما إذا لم يظهر الكسر وكان غير معروف فقوله إن له الأجرة إذا ضمن، معناه: أنه لا يصدق فيما ادعاه من العثار والتلف، ويضمن مثله في أقصى الغاية وتكون له أجرته كاملة، وهذا في الطعام، وأما في المتاع فالقول قوله في دعواه تلفه، وإن لم يعلم ذلك إلا بقوله، وابن الماجشون لا يصدقه في أنه عثر به وإن ظهر الكسر، وقد مضى القول على ذلك في نوازل سحنون من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق. .مسألة ضياع العين المستأجر حملها من الأجير: قال ابن القاسم: أرى للنوتي أن يرفع ذلك إلى السلطان ثمة حتى يكون هو الذي ينظر في أمره، فإن جاء وقدم ولم يرفع ذلك إلى الوالي رأيت أن يرجع إلى الموضع الذي أصيب فيه فيحمل من ذلك الموضع بمثل ما حمل عليه. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة أنه إن انصرف فارغا وترك الرفع إلى السلطان أو التلوم والإشهاد إن كان في موضع لا سلطان فيه فيلزمه الرجوع إلى ذلك الموضع ليحمل له مثل ذلك القمح. وسواء على مذهب ابن القاسم، كان الكراء موجودا بذلك المكان أو غير موجود، وقال ابن وهب: إن كان الكراء بذلك الموضع موجودا انفسخ الكراء فلم يكن له كراء ولا كان عليه أن يرجع ثانية، وإن كان الكراء بذلك الموضع غير موجود كان له كراؤه ولم يكن عليه أن يرجع ثانية، وسيأتي القول على هذه المسألة مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. .مسألة تعذر بلوغ المكان المحدد لأمر خارج عن إرادة الأجير: قال محمد بن رشد: إذا كان الحكم إذا وقف المركب في الطريق من قلة الماء أن يأخذ صاحب المتاع متاعه بذلك الموضع ويحاسب الكري فيكون له من كرائه على قدر ما سار من الطريق، فالنوتي في كرائه على المتاع وحمله محط على صاحبه فيه، فإذا كان صاحب المتاع لابد له من الكراء على المتاع من حيث وقف المركب إلى حيث أكرى عليه النوتي. فقول ابن القاسم: إنه لا شيء له فيما حمله لو شاء لم يفعل- معارض لقوله في الذي يكري على حمل الحمل، فيخطئ ويحمل غيره أنه إن أراد أخذ الحمل لم يكن له إلا أن يغرم له الكراء، وفي الذي استأجر حصادين على أن يحصدوا زرعا له، فحصدوا زرعا لغيره أو استأجر أجراء ليحرثوا له أرضا فحرثوا أرضا لغيره أن على الذي حُصد زرعه أو حُرثت أرضه أن يغرم للأجراء قيمة عملهم إن كان لابد له من الاستيجار على ذلك، مثل قول أشهب في نوازل أصبغ في مسألة الكري يخطئ فيحمل غير الحمل الذي اكترى على حمله. وأما إن كان المركب وقف في موضع ليس فيه سلطان ولا أحد، وخشي النوتي أن يهلك المتاع فأكرى عليه، فوجوب الكراء له على صاحب المتاع بيّن، على قول مالك في المدونة وغيرها في الذي يلتقط المتاع، فيحمله إلى موضع من المواضع، أن ربه لا يأخذه إلا أن يدفع إلى الذي حمله الكراء الذي حمله به، وبالله التوفيق. .مسألة الزيادة والنقص في مدة الإجارة: قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول عليها في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة خطأ الحمال في الحمل: قال محمد بن رشد: أما إذا تعدى الحمال فحمل ما لم يستأجر على حمله فلا اختلاف في أن صاحب الحمل بالخيار بين أن يضمن الحمال قيمة الحمل بالموضع الذي حمله منه، وبين أن يأخذه في الموضع الذي حمله إليه ولا يكون للحمال في حمله كراء لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ليس لعرق ظالم حق»، وأما إذا أخطأ في حمله وظن أنه هو الذي استحمل إياه فلصاحب الحمل أن يضمنه قيمته بالموضع الذي حمله منه، واختلف إن أراد أن يأخذه في الموضع الذي حمله إليه، هل عليه أن يغرم للحمال كراءه أم لا؟