.تفسير الآيات (15- 17):
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)}.شرح الكلمات:
{زينة الحياة}: المال والولد وأنواع اللباس والطعام والشراب.
{توفّ إليهم}: نعطهم نتاج أعمالهم وافياً.
{لا يبخسون}: أي لا نقصون ثمرة أعمالهم.
{وحبط}: أي بطل وفسد.
{على بينة من ربه}: أي على علم يقيني.
{ويتلوه شاهد منه}: أي يتبعه.
{كتاب موسى}: أي التوراة.
{ومن يكفر به}: أي بالقرآن.
{فالنار موعده}: أي مكان وعد به فهو لا محالة نازل به.
{في مرية منه}: أي في شك منه.
.معنى الآيات:
لما أقام الله تعالى الحجة على المكذبين بعجزهم عن الإِتيان بعشر سور من مثل القرآن مفتريات حيث ادعوا أن القرآن مفترى وأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد افتراه ولم يبق إلا أن يختار المرء أحد الطريقين طريق الدنيا أو الآخرة الجنة أو النار فقال تعالى:
{من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها} من مال وولد وجاه وسلطان وفاخر اللباس والرياش.
{نوف إليهم أعمالهم فيها} نعطهم نتاج عملهم فيها وفياً غير منقوص فعلى قدر جهدهم وكسبهم فيها يعطون ولا يبخسهم عملهم فكفرهم وتركهم، ثم هم بعد ذلك إن لم يتوبوا إلى ربهم. هلكوا كافرين ليس لهم إلا النار
{وحبط ما صنعوا} في هذه الدار من أعمال وبطل ما كانوا يعملون.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (15 والثانية 16) وهو قوله تعالى:
{من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} وقوله تعالى في الآية الثالثة (17):
{أفمن كان على بينة من ربه} بما أوحى إليه من القرآن وما حواه من الأدلة والبراهين على توحيد الله ونبوة رسوله، وعلى المعاد الآخر، وقوله:
{ويتلوه شاهد منه} أي ويتبع ذلك الدليل دليل آخر وهو لسان الصدق الذي ينطق به وكمالاته الخُلُقَيَّة والروحية حيث نظر إليه اعرابي فقال والله ما هو بوجه كذّاب، ودليل ثالث في قوله:
{ومن قبله كتاب موسى} أي التوراة
{إماماً ورحمة} شاهد له حيث حمل نعوت الرسول وصفاته ونعوت أمته وصفاتها في غير موضع منه أفمن هو على هذه البينات والدلائل والبراهين من صحة دينه، كمن لا دليل له ولا برهان إلا التقليد للضلال والمشركين، وقوله:
{يؤمنون به} أي بالقرآن الحق والنبي الحق والدين الحق. وقوله تعالى:
{ومن يكفر به} أي بالقرآن ونبيه ودينه من الأحزاب أي من سائر الطوائف والأمم والشعوب فالنار موعده، وحسبه جهنم وبئس المصير.
وقوله تعالى:
{فلا تك في مرية منه} أي فلا تك في شك منه أي في أن موعد من يكفر به من الأحزاب النار. وقوله:
{إنه الحق من ربك} أي القرآن الذي كذّب به المكذبون وما تضمنه من الوعد والوعيد، والدين الحق كل ذلك هو الحق الثابت من ربك، إلا أن
{أكثر الناس لا يؤمنون} وإن ظهرت الأدلة ولاحت الأعلام وقويت البراهين.
.من هداية الآيات:
1- بيان حقيقة وهي أن الكفر غير مانع من أن ينتج الكافر بحسب جهده من كسب يده فيحصد إذ زرع، ويرح إذا اتجر، وينتج إذا صنع.
2- بيان أن الكافر لا ينتفع من عمله في الدنيا ولو كان صالحاً وأن الخسران لازم له.
3- المسلمون على بينة من دينهم، وسائر أهل الأديان الأخرى لا بينة لهم وهم في ظلام التقليد وضلال الكفر والجهل.
5- بيان سنة الله في الناس وهي أن أكثرهم لا يؤمنون.
.تفسير الآيات (18- 20):
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}.شرح الكلمات:
{ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً}: أي لا أحد فالاستفهام للنفي.
{يعرضون على ربهم}: أي يوم القيامة.
{الأشهاد}: جمع شاهد وهم هنا الملائكة.
