فصل: مسألة الزيت تقع فيه الفارة هل يجوز أن ينتفع به:

مساءً 2 :21
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
17
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الرجل ينسى شيئا من وضوئه فيذكر ذلك بحضرة الماء ولم يجف وضوءه:

قال مالك: إذا نسي الرجل شيئا من وضوئه، فذكر ذلك بحضرة الماء ولم يجف وضوؤه، غسل ذلك الشيء بعينه وأعاد ما بعده، وإذا ذكر ذلك، وقد تطاول ذلك أو جف وضوؤه غسل ذلك بعينه، واستأنف ما صلى إن كان ما نسي من الوضوء من وضوء الكتاب الذي ذكر الله في كتابه.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا ذكر ذلك بحضرة الوضوء غسل ذلك الشيء بعينه وأعاد ما بعده، ولم يفرق ما بين أن يكون نسي من مسنون الوضوء أو مفروضه، يدل على أن ترتيب المفروض مع المسنون عنده سنة، كترتيب المفروض مع المفروض، خلاف قول مالك في موطاه؛ لأنه قال فيه فيمن غسل وجهه قبل أن يمضمض: إنه يمضمض ولا يعيد غسل وجهه، فجعل ترتيب المفروض مع المسنون مستحبا.
وقوله في آخر المسألة: إن كان ما نسي من الوضوء من وضوء الكتاب الذي ذكره الله في كتابه، إنما يعود على قوله، واستأنف ما صلى؛ لأنه إن كان الذي نسي من مسنون الوضوء فذكر بعد أن صلى لم يكن عليه إعادة ما صلى، وإنما يفعل ما نسي لما يستقبل، وما في الموطأ أظهر، فقد قال بعض العلماء: إنما قدمت المضمضة والاستنشاق والاستنثار في أول الوضوء على غسل الوجه وسائره، لما يتضمن ذلك من اختبار طهارة الماء؛ لأنه يخبر طعمه بالمضمضة، وريحه بالاستنشاق، فإذا كان تقديم المضمضة على غسل الوجه لهذه العلة، ولم يكن ذلك عبادة لغير علة وجب إذا غسل وجهه قبل أن يمضمض، ألا يكون عليه أن يعيد غسل وجهه بعد المضمضة؛ لارتفاع العلة كما قال مالك في موطاه، والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة النفساء التي تمرض فلا تستطيع الغسل:

ومن كتاب العشور:
قال: وقال مالك في النفساء التي تمرض فلا تستطيع الغسل: إنها تتيمم، والتيمم لها جائز، قال: ولا بأس أن يرفع إليها التراب في طبق وهي على سرير. قال: وقال ابن القاسم في الرجل يكون على محمله بموضع ليس فيه ماء، وهو يحتاج إلى التيمم، ويريد أن يتنفل على محمله، فقال: يسأل من يناوله ترابا فيتيمم على محمله، كذلك بلغني عن مالك، وقال عيسى: وكذلك قال لي ابن وهب.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما ذهب إليه ابن بكير من أنه لا يجزئ شيء من ذلك؛ لأن العبارة إنما هي في القصد إلى الصعيد، وهو وجه الأرض، وقول مالك هو الظاهر، والدليل على صحته ما روي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «جعلت لي الأرض مسجدا، وتربتها لي طهورا» ولم يخص وجه الأرض من غيره. وما روي أيضا من: «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تيمم جدارا»، وذلك من فعله خلاف ما ذهب إليه ابن بكير، وهذا من قول مالك على أصل مذهبه في أن الجنب يتيمم خلاف مذهب عمر بن الخطاب، وما كان يقول ابن مسعود ثم رجع عنه، وقوله أيضا على أحد قوليه في أن الحاضر من أهل التيمم، وبالله التوفيق.

