فصل: إلاّ إذا أَثْبَتَ حَوْزاً بالكِرَا *** أو ما يُضاهِيهِ فلنْ يُعْتَبَرَا

مساءً 4 :13
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
17
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


ومَنْ يَصِحُّ قَبْضُهُ وما قَبَضْ *** مُعْطاهُ مُطْلَقاً لتفْرِيطٍ عَرَضْ

‏(‏ومن يصح قبضه‏)‏ للهبة ونحوها وهو الكبير الرشيد قريباً كان أجنبياً ‏(‏وما قبض معطاه مطلقاً‏)‏ كان المعطي أصلاً أو غيره وكان تركه للقبض ‏(‏لتفريط‏)‏ منه ‏(‏عرض‏)‏ له‏.‏

يَبْطُلُ حَقُّهُ بِلا خِلاَفٍ *** إن فَاتَهُ في ذلك التّلاَفِي

‏(‏يبطل حقه بلا خلاف إن فاته في ذلك التلافي‏)‏ بأن مات المعطي أو فلس أو أحاط به الدين أو استهلك الهبة أو وهبها لثان وحازها الثاني على ما مرّ قريباً عن ‏(‏خ‏)‏ وكذا لو فرط حتى باعها الواهب بعد علمه بها، ولكن يكون له الثمن على الراجح من إحدى الروايتين فإن لم يعلم أو علم ولم يفرط في حيازتها فهو بالخيار في نقض البيع أو إمضائه وأخذ الثمن، وهو محمول عند الجهل على التفريط حتى يثبت عدم تفريطه كما في ابن عرفة عن ابن حارث، ومحل الخيار إذا كان الواهب حياً، وأما إن مات فلا شيء للموهوب له بيعت أو لم تبع كما في المدونة، وبه العمل كما في ابن سلمون والمفيد‏.‏ وسئل ابن القاسم عمن قال‏:‏ ثلث غنمي هذه صدقة على ابني وثلثها في السبيل ثم باعها ومات وابنه صغير‏؟‏ فقال‏:‏ صدقة الابن ثابتة يأخذها من تركته لأنه الحائز له ولا شيء لأهل السبيل لأنه لم يخرجه من يده اه‏.‏ وظاهره أن بيعها لا يكون اعتصاراً وهو كذلك كما يأتي في فصله، وانظر شرح الشامل فيما إذا وهبه ثم رهنه فإن الهبة تصح ويبطل الرهن إلا أن يموت قبل أن يحوزها الموهوب له فتبطل الهبة علم بها أو لم يعلم، ومفهوم التفريط أنه إذا لم يفرط كاشتغاله بتزكية شهود الهبة أو إقامة ثان لم تبطل‏.‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وصح إن قبض ليتروى أوجد فيه أو في تزكية شاهده الخ‏.‏ وليس من عدم التفريط موت الواهب قبل علم الموهوب بل الهبة باطلة على المشهور كما لابن رشد خلافاً لما صححه في الشامل، وأما إن مات الموهوب قبل علمه والواهب حي لم يقم به مانع، فإن الهبة صحيحة ويتنزل وارثه منزلته إلا أن يكون الواهب قصد عين الموهوب له فلا شيء لورثته حينئذ، وكذا لو مات الموهوب له بعد علمه وقبل الحيازة فإن ورثته يحوزونها كما تقدم لابن رشد‏.‏ وتقدم أول باب الحبس أن القبول لا تشترط فوريته‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ إذا وهب شخص أرضاً أو داراً واستثنى غلة ذلك سنين إلا أنه حوزه الرقبة ثم مات الواهب، فإن الهبة لا تبطل على ما به العمل ونظمه في العمل المطلق، وانظر ما تقدم عند قوله‏:‏

ويجب النص على الثمار *** حيث يكون الحبس للصغار

وتقدمت كيفية الحوز في الحبس‏.‏

الثاني‏:‏ من الهبات الباطلة هبات بنات القبائل والأخوات لقرابتهن كما في نظم العمل وشرحه ونوازل العلمي والمعيار والدر النثير، وقد أجبت على ذلك بجواب طويل أثبته في نوازل الحجر من نوازلنا فعليك به، ومن الهبة الباطلة أيضاً هبات الهرم من الرجال والنساء كما في العلمي وغيره، والقول قولهما إنهما وهبا ليقوم الموهوب له بنفقتهما ومؤنتهما فيكون من أفراد قول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وكبيعه بالنفقة عليه حياته، ومعلوم أن الإنسان مصدق في الوجه الذي أخرج به ماله عن ملكه كما قال أيضاً‏:‏ والقول له إنه لم ينفق حسبة وقال‏:‏ إلا أن تهبه على دوام العشرة، وأما الجهل بقدر الموهوب فلا يبطلها كما مر أول الباب‏.‏

الثالث‏:‏ قال ابن رشد‏:‏ إن تصدق على ابنه الصغير بدار سكناه ثم باعها قبل أن يرحل منها فإن الثمن يكون للابن، وإن مات الأب في الدار لأنها للمتشري لا لابنه إلا أن يكون باعها لنفسه استرجاعاً للصدقة فلم يعثر على ذلك حتى مات فإن الصدقة تبطل، ولو عثر على ذلك في حياته وصحته لفسخ البيع وردت الدار لولده، ولو باعها بعد أن رحل منها وحازها لابنه لجاز البيع على الابن وكان له الثمن من مال أبيه حياً كان أو ميتاً، وإن لم ينص على أنه باع لابنه إلا أن يبيع نصاً استرجاعاً لصدقته فبيعه مردود إلى الولد حياً كان أو ميتاً والثمن للمشتري في مال الأب بخلاف ما لو حبسها ثم باعها قبل أن يرحل منها ولم يعثر على ذلك حتى مرض أو مات، ولو عثر على ذلك في صحته لفسخ البيع وصح الحبس بالحيازة اه‏.‏ بنقل البرزلي قائلاً انظره في رسم أوصى‏.‏

فصل في الاعتصار

ابن عرفة‏:‏ هو ارتجاع المعطي في عطيته دون عوض بلا طوع المعطى أخرج به هبة المعطى بالفتح للمعطي بالكسر وصيغته ما دل عليه لفظاً كان بمادة الاعتصار أو الرجوع أو الرد أو غير ذلك، وهو يصح في الهبة والعطية والعمرى والنحلة كما في المدونة قال فيها‏:‏ وأما الحبس فإن كان بمعنى الصدقة لم يعتصر، وإن كان في معنى الهبة بكونه سكنى أو عمرى إلى شهر أو شهرين ثم مرجعها إليه فإنه يعتصر‏.‏

الاعْتِصَارُ جَازَ فيما يَهَبُ *** أَوْلاَدَهُ قَصْداً لِمَحَبَّةِ الأبُ

‏(‏الاعتصار‏)‏ مبتدأ خبره ‏(‏جاز فيما يهب أولاده‏)‏ مفعول به ‏(‏قصداً لمحبة‏)‏ مفعول لأجله ‏(‏الأب‏)‏ فاعل يهب، وظاهره كان الأولاد كباراً أو صغاراً وهو كذلك، واحترز بقصد المحبة مما إذا كانت الهبة لله والدار الآخرة أو كانت هبة ثواب فإنه لا اعتصار في ذلك، واحترز بالأب من جد وجدة وعم وأجنبي فإنه لا اعتصار لهم إلا أن يشترطوه عند الهبة‏.‏

والأمُّ ما حَيُّ أبٌ تَعْتصِرُ *** وَحَيْثُ جَازَ الاعْتِصَارُ يُذْكَرُ

‏(‏والأم ما حيي أب تعتصر‏)‏ أي تعتصر ما وهبته لولدها الصغير مدة حياة الأب ما لم تفت الهبة، فإن فاتت الهبة بزيد أو نقص ونحوهما فلا اعتصار لها، وظاهر أنه إذا مات الأب لا اعتصار لها أيضاً وليس كذلك ‏(‏خ‏)‏ كأم فقط وهبت ذا أب ولو تيتم على المختار، وهذا في الصغير وأما الكبير فتعتصر منه وما وهبته مطلقاً ‏(‏وحيث جاز‏)‏ ممن ذكر ‏(‏الاعتصار‏)‏ فإنه ‏(‏يذكر‏)‏ في الوثيقة أن يقول‏:‏ وسلط عليها حكم الاعتصار أو هبة يصح اعتصارها أو من شأنها الاعتصار ونحو ذلك، فإن لم يذكر ذلك في الوثيقة فلا يسقط حكم الاعتصار لأن ذكره إنما هو على وجه الكمال وحسم مادة الخلاف لئلا ينازع الولد أباه إذا اعتصر منه، وإلاَّ فالسنة أوجبت له الاعتصار، وإن لم يذكره الأب ولا الموثق في وثيقته، ونظيره‏:‏ كتب الموثق رضا المضمون بالضمان حسماً لمادة الخلاف وإلاَّ فالمشهور عدم اعتبار إذنه ورضاه كما تقدم في قوله‏:‏ ولا اعتبار برضا من ضمنا‏.‏ وكذا كتبه في بيع الأصول وحل المبتاع محل بائعه فيما ابتاعه ونزل فيه منزلته وأبرأه من درك الإنزال الخ‏.‏ فإنه إنما يكتب حسماً لمادة الخلاف، وإلاَّ فالعقد يوجبه ويدخل في ضمانه بمجرده ‏(‏خ‏)‏ وضمن بالعقد الخ‏.‏‏.‏‏.‏ قال ابن سهل‏:‏ مضى عمل الأندلس بالإنزال أي بكتبه‏.‏ قال‏:‏ ولا معنى له إذا لا يلزم عليه ضمان ولا غيره اه‏.‏ ‏[‏ يعني‏:‏ وإنما يكتبونه خروجاً من خلاف أشهب الذي يقول البيع هو العقد مع القبض لا العقد فقط فلا ينتقل ضمان المبيع للمشتري على قوله‏:‏ بالقبض، فحسموا مادة الخلاف بالتنصيص على الحلول والإنزال في المبيع كما مرَّ صدر البيوع وسيأتي عند قوله‏:‏ وناب عن حيازة الشهود الخ‏.‏‏.‏‏.‏ أن العمل على الإنزال، ومفهوم قوله‏:‏ حيث جاز الخ‏.‏‏.‏‏.‏ أن الهبة إذا كانت في معنى الصدقة فإنه لا يذكر فيها إلا أن يشترطه كما مرّ‏.‏

