الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد
.تفسير الآية رقم (28): {أَمْوَالُكُمْ} {وَأَوْلادُكُمْ} (28)- إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْطَاكُمُ الأَمْوَالَ وَالأَوْلادَ لِيَخْتَبِرَ إِيمَانَكُمْ، وَلِيَرَى هَلْ تَشْكُرُونَ رَبَّكُمْ عَلَيْها، وَتُطِيعُونَهُ فِيهَا، أَمْ تَشْتَغِلُونَ بِهَا عَنْهُ، وَتَعْتَاضُونَ بِهَا مِنْهُ؟ وَثَوابُ اللهِ وَعَطَاؤُهُ وَجَنَّاتُهُ خَيْرٌ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ، فَالأَوْلادُ قَدْ يَكُونُ مِنْهُمْ عَدُوٌّ لَكُمْ، وَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ لا يُغْنُونَ عَنِ الإِنْسَانِ شَيْئاً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَدَى اللهِ الثَّوَابُ الجَزِيلُ الذِي يُغْنِي الإِنْسَانَ عَنِ المَالِ وَالوَلَدِ. فِتْنَةٌ- اخْتِبَارٌ وَابْتِلاءٌ. .تفسير الآية رقم (29): {يِا أَيُّهَا} {آمنوا} (29)- يُخْبِرُ تَعَالَى النَّاسَ أَنَّهُمْ إِذَا آمَنُوا بِهِ وَاتَّقُوا، فَاتَّبَعُوا أَوَامِرَهُ، وَانْتَهُوا عَنْ زَوَاجِرِهِ، جَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ فَرَجاً، وَمِنْ ضِيقِهِمْ مَخْرَجاً، وَجَعَلَ لَهُمْ نُوراً وَهُدًى (فُرْقَاناً) يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَبَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَكَفَّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَغَفَرَ ذُنُوبَهُمْ، وَاللهُ عَظِيمُ الفَضْلِ وَالإِحْسَانِ، جَزِيلُ الثَّوَابِ، يُثيبُ عَلَى القَلِيلِ، وَيَتَجَاوَزُ عَنِ الكَثِيرِ. فُرْقَاناً- هِدَايَةً وَنُوراً، أَوْ نَجَاةً وَمَخْرَجاً. .تفسير الآية رقم (30): {الماكرين} (30)- تآمَرَ المُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُرِيدُونَ سَجْنَهُ أَوْ قَتْلَهُ أَوْ إِخْرَاجَهُ مِنْ مَكَّةَ، فَأَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِخِطَّتِهِمْ. وَجَاءَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَمَرَهُ بِأَلا يَبيتَ فِي مَكَانِهِ الذِي يَبِيتُ فِيهِ، فَدَعَا الرَّسُولُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيتَ فِي فِرَاشِهِ، وَيَتَسَجّى بِبُرْدِهِ فَفَعَلَ. ثُمَّ خَرَجَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَالقَوْمُ الذِينَ كُلِّفُوا بِقَتْلِهِ وَاقِفُونَ بِالبَابِ، وَكَانَ مَعَهُ حَفْنَةٌ مِنْ تُرَابٍ، فَجَعَلَ يَذْرُوهَا عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَأَخَذَ اللهُ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْهُ وَهُوَ يَقْرَأ سُورَة (يس). وَذَكَرَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ يُخَطِّطُونَ وَيَمْكُرُونَ وَيُدَبِّرُونَ لإِيقَاعِ الأَذَى بِكَ وَبِالمُؤْمِنِينَ، وَاللهُ يَمْكُرُ بِهِمْ، وَيُدَبِّرُ مَا يُفْسِدُ تَدْبِيرَهُمْ، وَيُعَطِّلُ مَكْرَهُمْ، وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ لأنَّ مَكْرَهُ نَصْرٌ لِلْحَقِّ، وَإِعْزَازٌ لأَهْلِهِ، وَخُذْلانٌ لِلْبَاطِلِ وَحِزْبِهِ. يَمْكُرُ اللهُ- أَيْ أَنَّ اللهَ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ المَاكِرِينَ. .