{لعنة الله}: أي طرده وإبعاده.
{على الظالمين}: أي المشركين.
{سبيل الله}: أي الإِسلام.
{عوجاً}: أي معوجة.
{معجزين في الأرض}: أي الله عز وجل أي فائدتين بل هو قادر على أخذهم في أيّة الحظة.
{من أولياء}: أي أنصار يمنعونهم من عذاب الله.
{وما كانوا يبصرون}: ذلك لفرط كراهيتهم للحق فلا يستطيعون سماعه، ولا رؤيته.
.معنى الآيات:
بعد أن قرر تعالى مصير المكذبين بالقرآن ومن نزل عليه وما نزل به من الشرائع ذكر نوعاً من أجرام المجرمين الذين استوجبوا به النار فقال عز وجل:
{ومن أظلم ممن أفترى على الله كذباً} أي لا أحد في الناس أعظم ظلماً من أحد افترى على الله كذباً من أنواع الكذب وإن قل وقوله:
{أولئك يعرضون على ربهم} أي أولئك الكذبة يعرضون يوم القيامة على ربهم جل جلاله في عرصات القيامة، ويقول الأِهاد من الملائكة شاهدين عليهم
{هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} ثم يُعْلِنُ مُعْلِنٌ قائلاً
{ألا لعنة الله على الظالمين} أي ألا بعداً لهم من الجنة وطرداً لهم منها إلى نار جهنم.
ثم وضح تعالى نوع جناياتهم التي استوجبوا بها النار فقال:
{الذين يصدون عن سبيل الله} أي يصرفون أنفسهم وغيرهم عن الدين الإِسلامي،
{ويبغونها} أي سبيل الله
{عوجاً} أي معوجة كما يهوون ويشتهون فهم يريدون الإِسلام أن يبيح لهم المحرمات من الربا والزنى والسفور، ويريدون من الإِسلام أن يأذن لهم في عبادة القبور والأشجار والأحجار إلى غير ذلك، ويضاف إلى هذا ذنب أعظم وهو كفرهم بالدار الآخرة. قال تعالى:
{أولئك} أي المذكورون
{لم يكونوا معجزين في الأرض} أي لم يكن من شأنهم ومهما رأوا أنفسهم أقوياء أن يعجزوا الله تعالى في الأرض فإنه مدركهم مهما حالولوا الهرب ومنزل بهم عذابه متى أراد ذلك لهم، وليس لهم من دون الله من أولياء أي أنصار يمنعونهم من العذاب متى أنزله بهم، وقوله تعالى:
{يضاعف لهم العذاب} إخبار منه بأن هؤلاء الظالمين يضاعف لهم العذاب يوم القيامة لأنهم صدوا غيرهم عن سبيل الله فيعذبون بصدهم أنفسهم عن الإِسلام، وبصد غيرهم عنه، وهذا هو العدل وقوله تعالى فيهم
{ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} إخبار بحالهم في الدنيا انهم كانوا لشدة كراهيتهم للحق ولأهله من الداعين إليه لا يستطيعون سماعة ولا رؤية ولا رؤية أهله القائمين عليه والداعين إليه.
.من هداية الآيات:
1- عظم ذنب من يكذب على الله تعالى بنسبة الولد أو الشريك إليه أو بالقول عليه بدون علم منه.
2- عظم جرم من يصد عن الإِسلام بلسانه أو بحاله، أو سلطانه.
3- عظم ذنب من يريد إخضاع الشريعة الإِسلاميةلهواه وشهواته بالتأويلات الباطلة والفتاوى غير المسؤولة ممن باعوا آخرتهم بدنياهم.
4- بيان أن من كره قولاً أو شخصاً لا يستطيع رؤيته ولا سماعه.
.تفسير الآيات (21- 24):
{أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}.شرح الكلمات:
{وضل عنهم ما كانوا يفترون}: أي غاب عنهم ما كانوا يدعونه من شركاء لله تعالى.
{لا جرم}: أي حقاً وصدقاً أنهم في الآخرة هم الأخسرون.
{وأخبتوا إلى ربهم}: أي تطامنوا أو خشعوا لربهم بطاعته وخشيته.
{مثل الفريقين}: أي فريق المؤمنين وفريق الكافرين.