وضُمِّنَ الوِفَاقُ في الحُضُورِ *** إنْ كَانَ الاعْتِصَارُ مِنْ كَبِيرِ

‏(‏وضمن‏)‏ في رسم الاعتصار ‏(‏الوفاق في الحضور‏)‏ أي حضور الابن الكبير ‏(‏إن كان الاعتصار من كبير‏)‏ فهو كقول ابن سلمون وإن كان الابن كبيراً قلت‏:‏ وبمحضر الابن وموافقته على ذلك اه‏.‏ وهذا من باب قطع النزاع أيضاً لأنه قد يدعي ما يمنع الاعتصار من صدقة أو فوات بدين ونحوه فحضوره وموافقته يقطع ذلك، فالتضمين المذكور إنما هو من باب الكمال كالذي قبله وإلا فهو يعتصرها منه جبراً عليه‏.‏

وكلُّ مَا يَجْرِي بِلفظِ الصَّدقة *** فَالاعتِصارُ أبَداً لنْ يَلْحَقَه

‏(‏وكل ما يجري‏)‏ من العطية والنحلة والعمرى ‏(‏بلفظ الصدقة‏)‏ أو كان بلفظ الهبة ودلت القرائن على قصد الصدقة والدار الآخرة ‏(‏فالاعتصار أبداً لن يلحقه‏)‏ إلا أن يشترطه عند عقد الصدقة كما مر ‏(‏خ‏)‏ كصدقة بلا شرط الخ‏.‏‏.‏‏.‏ ومفهومه أنها إذا كانت بشرط فيعتصرها‏.‏ قال ابن الهندي‏:‏ فإن قيل كيف يجوز أن يشترط في الصدقة الاعتصار والصدقة لا تعتصر‏؟‏ قيل‏:‏ وسنة الحبس لا يباع وإذا شرطه المحبس في نفس الحبس كان له شرطه اه‏.‏ فيؤخذ منه أنه كما يعمل بشرط الاعتصار في الصدقة من الأب والأم يعمل بشرطه فيها على أجنبي وهو كذلك خلافاً للمشدالي‏.‏

ولا اعِتصَارَ مَعَ موتٍ أَوْ مَرَضْ *** لهُ أَوِ النِّكاحِ أَوْ دَيْنٍ عَرَضْ

‏(‏ولا اعتصار‏)‏ أصلاً ‏(‏مع‏)‏ حصول ‏(‏موت‏)‏ للموهوب له أو الواهب ‏(‏أو‏)‏ حصول ‏(‏مرض‏)‏ متصل بموت ‏(‏له‏)‏ أي للواهب أيضاً ‏(‏أو‏)‏ حصول ‏(‏النكاح‏)‏ للموهوب له بعد الهبة ‏(‏ أو‏)‏ حصول ‏(‏دين عرض‏)‏ أي حدث للموهوب له أيضاً بعد الهبة لتعلق حق الغير بها في النكاح والدين لأنهم إنما أنكحوه وداينوه لأجلها، ولأنه في مرض الواهب يعتصر لغيره وفي مرض الموهوب له تعلق بها حق ورثته، وأحرى بخروجها من يد الوليد ببيع أو هبة ونحوهما لتعلق حق المشتري والموهوب له بها، وكذا لو فاتت الهبة بزيادة أو نقص في ذاتها لأن تغيرها بذلك يصيرها غير الموهوب، وكذا لو وطىء الولد البالغ الأمة الموهوبة أو أعتقها أو كاتبها، وأما حوالة الأسواق فلا تفيته، ومفهوم قوله‏:‏ عرض الخ‏.‏‏.‏‏.‏ أن المرض والنكاح والدين إذا لم يعرض واحد منها بل كان موجوداً وقت الهبة فإنه لا يمنع الاعتصار، وكذا لو صح من المرض العارض بعدها فإن الاعتصار يعود ويصح‏.‏ ‏(‏خ‏)‏ وللأب اعتصارها من ولده كأم إن لم تفت لا بحوالة سوق بل بزيد أو نقص ولم ينكح أو يداين لها أو يطأ ولو ثيباً أو يمرض كواهب إلا أن يهب على هذه الأحوال ويزول المرض على المختار أي‏:‏ بخلاف زوال النكاح والدين فلا يعود معه الاعتصار لأن المرض إذا زال تنقطع توابعه، والنكاح والدين لا تنقطع توابعهما لأن الصداق قد يستحق، وكذا ما دفعه للغرماء بمجرد النكاح والدين مانع بخلاف المرض‏.‏

وَفَقْرُ مَوْهُوبٍ له ما كانا *** لِمَنْعِ الاعْتِصَارِ قد أَبَانا

‏(‏وفقر موهوب له ما كانا‏)‏ صغيراً أو كبيراً رشيداً أو سفيهاً وهو مبتدأ ‏(‏لمنع الاعتصار‏)‏ منه ‏(‏قد أبانا‏)‏ خبر والمجرور يتعلق به‏.‏ قال في الوثائق المجموعة‏:‏ إذا كانت هبة الأبوين على فقير من بنيهما فليس لهما الاعتصار لأن من وهب لفقير قد علم أنه إنما أراد الصلة والأجر اه‏.‏ بنقل ‏(‏م‏)‏ ومثله في ابن سلمون، فظاهرهما كالناظم كان الولد صغيراً أو كبيراً كما قررنا‏.‏ وقال اللخمي‏:‏ اختلف في اعتصار الأب إذا كان الولد كبيراً فقيراً فقيل‏:‏ للأب أن يعتصر، ومنع ذلك سحنون وقال‏:‏ إنما يعتصر إذا كان الولد في حجره أو بائناً عنه وله مال كثير‏.‏ اللخمي‏:‏ يريد إذا كان في حجره فله أن يعتصر وإن كان فقيراً لأن القائم له والمنفق عليه فهو في معنى الموسر الخ‏.‏‏.‏‏.‏ فخلاف سحنون إنما هو في الفقير الكبير ومع ذلك صدر بأنه يعتصر كما ترى، وكذا صدر به في الشامل فقال‏:‏ وكذا له أن يعتصر من ولد فقير، ومنعه سحنون قائلاً‏:‏ لا يعتصرها إلا ممن في حجره أو أن بان عنه وله ومال الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وذلك كله يفيد أنه يعتصر في الصغير اتفاقاً، وكذا في الكبير على المذهب، ولذا لم يذكر في ‏(‏خ‏)‏ الفقر من مواضع الاعتصار، وهذا كله ما لم يصرح في هبته بقصد الثواب والأجر وإلاَّ فلا اعتصار كما مرَّ‏.‏

وَمَا اعْتِصَارٌ بيعُ شيءٍ قَدْ وُهِبْ *** منْ غَيْرِ إشْهَادٍ بهِ كَمَا يَجِبْ

‏(‏وما‏)‏ نافية ‏(‏اعتصار‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏بيع شيء قد وهب‏)‏ والتقدير‏:‏ وما بيع شيء قد وهب اعتصار ‏(‏من غير إشهاد به‏)‏ أي بأن بيعه لذلك اعتصار ‏(‏كما يجب‏)‏ فيه، وبيعه محمول على أنه لغبطة أو مصلحة فهو كقول ابن سلمون‏:‏ ولبعض فقهاء الشورى فيمن وهب لابنه الصغير هبة سلط عليها حكم الاعتصار ثم بعد ذلك باعها باسم نفسه ومات إن الثمن للابن في تركة أبيه وليس بيعه باسم نفسه عصرة منه إلا أن يشهد عند البيع أو قبله أن بيعه عصره منه لا هبة وإلاَّ فلا اه‏.‏ زاد في الطرر‏:‏ ولا يصح الاعتصار بعد البيع لأنها قد تغيرت عن حالها، ولا مفهوم لشرطه الاعتصار لأنه شرط مؤكد فقد لأن سنتها الاعتصار ولو لم يشترط‏.‏ وفي ابن عرفة قال بعض فقهاء الشورى من شرط في هبة ابنه الاعتصار ثم باعها إلى آخر ما مر فأسقط التقييد بالصغير، فظاهره كالناظم أنه لا يكون عصرة مطلقاً، وما ذاك إلا لكون البيع ليس صريحاً في الاعتصار فيها معاً حتى يقع الإشهاد به كما ترى‏.‏ قال في الكراس الثالث عشر من معاوضات المعيار راداً على من قال‏:‏ إن البيع عصرة ما نصه‏:‏ فأما إيحاب العصرة بلفظ محتمل يتسلط عليه التأويل فلا يصح لأن الهبة قد صارت ملكاً للموهوب له فلا يصح نقلها عن ملكه إلى ملك الأب بأمر محتمل لقوله ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏‏:‏ ‏(‏لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس‏)‏ اه‏.‏ الغرض منه وهو صريح في أنه لا فرق بين الكبير والصغير لأن الأب يكون قد أراد أخذ ذلك الثمن مع كونه لم يقصد بالبيع الاعتصار من غير طيب نفس الولد به، لكن إذا لم يكن اعتصار في الكبير أيضاً فيفصل فيه بين أن يكون الأب باعها قبل أن يحوزها الكبير بعد علمه وتفريطه فيجري على ما تقدم عند قوله‏:‏ ومن يصح قبضه وما قبض الخ‏.‏‏.‏‏.‏ أو يكون باعها بعد حوزه إياها فيجري على بيع الفضولي، وقد مر الكلام عليه في فصله‏.‏ وظاهر قولهم‏:‏ إلا أن يشهد عند البيع أو قبله أن قول الأب بعده إنما قصد به الاعتصار غير مقبول، وهذا كله في البيع‏.‏ ويفهم منه أنه في الهبة لا يكون اعتصار إلا بالإشهاد أيضاً في الصغير والكبير لأن الصغير هو الذي يحوز له فيه هبة ثابتة بعد الحوز لا تصح للثاني ولو حازها‏.‏ وكذا في الكبير بعد حوزه إياها لا قبل حوزه فتكون للثاني إن حاز كما مر‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏‏:‏