- على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يأخذه إلا أن يغرم الكراء للحمال، وهو قول ابن القاسم هاهنا، وفي نوازل أصبغ من كتاب الرواحل والدواب، وقول ابن وهب ومطرف فيه. والثاني: أن له أن يأخذه ولا شيء عليه من غرم الكراء، وهو قول أشهب في نوازل أصبغ من كتاب الرواحل والدواب، وقياس قول ابن القاسم فوق هذا في مسألة المركب يقف في بعض الطريق من قلة الماء، وظاهر قوله في أول مسألة من سماع يحيى من كتاب البضائع والوكالات في مسألة الخصام. والثالث: أن له أن يأخذه ولا كراء عليه إلا أن يكون عازما على أن يبلغه إلى ذلك المكان فيكون عليه إذا اختار أخذه كراء مثله إلى ذلك المكان لا الكراء الذي أكراه به، وهو قول ابن حبيب في الواضحة وقياس قول ابن القاسم بعد هذا في مسألة الذي يستأجر الأجراء لحصاد زرعه أو حرث أرضه فيخطئون فيحصدون زرعا لغيره، أو يحرثون أرضا لغيره، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن لرب الحمل أن يكلف الحمال رد الحمل الذي أخطأ به إلى البلد الذي حمله منه، ويكون في ضمانه حتى يرده إلى موضعه. ولا اختلاف بينهم أن على الحمال أن يرجع فيحمل الحمل الذي تكوري على حمله، وبالله التوفيق. .مسألة كنس مراحيض الدور المكتراة على من يكون: قال محمد بن رشد: اختلف في كنس مراحيض الدور المكتراة، فقيل: إنها على السكان، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية. وقيل: إنها على أصحاب الدور، وهو قول ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر عنه أن كنس التراب والمرحاض على صاحب المنزل، إلا أن يكون اشترط ذلك على الساكن. قال: ولا يجوز أن يشترطه عليه إلا أن يكون نقيا وهو قول أشهب إنه على صاحب الدار إذا لم يكن لهم في ذلك سنة يحملون عليها، ولم يختلف في هذا قول أشهب ولا اضطرب في أصله، وقد ذكرنا ذلك في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، وفي المدونة دليل على القولين جميعا. وأما دور الفنادق التي تكرى مشاهرة إلى غير أمد معين من المسافرين وغيرهم، فلا اختلاف في أنه لا شيء من ذلك على السكان فإن أكرى صاحب الفندق فندقه جملة لعام أو أعوام من متقبل يكريه من السكان فيه دخل الاختلاف المذكور في ذلك، هل يكون الكنس على صاحب الفندق؛ أم على المتقبل له للعام أم للأعوام؟ وبالله التوفيق. .مسألة تأجير القارب على قدر غير معلوم من الصيد: قال محمد بن رشد: قد مضى قبل هذا في هذا السماع من تكلمنا على الذي يدفع دابته إلى الرجل على أن يعمل عليها يوما له ويوما لصاحب الدابة- ما يغني عن القول في هذه المسألة لاتفاقهما في المعنى، وبالله التوفيق. .مسألة أخطأ الحصادون فحصدوا زرعا غير محل الإجارة: قال: إن كان الخطأ جاء من قبل الأجراء فإنه ينظر إلى صاحب ذلك الزرع، فإن كان له أجراء وعبيد، يريد أنه لا يحتاج إلى الإجارة في حصاد زرعه لم يكن عليه شيء وبطل عملهم، وإن كان الخطأ جاء من قبل صاحب الزرع، قال لهم: احصدوا لي هذا الزرع، وهو يظن أنه زرعه، وكان صاحب ذلك الزرع لا أجراء له ولا عبيد، ولابد له من أن يستأجر على حصاد زرعه، فإن عليه أن يدفع إلى الذي استأجر الحصادين قيمة عمل الأجراء، ويكون للأجراء على الذي استأجرهم أجرتهم التي استأجرهم عليها. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة والقول فيها في آخر كتاب الجعل والإجارة فلا معنى لإعادة القول فيها، والله الموفق. .مسألة أخطأ الحراثون فحرثوا زرعا غير محل الإجارة: قال محمد بن رشد: وهذه أيضا قد تقدمت في آخر كتاب الجعل والإجارة متكررة والقول فيها، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة تعذر البناء في البقعة محل الإجارة: قال محمد بن رشد: وهذه المسألة أيضا قد مضت متكررة في آخر كتاب الجعل والإجارة، ومضى القول عليها هناك، فلا معنى لإعادته وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. تم كتاب كراء الأرضين بحمد الله تعالى. .