فصل: الحديث الأول:

مساءً 2 :52
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
17
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ:

«أَن أَبَا طيبَة حجم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر لَهُ بِصَاع من تمر، وَأمر أَهله أَن يخففوا من خراجه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سُئِلَ عَن أجر الْحجام فَقَالَ: احْتجم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حجمه أَبُو طيبَة وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ من طَعَام، وكلم موَالِيه فخففوا عَنهُ وَقَالَ: إِن أمثل مَا تداويتم بِهِ الْحجامَة والقسط البحري». وَفِي رِوَايَة: «دَعَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما حجامًا فحجمه فَأمر لَهُ بِصَاع أَو صَاعَيْنِ أَو مد أَو مَدين، وكلم فِيهِ موَالِيه فخفَّف من ضريبته» وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَأَبُو دَاوُد عَنهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي أوردهُ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن جَابر «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَبَا طيبَة أَن يَأْتِيهِ مَعَ غيبوبة الشَّمْس فَأمره أَن يضع المحاجم مَعَ إفطار الصَّائِم ثمَّ سَأَلَهُ: كم خراجك قَالَ: صَاعَيْنِ». فَوضع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ صَاعا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن عِكْرِمَة قَالَ: «احْتجم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعْطَى الْحجام عمالته دِينَارا». وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث إِلَى أبي طيبَة لَيْلًا فحجمه وَأَعْطَاهُ أجره». وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث جَعْفَر بن أبي وحشية، عَن سُلَيْمَان بن قيس، عَن جَابر قَالَ: «دَعَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا طيبَة فحجمه، فَسَأَلَهُ: كم ضريبتك؟ قَالَ: ثَلَاثَة آصَع. فَوضع عَنهُ صَاعا».
فَائِدَة: «أَبُو طيبَة» بِفَتْح الطَّاء واسْمه نَافِع. وَقيل: ميسرَة. وَقيل: دِينَار... لبني بياضة.

.الحديث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن كسب الْحجام فَنَهَى عَنهُ، وَقَالَ: أطْعمهُ رقيقك وأعلفه ناضحك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن ابْن محيصة الْأنْصَارِيّ «أَنه اسْتَأْذن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أُجْرَة الْحجام فِيهَا، وَكَانَ لَهُ مولَى حجامًا، فَلم يزل يسْأَله ويستأذنه حَتَّى قَالَ آخرا: أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن محيصة عَن أَبِيه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ حَدِيث حسن. وَصَححهُ ابْن حبَان، وَقَالَ الْعقيلِيّ: إِسْنَاده صَالح. وَقَالَ عبد الْحق: ابْن محيصة هُوَ حرَام بن سعد بن محيصة ينْسب تَارَة إِلَى جده. قَالَ: وَلَيْسَت لِابْنِ محيصة صُحْبَة.
قلت: بلَى، لَهُ ولأبيه. وَقيل: سعيد. وَقيل: سَاعِدَة. قَالَ عبد الْحق: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن شُعْبَة، نَا أَبُو بلج قَالَ: سَمِعت عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع يحدث «أَن جده هلك وَترك غُلَاما حجامًا وناضحًا وأرضًا وَأمة، فَأمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَجْعَل كسب الْحجام فِي علف الناضح...» الحَدِيث. قَالَ: وَلَا أعلم هَذَا أَيْضا مُتَّصِل.
قلت: وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده عَن سُفْيَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن كسب الْحجام فَقَالَ: أعلفه ناضحك...»

.الحديث الخَامِس وَالثَّلَاثُونَ:

رُوِيَ فِي الْخَبَر «إِن من الذُّنُوب مَا لَا يكفره صَوْم وَلَا صَلَاة، ويكفره عرق الجبين فِي الحرفة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كتاب تَلْخِيص الْمُتَشَابه من حَدِيث يَحْيَى بن بكير، عَن مَالك بن أنس، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن من الذُّنُوب ذَنبا لَا يكفرهَا الصَّلَاة وَلَا الصَّوْم وَلَا الْحَج وَلَا الْعمرَة. قيل: فَمَا يكفرهَا يَا رَسُول الله؟ قَالَ: يكفرهَا الهموم فِي طلب الْمَعيشَة». وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا أكل أحد طَعَاما قطّ خير من أَن يَأْكُل من عمل يَده، وَإِن نَبِي الله دَاوُد كَانَ يَأْكُل من عمل يَده». وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «إِن الله يحب الْمُؤمن المحترف» سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث مُنكر.