ذكر في الكراس الرابع من معاوضات المعيار عن سيدي مصباح‏:‏ أن من حبس على ابنه ملكاً ثم باعه فإن ذلك يعد منه اعتصاراً وهو مخالف لما مر من أنه لا يكون اعتصاراً حتى يشهد بأن بيعه اعتصار‏.‏ ولما ذكر أن تصرف الأب في الهبة والبيع لا يعد اعتصاراً استدرك ما إذ صير الهبة التي وهبها لابنه في دين له على أبيه فقال‏:‏

لكنَّهُ يُعَدُّ مهْما صَيَّرَا *** ذاك لموْهُوبٍ له مُعَتَصِرَا

‏(‏لكنه يعد مهما‏)‏ أشهد بأنه ‏(‏صيرا ذاك‏)‏ الموهوب ‏(‏لموهوب له‏)‏ الذي هو الابن في الدين الذي للابن عليه ‏(‏معتصرا‏)‏ له ويصير الموهوب ملكاً للولد عوضاً عن الدين الذي كان له على أبيه، لا بالوجه الأول الذي هو الهبة، فقوله‏:‏ معتصراً مفعول ثان ليعد، والفرق أن التصيير على هذا الوجه لا يحتمل غير الاعتصار لأن إدخال الموهوب في ملك الولد بسبب الدين الذي له على الأب فرغ إدخالها في ملك الأب، وإلاَّ لم يكن قضاء لدينه بخلاف البيع، فإنه يحتمل أن يقصد به الاعتصار، ويحتمل أن يكون قصد به الغبطة والمصلحة، فإذا لم يكن أشهد أنه قصد به الاعتصار لم يكن اعتصاراً إذ لا ينتقل الملك عن مالكه بأمر يحتمل كما مر، وهذا في التصيير للصغير، وأحرى في التصيير للكبير إذ لا يكون إلا برضاه‏.‏ وظاهر هذا القول كأن يعرف الابن بالمال أم لا‏.‏

وقيل بل يَصِحُّ إن مالٌ شُهِرْ *** لهُ وإلاَّ فَلِحَوْزٍ يَفْتَقِرْ

‏(‏وقيل بل‏)‏ إنما ‏(‏يصح‏)‏ التصيير المذكور ‏(‏إن مال شهر له‏)‏ أي للابن وعرف به بأن تشهد بينة أن له مالاً ورثه من أمه أو حصله من كسب يده وإن لم يبين قدره ‏(‏وإلا‏)‏ يكن معروفاً بالمال ‏(‏فلحوز يفتقر‏)‏ إن وجد بأن كان يصرف الغلة في مصالح ولده أو جهل حالة تمت الهبة وصحت وإلاَّ بأن كان يصرفها في مصالح نفسه فلا تصح لما مر عند قوله‏:‏ وعن الأمين يغني الاشتراء الخ‏.‏‏.‏‏.‏ من أنه أراد هبة الأصل وجعل إقراره بالدين وتصيير الهبة فيه جنة لسقوط الحيازة، لأن التصيير إما لأنه لا يفتقر لحيازة لأنه من قبيل البيع وإما لأنه يفتقر لحيازة شهر فقط كما مرَّ في فصله، والهبة لا بد أن تحاز عاماً فأكثر فإذا رجع إليها بعد العام لم تبطل كما مرَّ، وبهذا تعلم أن هذا القول المفصل هو الذي أصاب المفصل لا ما صدر به الناظم تبعاً لابن الحاج والله أعلم‏.‏

فصل في العمرى وما يلحق بها من المنحة والإخدام

ابن عرفة‏:‏ هي تمليك منفعة مدة حياة المعطي بغير عوض إنشاء فخرج بالمنفعة تمليك الذات وبحياة المعطي الخ‏.‏‏.‏‏.‏ الحبس والعارية والمعطى بفتح الطاء خرج به حياة المعطي بكسرها فإنه لا يسمى عمرى حقيقة، وإن كان جائزاً كحياة أجنبي غيرهما وخرج بقوله‏:‏ بغير عوض ما إذا كان بعوض فإنها إجارة فاسدة، وبقوله‏:‏ إنشاء الحكم باستحقاق العمرى لأنه تقرير لها لا إنشاء، وهذا الحد يوجب جوازها في الأصول والحلى والثياب وغير ذلك‏.‏ أبو الحسن‏:‏ إلا أنه إن بقي من الثوب شيء رده وإلاّ فلا شيء عليه، وخصها الناظم بالأصول لكثرتها فيها فقال‏:‏

هِبَةُ غَلّةِ الأصُول العُمْرَى *** بِجَوْزِ الأصْلِ حوْزُها اسْتقَرا

‏(‏هبة غلة الأصول‏)‏ كالدور والأرضين والحوانيت ‏(‏العمرى‏)‏ ولا بد فيها من الحوز كما قال ‏(‏بحوز أصل حوزها استقرا‏)‏ لأن المنفعة تحاز بحوز أصولها كما مرَّ، والحيازة للصغير فيها بصرف الغلة كما مرَّ في الهبة‏.‏

طول حياة معمَرٍ أو مُدّه *** مَعْلُومةٍ كالعَامِ أو ما بعْدَه

‏(‏طول‏)‏ بالنصب ظرف لقوله‏:‏ هبة وهي خبر عن قوله‏:‏ العمرى، والتقدير‏:‏ العمرى هبة غلة الأصول طول ‏(‏حياة المعمر‏)‏ بالفتح ‏(‏أو‏)‏ هبة غلة الأصول ‏(‏مده معلومة كالعام أو ما بعده‏)‏ كالعامين أو العشرة، وحوزها استقر بحوز أصلها‏.‏ اللخمي‏:‏ والعمرى أقسام مقيدة بأجل، وحياة المعمر بالفتح ومطلقة ومعقبة، فالمقيدة بأجل أو حياتي أو حياتك هي إلى ذلك الأجل، وإن أطلق ولم يقيد كان محمله على عمر المعطى له حتى يقول‏:‏ عمري أو حياتي وإن عقبها فقال‏:‏ أعمرتك أنت وعقبك لم ترجع إلى ه إلى أن ينقرض العقب‏.‏ قال‏:‏ ويحمل قوله‏:‏ كسوتك هذا الثوب وحملتك على هذا الفرس على هبة الرقاب بخلاف قوله‏:‏ أعمرتك أو أسكنتك أو أخدمتك فإنه يحمل على العمرى، وإن قال‏:‏ أذنت لك أن تسكن داري وتزرع أرضي أو تركب دابتي أو تلبس ثوبي كان عارية فيجري على حكمها من ضرب الأجل وعدمه اه‏.‏ يعني إذا لم يضرب الأجل فإن العارية تنقض بمضي ما يعار لمثله‏.‏ وقوله‏:‏ حياة المعمر يقتضي أن الجهل بمدة الحياة لا يضر وهو كذلك، لأن الغرر إنما يمنع في المعاوضات دون التبرعات وذكر المواق في الضمان إحدى عشرة مسألة يجوز الجهل فيها الخمالة والهبة والوصية والبراءة من المجهول والصلح يعني‏:‏ إذا لم يعرفا قدر الحق المصالح فيه كما مرّ في بابه، والخلع والصداق والقراض والمساقاة والمغارسة والصدقة اه‏.‏ وقولهم‏:‏ أرسل من يدك بالغرر ولا تأخذ به معناه أرسل من يدك بالغرر من غير عوض ولا تأخذ به بعوض فكأنهم قالوا ولا تعاوض به‏.‏

تتمة‏:‏ إذا مات المعمر بالفتح أو انقضى الأجل فإنها ترجع للمعمر بالكسر أو وارثه‏.‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ورجعت للمعمر أو وارثه الخ‏.‏ والمعتبر في الوارث هو يوم الموت لا يوم المرجع، فإذا مات المعمر بالكسر عن أخ مسلم وابن كافر أو رقيق فورث المسلم أخاه ثم أسلم الابن أو عتق الرقيق ثم مات المعمر بالفتح، فإن العمرى ترجع للأخ، المسلم كما في الزرقاني‏.‏