{إفلا تذكرون}: أي تتعظون، فتستغفروا ربكم ثم تتبوا إليه.؟
.معنى الآيات:
ما زال السياق في تحديد المجرمين وبيان حالهم في الآخرة فقال تعالى:
{أولئك} أي البعداء
{الذين خسروا أنفسهم} حيث استقروا في دار الشقاء فخسروا كل شيء حتى أنفسهم،
{وضل عنهم ما كانوا يفترون} أي وغاب عنهم ما كانوا يزعمون أن لهم شُركَاء، وأنهم يشفعون لهم وينصرونهم قال تعالى:
{لا جرم} أي حقاً
{أنهم في الآخرة} أي في دار الآخرة
{هم الأخسرون} أي الأكثر خسراناً من غيرهم لأنهم أضافوا إلى جريمة كفرهم جريمة تكفير غيرهم ممن كانوا يدعونهم إلى الضلال، ويصدونهم عن الإِسلام سبيل الهدى والنجاة من النار. ولما ذكر تعالى حال الكافرين وما انتهوا إليه من خسران، ذكر تعالى حال المؤمنين فقال:
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي آمنوا بالله وبوعده ووعيده. وآمنوا برسول الله وبما جاء به، وعملوا الصالحات التي شرعها الله تعالى لهم من صلاة وزكاة
{وأخبتوا إلى ربهم} أي أسلموا له وجوههم وقلوبهم وانقادوا له بجوارحهم فتطامنوا وخشعوا أولئك أي السامون أصحاب الجنة أي أهلها
{هم فيها خالدون} أي لا يبرحون منها ولا يتحولون عنها، هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث أما الآية الرابعة (24) وهي قوله تعالى:
{مثل الفريقين كالأعمى والأًم والسميع والبصير هل يستويان مثلا}؟ فقد ذكر تعالى مقارنة بين أهل الشرك وأهل التوحيد توضيحاً للمعنى وتقريراً للحكم فقال:
{مثل الفريقين} أي صفة الفريقين الموضحة لهما هي كالأعمى والأصم وهذا فريق الكفر والظلم والسميع والبصير. وهذا فريق أهل الإِيمان والتوحيد فهل تبايناً فأي عاقل يرضى أن يكون العمى والصمم وصفاً له ولا يكون البصر والسمع وصفاً له؟ والجواب لا أحد إذاً
{أفلا تذكرون} أي أفلا تتعظون بهذا المثل وتتوبوا إلى ربكم فتؤمنوا به وتوحدوا وتؤمنوا برسوله وتتبعوه، وبكتابه وتعملوا بما فيه؟
.من هداية الآيات:
1- استحسان المقارنات بين الأشياء المتضادة للعبرة والاتعاظ.
2- الكافر ميت موتاً معنوياً فلذا هو لا يسمع ولا يبصر، والمسلم حيٌّ فلذا هو سميع بصير.
3- بيان ورثة دار النعيم وهم أهل الإِيمان والطاعة، وورثة دار الخسران وهم أهل الكفر والظلم.
.تفسير الآيات (25- 27):
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)}.شرح الكلمات:
{نوحا}: هو العبد الشكور أبو البشرية الثاني نوح عليه السلام.
{إني لكم نذير مبين}: أي مخوف لكم من عذاب بَيَّنُ النذارة.
{عذاب يوم أليم}: هو عذابه يوم القيامة.
{الملأ}: الأشراف وأهل الحل والعقد في البلاد.
{أراذلنا}: جمع أرذل وهو الأكبر خسة ودناءة.
{بادي الرأي}: أي ظاهر الرأي، لا عمق عندك في التفكير والتصور للأشياء.