كتاب الرواحل والدواب: .مسألة الإجارة على رد الضالة أو الآبق: قال: لا أرى به بأسا إذا لم ينقد، فأما إن قال: إن وجدت حاجتي بمكان كذا وكذا فلك كذا وكذا، وإن لم أجدها بمكان كذا وكذا فلك كذا وكذا، وذلك بحثان فأنا أكرهه وأراه مخاطرة. قال محمد بن رشد: أما إذا اكترى الدابة إلى بلد مسمى في حاجة أو طلب دابة أو آبق على أنه إن وجد حاجته أو ضالته بالطريق رجع وسقط عنه من الكراء بحساب ما بقى من الطريق. فقوله: إن ذلك جائز إذا لم ينقد- هو عند مالك على مذهبه بترك الاعتبار بعلة الأطماع مثل قوله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب كراء الدور والأرضين في الذي يكتري الدار سنة على أنه إن خرج قبل السنة حاسبه بما سكن، ومثل قوله بعد هذا في هذا الكتاب في رسم الشجرة، ورسم باع غلاما من هذا السماع، ومثل ما في المدونة أيضا من قول ابن القاسم وروايته عن مالك في الذي يستأجر الأجير شهرا على أن يبيع له ثوبا، على أن المستأجر متى شاء أن يترك ترك، إن ذلك جائز إذا لم ينقد لأنها إجارة بخيار. وسحنون لا يجيز هذه المسألة على ما قاله في رسم الشجرة بعد هذا، وإن لم ينقد، ولا مسألة المدونة، بخلاف مسألة الذي يكتري الدار سنة على أنه متى شاء أن يخرج خرج، هذا جائز عنده وعند الجميع ما لم ينقد، وإنما لم تجز هذه المسألة عند سحنون ولا مسألة المدونة المذكورة؛ لأنه يراه مجهلة في الكراء والإجارة. وقال الفضل في مسألة المدونة: إنما لم يجز ذلك عند سحنون؛ لأنه كراء بخيار إلى أمد بعيد، وليس كما قال؛ لأنه إنما هو بالخيار في الجميع الآن، وكلما مضى من الشهر شيء كان بالخيار فيما بقي، فليس كالسلعة التي يشتريها على أنه بالخيار فيها مدة طويلة؛ لأنه يحتاج إلى توقيفها إلى انقضاء أمد الخيار، فلذلك لا يجوز، وليس ذلك في الإجارة والكراء، إلا أن يكتري الدابة على أن يركبها بعد شهر، أو يستأجر الأجير على أن يخدمه بعد شهر على أنه بالخيار في الإجارة والكراء إلى انقضاء الشهر، وإنما لم يجز ذلك عند سحنون لأنه عنده غرر وإن لم ينقد لانفساخ الإجارة فيما بقي من الشهر ببيع الثوب، كما أن كراء الدابة عنده إلى بلد في حاجة على أنه إن وجد حاجته دون البلد رجع وكان له بحساب ما سار غرر لانفساخ الكراء فيما بقي من الأمد، فهذه هي العلة عنده في المسألتين جميعا، لا الخيار إلى أمد بعيد كما قال الفضل؛ لأنه إذا جاز أن يكتري الرجل الدار سنة بكذا على أن كل واحد منهما بالخيار يخرج المكتري متى ما أراد ويخرجه رب الدار متى ما أراد جاز على أن أحدهما بالخيار قياسا على البيع الذي يجوز على أن أحد المتبايعين فيه بالخيار كما يجوز على أنهما جميعا فيه بالخيار، وأما إذا اشترط في كراء الدابة إلى البلد المسمى أنه إن لم يجد حاجته بالبلد الذي تكارها إليه تقدم بها إلى موضع آخر، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز إلا أن يسمى الموضع الذي شرط أنه بالخيار في أن يتقدم إليه ويكون تبعا للكراء الأول وبحسابه، فإن لم يكن تبعا للكراء الأول أو كان بخلافه أرخص أو أغلى أو مبهما لا يدرى إن كان بحسابه أم لا؟ إلا بعد النظر لم يجز. وهو مذهب ابن الماجشون لعلة الأطماع، وذلك أنه لم يكر منه الوجيبة الأولى إلا رجاء في الثانية، وليس على يقين منها لكون المكتري بالخيار فيها. والثاني: أن ذلك جائز إذا سمى الموضع الذي شرط أن يتقدم إليه إن شاء أو كان وجهه معروفا وإن لم يسمه وكان بحساب الكراء الأول، وإن لم يكن تبعا وهو ظاهر قول مالك في أول رسم من سماع أشهب بعد هذا، وما في رسم أوصى من سماع عيسى بعد هذا. ووجه هذا: أن علة الإطماع عنده ضعيفة فلم يعتبرها إلا مع اختلاف الكراء. والثالث: أن ذلك جائز إذا سمى الموضع الذي شرط أن يتقدم إليه إن شاء أو كان وجهه معروفا وإن كان بخلاف الكراء الأول وغير تبع له، وهذا مذهب ابن القاسم على أصله في ترك الاعتبار بعلة الإطماع، وقد اختلف في علة المنع من اجتماع الجعل والإجارة في صفقة واحدة، فقيل: إنها جارية على هذا الأصل، وإن الاختلاف يدخل منه فيها بالمعنى؛ لأن الإجارة لازمة بالعقد، والجعل غير لازم، وقد وقع لسحنون في المغارسة إجازة اجتماعهما في صفقة، وقيل: إنه إنما لم يجز اجتماعهما في صفقة من أجل أنهما أصلان مفترقا الأحكام، كالبيع والنكاح والصرف، لا من جهة علة الأطماع، والله أعلم به. .مسألة اشتراط شرط جزائي في الإجارة: قال محمد بن رشد: قوله: هذا مكروه من الكراء والشرط مفسوخ- يدل على أنه إنما فسخ الشرط لا العقد، والوجه في ذلك: أنه رأى أنه لن يقصد بالشرط إلا ألا يحبس عنه الدابة بعد انقضاء الكراء إلا إلى المغاررة فيه فوجب أن يمضي إذ لم يكن للشرط الفاسد فيه تأثير، كما قالوا في الذي يبيع الثمرة ويشترط البراءة من الجائحة؛ لأن الشروط المقترنة بالبيوع تنقسم عند مالك على أربعة أقسام: شرط فاسد له تأثير في الثمن يفسخ به البيع، وشرط فاسد لا تأثير له في الثمن، يفسخ دون البيع، وشرط صحيح يجوز فيه البيع والشرط، وشرط يقتضي التحجير على المشتري فيما اشترى يفسخ فيه البيع ما دام مشترط الشرط متمسكا بشرطه، فإن رضي بترك الشرط جاز البيع، وإن فات كان فيه الأقل من الثمن أو القيمة إن كان المبتاع هو مشترط الشرط، أو الأكثر من القيمة أو الثمن إن كان البائع هو مشترط الشرط، وقد فسرنا هذه الوجوه وما فيها من الاختلاف في غير هذا الكتاب، وبالله التوفيق. .مسألة نقصان شيء من مال أحد المتكارين بعد استيفاء أولهم ماله: قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنهم اكتروا السفينة على أن يحملوا فيها الطعام إلى منازلهم، فوجب كلما مر أحد منهم بمنزله أن يأخذ طعامه؛ لأنه على ذلك حمله معهم، فإن نقص الطعام بعد ذلك كان عليه من النقصان بحساب طعامه يرجع به عليه؛ لأنه حمله معهم على سبيل الشركة، وكذلك لو وجد أسفل القمح قد اسود وفسد لموج ركبه، إلا أن يعلم أن فساده إنما كان بعد أخذه طعامه فلا يكون عليه في ذلك تبعة كما لو غرق المركب بعد أن أخذ طعامه فذهب بما فيه. وأما لو حملوا الطعام في سفينة إلى بلد واحد لتجارة أو لغير تجارة فخلطوه أو اختلط لم يكن لواحد منهم أن يأخذ طعامه بالطريق إلا برضا أصحابه، مخافة أن يكون أسفل الطعام فاسدا أو يفسد بعد ذلك، أو ينقص في الكيل، فإن أخذ طعامه في الطريق برضا أصحابه لم يكن لهم عليه تابعة إن ألفوه فاسدا أو نقص كيله على ما قاله في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الشركة وما يأتي له بعد هذا في رسم حلف وفي رسم أخذ يشرب خمرا، ومن الناس من ذهب إلى أن رواية أشهب في كتاب الشركة معارضة لرواية ابن القاسم هذه، والصحيح أنه لا تعارض بينهما ولا اختلاف على ما بيناه، وبالله التوفيق. .