.الحديث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كسر عِظَام الْمَيِّت ككسر عِظَام الْحَيّ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم بَيَانه مَبْسُوطا فِي آخر كتاب الْغَصْب.

.الحديث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الرَّهْط العرنيين أَن يشْربُوا من أَبْوَال الْإِبِل».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من روايه أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن نَاسا من عكل أَو عرينة اجتووا الْمَدِينَة، فَأمر لَهُم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بلقاح وَأمرهمْ أَن يشْربُوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا، وَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صحُّوا قتلوا الرَّاعِي وَاسْتَاقُوا الْغنم، فجَاء الْخَبَر فِي أول النَّهَار فَبعث فِي آثَارهم، فَلَمَّا ارْتَفع النَّهَار جِيءَ فَأمر بِقطع أَيْديهم وأرجلهم وسملت أَعينهم، وَتركُوا فِي الْحرَّة يستسقون فَلَا يسقون.
قَالَ أَبُو قلَابَة أحد رُوَاة الحَدِيث: هَؤُلَاءِ سرقوا وَقتلُوا وَكَفرُوا بعد إِيمَانهم وحاربوا الله وَرَسُوله»
.
قَالَ قَتَادَة: فَحَدثني ابْن سِيرِين أَن ذَلِك كَانَ قبل أَن تنزل الْحُدُود.
فَائِدَة: قَالَ ابْن شاهين: هَذَا الحَدِيث نسخه حَدِيث عمرَان بن حُصين قَالَ: «مَا قَامَ فِينَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا إِلَّا أمرنَا بِالصَّدَقَةِ ونهانا عَن الْمثلَة». قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث ينْسَخ كل مثلَة كَانَت فِي الْإِسْلَام. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْإِعْلَام: ادِّعَاء النّسخ يحْتَاج إِلَى تَارِيخ، وَقد قَالَ الْعلمَاء: إِنَّمَا سمل أعين أُولَئِكَ، لأَنهم سملوا الرعاء فاقتص مِنْهُم بِمثل مَا فعلوا، وَالْحكم بذلك ثَابت. وَمَا ادَّعَاهُ ابْن شاهين من نسخ حَدِيث العرنيين هَذَا سبقه بِهِ إمامنا الشَّافِعِي فَحَكَى الإِمَام فِي نهايته عَنهُ أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث مَنْسُوخ؛ إِذْ فِيهِ أَنه مثل بهم ثمَّ مَا قَامَ فِي مقَام الْأَمر بِالصَّدَقَةِ وَنَهَى عَن الْمثلَة.
فَائِدَة ثَانِيَة: اسْم راعي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَذْكُور «يسَار» ذكره ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب. قيل: كَانَ نوبيًّا وَكَذَا قَالَ الْبَغْدَادِيّ فِي مبهماته: إِن اسْم الرَّاعِي «يسَار». قَالَ: وَكَانَ غُلَاما للنَّبِي فَأعْتقهُ. وَكَذَا جزم بِهَذَا أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة. وَفِي رِوَايَته «أَنهم ذبحوه وَجعلُوا الشوك فِي عَيْنَيْهِ». قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين: وَكَانَت قصَّة العرنيين سنة سِتّ من الْهِجْرَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي المبهمات: عدد العرنيين ثَمَانِيَة. كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي مُسْنده، وَهَذَا عجب مِنْهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنهم ثَمَانِيَة فعزوه إِلَيْهَا أولَى.
وَمَعْنى «اجتووا الْمَدِينَة»: استوخموها. وَفِي مُسْند أَحْمد «شكوا حمى الْمَدِينَة». وَفِي الْمُسْتَدْرك لأبي عبد الله الْحَاكِم، عَن أنس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا سمل أَعينهم؛ لأَنهم سملوا أعين الرعاء» وَهَذَا لَا يسْتَدرك؛ لِأَنَّهُ فِي صَحِيح مُسلم. وَوَقع فِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق «أَنهم من بني فَزَارَة قد مَاتُوا هزلا». قَالَ ابْن الطلاع: وَفِي حَدِيث آخر «من بني سليم».