.معنى الآيات:
هذه بداية قصة نوح عليه السلام وهي بداية لخمس قصص جاءت في هذه السورة سورة هود عليه السلام قال تعالى:
{ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين} أي قال لهم إني لكم نذير مبين أي بين النذارة أي أخوفكم عاقبة كفركم بالله وبرسوله وشرككم في عبادة ربكم الأوثان والأصنام، وقوله:
{أن لا تعبدوا إلا الله} أي نذير لكم بأن لا تعبدوا إلا الله، وتتركوا كبادة غيره من الأصنام والأوثان وقوله:
{إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} علل لهم أمرهم بالتوحيد ونهيهم عن الشرك بأنه يخاف عليهم إن أصروا على كفرهم وتركهم عذاب يوم أليم وهو عذاب يوم القيامة
{فقال الملأ الذين كفروا من قومه} أي فرد على نوح ملأ قومه اشرافهم وأهل الحق والعقدة فيهم ممن كفروا بالله ورسوله فقالوا
{ما نراك إلا بشرأً مثلنا} أي لا فضل لك علينا فكيف تكون رسولاً لنا ونحن مثلك هذا أولاً وثانياً
{وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا} أي سفلتنا من أهل المهن المحتقرة كالحياكة والحجامة والجزارة ونحوها وقولهم بادي الرأي أي ظاهر الرأي لا عمق في التفكير ولا سلامة في التصور عندك وقولهم
{وما نرى لكم علينا من فضل} أي وما نرى لكم علينا من أي فضل تستحقون به أن نصبح أتباعاً لكم فنترك ديننا ونتبعكم على دينكم بل نظنكم كاذبين فيما تقولون.
.من هداية الآيات:
1- إن نوحاً واسمه عبد الغفار أول رسول إلى أهل الأرض بعد أن أشركوا بربهم وعبدوا غيره من الأوثان والآلهة الباطلة.
2- قوله أن لا تعبدوا إلا الله هو معنى لا إله إلاّ الله.
3- التذكير بعذاب يوم القيامة.
4- اتباع الرسل هم الفقراء والضعفاء، وخَصُومُهم الأغنياء والأشراف والكبراء.
5- احتفار أهل الكبر لمن دونهم، وفي الحديث:
«الكبر بطر الحق وغمط الناس».
.تفسير الآيات (28- 31):
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)}.شرح الكلمات:
{أرأيتم}: أي أخبروني.
{على بينة من ربي}: أي على علم علمنيه الله فعلمت أنه لا إله إلا الله.
{فعميت عليكم}: أي خفيت عليكم فلم تروها.
{أنُلزِمُكمُوها}: أي أجبركم على قبولها.
{بطَارد الذين آمنوا}: أي بمبعدهم عني ومن حولي.
{خزائن الله}: التي فيها الفضل والمال.
{تزدري أعينكم}: تحتقر أعينكم.
.معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة نوح مع قومه فأخبر تعالى أن نوحاً قال لقومه أرأيتم أي أخبروني إن كنت على بيَّنة من ربي أي على علم يقيني تعالى وبصفاته وبما أمرنى به من عبادته وتوحيده والدعوة إلى ذلك. وقوله:
{وآتاني رحمة من عنده} وهي الوحي والنبوة والتوفيق لعبادته.
{فعميت عليكم} أنتم فلم تروها. فماذا أصنع معكم
{أنلزمكموها} أي أنجبركم أنا ومن آمن بي على رؤيتها والإِيمان بها والعمل بهداها،
{وانتم لها كارهون} أي والحال أنكم كارهون لها والكاره للشيء لا يكاد يراه ولا يسمعه، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (27) أما الآية الثانية فإِن الله تعالى يخبر أيضا عن قيل نوح لقومه:
{ويا قوم لا أسألكم عليه مالا} أي لا أطلب منكم أجراً على ابلاغكم هذه الرحمة التي عميت عليكم فلم تروها.
{إن أجري إلا على الله} أي ما أجري إلا على الله إذ هو الذي كلفني بالعمل بها والدعوة إليها وواعدني بالأجر عليها. وقوله:
{وما أنا بطارد المؤمنين} أي وما أنا بمطعيكم في طرد المؤمنين من حولي كما اقترحتم عليّ، إنهم ملاقو ربهم، ومحاسبهم ومجازيهم على أعمالهم فكيف يصح مني ابعادهم عن سماع الحق وتعلمه والأخذ به ليكملوا ويسعدوا إذ العبرة بزكاءة النفوس وطهارة الأرواح بواسطة الإِيمان والعمل الصالح لا بالشرف والمال والجاه كما تتصورون ولذا فأَني أراكم قوما تجهلون هذا ما دلت عليه الآية الثانية (28) ثم قال لهم في الآية الثالثة
{ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم} أي من هو الذي يرد عني عذاب الله ويمنعني منه إن أنا عصيته فطردت أي فقراء ضعفاء تزدريهم أعينكم المريضة التي لا تقدر على رؤية الحق وأهله والداعين إليه، ثم قال لهم
{أفلا تذكرون} أي تتفكرون فتعلمون خطأكم وجهلكم فتثوبوا إلى رشدكم، وتتوبوا إلى ربكم فتؤمنوا به وبرسوله وتعبدوه وحده لا شريك له ثم قال لهم في الآية الأخيرة (31):
{ولا أقول لكم عندي خزائن الله} ردا على قولهم:
{وما نرى لكم علينا من فضل} {ولا أعلم الغيب فأعرف ما تخفيه صدور الناس} فأطرد هذا وأبقي هذا، ولا أقول إني ملك حتى تقولوا ما نراك إلا بشراً مثلنا
{ولا أقول للذين تزدري أعينكم} لفقرهم وضعفهم
{لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم} أي من صدق أو نفاق ومن حب لي أو بغض كأنهم طعنوا في المؤمنين واتهموهم بأنهم ينافقون أولهم أغراض فاسدة أو أطماع مادية من أجلها التفوا حول نوح، وقوله:
{إني إذاً لمن الظالمين} أي إني إذا قلت للمؤمنين من الضعفاء لن يؤتيكم الله خيرا كنت بعد ذلك من الظالمين الذين يعتدون على الناس بهضمهم حقوقهم وامتهان كرامتهم.