مسألة كرى الوكيل لنفسه بلا إذن من موكله: قال: الكراء لصاحب الظهر، وعليه أن يرجع لصاحبه مرة أخرى، ولو أنه إذ لم يجده تلوم وطلبه وكلم إمام ذلك البلد، وأشهد على ذلك من أمره لم يكن عليه أن يعود ثانية، ولو لم يفعل ذلك فأكرى ظهره لصاحبه، وقال: طلبت وكيلك فلم أجده وأكريت أنا لك، فهذا كراؤك، لوجب ذلك على صاحب الطعام، فأخذ ما جاء به من الكراء ولم يكن له عليه غير ذلك. قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: إذا كان في الكراء فضل إذا أكراه صاحب الظهر لصاحبه رأيته للمكري، فإن كان في الكراء نقصان كان على المتكاري. قال ابن القاسم: وكأني رأيته وجه ما ذهب إليه من فضل ما قد أعطاه أن يأخذ منه أكثر من ذلك، ولو أن إماما أكرى ذلك له بعد أن رفعه إليه لكان للمكتري غنمه وعليه نقصانه. قال ابن القاسم من قول مالك: لو أن السلطان تلوم له وطلب له الكراء فلم يجده خلى سبيله، فكان له الكراء كله الذي تكارى عليه وإن لم يحمل على ظهره شيئا، ومما يبين ذلك أن الرجل يتكارى إلى الحج فيهلك في بعض الطريق، فإنه يتلوم له في شقه ساعة فيطلب له كراء، فإن وجد له كراء أكرى شق الميت، وإن لم يوجد له كراء لم ينقص الكري من حقه شيئا. قال سحنون: إذا أكرى صاحب الظهر على وجه النظر له بأكثر مما كان أكرى منه أو بأقل فإنه ينظر، فإن كان أكرى بأكثر كان المتكاري بالخيار، إن شاء أخذ منه قدر رأس ماله وأعطاه الفضل فتكون إقالة، وإن شاء رده وكان الكراء كله للمتكاري، وإن كان أكرى بأقل لم يضمن، وكان له كراؤه، وكان عليه الرجوع ثانية، إلا أن يتراضيا على شيء فيكونان على ما اصطلحا عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت هاهنا، وفي الرواحل والدواب من المدونة وهي تتفرع إلى وجوه تنقسم إليها في بعضها اختلاف. وتحصيل القول فيها: أنه إن ترك الكري الرفع إلى السلطان أو التلوم والإشهاد في موضع ليس فيه سلطان فلا يخلو أمره من أن يكون أكرى إبله راجعا أو رجع بها فارغا، فإن أكراها راجعا فلا يخلو من أن يكون أكراها لنفسه أو للمكتري، وإن رجع بها فارغا فلا يخلو أيضا من أن يكون الكراء موجودا أو غير موجود، فأما إذا أكرى لنفسه فالكراء له، وعليه الرجوع ثانية قولا واحدا، وأما إذا أكرى للمكتري، فقيل: إن المكتري مخير، إن شاء أخذ الكراء كله إن كان لم ينقد أو قدر رأس ماله منه إن كان نقد، وإن شاء رده على الطعام وهو قول سحنون هاهنا. ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك على ما في المدونة. وقيل: يفسخ الكراء الأول ويلزم المكتري الكراء الثاني، إلا أنه لا يأخذ الفضل إن كان نقد وهو ظاهر رواية ابن وهب عن مالك في المدونة. وظاهر هذه الرواية أيضا، وإن كان قد قال أبو إسحاق التونسي: إن معناها إذا رضي بما فعل، ولو لم يرض بفعله لكان الكراء الأول قائما بينهم وهو صحيح في المعنى، غير أن ظاهر اللفظ لا يساعده. وأما إذا انصرف بإبله فارغا والكراء موجود، فقيل: يلزمه الرجوع عن الطعام وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وقيل: يفسخ الكراء ولا يكون له شيء، وهو ظاهر رواية ابن وهب عن مالك في المدونة. وأما إذا انصرف بإبله فارغا والكراء غير موجود، فعلى مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك: يلزمه الرجوع ثانية، وعلى رواية ابن وهب عن مالك: لا يلزمه الرجوع ويكون له جميع الكراء. والتلوم والإشهاد في موضع لا سلطان فيه يقوم مقام الرفع إلى السلطان إذا أكرى الكري للمكتري، أو لم يجد كراء فانصرف فارغا بغير كراء. فأما إن أكرى لنفسه، فقال ابن حبيب: إن المكتري مخير، إن شاء أسلم إليه الكراء ورده بحمل متاعه، وإن شاء أخذ الكراء، فإن شاء أخذه، فانظر فإن كان فيه فضل فالفضل للمكري، وإن كان فيه نقصان فعلى المتكاري وهو صحيح في النظر على أصولهم ولا تأثير للتلوم والإشهاد في موضع يكون فيه سلطان يمكن الرفع إليه. وإذا انصرف بإبله فارغا، وقال: لم أجد كراء- فيلزمه إقامة البينة على ذلك عند مالك على رواية ابن وهب.
|