وبيعُها مُسوَّغٌ لِلمُعْمَرِ *** منْ مُعمِرٍ أو وارِثٍ لِلمُعْمِر

‏(‏وبيعها‏)‏ أي العمرى أن منفعتها ‏(‏مسوغ للمعمر‏)‏ بالفتح أي يبيع ماله من المنفعة مدة حياته ‏(‏من معمر‏)‏ بالكسر ‏(‏أو‏)‏ من ‏(‏وارث للمعمر‏)‏ بالنقد والعروض والطعام وغير ذلك نقداً أو نسيئة وتسمية ذلك بيعاً مجازاً وإنما هو كراء، وفهم منه أنه لا يجوز بيعها من غير المعمر أو وارثه وهو كذلك فيما إذا كانت حياة المعمر لأنها حينئذ إجارة مجهولة، وإنما اغتفر مؤاجرتها للمعمر أو وارثه مع وجود الجهل أيضاً للمعروف كما جاز للمعري اشتراء عريته يخرصها تمراً مع ما فيه من بيع الطعام بالطعام نسيئة للمعروف أيضاً وأما إن كانت مقيدة بأجل كعام ونحوه فله عقد الكراء فيها مع المعمر أو غيره إلى تلك المدة كما في ابن سلمون وغيره ثم أشار إلى المنحة وهي هبة لبن الشاة كما مرّ أول باب الهبة فقال‏:‏

وَغَلَّةٌ للحيوانِ إنْ تُهَبْ *** فَمِنْحَةٌ تُدْعَى وَلَيْسَتْ تُجْتَنَبْ

‏(‏وغلة للحيوان‏)‏ كلبن بقرة أو شاة ‏(‏أن تهب‏)‏ لشخص حياة الممنوح أو مدة معينة فإن أطلق فهو مصدق فيما يدعيه من المدة فإن مات أو غاب، فالظاهر أنه يحمل على حياة الحيوان الممنوح ‏(‏فمنحة تدعى‏)‏ أي تسمى ‏(‏وليست تجتنب‏)‏ بل هي مندوبة لكونها من المعروف، ولا يدخل في غلة الحيوان ركوب الدابة لأن هذه عارية كما تقدم قريباً عن اللخمي، وتقدم أيضاً أول باب الهبة ثم أشار إلى الإخدام فقال‏:‏

وخِدْمَةُ العَبْدِ هِي الإخْدامِ *** وَالحَوْزُ فِيهَا لَهُ الْتزامِ

‏(‏وخدمة العبد‏)‏ أو الأمة أن تهب لشخص حياة العبد أو المخدم بالكسر أو المخدم بالفتح أو لمدة معلومة كعام ونحوه ‏(‏هي الإخدام‏)‏ في الاصطلاح فإن أطلق وقال‏:‏ أخدمتك هذا العبد فإنه يحمل على حياة العبد كما مرّ أول باب الحبس ‏(‏والحوز فيهما‏)‏ أي في المنحة والاخدام قبل حصول المانع ‏(‏له التزام‏)‏ فلا يصحان بدونه كما مرَّ‏.‏

حَياةُ مُخْدَمٍ أوِ المَمْنُوحِ *** أَوْ أَمَدٍ عُيِّنَ بالتَّصْرِيحِ

‏(‏حياة مخدم‏)‏ ظرف لتهب المقدر بعد خدمة العبد ‏(‏أو‏)‏ حياة ‏(‏الممنوح‏)‏ ظرف لتهب المذكور في كلامه من اللف والنشر المعكوس ‏(‏أو‏)‏ إلى ‏(‏أمد‏)‏ كعام أو شهر ‏(‏عين‏)‏ فيهما ‏(‏بالتصريح‏)‏ فإن أطلق ولم يعين فقد مر حكمه‏.‏

وأُجْرَةُ الرَّاعِي لما قَدْ مُنِحا *** عَلَى الذِي بِمِنْحَةٍ قد سَمِحَا

‏(‏وأجرة الراعي لما‏)‏ أي للحيوان الذي ‏(‏قد منحا‏)‏ لبنه واجبة ‏(‏على‏)‏ الشخص ‏(‏ الذي بمنحه قد سمحا‏)‏ أو على المانح وظاهره أنه إذا اشترطت أجرته على الممنوح أو جرى عرف بها لأنه كالشرط لا يجوز ذلك لأنها تنقلب حينئذ إجارة بمجهول وهو كذلك، ففي نوازل الفاسي‏:‏ لا يجوز إعطاء بقرة لمن يرعاها على أن يأخذ نصف زبدها قال‏:‏ ولكن في المواق والمعيار عن ابن سرج ما يؤذن بالترخيص في ذلك من أجل الاضطرار لأن مذهب مالك مراعاة المصلحة إن كانت كلية حاجية اه‏.‏ وانظر ما قدمناه أول الإجارة ولا مفهوم للزبد ولا لنصفه بل كذلك بكل الزبد أو اللبن، ومثل هذا ما يقع كثيراً في إجارة معلم الصبيان يجعلون له مخضة على كل واحد فقال العقباني‏:‏ إن ذلك لا يجوز لأنه لم يدخل معهم على تحديد ما يأخذه من الزبد بالوزن، وإنما دخل على أن يأخذ مخضة لا يدري قدرها، ولما نقله ابن رحال عند قوله ‏(‏خ‏)‏ في الإجارة‏:‏ أو حميم ذي الحمام‏.‏ قال عقبة‏:‏ الصواب الجواز، وأشار إلى ما تقدم عن ابن سراج والمعيار، وأما علف الدابة المعارة فقد قال ‏(‏خ‏)‏ آخر العارية‏:‏ وفي علف الدابة قولان‏.‏ أي‏:‏ هل هو على المعير أو المستعير‏؟‏ ومحلهما مع السكت وعدم العرف، وأما الشرط أو العرف فهو على من اشترط عليه أو قضى العرف أنه عليه اتفاقاً لأنه يجوز كراء الدابة بعلفها كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وجاز على أن عليك علفها الخ‏.‏‏.‏‏.‏ والعرف عندنا بفاس أن علف العارية على المستعير حيث باتت عنده فإن لم تبت فعلى ربها، وأما نفقة المخدم فاقتصر في الاستغناء كما في المواق على أنها على المخدم بالفتح، وفي المدونة أنها على المخدم روي بفتح الدال وكسرها، وهذا مع السكت أو عدم العرف أيضاً وإلاَّ فهي على المخدَم بالفتح اتفاقاً إذ لا يجوز مؤاجرة الأجير بأكله وتنفسخ إذا ظهر أكولاً قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ كظهور مستأجر أوجر بأجره أكولاً الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وزكاة فطره حينئذ على سيده قطعاً لأنه المالك المنفق عليه‏.‏

وجائِزٌ لِمَانِحٍ فيها الشِّرا *** بِما يَرَى نَاجِزاً أوْ مُؤَخَّرَا

‏(‏وجائز لمانح فيها‏)‏ أي المنحة ‏(‏الشرا بما‏)‏ أي بالثمن الذي ‏(‏يراه‏)‏ المانح ويرضى به كان ذلك الثمن طعاماً أو غيره ‏(‏ناجزاً‏)‏ كان ‏(‏أو مؤخراً‏)‏ ولا يدخله بيع اللبن المجهول بدنانير أو بطعام نسيئة لأن ذلك كله معروف رخص له فيه كما مرَّ في العمرى‏.‏ ولا يجوز لغيره شراؤه إلا بالشروط المذكورة عند شراح ‏(‏خ‏)‏ عند قوله في الإجارة‏:‏ وشاة للبنها، ويفهم من النظم أنه يجوز للمخدِم بالكسر شراء خدمة مخدمه كالمنحة والعمرى إذ لا فرق بين الجميع والله أعلم‏.‏

فصل في الإرفاق

وهو إعطاء منافع العقار‏.‏

إرْفَاقُ جَارٍ حَسَنٌ للجارِ *** بِمَسْقَى أَوْ طَرِيقٍ أو جِدَارِ

‏(‏إرفاق جار حسن‏)‏ أي مستحب ‏(‏للجار‏)‏ لحديث‏:‏ ‏(‏مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه‏)‏‏.‏ وهو ثلاثة أقسام‏:‏ ما له حق واحد وهو الجار الذمي، وما له حقان وهو الجار المسلم الأجنبي، وما له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم القريب‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وبالوالدين إحسانا‏}‏ إلى قوله‏:‏ الجار ذي القربى والجار الجنب‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 36‏)‏‏.‏ وحد الجوار أربعون داراً من كل جانب ‏(‏بمسقى‏)‏ يتعلق بإرفاق فيحتمل أن يكون اسم مكان أي يرفقه بموضع يوصل منه الماء ليسقي حائطه أو داره، ويحتمل أن يكون مصدراً أي يسقي ماء فضل عنه ليسقي الجار به حائطه ونحوه أو ب ‏(‏طريق‏)‏ في أرضه يمر عليها لحائطه أو دار أيضاً ‏(‏أو‏)‏ ب ‏(‏جدار‏)‏ يغرز فيه خشبة ونحوها‏.‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وندب إعارة جدار لغرز خشبة وإرفاق بماء وفتح باب ليمر عليها الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وهذا كله حيث لم يكن على المرفق بالكسر فيه ضرر فحينئذ يتعلق الندب به‏.‏ وقد حض عليه الصلاة والسلام على الجار فقال‏:‏ ‏(‏لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏الجار أمين على جاره فعليه أن يسد حجابه عنه أي عليه ويكف أذاه عنه ويغض بصره عنه وإن رأى عورة سترها أو سيئة غفرها أو حسنة شكرها‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏لا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه‏)‏‏.‏