.الحديث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا جعل شفاؤكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي كتاب حد الشّرْب.

.الحديث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا استضاف مُسلم لَا اضطرار بِهِ مُسلما لم تجب عَلَيْهِ ضيافته، وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْبَاب مَحْمُولَة عَلَى الِاسْتِحْبَاب.
قلت: فلنذكر من ذَلِك خَمْسَة أَحَادِيث:
الأول: حَدِيث أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ الْمُتَقَدّم فِي كتاب الْجِزْيَة وَهُوَ الحَدِيث السَّابِع عشر مِنْهُ.
الثَّانِي: عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْلَة الضَّيْف حق عَلَى كل مُسلم فَمن أصبح بفنائه فَهُوَ عَلَيْهِ دين إِن شَاءَ اقْتَضَى وَإِن شَاءَ ترك». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح. الثَّالِث: عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِنَّك تبعثنا فَنَنْزِل بِقوم فَلَا يقرونا، فَمَا ترَى؟ فَقَالَ لنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن نزلتم بِقوم فَأمروا لكم بِمَا يَنْبَغِي للضيف فاقبلوا، فَإِن لم يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُم حق الضَّيْف الَّذِي يَنْبَغِي لَهُم». رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه.
الرَّابِع: عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَيّمَا رجل أضَاف قوما فَأصْبح الضَّيْف محرومًا فَإِن نَصره حق عَلَى كل مُسلم حَتَّى يَأْخُذ بقرى ليلته من زرعه وَمَاله» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح.
الْخَامِس: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا سُوَى ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح.