.من هداية الآيات:
1- كُرهُ الشيء يجعل صاحبه لا يراه ولا يسمعه ولا يفهم ما يقال له فيه.
2- كراهية أخذ الأجرة على الدعوة والتربية والتعليم الديني.
3- وجوب احترام الضعفاء وإكرامهم وحمة احتقارهم وازدرائهم.
4- عليم الغيب استأثر الله تعالى به دون سائر خلقه إلا من علمه الله شيئا منه فإِنه يعلمه.
5- حرمة غمط الناس وازدرائهم والسخرية منهم.
.تفسير الآيات (32- 34):
{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)}.شرح الكلمات:
{جادلتنا}: أي خاصمتنا تريد إسقاطنا وعدم اعتبارنا في ديننا وما نحن عليه.
{بما تعدنا}: أي من العذاب إن لم نؤمن بما تدعونا إليه.
{إن كنت من الصادقين}: أي في دعواك النبوة والإِخبار عن الله عز وجل.
{بمعجزين}: أي بغالبين ولا فائتين الله تعالى متى أراد الله عذابكم.
{نصحي}: أي بتخويفي إياكم عذاب ربكم إن بقيتم عل الكفر به وبلقائه ورسوله.
{أن يغويكم}: أي يوقعكم في الضلال ويبقيكم فيه فلا يهديكم أبدا.
.معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة نوح عليه السلام مع قومه فأخبر تعالى عن قول قوم نوح له عليه السلام: فقال:
{قالوا يا نوح قد جادلتنا} أي خاصمتنا وأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين أي فعجل العذاب وأنزله علينا إن كنت من الصادقين فيما تقول وتدعو وتعد. فأخبر تعالى عن قول نوح لهم ردا على مقالتهم وهو ما علمه ربه تعالى أن بقوله: فقال:
{قل إنما يأتيكم به الله} أي بالعذاب الله إن شاء ذلك.
{وما أنتم بمعجزين} أي فائتين الله ولا هاربين منه. وقوله:
{ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون}. أي إن نصحي لا ينفعكم بمعنى أنكم لا تقبلونه مهما أردت ذلك وبالغت فيه إن كان الله جل جلاله يريد أن يغويكم لما فرط منكم وما أنتم عليه من عناد وكفر ومجاحدة ومكابرة إذ مثل هؤلاء لا يستحقون هداية الله تعالى بل الأولى بهم الضلالة حتى يهلكوا ضالين فيشقوا في الدار الآخرة. وقوله تعالى:
{هو ربّكم وإليه ترجعون} أي فالأمر له ألستم عبيده وهو ربكم إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم وإن كانت حكمته تنفي أن يعذب الصالحين ويرحم الغواة الظالمين.
.من هداية الآيات:
1- مشروعية الجدال لإِحقاق الحق وإبطال الباطل. بشرط الأسلوب الحسن.
2- إرادة الله تعالى قبل كل إرادة وما شاءه الله يكون وما لم يِشأه لم يكن.
3- لا ينفع نصح الناصحين ما لم يرد الله الخير للمنصوح له.
4- ينبغي عدم إصدار حكم على عبد لم يمت فيعرف بالموت مآله. إلاَّ قول الله أعلم به.