والحَدُّ في ذَلِكَ إنْ حُدَّ اقْتُفي *** وعُدَّ في إرْفَاقِهِ كالسَّلَفِ

‏(‏والحد في ذلك‏)‏ الإرفاق ‏(‏إن حد‏)‏ بزمن كسنة أو عشر سنين أو إلى الأبد مثله ‏(‏ اقتفي‏)‏ واتبع وكان لازماً للمرفق ليس له الرجوع قبله ‏(‏و‏)‏ إن أطلق ولم يقيد بأجل ‏(‏عد‏)‏ المرفق بالكسر ‏(‏في اطلاقه كالسلف‏)‏ يتسلفه الإنسان ولا يتعرضان لأجله فإنه لا بد أن يتركه مدة ينتفع به فيها عادة أمثاله، فكذلك هذا لا بد أن يترك للمرفق بالفتح ينتفع به المدة الجارية بين الجيران عادة، وظاهره أن الحكم هو ما ذكر سواء كان الإرفاق بالغرز أو فتح باب أو سقي ماء وغير ذلك كإعارة عرصة للبناء، والمعتمد أنه في الغرز لا رجوع بعد الإذن طال الزمان أو قصر عاش أو مات إلا أن ينهدم الجدار فلا يعيد الغرز إلا بإرفاق ثانٍ حيث علم أن الخشبة وضعت أولاً بالإرفاق وإلاَّ فله ردها كما كانت من غير إذن قاله ابن الرامي‏.‏ وأما إعارة العرصة للبناء فالراجح أن له الرجوع حيث لم يقيدا بأجل ولو قبل أن يمضي ما يرفق ويعار لمثله في العادة، ولكن بعد أن يدفع ما أنفق أو قيمته ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وله أن يرجع وفيها إن دفع ما أنفق وقيمته‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ وله الإخراج في كبناء إن دفع ما أنفق، وفيها أيضاً قيمته الخ‏.‏ والفرق بين العرصة والجدار أن بعض أهل العلم يرى القضاء بإعارة الجدار إذا امتنع ربه من إعارته للغرز وليس فيه عليه ضرر، وبه قال الشافعي وابن كنانة وابن حنبل، قال الأبي‏:‏ وكان الشيخ يعني ابن عرفة يقول‏:‏ ليس المراد بالغرز المندوب إليه أن يغرز ليبني فوق ذلك لأن ذلك معلوم كونه مضراً بالجدار، وإنما المعنى أن يغرز للتسقيف‏.‏

تنبيه‏:‏

ما تقدم من أن له الإخراج في العرصة هو مذهب المدونة كما رأيته، وجعل ابن رشد وابن زرقون ذلك جارياً في الجدار أيضاً لأن كلاً منهما هبة منفعة، ورجحه ابن رحال فقال‏:‏ قد تبين أن المذهب لا فرق بين الجدار والعرصة في أن لكل منهما الرجوع حيث لم يقيدا بأجل بعد أن يعطي كلاً منهما ما أنفقه المعار والمرتفق، وإلاَّ فليس لكل منهما الرجوع إلا بعد أن يمضي ما يرفق ويعار له بحسب العادة اه باختصار‏.‏ وهو مخالف لما تقدم من أنه ليس له الإخراج في الجدار على المعتمد فشدّ يدك على ما تقدم للفرق المتقدم ولأن العرصة لا تضطر الحاجة إليها كاضطراره للغرز، ولذا قيل بوجوبه للأحاديث القوية فيه والخاصة به والله أعلم‏.‏

فصل في حكم الحوز

ذكر خليل وغيره مسألة الحيازة آخر الشهادات لأنها مبينة لصاحبها على تصديق دعواه وتقدم عند قوله‏:‏ والمدعي فيه له شرطان الخ‏.‏‏.‏‏.‏ أن الدعوى في مسألة الحيازة تسمع ويكلف المطلوب بجوابها لعله يقر أو ينكر فيحلف، وقولهم‏:‏ لا تسمع دعواه ولا بينته الخ‏.‏‏.‏‏.‏ معناه لا تسمع سماعاً يوجب قبول بينة لا أنه لا يؤمر بالجواب بل يؤمر به كما مرَّ‏.‏ وتقدم أيضاً أن الدعاوى التي كلها توجب اليمين بدون خلطة على المعمول به، ولا يستثنى من ذلك إلا الدعاوى التي فيها معرة كدعوى السرقة والغصب على من لا يليق به ذلك فيؤدب المدعي ولا يمين على المطلوب واعلم أن الحيازة على قسمين حيازة مع جهل أصل الملك لمن هو، وحيازة مع علم أصل الملك لمن هو فالأولى يكفي فيها عشرة أشهر فأكثر كان المحوز عقاراً أو غيره، والثانية لا بد فيها من عشر سنين فأكثر في العقار، أو عامين فأكثر في الدواب والعبيد والثياب كما يأتي، وكل من الحيازتين لا بد في الشهادة به من ذكر اليد وتصرف الحائز تصرف المالك في ملكه والنسبة وعدم المنازع، وطول المدة عشرة أشهر في الأولى وعشر سنين في الثانية وعدم التفويت في علمهم فلا تقبل الشهادة مع فقد هذه الأمور أو واحد منها على المعمول به إلا إن كان من أهل العلم كما بيناه في حاشية اللامية، وهل يشترط زيادة مال من أمواله‏.‏

ابن عرفة‏:‏ وفي لغو شهادة الشاهد في دار بأنها ملك فلان حتى يقول ومال من أمواله وقبولها مطلقاً‏:‏ ثالثها‏:‏ إن كان الشهود لهم نباهة ويقظة الأول لابن سهل عن مالك قائلاً‏:‏ شاهدت القضاء به اه‏.‏ وكيفية وثيقة ذلك أن تقول‏:‏ يشهد الواضع شكله إثره بمعرفته لفلان ومعها يشهد بأنه كان بيده وعلى ملكه مالاً من أمواله وملكاً خالصاً من جملة أملاكه جميع كذا المحدود بكذا يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه وينسبه لنفسه، والناس إليه من غير علم منازع ولا معارض مدة من عشرة أشهر أو عشر سنين، ولا يعلمون أنها خرجت عن ملكه إلى الآن أو إلى أن تعدى عليها فلان أو إلى أن غاب أو إلى أن توفي وتركها لمن أحاط بميراثه الخ‏.‏‏.‏‏.‏ فإذا أثبتت هذه الوثيقة هكذا وأعذر فيها للمقوم عليه فلم يجد مطعناً فلا إشكال أنها تدل دلالة ظنية على أن الملك لهذا القائم ولا تفيد القطع لأن الشهادات من حيث هي إنما تفيد غلبة الظن فقط، وهو معنى قولهم‏:‏ إنما تعمل فيما جهل أصل ملكه لأن أصل الملك لمن هو مجهول عندنا حتى شهدت به البينة لهذا القائم، وحينئذ فيقضى له به حيث لا مطعن بعد أن يسأل الحائز أولاً هل لك حجة، ولعله يقر بأن الملك للقائم وأنه دخل بكراء أو عارية فإن قال‏:‏ حوزي وملكي وبيدي وأثبت حيازة ذلك عنه عشر سنين في الأصول أو عامين في غيرها بالقيود المذكورة أيضاً من اليد والنسبة ودعوى الملك والتصرف وعدم المنازع الخ‏.‏‏.‏‏.‏ والحال أن القائم حاضر ساكت بلا مانع الخ‏.‏‏.‏‏.‏ فقد سقط حق القائم وتبقى الأملاك بيد حائزها ولا يكلف ببيان وجه تملكه ولا غير ذلك كما يأتي، وبالجملة فمهما ثبتت الحيازة عشرة أشهر فأكثر بالقيود المذكورة أولاً لا تقطعها الحيازة الواقعة بعدها إلا أن تكون عشر سنين فأكثر بالقيود المذكورة أيضاً، وهو معنى قولهم‏:‏ حيازة عشرة أعوام مع علم أصل الملك لمن هو عامله أي لأنها قطعت حجة القائم مع علم أصل ملكه ومحل قطعها لذلك إذا لم يعلم أصل مدخله أما إذا علم ككونه دخل بكراء من القائم أو إسكان أو مساقاة ونحو ذلك فإنها لا تقطعها ولو طالت، وهذه الثانية هي مقصود الناظم في هذا الفصل، وأما الأولى فلم يتكلم عليها وتكلم عليهما معاً ‏(‏خ‏)‏ فقال في الأولى‏:‏ وصحة الملك بالتصرف وعدم منازع وحوز طال كعشرة أشهر وأنها لم تخرج عن ملكه في علمهم الخ‏.‏ وقال في الثانية‏:‏ وإن حاز أجنبي غير شريك وتصرف ثم ادعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تسمع بينته إلا بإسكان ونحوه، وقد علمت من هذا أن أصل الملك وأصل المدخل شيئان متغايران وهما وإن كان كل منهما يشترط جهله لكن الأول شرط في قبول بينة القائم إذ هي لا تقبل إلا إذا لم يعلم أن أصل ذلك الملك لغيره‏.‏ والثاني شرط في إعمال حيازة المقوم عليه إذ لا يعمل بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله، أما إذا علم بإسكان ونحوه فإنها لا تنقطع حجة الأول بل هي حينئذ كالعدم، وانظر الكلام على القيود المذكورة من اليد والنسبة وغيرهما في حاشيتنا على اللامية‏.‏ واعلم أيضاً أن الناظم قدم الكلام أولاً على الحيازة القاطعة لحجة القائم ثم فرع عليها مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ أن يثبت القائم أصل مدخل الحائز من إسكان ونحوه‏.‏