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ فِي تعليقة إِبْرَاهِيم الْمروزِي: إِنَّه وَردت أَخْبَار فِي النَّهْي عَن الطين الَّذِي يُؤْكَل، وَلَا يثبت شَيْء مِنْهَا، وَيَنْبَغِي أَن يحكم بِالتَّحْرِيمِ إِذا ظَهرت الْمضرَّة فِيهِ، وَإِن لم تثبت الْأَخْبَار. انْتَهَى مَا ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد وَردت فِي ذَلِك أَخْبَار كَثِيرَة وَلَا يَصح شَيْء مِنْهَا. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «من انهمك عَلَى أكل الطين فقد أعَان عَلَى قتل نَفسه» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: عبد الله بن مَرْوَان الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده مَجْهُول.
قلت: بل مَعْرُوف الْحَال واهٍ. قَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه فِيهَا نظر. وَقَالَ ابْن حبَان: يلزق الْمُتُون الصِّحَاح الَّتِي لَا يعرف لَهَا إِلَّا طَرِيق وَاحِد بطرِيق آخر لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ.
ثمَّ رَوَى عَن أبي هُرَيْرَة الحَدِيث الْمُتَقَدّم ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن عدي: فِي إِسْنَاده مَجْهُول.
قلت: رَوَى عَنهُ بَقِيَّة وَسَهل بن عبد الله الْمَرْوذِيّ، قَالَ الْعقيلِيّ: صَاحب مَنَاكِير، غَلبه الْوَهم، لَا يُقيم شَيْئا من الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا لَو صَحَّ لم يدل عَلَى التَّحْرِيم، وَإِنَّمَا دلّ عَلَى كَرَاهَة الْإِكْثَار مِنْهُ، والإكثار مِنْهُ وَمن غَيره حَتَّى يضر بِبدنِهِ مَمْنُوع.
قلت: بل هُوَ دَال عَلَى التَّحْرِيم؛ لِأَن الْإِعَانَة عَلَى قتل النَّفس مُحرمَة فَكَذَا هَذِه، وَلِهَذَا قطع جمَاعَة من أَصْحَابنَا بِتَحْرِيمِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَذكر لعبد الله بن الْمُبَارك حَدِيث: «إِن أكل الطين حرَام» فَأنكرهُ، وَقَالَ: لَو علمت أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه لحملته عَلَى الرَّأْس وَالْعين والسمع وَالطَّاعَة.
هَذَا آخر مَا ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث، وَذكر فِيهِ عَن مُجَاهِد أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ مَا يأمل الْجِيَف- يَعْنِي الصَّحَابَة- وَلم أره.
وَمن الْآثَار أثرا وَاحِدًا:
وَهُوَ عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مَا فِي الْبَحْر شَيْء إِلَّا قد ذكاه الله لكم».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: سَمِعت شَيخا يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر... فَذكره بِلَفْظِهِ سَوَاء. وَرَوَاهُ أَيْضا من رِوَايَة شريك، عَن ابْن أبي بشير، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر يَقُول: «إِن الله ذكى لكم صيد الْبَحْر» ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن دِينَار وَأبي الزبير أَنَّهُمَا سمعا رجلا أدْرك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كل شَيْء فِي الْبَحْر مَذْبُوح». قَالَ: وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي الزبير عَن شُرَيْح مَرْفُوعا، وَرُوِيَ عَن جَابر وَعبد الله بن سرجس مَرْفُوعا. وَفِي الطّهُور لأبي عبيد: ثَنَا مُحَمَّد، ثَنَا خلف بن هِشَام، ثَنَا خَالِد بن عبد الله، عَن وَاصل مولَى أبي عُيَيْنَة، عَن أبي الزبير، عَن عبد الرَّحْمَن مولَى بني مَخْزُوم أَن أَبَا بكر قَالَ: «مَا فِي الْبَحْر شَيْء إِلَّا وَقد كَانَ ذكاه الله لكم» وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير عَن ابْن عمر رَفعه: «كل دَابَّة من دَوَاب الْبر وَالْبَحْر لَيْسَ لَهَا دم ينْعَقد فَلَيْسَتْ لَهَا ذَكَاة».
وَعَن عصمَة بن مَالك مَرْفُوعا: «إِن الله ذكى لكم صيد الْبَحْر». فِي الأول سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز الدِّمَشْقِي قَالَ أَحْمد: مَتْرُوك الحَدِيث. ووهنه ابْن حبَان أَولا، ثمَّ أُخْرَى قَالَ: وَهُوَ مِمَّن أستخير الله فِيهِ، وَهُوَ بقريب من الثِّقَات. وَفِي الثَّانِي: الْفضل بن الْمُخْتَار قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول يحدث بالأباطيل.
وَذكر فِيهِ «أَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم كَانُوا يكتسبون بِالتِّجَارَة» وَهَذَا مَشْهُور عَنْهُم لَا حَاجَة لنا إِلَى عزوه وإطالة الْكَلَام فِيهِ.

.كتاب السَّبق وَالرَّمْي:

كتاب السَّبق وَالرَّمْي:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فسبعة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَابق بَين الْخَيل الَّتِي قد ضُمِّرت من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع، وسابق بَين الْخَيل الَّتِي لم تضمر من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع، وسابق بَين الْخَيل الَّتِي لم تضَمَّر من الثَّنية إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِيهِمَا عَن مُوسَى بن عقبَة: «إِن بَين الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع خَمْسَة أَمْيَال أَو سَبْعَة» وللبخاري قَالَ سُفْيَان: من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع خَمْسَة أَمْيَال أَو سِتَّة، وَمن ثنية الْوَدَاع إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق ميل.
فَائِدَة: يُقَال: أضمرت وضمرت، وَمَعْنَاهُ أَن يقلل عَلفهَا مُدَّة وَتدْخل بَيْتا وتجلل فِيهِ فتعرق ويجف عرقها فيخف لَحمهَا وتقوى عَلَى الجري. والحفياء بحاء مُهْملَة ثمَّ فَاء سَاكِنة، وبالمد وَالْقصر، الفصيح الْأَشْهر الْمَدّ، وَعَلِيهِ اقْتصر الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه والحاء مَفْتُوحَة بِلَا خلاف، وَأَخْطَأ من ضمهَا، كَمَا نبه عَلَيْهِ صَاحب الْمطَالع وَيُقَال: بِتَقْدِيم الْيَاء عَلَى الْفَاء. حَكَاهُ الْحَازِمِي قَالَ: وَالْأَشْهر تَقْدِيم الْفَاء. وَقَوله: «لم تضمر» رُوِيَ بِسُكُون الضَّاد وتحريكها. وثنية الْوَدَاع عِنْد الْمَدِينَة، سميت بذلك؛ لِأَن الْخَارِج من الْمَدِينَة يمشي مَعَه المودعون إِلَيْهَا. وَبَنُو زُرَيْق بِتَقْدِيم الزَّاي عَلَى الرَّاء، وزريق أَخُو بياضة ابْنا عَامر بن زُرَيْق بن عبد جَارِيَة بن مَالك بن غصب- بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة- بن حسيم بن الْخَزْرَج أخي الْأَوْس ابْني جَارِيَة بَطنا من الْأَنْصَار، قَالَ ابْن دحْيَة فِي تنويره: وَفِي السّنة السَّادِسَة من الْهِجْرَة سَابق النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْخَيْلِ أول سباق كَانَ بِالْمَدِينَةِ.