.مسألة الجب من ماء السماء تقع فيه الدابة فتموت فيه وقد انتفخت أو انشقت:

ومن كتاب النسمة:
وسئل ابن وهب عن الجب من ماء السماء، تقع فيه الدابة فتموت فيه وقد انتفخت أو انشقت، والماء كثير لم يتغير منه شيء إلا ما كان منه قريبا منها، فلما أخرجت وحرك الماء ذهبت الرائحة، هل يتوضأ به ويشرب منه؟ قال: إذا أخرجت الميتة من ذلك الماء، فلينزع منه حتى يذهب دسم الميتة وودكها، والرائحة واللون إن كان له لون، إذا كان الماء كثيرا على ما وصفت طاب ذلك الماء إذا فعل ذلك به. قال ابن القاسم: لا خير فيه، ولم أسمع مالكا أرخص فيه قط، وبالله التوفيق.
قال محمد بن رشد: قول ابن وهب هو الصحيح على أصل مذهب مالك الذي رواه المدنيون عنه في أن الماء قل أو كثر لا ينجسه ما حل فيه من النجاسة إلا أن يتغير من ذلك أحد أوصافه على ما جاء عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في بئر بضاعة، وقد روى ابن وهب، وابن أبي أوس، عن مالك في جباب تحفر بالمغرب فتسقط فيها الميتة، فيتغير لونه ووزنه، ثم يصيب الماء بعد ذلك أنه لا بأس به. وقد قال ابن القاسم في رسم العتق بعد هذا: إن للجنب أن يغتسل في الماء الدائم دون أن يغسل ما به من الأذى إذا كان الماء يحمل ذلك. وتفرقته بين حلول النجاسة في الماء الدائم أو موت الدابة فيه إذا حمل ذلك الماء، ولم يتغير منه استحسان ليس بقياس، والله أعلم. وقد مضى في رسم الوضوء والجهاد الوجه الذي به تفترق المسألتان فقف على ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة وطئ وجاوز الختان فلم ينزل فاغتسل ثم خرج الماء الدافق:

ومن كتاب أوله يدبر ماله في التجارة:
وسألته عمن وطئ وجاوز الختان، فلم ينزل فاغتسل ثم خرج الماء الدافق، قال: يتوضأ ولا غسل عليه.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إن عليه الغسل، فلقوله: إنه لا غسل عليه وجهان: أحدهما: أن هذا الماء قد اغتسل له؛ لأنه لم يظهر الآن إلا وقد كان فصل عن موضعه بالجماع، وصار إلى قناة الذكر؛ لأن الماء لا يخرج هكذا سلسا دون لذة قد حركته قبل من موضعه، والثاني: أن هذا ماء خرج على غير العادة، إذ لم تقترن به لذة، فأشبه من ضرب بسيف، فأمنى أو خرج من دبره دود عليه أذى، فقد قيل: إنه لا غسل ولا وضوء فيما خرج من السبيلين من المعتادات، إلا أن يخرج على العادة، ولقوله: إن عليه الغسل؛ وجه واحد، وهو أن تعتبر اللذة المتقدمة في هذا الماء فتضاف إليه، ويصير جنبا بخروجه، فيجب عليه الغسل، وليس عليه أن يعيد الصلاة؛ لأنه إنما صار جنبا بخروج الماء، والوطء قد اغتسل له، فهو فيما بين الغسلين طاهر، وقد قيل: إنه يعيد الصلاة، وله وجه على بعد، وهو ما يخشى من أن يكون فصل الماء من موضعه، وصار إلى قناة الذكر بعد أن اغتسل لمجاوزة الختان، فصار بذلك جنبا فصلى، ثم خرج بعد الذي كان فصل قبل، وبالله التوفيق.

.مسألة تذكر فتحركت لذته ثم مكث بعد ذلك حتى طال وصلى ثم خرج منه الماء الدافق:

قلت: أرأيت من تذكر فحرك اللذة منه، ثم مكث بعد ذلك حتى طال وصلى، ثم خرج منه الماء الدافق بعد ذلك، أعليه غسل؟ أو هل يعيد الصلاة؟ فقال: أحسن ذلك أن يغتسل. قال: قلت: أذلك أحب إليك؟ قال: ما ذلك بالقوي، ثم رجع فقال: بل يغتسل.
قال محمد بن رشد: في هذه المسألة أيضا قولان: أحدهما: أنه لا غسل عليه، والثاني: أن عليه الغسل. فإذا قلت: إن عليه الغسل، فهل يعيد الصلاة أم لا؟ في ذلك أيضا قولان. فوجه القول أنه لا غسل عليه أنه ماء خرج بغير لذة على غير العادة، ووجه القول أن عليه الغسل وإعادة الصلاة، وهو قول أصبغ، أن الماء لم يظهر الآن إلا وقد كان فصل عن موضعه حين اللذة، وصار في قناة الذكر فكان جنبا من حينئذ. ووجه القول: إن عليه الغسل ولا إعادة عليه للصلاة، وهو قول ابن المواز، أنه إنما صار جنبا بخروج الماء؛ لأنه خرج بلذة، وإن كانت قد تقدمت فاعتبرت حين خروج الماء.