الثانية‏:‏ أن يدعي الحائزان القائم تبرع عليه بذلك المحوز أو اشتراء منه‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يثبت القائم الشراء من الحائز فيدعي الحائز الإقالة ثم الحائز إما أجنبي من القائم أو قريب جداً كالأب مع ابنه ولم يتكلم عليه الناظم، وسيأتي عن ‏(‏ خ‏)‏ أن الحيازة بينهما إنما تكون في المدة الطويلة التي ينقطع فيها العلم أو تهلك فيها البينات وإما قريب لا جداً كالإخوة والأعمام والأصهار والموالي وهو ما يأتي في قوله‏:‏ والأقربون حوزهم مختلف الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وفي كل إما أن يكون بين القائم والمقوم عليه شركة أم لا فأشار إلى القسم الأول بقوله‏:‏

والأَجَنبِيُّ إنْ يَحُزْ أصلاً بِحَقْ *** عَشرَ سنينَ فالتَملُّكَ استَحَقْ

‏(‏والأجنبي‏)‏ شريك أو غيره ‏(‏إن يحز أصلاً‏)‏ كأرض ودار ونحوهما يتصرف فيه وينسبه لنفسه من غير منازع الخ‏.‏ والقائم حاضر عالم بالغ رشيد لم يمنعه من القيام مانع، وسواء كان تصرفه بالازدراع والسكنى والاستغلال في جميع العشر أو في أول جزء منها، أو كان يبور الأرض سنة ويزرعها أخرى، وأحرى تصرفه بالهدم والبناء الغرس، وهذا في غير الشريك، وأما الأجنبي الشريك فلا بد أن يكون تصرفه بالهدم والبناء أو الغرس وإلاَّ لم يعتبر‏.‏ ‏(‏خ‏)‏ كشريك أجنبي حاز فيها إن هدم وبنى ‏(‏بحق‏)‏ أي بوجه شرعي احترازاً مما إذا حازه بغصب أو تعد أو كان معروفاً بذلك فإن حيازته كالعدم، وإن سكت القائم بعد زوال سلطة الغاصب وقهره فإن سكوته لا يضره إلا أن يفوته الغاصب ببيع أو غيره بعد زوال سلطنته، أو يموت فيقسم ورثته المال بحضرته فلا شيء له كما في المعين والمقصد المحمود وغيرهما، ويدخل في الشرعي ما إذا قال‏:‏ اشتريت منه أو من أبيه أو وهبه لي على ما يأتي أو ورثته أو اشتريته من فلان ولا أدري بأي وجه صار إلى الذي ورثته عنه أو اشتريته منه، وما إذا لم يقل شيئاً من ذلك كله كما هو ظاهره إذ الحائز لا يكلف ببيان وجه ملكه وبأي سبب صار له لأنه يقول‏:‏ ملكته بأمر لا أريد إظهاره كما اقتصر عليه ابن يونس، وكما لابن أبي زمنين وغيره خلافاً لما جزم به ابن رشد من أنه لا بد من بيان سبب ملكه من شراء أو إرث قال‏:‏ وأما مجرد دعوى الملك دون أن يدعي شيئاً من هذا فلا ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك لغيره اه‏.‏ وهو وإن اقتصر عليه ‏(‏ت‏)‏ ههنا فإنه خلاف الراجح المعمول به كما يأتي، اللهم إن كان معروفاً بالغصب والاستطالة فلا بد أن يبين بأي وجه صار إليه ولا ينفعه قوله‏:‏ اشتريته من القائم أو غيره أو ورثته بل لا بد من إثباته ذلك فإن لم يثبته فعليه الكراء في جميع المدة التي كان بيده بما يقوله أهل المعرفة قاله في الوثائق المجموعة‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ إن عرف أن دخوله كان بباطل لم ينفعه طول الحيازة وإن ادعى شراءه إلا أن يطول ذلك نحو الخمسين سنة ونحوها والقائم حاضر لا يغير ولا يدعي شيئاً‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ لما قال ابن رشد مجرد الحيازة لا ينقل الملك اتفاقاً ولكن يدل عليه كالعفاص والوكاء في اللقطة قال ابن رحال في شرحه عقبه‏:‏ هو عندي غير صحيح بل ينقل الملك ونقل على ذلك أنقالاً ثم قال‏:‏ وإن أراد ابن رشد أن الملك لا يقطع بنقله كما قاله ابن عرفة وغيره فلا خصوصية للحيازة بل كذلك الإرث والشهادة الصريحة وغير ذلك اه‏.‏ باختصار‏.‏

قلت‏:‏ ولكن مراد ابن رشد هو ما قاله ثانياً من أنه لا يقطع بنقله بدليل قوله‏:‏ ولكن يدل عليه كما نبينه إن شاء الله عند قوله‏:‏ أو يدعي حصوله تبرعاً الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وحينئذ فلا وجه لاعتراض الشيخ الرهوني على ابن رحال لأن ابن رحال إنما أجال الأمر والنظر بين أن يقول أراد لا ينقله فلا يصح وبين أن يريد لا يقطع بنقله فهو صحيح ولكن لا خصوصية لها‏.‏

الثاني‏:‏ تقدم أن الشريك الأجنبي لا يعتبر تصرفه إلا بالهدم أو البناء والغرس، وأما الأجنبي الذي ليس بشريك فهل الهدم والبناء والغرس حوز في حقه من حينه ووقته وإن لم تمض العشر سنين ولا ما دونها أو لا يكون حوزاً إلا بمضي العشر‏؟‏ قولان لابن الماجشون وابن القاسم‏.‏ والأول هو الذي اعتمده شراح الرسالة كابن عمر وابن ناجي، وكذا أبو محمد صالح عليها قائلاً هذا إذا لم يحدث في العشر سنين بناء ولا غرساً أو هدماً، وإن أحدث فيها شيئاً من ذلك فإن ذلك يسقط كلام المدعي بنفس الفعل يعني إن لم ينكر بمجرد علمه الخ‏.‏‏.‏‏.‏ ونحوه في ابن يونس قال ابن رحال‏:‏ وكونه حوزاً من حينه ووقته هو الذي يظهر لا غير اه‏.‏

قلت‏:‏ بل هو الذي يجب اعتماده لكثرة المشاحة وعدم المسامحة في البناء والغرس في هذا الزمان، وإن كان مذهب ابن القاسم أنه لا بد من العشر وهذا إذا هدم صحيحاً له قدر وبال ليتوسع فيه أو يبني غيره مكانه أو ليزيده مسكناً آخر لا أن هدمه لخوف سقوط أو لأجل إصلاح حق فإن ذلك لا يسقط حق القائم ولو مضت العشر أو أكثر لأن رب الدار يأمر المكتري بأن يصلح من كرائها‏.‏

‏(‏عشر سنين‏)‏ ظرف لقوله إن يحز، وظاهره أنه لا بد منها ولا يكفي ما دونها من ثمان أو تسع وهو كذلك على المعمول به، ابن عرفة عن ابن القاسم‏:‏ وما قارب العشر هو مثلها‏.‏ ابن رشد‏:‏ يريد بما قارب الشهر والشهرين وما هو ثلث العام فأقل اه‏.‏ ‏(‏ فالتملك‏)‏ مبتدأ ‏(‏استحق‏)‏ خبره وضميره للحائز عشر سنين والجملة خبراً لأجنبي‏.‏

وانْقَطَعَتْ حِجّةُ مدَّعيهِ *** مَع الحضورِ عن خِصامٍ فيهِ

‏(‏وانقطعت حجة مدعيه‏)‏ الذي أثبت أنه كان يملكه قبل هذا عشرة أشهر فأكثر ولو مائة سنة فلا تقبل دعواه ولا بينته وإن سلمت من الطعن ‏(‏مع الحضور‏)‏ ظرف ليحز أيضاً أي مع حضور القائم في جميع العشر فإن حضر خمساً أو ثمانياً وغاب الباقي فهو على حقه كما يفيده كلام ابن مرزوق وغيره، فإن تكرر قدومه وسفره فلا حق له انظر ابن سلمون‏.‏ فقوله‏:‏ مع الحضور أو ومع علمه بأنه ملكه وبأنه يتصرف فيه وينسبه لنفسه ملكاً كما في القلشاني وأبي الحسن، واستغنى الناظم بالحضور عن العلم بما ذكر لأنه إذا لم يعلم بذلك فكأنه غير حاضر ‏(‏عن خصام‏)‏ يتعلق بمحذوف حال أي حال كونه ساكتاً عن خصام ‏(‏فيه‏)‏ ولا مانع يمنعه منه لأنه إذا كان هناك مانع فهو غير ساكت حكماً إذ لا يشترط الشيء إلا مع إمكان وجوده فقوله‏:‏ إن يحز الخ‏.‏ حذف متعلقه أي إن يحز بتصرف مع نسبته إليه كما قررنا، وكما فسر به ربيعة قوله عليه الصلاة السلام ‏(‏من حاز شيئاً عشر سنين فهو له‏)‏ قال ربيعة‏:‏ معنى ذلك إذا كان الحائز ينسب ذلك لنفسه بحضرة المدعي أي ولو مرة واحدة فصار تقدير كلام الناظم هكذا‏:‏ والأجنبي إن يحز أصلاً بتصرفه فيه ونسبته إليه مع حضور القائم وعلمه بأنه ملكه وبأنه يتصرف فيه حال كونه ساكتاً عن خصام فيه ولا مانع يمنعه عشر سنين فالتملك استحق الخ‏.‏ وقوله أصلاً احترز به من غير الأصل فإنه سيأتي الكلام عليه في قوله‏:‏ وفي سوى الأصل حوز الناس الخ‏.‏