.الحديث الثَّانِي:

رُوِيَ «أَن العضباء نَاقَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت لَا تسبق، فجَاء أَعْرَابِي عَلَى قعُود لَهُ فسبقها فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَى الْمُسلمين، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن حقًّا عَلَى الله أَن لَا يرفع شَيْئا من الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من رِوَايَة حميد عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه والعضباء: المشقوقة الْأذن وَلم تكن نَاقَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عضباء، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا اسْما لَهَا كَمَا تقدم فِي كتاب الْحَج فِي الْقَصْوَاء، وَوَقع فِي الْمُهَذّب: «أَن لَا يرفع من هَذِه الْقُدْرَة شَيْء إِلَّا وَضعه» قيل: لفظ «الْقُدْرَة» بِالدَّال الْمُهْملَة بِمَعْنى الْمَقْدُور، وَقيل: بِمَعْنى القذرة- بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة.

.الحديث الثَّالِث:

عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى قوم من أسلم يتناضلون بِالسُّيُوفِ، فَقَالَ: ارموا بني إِسْمَاعِيل؛ فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا وَهَذَا لَفظه: «مر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى نفر من أسلم يتنضلون، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارموا بني إِسْمَاعِيل، فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميًا ارموا وَأَنا مَعَ بني فلَان. قَالَ: فَأمْسك أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِم، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا لكم لَا ترمون؟! قَالُوا: كَيفَ نرمي وَأَنت مَعَهم؟! فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ «وَلَقَد رموا عَامَّة يومهم ذَلِك ثمَّ تفَرقُوا عَلَى السوَاء مَا نضل بَعضهم بَعْضًا» وَقَالا فِي أَوله: «حسن» لهَذَا اللَّهْو، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. قَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «قَالُوا: يَا رَسُول الله، من كنت مَعَه غلب!...» ثمَّ سَاق الحَدِيث قَالَ: وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم قَالَ: وَهُوَ شَاهد لحَدِيث ابْن عَبَّاس- الَّذِي عَلَى شَرطه أَيْضا- «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِقوم يرْمونَ، فَقَالَ: ارموا بني إِسْمَاعِيل؛ فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميًا».

.الحديث الرَّابِع:

عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر يَقُول: وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي، أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي، أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي».
وَفِي رِوَايَة لَهُ من «ستفتح لكم أرضون ويكفيكم الله؛ فَلَا يعجز أحدكُم أَن يلهو بأسهُمه» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَإِنَّمَا لم يُخرجهُ البُخَارِيّ؛ لِأَن صَالح بن كيسَان أوقفهُ.