.مسألة جدار المرحاض يكون نديا يلصق به الرجل بثوبه:

وسألته عن جدار المرحاض يكون نديا يلصق به الرجل بثوبه، قال: أما إن كان نديا شبيها بالغبار فليرشه ولا شيء عليه، وإن كان بللا أو شبيها به فليغسله، وبالله التوفيق.
قال محمد بن رشد: إذا كان شبيها بالغبار، فلا يوقن بتعلقه بثوبه.
فلذلك قال: إنه يجزيه نضحه؛ لأن النضح طهر لما شك في نجاسته من الثياب، هذا أمر قد تقرر في المذهب على ما مضى القول عليه في رسم البز من سماع ابن القاسم، وإذا كان بللا أو شبيها به، فلا إشكال في وجوب غسله لتعلقه بثوبه، وبالله التوفيق.

.مسألة الحامل ترى قبل نفاسها باليوم واليومين ماء أبيض ليس بصفرة ولا كدرة فيستمر بها:

ومن كتاب الجواب:
وسئل عن الحامل ترى قبل نفاسها باليوم واليومين ماء أبيض ليس بصفرة ولا كدرة فيستمر بها، هل عليها غسل؟ وهل تترك الصلاة؟ قال ابن القاسم: لا غسل عليها، ولا تترك الصلاة، ولتمض على حالها كما كانت قبل أن ترى شيئا، وليس ذلك بشيء، وإنما هو بمنزلة البول يتوضأ منه فقط، وأول الحمل وأوسطه وآخره في ذلك سواء.
قال محمد بن رشد: الأظهر في هذا أنه لا يجب فيه وضوء، وهو ظاهر ما في آخر رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب في كتاب الصلاة؛ لأنه ليس من المعتادات، وما خرج من السبيلين من غير المعتادات لا وضوء فيه عند مالك وجميع أصحابه، حاشا محمد بن عبد الحكم؛ فإنه أوجب فيه الوضوء، وخرج في ذلك عن المذهب.

.مسألة إذا خطرت اليد على الذكر من غير تعمد:

ومن كتاب القطعان:
قال ابن وهب: إذا خطرت اليد على الذكر من غير تعمد، فليس فيه عليه وضوء، قال: ومالك يقول: فيه الوضوء.
قال محمد بن رشد: قول مالك هذا في رواية ابن وهب عنه بإيجاب الوضوء في مس الذكر على غير تعمد هو ظاهر ما مضى في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب، وخلاف رواية ابن وهب عنه في سماع سحنون بعد هذا أنه لا وضوء عليه إلا أن يمسه عامدا. وقد مضى تحصيل قول مالك في هذه المسألة في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم، فتأمله هناك، وبالله التوفيق.

.مسألة الذي يستنجي بالماء ويؤخر وضوءه:

ومن كتاب أوله باع شاة واستثني جلدها:
وسئل عن الذي يستنجي بالماء ويؤخر وضوءه، قال: لا بأس بذلك، ولو خرج منه ريح بعد الاستنجاء وقبل أن يتوضأ لم يكن عليه إذا توضأ أن يستنجي مرة أخرى.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، ومثله في المدونة؛ لأن الاستنجاء إنما هو لما يتعلق بالمخرج من الأذى، والريح لا يتعلق منه بالمخرج أذى فلا استنجاء فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة اغتسال الجنب في الماء الراكد:

ومن كتاب العتق:
قال: وقال مالك في اغتسال الجنب في الماء الراكد، وقد غسل الأذى عنه، قال: قد نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الراكد، وجاء به الحديث، ولم يأت في الحديث أنه إذا غسل الأذى عنه جاز له الاغتسال فيه، وقد أدرت مالكا في الاغتسال فيه غير مرة، ورددت عليه كل ذلك، يقول: لا يغتسل الجنب في الماء الراكد وليحتل. قال ابن القاسم: وأنا لا أرى به بأسا إن كان قد غسل ما به من الأذى أن يغتسل، وإن كان الماء كثيرا يحمل ما وقع فيه، فلا أرى به بأسا، غسل ما به من الأذى أو لم يغسله.
قال محمد بن رشد: حمل مالك النهي على أنه عبادة لغير علة، فلم يجز الاغتسال في الماء الدائم على حال، وحمله ابن القاسم على أنه لعلة انتجاس الماء، فإذا ارتفعت العلة عنده زال الحكم بزوال العلة، وهذا الاختلاف قائم من المدونة، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم البز منه، ومضى الكلام عليه أيضا، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل ترك الاستنشاق والمضمضة عامدا أو ناسيا:

ومن كتاب المكاتب من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم:
قال يحيى: قال ابن القاسم في رجل ترك الاستنشاق والمضمضة عامدا أو ناسيا، فقال: أما الناسي فلا شيء عليه، وأما العامد فأحب إلي أن يعيد ما كان صلى في الوقت، ولا أرى ذلك واجبا عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: أما الناسي فلا شيء عليه، يريد أنه لا شيء عليه في صلاته، ويفعل ذلك لما يستقبل، ولا يعيد الوضوء من أوله، وهذا ما لا خلاف فيه، وأما العامد فقال: إنه يعيد الصلاة في الوقت استحبابا، وقال ابن حبيب: صلاته تامة لا إعادة عليه لها. ويتخرج في المسألة قول ثالث: أنه يعيد أبدا بالقياس على من ترك سنة من سنن الصلاة عامدا كالجهر فيما يسر فيه، وقد قيل: إنه يستغفر الله، ولا شيء عليه، وهو قول أصبغ، وكذلك قال في هذه المسألة: إنه يستغفر الله، ولا شيء عليه على أصله، فيمن أسر فيما يجهر فيه عامدا، وقيل: إنه يعيد في الوقت، وعلى قياس هذا يأتي قول ابن القاسم في هذه المسألة، وقيل: إنه يعيد أبدا، وهو المشهور في المذهب، المعلوم من قول ابن القاسم، فليلزم على قياس هذا القول أن يعيد في هذه المسألة أيضا أبدا، ولم يتكلم في هذه الرواية، هل يستأنف الوضوء من أوله، أو يمضمض ويستنشق لما يستقبل، ولا يعيد الوضوء من أوله، وذلك يجري على اختلافهم في ترتيب المفروض مع المسنون، هل هو سنة أو استحباب؟ فمن رآه سنة فيقول: إنه يبتدئ في الوضوء من أوله، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وعلى مذهب مالك في الموطأ أنه استحباب يفعل ذلك لما يستقبل، ولا يبتدئ الوضوء من أوله، والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة لبن الحمارة يصيب ثوب الرجل:

وسئل يحيى بن يحيى، عن لبن الحمارة يصيب ثوب الرجل، فقال: يعيد الصلاة في الوقت في بعض الروايات، قال أبو صالح: وبعد الوقت على معنى أنه لا يوكل لحمها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن الألبان تبع للحوم في الطهارة والنجاسة، فما كان من الحيوان لا يؤكل لحمه سوى بني آدم المخصوصة لحومهم بالطهارة، فألبانهم نجسة قياسا على لبن الخنزير، وما كان منها يؤكل لحومها فألبانهم طاهرة قياسا على لبن الأنعام، وأما قول أبي صالح: يعيد بعد الوقت، فمعناه إذا صلى به عامدا على القول بأن من صلى بنجاسة عامدا يعيد أبدا. وقد قال محمد بن بشير، عن مالك في لبن الحمارة: إنه لا بأس به، فيحتمل أن يريد أنه لا إعادة على من صلى به في ثوبه أو بدنه، أو أنه لا بأس بالتداوي به لمن احتاج إليه؛ مراعاة للاختلاف في أكل الحمر؛ فقد روي ذلك عن عباس وعائشة. وهذا نحو ما تقدم من قول سحنون في رسم أوصى من سماع عيسى، ومن كتاب الصلاة، أنه لا إعادة على من صلى ببول الفارة؛ لما روي من أن عائشة سئلت عن أكل الفأرة فتلت قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145] الآية، فكيف بلبن الحمارة؟ فلا تخرج على هذا التأويل هذه الرواية عن مالك عن القياس الذي ذكرناه، من أن الألبان تابعة للحوم، وبالله التوفيق.