وقوله‏:‏ بحق احترز به من الحوز بغصب أو تعد كما مرّ‏.‏ وقوله‏:‏ مع الحضور احترز به عما إذا كان غائباً على أربعة أيام فما فوقها الخ‏.‏ كما يأتي في قوله‏:‏ وقائم ذو غيبة بعيدة الخ‏.‏ فإنه لا يسقط حقه ولو كان عالماً بالحيازة ويصدق في دعواه أنه كان عاجزاً عن القدوم والتوكيل وإن لم يعرف إلا من قوله على المذهب، وتقدم في الشفعة أن المرأة والرجل الضعيف في معنى الغائب، وكذا السفيه وغير العالم بأنه ملكه أو بأنه يتصرف فيه فإن الحيازة لا تعمل عليها إلا بعد أن يرشد السفيه أو يعلم غيره وتحاز عليهما الأملاك عشرة أعوام من يوم الرشد والعلم وهما ساكتان بلا مانع، وأما الغيبة القريبة كاليومين فهو كالحاضر‏.‏ ابن رشد‏:‏ وهو محمول على عدم العلم بالحيازة حيث يثبت علمه وكذلك الحاضر في البلد فإنه محمول على عدم العلم أيضاً قال ‏(‏ح‏)‏ عن ابن ناجي ونحوه تقدم في الشفعة‏.‏ وقوله‏:‏ عن خصام فيه احترز به عما إذا خاصم فإن حقه لا يسقط كما يأتي في قوله‏:‏ والمدعي إن أثبت النزاع مع الخ‏.‏

وظاهره كظاهر ‏(‏خ‏)‏ ولو مرة في أي وقت من العشر سنين وهو ظاهر الوثائق المجموعة والفشتالي وغيرهما حيث قالوا‏:‏ لا يعلمونه نازعه في ذلك طول المدة المذكورة وهو الذي يجب اعتماده لأن ماهية النزاع تحصل بالمرة الواحدة وبها يختل السكوت المشترط في قطع حجة القائم وبوجود المنازعة مرة تنخرم ماهية الحيازة خلافاً لما في القلشاني وابن سلمون عن سحنون من أنه لا تنفعه في المنازعة مرة أو مرتين، بل حتى يتكرر ذلك منه مراراً فإنه لا يعول عليه كما لابن رحال في شرحه وحاشيته، واعتراض الشيخ الرهوني عليه بما لسحنون خلاف ما أطبق عليه أهل التوثيق إذ لو كان يشترط التكرار لقالوا‏:‏ لا يعلمون تكرار نزاع فيه، ولقال الناظم‏:‏ وغيره ساكت عن تكرر خصام فيه، وهكذا مع أنهم لم يقولوه فدل ذلك على عدم اشتراطه، نعم إذا سكت عشر سنين بعد المنازعة فإنه يسقط حقه وظاهر كلامهم أيضاً أن مجرد النزاع كاف ولو لم يكن عند القاضي وهو كذلك خلافاً لما في ابن عمر من أن المنازعة إذا لم تكن عند القاضي لم ينتفع بها فإنه لا يعول عليه أيضاً، وإن زعم الشيخ الرهوني أيضاً أنه الراجح إذ لا دليل له على رجحانه‏.‏ وظاهر كلام الرسالة وغيرها خلافه، وعليه اقتصر الزرقاني وغيره ومن تتبع كلامهم وجدهم أطلقوا ولم يقيدوا بكونها عند القاضي أو عند غيره وإطلاقهم حجة، واحترز به أيضاً مما إذا كان هناك مانع منعه من الخصام كصغر أو سفه وللحائز عليه دين أو كون الحائز ذا سطوة أو استناد لذي سطوة كما مرَّ أو كانت الحيازة في محل لا تناله الأحكام أو كان المحوز عليه امرأة ذات زوج غيور عليها شديد الضبط لها مانع لها من الخروج كما في المتيطية، فإنه مع وجود واحد من هذه الأمور غير ساكت ولا يسقط حقه إلا أن يقيم الحائز بينة بالسماع أنه اشتراها من القائم أو أبيه وقد حازها عشر سنين، فإنه يسقط حق القائم ولو مع العذر المذكور كما مر في شهادات السماع‏.‏

وأما إن قال‏:‏ جهلت أن الحيازة تلك المدة تقطع البينة فإنه لا يعذر بذلك لأن العرف يكذبه كما قاله الجزولي والعبدوسي فإن قال‏:‏ إنما تركت القيام لاشتغالي بالخدمة غدواً ورواحاً فقال ابن زرب‏:‏ إذا ثبت أنه كان يشهد الشهود أنه غير تارك لحقه فله القيام قاله في نوازل الضرر من المعيار، وظاهره ولو كان يشهدهم بغير حضرة الحائز وأنه لا يحتاج إلى إثبات التقية من سطوة الحائز ونحو ذلك وفيه دليل لما تقدم من أن المنازعة عند غير القاضي كافية لأن هذا انتفع بإشهاد الشهود على عدم تركه لحقه فكيف لا ينتفع بالمنازعة عند غير القاضي من جماعة المسلمين أو محتسب أو قائد إذ لا أقل أن يكون هؤلاء بمنزلة الشهود الذين يشهدهم على عدم ترك حقه، وأما إن قال‏:‏ كنت عالماً بأنه ملكي وبتصرف الحائز ولكن سكت لغيبة شهودي أو لعدم وجود رسمي، والآن وجدت ذلك فأردت القيام فالذي نقله العلمي عن الوانشريسي في شرحه لابن الحاجب أن الصواب قبول عذره‏.‏

قال‏:‏ وبه الحكم والقضاء اه‏.‏ وكذا قال ابن رحال في شرحه الحق أنه يقبل قوله مع يمينه قال‏:‏ وتصويب ابن ناجي عدم القبول غير ظاهر اه‏.‏ وسيأتي أول الاستحقاق أن الإنسان إذا اشترى شيئاً وهو يرى أنه لا بينة له ثم وجدها أن له القيام ويأخذ الثمن من البائع، وقد أطال الشيخ الرهوني في الانتصار لقبول عذره في باب الفلس عند قول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإن ظهر دين الخ‏.‏ وكلام الوانشريسي الذي صرح فيه بأنه به الحكم كاف في ذلك وإن كان هو أعني الوانشريسي بحث في الكراس الثالث من معاوضات معياره مع ابن الحاج الذي جعل غيبة الرسم عذراً قائلاً‏:‏ إنما يكون عذراً إذا لم يعلم بأنه ملكه حتى وجد الرسم وإلاَّ فلا يكون عذراً اه‏.‏ باختصار، ولكن المعول عليه أنه عذر كما ترى وبه يبطل قول ‏(‏ت‏)‏ ههنا‏.‏

ليس من المانع جهل الحكم *** ولا مغيب شاهد أو رسم

ولا جهالة بدين في الأصح الخ‏.‏ بل مغيب الشاهد والرسم كلاهما عذر كما ترى وكذا الجهالة بهما يعني هل له رسم على ذلك أم لا‏؟‏ وهل يجد من يشهد له أنه ملكه أم لا‏؟‏ والعجب منه كيف اقتصر عند قوله‏:‏ وإن يكن مدعياً إقالة الخ‏.‏ على كلام ابن الحاج وقال‏:‏ إنه صحيح مع أن ابن الحاج يقول‏:‏ إن غيبة الشاهد والرسم عذر‏.‏ وقوله‏:‏ ليس من المانع جهل الحكم الخ‏.‏ يعني‏:‏ جهل كون الحيازة قاطعة لحجته كما تقدم عن الجزولي وغيره‏.‏ وأما جهل كونه ملكاً له فإنه عذر بعد يمينه على المشهور كما مرَّ، وانظر ما قدمته آخر بيع الفضولي ولا بد‏.‏ واعلم أن مدة الحيازة تلفق بين الوارث والموروث، فإذا تصرف الموروث خمساً بالقيود المذكورة ومات ثم تصرف وارثه خمساً أيضاً فإن ذلك قاطع لحجة القائم كما لابن رشد وغيره وما في المعيار من أنها لا تلفق لا يعول عليه ولا يلتفت إليه، وكما تلفق الحيازة من وارث وموروث كذلك يلفق السكوت من وارث وموروث أيضاً كما في الدر النثير عن أبي الحسن قائلاً‏:‏ إن الحيازة التي تشهد بنقل الملك لمن ادعاه كما يحكم بها على ساكت واحد كذلك يحكم بها ملفقة من سكوت وارث وموروث اه‏.‏ ثم أشار الناظم إلى المسألة الأولى من المسائل التي فرعها على الحيازة القاطعة فقال مستثنياً من قوله‏:‏ فالتملك استحق‏.‏ وانقطعت حجة مدعيه الخ‏.‏‏.‏‏.‏