.الحديث الخَامِس:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو نصل أَو حافر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ نَافِع الْبَزَّاز الْمدنِي مولَى أبي أَحْمد- وَقد وَثَّقَهُ- عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح أَيْضا، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَلما ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام قَالَ عَن يَحْيَى بن معِين أَن نَافِع بن أبي نعيم ثِقَة.
قلت: وَله طرق عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمثلِهِ، وفروخ يُخَالف فِي حَدِيثه، قَالَ: وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ النَّاس عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن نَافِع بن أبي نَافِع، عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة من حَدِيث أبي بكر الْحَنَفِيّ عَن نَافِع، وَرَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي الحكم مولَى بني لَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ مُحَمَّد بن عمر- أحد رُوَاته-: وَيَقُولُونَ «أَو نصل» وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن عباد بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا سبق إِلَّا فِي حافر أَو خف» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة أبي عبد الله مولَى الجندعيين- حَيّ من بني لَيْث- قَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي: وَهُوَ نَافِع بن أبي نَافِع، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا يحل سبق إِلَّا بخف أَو حافر».
قلت: وَرُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَمن حَدِيث عبد الله بن عمر، وَلم يذكر فِي رِوَايَة ابْن عمر «أَو خف» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله- وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث أبي الفوارس عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر»-: هَذَا الحَدِيث يرويهِ الثَّوْريّ، وَاخْتلف عَنهُ فِي رَفعه، فرفعه ابْن وهب عَن الثَّوْريّ، وَوَقفه مُعَاوِيَة بن هِشَام وَغَيره، وَالْمَوْقُوف أشبه، قَالَ: وَلَا يعرف أَبُو الفوارس إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث.
وَرَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن حبَان الْمَعْرُوف بِأبي الشَّيْخ فِي كتاب السَّبق من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «لَا سبق إِلَّا فِي نصل أَو حافر أَو خف» والنصل: هُوَ السهْم، والحافر: هُوَ الْفرس، والخف: هُوَ الْبَعِير، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من هَذَا الْوَجْه إِلَى قَوْله: «أَو خف» وَهُوَ من رِوَايَة قدامَة بن مُحَمَّد بن خشرم قَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي المقلوبات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد.
قلت: وَحدث غياث بن إِبْرَاهِيم أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي هَذَا الحَدِيث وَزَاد فِيهِ بعد «أَو نصل»: «أَو جنَاح» لِأَن الْمهْدي كَانَ يحب الْحمام، فَأمر لَهُ الْمهْدي بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، فَلَمَّا خرج قَالَ: أشهد أَن قفاك قفا كَذَّاب! ثمَّ أَمر بالحمام فذبحت.
فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: السَّبق- بِفَتْح الْبَاء-: مَا يَجْعَل للسابق عَلَى سبقه من جعل ونوال، وَأما السَّبق بِسُكُون الْبَاء فَهُوَ مصدر سبقت الرجل أسبقه سبقًا. قَالَ: وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة فِي هَذَا الحَدِيث السَّبق مَفْتُوحَة الْبَاء، يُرِيد أَن الْعَطاء والجعل لَا يسْتَحق إِلَّا فِي سباق الْخَيل وَالْإِبِل وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا من النضال وَهُوَ الرَّمْي، وَهَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: إِن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة فِيهِ فتح الْبَاء. وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب: إِن الأثبت فِي الرِّوَايَة فتح الْبَاء. وَذكر ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة لغتين فِي السَّبق بِمَعْنى الْخَيل أَنه بِفَتْح الْبَاء وإسكانها. وَقَوله: «أَو نصل» قَالَ المطرزي فِي المعرب: نصل السَّيْف: حديدته، وَالْجمع: نصول ونصال. قَالَ: وَأما قَوْله: «لَا سبق إِلَّا فِي كَذَا وَكَذَا» فَالْمُرَاد بِهِ: الموافاة. قَالَ: وَالضَّاد الْمُعْجَمَة تَصْحِيف؛ إِنَّمَا ذَاك المناضلة والنضال.