.مسألة يتيمم وعليه خفاه ثم نزعهما:

من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم:
وسئل ابن القاسم عمن يتيمم وعليه خفاه ثم نزعهما، قال: لا ينتقض تيممه وهو على حاله.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الرجلين تسقطان في التيمم، فلا يسقط تيمم من تيمم للوضوء وعليه خفاه بنزع خفيه، كما لا ينتقض تيمم من تيمم للجنابة وعليه ثيابه بنزع ثيابه.

.مسألة الرجل يمس ذكره ثم يصلي ولا يتوضأ:

قال سحنون: واختلف قول ابن القاسم في الرجل يمس ذكره ثم يصلي ولا يتوضأ، فمرة قال: لا يعيد الصلاة في الوقت ولا غيره، ومرة قال: يعيد الصلاة في الوقت. قال سحنون: وسمعت ابن القاسم سئل غير مرة عن الذي يمس ذكره ثم يصلي ولا يتوضأ، أيجب عليه لذلك إعادة الصلاة؟ فقال ابن القاسم: لا إعادة عليه للصلاة في الوقت ولا غيره، ويعيد الوضوء. قال سحنون: وقد قال لنا ابن القاسم أيضا في ذلك: إنه إن صلى ولم يتوضأ أعاد الصلاة في الوقت، ولقد قال لي غير مرة: إن إعادة الوضوء عندي ضعيف. قال سحنون: وأخبرني ابن وهب عن مالك أنه قال: لا يعيد وضوءه إلا أن يمسه عامدا. قيل: فإن مسه عامدا على غلالة خفيفة؟ قال: لا يعيد وضوءه. قيل له بقول ابن القاسم تأخذ أو بقول ابن وهب؟ قال: بقول ابن القاسم.
قال محمد بن رشد: رواية سحنون هذه عن ابن القاسم ترجع إلى أن مس الذكر لا ينقض الوضوء بحال؛ لأن الإعادة في الوقت استحباب كرواية أشهب عن مالك في كتاب الصلاة خلاف ظاهر روايته عن في رسم الوضوء والجهاد من هذا الكتاب أنه ينقضه بكل حال، ورواية ابن وهب في الفرق بين أن يمسه عامدا أو غير عامد قول ثالث، وإلى هذا ذهب ابن حبيب فقال: إن مسه عامدا أعاد أبدا، وإن مسه ناسيا أعاد في الوقت. وقد مضى في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم القول في هذه المسألة ووجه حصول الاختلاف فيها، وبالله التوفيق.

.مسألة رجلين يجدان من الماء في السفر مقدار ما يتوضأ به واحد منهما فيتشاحان عليه:

وقال في رجلين يجدان من الماء في السفر مقدار ما يتوضأ به واحد منهما فيتشاحان عليه، قال: يتقاومانه.
قال محمد بن رشد: وهذا صحيح؛ لأن التقاوم شراء، فإذا كان على الرجل الواجد للثمن أن يبتاع الماء لوضوئه بأكثر من قيمته ما لم يرفع عليه في الثمن كما قال في المدونة وغيرها، وجب على كل واحد منهما أن يقاوم صاحبه في هذا الماء الذي قد صار بينهما بوجودهما إياه معا إذا احتاج إليه لوضوئه، فإن أسلمه أحدهما لصاحبه بغير مقاومة أو تركه له في المقاومة قبل أن يبلغ عليه القدر الذي لا يلزمه أن يشتريه به وتيمم وصلى، وجب عليه أن يعيد الصلاة أبدا، إذ لم يكن من أهل التيمم لقدرته على اشتراء الماء بما يلزمه شراء به. ولو كانا معدمين لكان لهما أن يقتسماه بينهما، أو يبيعانه فيقتسمان ثمنه ويتيممان لصلاتهما، وإن كانا متيممين لم ينتقض تيممهما إلا أن يحبا أن يتساهما عليه، فمن صار له بالسهم منهما توضأ به وانتقض تيممه إن كان متيمما، وكان عليه قيمة حظ صاحبه منه دينا، فيكون ذلك لهما.
ولو كان أحدهما موسرا، والآخر معدما لكان للموسر أن يتوضأ به ويؤدي لشريكه قيمة نصيبه منه إلا أن يحتاج إلى حظه منه، فيكون أحق به ويقسم بينهما. هذا وجه قول ابن القاسم به مرة في هذه المسألة، وقوله فيها معارض لقول سحنون في آخر نوازله في الرجل يكون معه من الماء قدر ما يتوضأ به واحد فيهبه لرجلين أو ثلاثة، وهم متيممون فيسلموه لأحدهم أنه لا ينتقض إلا تيمم الذي أسلم إليه وحده؛ لأن الماء قد وجب لهم بالهبة، وصاروا فيه شركاء، كما وجب الماء في هذه المسألة للرجلين بوجوده، وصارا فيه شريكين، فوجب أن ينتقض تيمم جميعهم إن لم يتقاوموه. وذهب ابن لبابة إلى أن المقاومة لا تلزم عند ابن القاسم اللذين وجدا الماء إلا أن يتشاحا، وأنهما إن تركاها وأسلم أحدهما الماء لصاحبه جاز للذي أسلم منهما الماء لصاحبه أن يتيمم، وإن كان متيمما لم ينتقض تيممه، بدليل قول سحنون في هذه المسألة التي ذكرناها، وذلك بعيد لا يصح عندي، والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة الرجل يتوضأ فيمسح على الجبائر وهي في مواضع الوضوء فتسقط الجبائر:

وقال في الرجل يتوضأ فيمسح على الجبائر وهي في مواضع الوضوء، ثم يدخل في الصلاة فتسقط الجبائر، قال: يقطع ما هو فيه ويعيد الجبائر، ثم يمسح عليها، ثم يبتدئ الصلاة. وكذلك لو تيمم ومسح على الجبائر، فلما صلى ركعة أو ركعتين سقطت الجبائر، قال: يعيدها ويمسح عليها، ويبتدئ الصلاة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المسح على الجبيرة ناب عن غسل ذلك الموضع أو المسح عليه في الوضوء أو التيمم، فإذا سقطت في الصلاة انتقضت طهارة ذلك الموضع، فلم يصح له التمادي على صلاته، إذ لا تصح الصلاة إلا بطهارة كاملة، ولم يجز له أيضا أن يرجع إلى صلاته، ويبني على ما مضى منها بعد أن يعيد الجبائر، ويمسح عليها، كما لا يجوز البناء في الحدث بخلاف الرعاف، وهذا ما لا أعلم فيه في المذهب اختلافا. وإنما يصح له أن يعيد الجبائر، ويمسح عليها إذا فعل ذلك بالقرب، فإن لم يفعل ذلك حتى طال الأمر استأنف الوضوء أو التيمم من أوله، وبالله التوفيق.

.مسألة حد الوجه في الوضوء:

قلت لسحنون: ما حد الوجه عندك الذي إذا قصر منه المتوضئ وجبت عليه الإعادة؟ فقال لي دور الوجه كله، فقلت فاللحى الأسفل من ذلك والذقن؟ قال: نعم، فأخبرته بقول من يقول: إن الوجه بياض الوجه وليس اللحى الأسفل من الوجه، وكذلك هو من المرأة، وحجته أن مالكا قال في اللحى الأسفل موضحة، فقال لي: أخطأ من يقول هذا، وقد قال مالك: إن الأنف ليس من الوجه ولا موضحة فيه، وإنما هو عظم منفرد، ولو أن متوضئا ترك غسل أنفه وصلى وجبت عليه الإعادة، ولكان ناقصا من وضوئه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الوجه مأخوذ من المواجهة، فاللحى الأسفل والأعلى في وجوب الغسل في الوضوء سواء، وكذلك الذقن، وليس عليه أن يغسل ما تحته، وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا.
وإنما اختلف من حد الوجه في البياض الذي بين الأذن والعارض، فقيل: إنه من الوجه يغسله المتوضئ، وقيل: إنه ليس من الوجه، فلا يجب غسله على المتوضئ، وقيل: يغسله الأمرد ولا يغسله الملتحي، وهذا أضعف الأقاويل، وقيل: إن غسله سنة من سنن الوضوء، وبالله التوفيق.

.مسألة اللحية من الوجه:

قلت: فقول مالك: إن اللحية من الوجه، وأرى أن يمر الماء عليها، أرأيت لو أن رجلا غسل وجهه ولم يمر الماء على لحيته، أكان عليه شيء؟ فقال لي: نعم، ذلك واجب عليه بمنزلة مسح رأسه، ومن قصر عن ذلك كانت عليه الإعادة وإن صلى.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه ليس عليه أن يغسل من لحيته إلا ما اتصل منها بوجهه، وليس عليه أن يغسل ما طال منها واسترسل، وإنه ليس عليه أيضا أن يمسح في وضوئه ما طال من شعره، وزاد على قدر رأسه، وهو ظاهر ما في سماع موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، عن مالك. ومن حجة من ذهب إلى أن اللحية ليست بوجه، وأن شعر الرأس ليس برأس، ألا ترى من طالت لحيته لا يقال: طال وجهه، وإنما يقال: طالت لحيته، وكذلك شعر الرأس، وإنما أوجب الله تعالى غسل الوجه ومسح الرأس لا سوى ذلك.
والقول الأول أظهر وأشهر، وهو المعلوم من مذهب مالك وأصحابه في المدونة وغيرها. والدليل على صحته من طريق النظر والقياس أن شعر الرأس واللحية لما نبت في الرأس واللحية وجب أن يحكم له بحكمهما، وإن خرج عن قدرهما، كما أن ما نبت من الشجر في الحرم وجب أن يحكم له بحكم الحرم في أن لا يجوز قطعه، وإن طال حتى خرج من الحرم إلى الحل، وبالله التوفيق.

.مسألة الزيت تقع فيه الفارة هل يجوز أن ينتفع به:

وسئل سحنون عن الزيت تقع فيه الفارة، هل يجوز أن ينتفع به؟ قال: لا بأس، أن يستصبح به إذا تحفظ منه، وأن يدهن به مثل الحبل والعجلة. قيل له: فهل يجوز أن يعمل به صابونا يغسل به ثوبه، ولا يعمله للبيع إلا لغسل ثوبه؟ قال: نعم، إذا طهر ثوبه بماء طاهر.
قال محمد بن رشد: إجازة سحنون الانتفاع بالزيت النجس هو قول مالك في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وفي غيره من المواضع، وقول جميع أصحابه حاشا ابن الماجشون، فإنه لا يجيز الانتفاع به في وجه من وجوه المنافع، ودليله أن حكمه حكم الميتة لنجاسته. وقد روي: «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن لا يستمتع من الميتة بإهاب ولا عصب» والأول هو الصحيح؛ لأن الحديث يعارضه ما هو أصح منه، وهو حديث ابن عباس في الموطأ: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بشاة ميتة كان أعطاها مولى لميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألا انتفعتم بجلدها، فقالوا: يا رسول الله، إنها ميتة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما حرم أكلها»، وفي قوله: ولا يعمله للبيع دليل على أنه لا يجيز عمله للبيع، وإن بين عند البيع، وهو المنصوص من قول مالك وأصحابه حاشا ابن وهب، وقد وقع من تعليل قول مالك في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم، من كتاب الصلاة، ومن هذا الكتاب في بعض الروايات، ومن سماع أشهب من كتاب الضحايا ما يدل على إجازة عمله للبيع إذا بين بذلك عند البيع مثل قول ابن وهب، فتدبر ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة أرأيت الرجل يكون في السفر ولا يجد الماء فيصيبه المطر هل يتوضأ به:

من نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد:
قلت لسحنون: أرأيت الرجل يكون في السفر ولا يجد الماء فيصيبه المطر، هل يجوز له أن ينصب يديه للمطر ويتوضأ به؟ فقال لي: نعم، فقلت له: وإن كان جنبا هل يجوز له أن يتجرد ويتطهر بالمطر؟ قال: نعم، فقلت: فإن لم يكن المطر غزيرا؟ فقال لي: إذا وقع عليه من المطر ما يبل به جلده فعليه أن يتجرد ويتطهر.
قال محمد بن رشد: أما إذا نصب يديه للمطر، فحصل فيهما من ماء المطر ما يكون بنقله إلى وجهه وسائر أعضائه المغسولة غاسلا لها، ومن بلله ما يمسح به رأسه فيكون ماسحا له، فلا اختلاف في صحة وضوئه، وذهب ابن حبيب إلى أنه لا يجوز له أن يمسح بيديه على رأسه بما أصابه من الرش فقط، وكذلك على مذهبه لا يجزيه أن يغسل ذراعيه ورجليه بما أصابهما من المطر دون أن ينقل إليهما الماء بيديه من المطر، وحكاه عن ابن الماجشون، وهو دليل قول سحنون في هذه الرواية.
وذلك كله جائز على مذهب ابن القاسم، رواه عيسى عنه فيما حكى الفضل. وذلك أيضا قائم في المدونة في الذي توضأ وأبقى رجليه فخاض نهرا فغسلهما فيه أن ذلك يجزيه إذا نوى به الوضوء، وإن كان لم ينقل إليهما الماء بيده. ومثله في سماع موسى بن معاوية، ومحمد بن خالد من هذا الكتاب، وقد أجمعوا أن الجنب إذا انغمس في النهر، وتدلك فيه للغسل أن ذلك يجزيه، وإن كان لم ينقل الماء بيديه إليه، ولا صبه عليه، وذلك يدل على ما اختلفوا فيه من الوضوء، وأما قوله إذا وقع عليه من المطر ما يبل به جلده، فعليه أن يتجرد ويتطهر، فمعناه إذا وقع عليه في أول وهلة من المطر ما يبل به جلده، فعليه أن يتجرد ويتطهر؛ لأنه إذا مكث للمطر تضاعف عليه البلل، وكثر الماء على جسمه فأمكنه به التدلك، والاغتسال لا يكون إلا بإفاضة الماء. ألا ترى إلى قوله في الحديث: «ثم اغتسل وأفاض عليه الماء» وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل تلبسه امرأته الثوب أو تنزع خفيه فيلتذ بذلك أو تلتذ به المرأة:

قيل له: أرأيت الرجل تلبسه امرأته الثوب، أو تنزع خفيه، أو تفلي رأسه، أو تدهنه فيلتذ بذلك، أو تلتذ به المرأة؟ فقال: أما الفلي والادهان فأرى أن يتوضأ من التذ منهما واشتهى ذلك، وأما التلبيس ونزع الخف وما أشبه ذلك فلا أرى فيه وضوءا على واحد منهما، وإن التذ بذلك واشتهى، وقد يكلمها فيلتذ بذلك، وتلتذ المرأة، فلا أرى عليهما في ذلك وضوءا، وهذا مثل مسألتك في نزع الخفين والتلبيس.
قال محمد بن رشد: قوله في الفلي والادهان: إن من التذ منهما بذلك واشتهى وجب عليه الوضوء صحيح؛ لأن المعنى في إيجاب الوضوء من الملامسة هو وجود اللذة بها، فإذا وجدت اللذة بها فقد وجب الوضوء بوجودها، وإن لم يقصد باللمس إليها، وهذا ما لا اختلاف فيه في المذهب. وقوله في نزع الخف والتلبيس: إنه لا وضوء فيه وإن وقعت اللذة به نحو رواية علي بن زياد، عن مالك في الجسة من فوق ثوب كثيف، أنه لا وضوء فيها، وقد مضى الكلام على هذا المعنى في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب، وبالله التوفيق.