إلاّ إذا أَثْبَتَ حَوْزاً بالكِرَا *** أو ما يُضاهِيهِ فلنْ يُعْتَبَرَا

‏(‏إلا إذا أثبت‏)‏ القائم ‏(‏حوزاً بالكرا‏)‏ أي أثبت بالبينة أو الإقرار أن ابتداء حوز الحائز إنما كان بسبب الكراء منه أو من أبيه ‏(‏أو ما يضاهيه‏)‏ أي الكراء كالإسكان مجاناً والمساقاة والعمرى والعارية والغصب ونحو ذلك ‏(‏ف‏)‏ بإن حوز الحائز عشر سنين فأكثر بالقيود المتقدمة ‏(‏لن يعتبرا‏)‏ لأنه قد علم حينئذ أن أصل مدخله الكراء ونحوه فلا تنفعه حيازته، وهو معنى قولهم‏:‏ إذا أثبت أصل المدخل ببينة أو إقرار فلا حيازة، وتارة يقولون‏:‏ إنما تنفع الحيازة إذا جهل أصل المدخل هل بكراء ونحوه أو بشراء ونحوه، أما إذا علم فإن كان بكراء ونحوه لم ينتفع به حتى يأتي بأمر محقق من شراء أو هبة أو صدقة من القائم أو أبيه، وظاهره أنه لا تنفعه الحيازة مع علم أصل المدخل ولو طالت كالخمسين سنة وليس كذلك، بل صرح ابن فرحون وصاحب الوثائق المجموعة بأنها إن طالت الخمسين سنة ونحوها والقائم حاضر لا يغير ولا يدعي شيئاً فإنها تنفعه وإن لم يثبت ابتياعاً ولا صدقة ونحوه لابن رشد كما في حاشية الشيخ بناني‏.‏ ثم أشار إلى المسألة الثانية من المسائل المفرعة عاطفاً على الاستثناء فقال‏:‏

أو يَدَّعِي حُصولَهُ تَبرُّعا *** مِنْ قَائِمٍ فَلْيُثْبِتنَّ ما ادَّعَا

‏(‏أو يدعي‏)‏ الحائز عشر سنين فأكثر ‏(‏حصوله‏)‏ أي الشيء المحوز بيده ‏(‏تبرعا‏)‏ بهبة أو صدقة‏.‏ ‏(‏من قائم‏)‏ أو موروثه ‏(‏فليثبتن‏)‏ الحائز ‏(‏ما ادعا‏)‏ ه من التبرع ويتم ملكه‏.‏

أَوْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ وَاليَمِينُ لَهْ *** إن ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ مُعْملَهْ

‏(‏أو يحلف القائم‏)‏ إن لم يثبت ذلك ويأخذ شيئه بخلاف ما لو ادعى الحائز الشراء من القائم أو موروثه فإنه لا يكلف إثباته ويصدق في أنه اشتراه مع يمينه كما قال‏:‏ ‏(‏ واليمين له‏)‏ أي للقائم على الحائز ‏(‏إن ادعى‏)‏ الحائز ‏(‏الشراء منه‏)‏ أي من القائم ‏(‏معمله‏)‏ هذا وكأن الناظم يقول الحائز عشر سنين إن أقر بما لا ينقل الملك كالإسكان ونحوه لم ينتفع بحيازته، وإن أقر بما ينقله كالهبة والشراء ففيه تفصيل فينتفع بالحيازة والشراء دون الهبة، ولكن ما ذكره من التفرقة والتفصيل بين الهبة والشراء خلاف المعتمد كما مرَّ عن ابن رشد ونحوه لابن يونس قائلاً‏:‏ الصواب لا فرق بين البيع والهبة ونحوه في التوضيح، وما ذاك إلا لكون الحيازة عشر سنين كقيام البينة على انتقال الملك إلى الحائز بشراء ونحوه سواء كان الحائز هو البائع أو غيره كما هو ظاهر النظم وغيره، ولهذا كان لا يكلف الحائز ببيان وجه ملكه للشيء المحوز على الراجح المعمول به كما مرَّ، لكن إن وقع ونزل وبين وجهه فإن بينه بما لا ينقل الملك أو قامت بينة به فهو قوله‏:‏ إلا إذا أثبت حوزاً بالكراء وإن بينه بما ينقله من صدقة أو شراء ونحوهما فقوله مقبول بيمينه كما لابن رشد وغيره، وسواء قال‏:‏ اشتريته منك أو من وكيلك ولا يكلف بإثبات الوكالة خلافاً لما في ابن سلمون وأقضية المعيار، لأن الحيازة دليل على نقل الملك إليه بالوجه الشرعي كما مر، وعليه فكان حق الناظم أن يحذف قوله‏:‏ أو يدعي حصوله تبرعاً‏.‏ البيتين‏.‏ لأنه إنما يتمشى على قول من يقول إنه يكلف ببيان وجه ملكه، اللهم إلا أن يقال إنه تبرع بالبيان من غير تكلف كما قررنا‏.‏

تنبيه‏:‏

ما تقدم من أنه لا يكلف ببيان وجه ملكه هو الذي اقتصر عليه ابن سلمون وغيره في وثيقة الاعتمار ونحوه في نوازل العلمي قائلاً‏:‏ لا يسأل الحائز عن شيء وارثاً كان أو غيره‏.‏ قال ابن رحال في شرحه‏:‏ وهو الذي به العمل‏.‏

قلت‏:‏ ولا زال العمل عليه إلى الآن، وعليه فلا يلتفت إلى ما قاله الشيخ الرهوني من أن الراجح هو تكليفه ببيان وجه ملكه إذ هو مخالف للمعمول به، وقول ابن رشد مجرد الحيازة لا ينقل الملك الخ‏.‏ يعني في نفس الأمر وفيما بينه وبين الله بدليل قوله متصلاً به، ولكن يدل على الملك كإرخاء الستر ومعرفة العفاص والوكاء في اللقطة، وقول ابن رحال في شرحه وحاشيته ههنا‏:‏ بل ينقل الملك للحائز عند وجود الشروط الخ‏.‏ يعني يقضى له بذلك في الظاهر، وهو معنى قول ابن رشد ولكن يدل على الملك الخ‏.‏ وإذا كانت تدل على نقل الملك وتوجب القضاء به في الظاهر فلا وجه لتكليفه ببيان وجه ملكه، وإنما يحسن تكليفه بالبيان على القول الذي يفصل بين الهبة والشراء لأنه حينئذ إذا ادعى الهبة يكلف بإثباتها، وقد علمت أنه خلاف المعتمد، وبعد كتبي هذا وقفت على أن أبا الحسن قال بعد ذكره الخلاف في تكليفه بالبيان ما نصه‏:‏ ولعل القائل بالتفصيل بين البيع والهبة هو الذي يقول يكشف عن وجه ملكه، وأما القائل بأن البيع والهبة سواء فلا فائدة في كشفه اه‏.‏ وقال ابن رحال أيضاً‏:‏ ظاهر قول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ لم تسمع ولا بينة الخ‏.‏ ادعى الحائز أن الحوز حصل له من القائم ببيع أو هبة أو لم يدع ذلك وهو كذلك كما رأيته من تصويب ابن يونس اه‏.‏ وهذا كله إذا ادعى الحائز أنه ملكه، وأما إن ادعى أنه حوزه فقط فلا إشكال أنه لا ينفعه ذلك‏.‏

وَيثبِتُ الدَّفْعَ وَإلاّ الطالِبُ *** لَهُ اليَمينُ وَالتقضِّي لاَزِبُ

‏(‏و‏)‏ إذا قبل قول الحائز في الشراء بيمينه فلا بد أن ‏(‏يثبت الدفع‏)‏ للثمن فيبرأ منه ‏(‏وإلا‏)‏ يثبته ف ‏(‏الطالب له‏)‏ أي عليه ‏(‏اليمين‏)‏ ما قبضه ولا شيئاً منه ‏(‏ والتقضي‏)‏ أي قضاء الثمن ودفعه للطالب ‏(‏لازب‏)‏ أي لازم للحائز ويدفع من الثمن ما أشبه أن يكون ثمناً وإلاَّ فالقيمة ولا يسقط عنه إلا أن يطول إلى الأمد الذي لا يتابع الناس إلى مثله قاله المشاور، وفيه دليل على أن الشهادة بالشراء دون تسمية قدر الثمن صحيحة تامة كما مر عند قوله‏:‏ ومن لطالب بحق شهدا الخ‏.‏ وبيانه أن البينة هناك شهدت بأصل الشراء لا بالثمن والحيازة هنا دلت على الشراء لا على قدر الثمن، فكما قالوا هنا يصح البيع ويدفع ما أشبه من الثمن أو القيمة، فكذلك ينبغي أن يقال هناك كما مر‏.‏ ثمَّ لا يقال كيف يمكن القائم من الثمن وهو لا يدعيه، لأنا نقول إنما يمكن إذا رجع إلى تصديق المشتري المدعي للحيازة كما في ‏(‏ح‏)‏ عن ابن رشد‏.‏ قلت‏:‏ وأيضاً فإن المتبايعين إذا اختلفا في عقد البيع وأثبته المشتري أو حلف ونكل البائع فإنه يأخذ الثمن وإن كان لا يدعيه‏.‏

تنبيه‏:‏

ما ذكره الناظم من أنه يثبت الدفع للثمن إنما يتمشى على قول ابن القاسم القائل‏:‏ يصدق البائع في عدم قبضه إلى عشرين سنة لا على قول غيره الذي تقدم صدر البيوع أنه المعتمد وعرف الناس اليوم عليه لأن مضي العام والعامين يدل على دفعه فكيف يمضي العشر ما لم يكتب الثمن في كتاب، وإِلاَّ فيجري على حيازة الدين المتقدمة هناك أيضاً كما لأبي الحسن وغيره‏.‏ ثم أشار إلى المسألة الثالثة المفرعة على قطع حجة القائم فقال‏:‏