.الحديث السَّادِس:

يرْوَى أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رهان الْخَيل طلق. أَي: حَلَال».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فَقَالَ فِي تَرْجَمَة يَحْيَى: عَن أبي إِسْحَاق، عَن أمه، عَن أَبِيهَا- واسْمه: رِفَاعَة ابْن رَافع-: ثَنَا عبد الله بن جَعْفَر، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله، نَا أَبُو نعيم، ثَنَا عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن يزِيد بن عبد الرَّحْمَن، عَن يَحْيَى بن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أمه حميدة- أَو عُبَيْدَة- عَن أَبِيهَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «رهان الْخَيل طلق» قَالَ أَبُو نعيم: سَمّى أَبُو نعيم أَبَاهَا، فَقَالَ: رِفَاعَة بن رِفَاعَة.
قلت: أما أَبُو نعيم فَهُوَ الْملَائي، أحد الْحفاظ الْأَعْلَام، وَعبد السَّلَام بن حَرْب شريك أبي نعيم فِي بيع الملاء، ثِقَة بِإِجْمَاع، وَيزِيد بن عبد الرَّحْمَن هُوَ أَبُو خَالِد الدالاني، قد عرفت أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فِي حَدِيث النّوم فِي بَاب الْأَحْدَاث، وَيَحْيَى بن إِسْحَاق وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَأمه ذكرهَا الْمزي ثمَّ الذَّهَبِيّ وَلم يذكر لَهَا حَالا، وَقد أسلفت لَك حَالهَا فِي بَاب النَّجَاسَات فِي حَدِيث الْهِرَّة «إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم أَو الطوافات».

.الحديث السَّابِع:

عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قيل لَهُ: أَكُنْتُم تراهنون عَلَى عهد رَسُول الله؟ قَالَ: نعم».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين، لَكِن لَا ذكر لعُثْمَان فيهمَا.
أَحدهمَا: عَن أبي لبيد قَالَ: «أرسل الحكم بن أَيُّوب الْخَيل يَوْمًا فَقُلْنَا: لَو أَتَيْنَا أنس بن مَالك. فأتيناه فَسَأَلْنَاهُ: أَكُنْتُم تراهنون عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم لقد رَاهن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى فرس لَهُ يُقَال لَهَا: سبْحَة، جَاءَت سَابِقَة. فبهش لذَلِك وَأَعْجَبهُ» رَوَاهُ أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته. و«سبْحَة» من قَوْلهم: فرس سباح إِذا كَانَ حسن مد الْيَدَيْنِ فِي الجري. وَقَوله: «فبهش» أَي: هش وَفَرح. قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد وَأخرجه الدَّارمِيّ بِلَفْظ «فانهش» ثمَّ قَالَ: أنهشه، يَعْنِي: أعجبه.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، عَن حَمَّاد بن زيد أَو سعيد بن زيد، عَن وَاصل مولَى أبي عُيَيْنَة قَالَ: حَدثنِي مُوسَى بن عبيد قَالَ: «أَصبَحت فِي الْحجر بَعْدَمَا صلينَا الْغَدَاة، فَلَمَّا أسفرنا إِذا فِينَا عبد الله بن عمر فَجعل يستقرئنا رجلا رجلا يَقُول: أَيْن صليت يَا فلَان؟ قَالَ: يَقُول: هَاهُنَا. حَتَّى أَتَى عَلّي فَقَالَ: أَيْن صليت يَا ابْن عبيد؟ فَقلت: هَاهُنَا. فَقَالَ: بخ بخ! مَا نعلم صَلَاة أفضل عِنْد الله من صَلَاة الصُّبْح جمَاعَة يَوْم الْجُمُعَة، فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، أَكُنْتُم تتراهنون عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم؛ لقد رَاهن عَلَى فرس يُقَال لَهَا: سبْحَة، فَجَاءَت سَابِقَة». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق: كَانَ سُلَيْمَان بن حَرْب ثَنَا بِهَذَا الحَدِيث عَن حَمَّاد بن زيد، ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: حَمَّاد بن زيد أَو سعيد بن زيد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد من غير شكّ، وَرَوَاهُ أَسد بن مُوسَى عَن حَمَّاد بن زيد قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إِن صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ إِذا سبق أحد الفارسين صَاحبه فَيكون السَّبق مِنْهُ دون صَاحبه، وَأعله الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي، فَقَالَ فِي كتاب الْخَيل: سقط بَين مُوسَى بن عُبَيْدَة وَابْن عمر: نَافِع أَو عبد الله بن دِينَار.