تفسير الآية رقم (31): {آيَاتُنَا} {أَسَاطِيرُ} (31)- حِينَمَا كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يَتْلُو القُرْآنَ عَلَى كُفّارِ قُرَيشٍ كَانُوا يَقُولُونَ: قَدْ سَمِعْنا، لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنا مِثْلَهُ. وَلَكِنَّ أَحَداً مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَوْلَ شَيءٍ مِنْهُ، لأنَّ اللهَ تَعَالَى تَحَدَّاهُمْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ أَنْ يَأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ. وَكَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ يَقُومَ بِهِ مَجْلِسِهِ الذِي يَقْرَأ فِيهِ القُرْآنَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إلى رَبِّهِمْ، يَأْتِي النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ فَيَجْلِسُ مَكَانَ الرَّسُولِ، وَيُحَدِّثُ النَّاسَ بِأَسَاطِيرِ فَارِسَ وَالرُّومِ وَقَصَصِهِمْ القَدِيمَةِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: بِاللهِ أيُّنَا أَحْسَنُ قَصَصاً أَنَا أَوْ مُحَمَّدٌ؟ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ- أَكَاذِيبُهُمُ المَسْطُورَةُ فِي كُتُبِهِمْ. .تفسير الآية رقم (32): (32)- يُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا قَالَ النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ: إِنَّ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ: وَيلَكَ إِنَّهُ كَلامُ رَبِّ العَالَمِينَ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ.. وَمَعْنَى الآيَةِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا القُرْآنُ، وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ هُوَ الحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ لِتَهْدِيَ بِهِ عِبَادَكَ، كَمَا يَدَّعِي مُحَمَّدٌ، فَارْجُمْنَا بِحِجَارَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ أَنْزَلَ بِنَا عَذَابَكَ الأَليمَ. وَهَذا القَوْلُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ عُتُوَّ قُرَيْشٍ كَانَ كَبِيراً، وَعِنَادَها كَانَ بَالِغاً، إِذْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ هَذا القَوْلَ، وَهُوَ مِمَّا عِيبَ عَلَيهِمْ. وَلَوْ أنَّهُم قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَاهْدِنَا إِليهِ، وَوَفِّقْنَا لاتِّبَاعِهِ، لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ. .تفسير الآية رقم (33): (33)- وَمَا كَانَ مِنْ سُنَّةِ اللهِ، وَلا مِنْ مُقْتَضَى رَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ، وَأَنْتَ أَيّهَا الرَّسُولُ فِيهِمْ، لأنَّ اللهَ إِنَّمَا أَرْسَلَكَ رَحْمَةً وَنِعْمَةً، لا عَذاباً وَنَقْمَةً، وَأنَّ سُنَّتَهُ جَرَتْ ألا يُعَذِّبَ المُكَذِّبِينَ إلا بَعْدَ أنْ يَخْرُجَ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَظْهِرِهِمْ. وَرَوَى ابْنُ جُريرٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}. ثُمَّ خَرَجَ رَسُولَ اللهِ إلَى المَدِينَةِ، فَأَنْزَلَ تَعَالَى قَوْلَهُ: {وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فَكَانَ قَدْ بَقِيَ فَي مَكَّةَ جَمَاعَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَسْتَغْفِرُونَ اللهَ، فَلَمَّا خَرَجُوا أَنْزَلَ اللهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ الله وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام} فَأَذِنَ اللهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِفَتْحِ مَكَّةَ. (وَقِيلَ فِي مَعْنى: {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالبَيْتِ الحَرَامِ وَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ لبَّيْكَ، وَيَقُولُونَ: غُفْرانَكَ اللَّهُمَّ). .تفسير الآية رقم (34): (34)- إنَّهُمْ أَهْلٌ لأنْ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ لأنَّهُمْ يَصُدُّونَ المُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَنِ الصَّلاةِ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَالطَّوَافِ بِالكَعْبَةِ، وَلكِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُنْزِلْ بِهِم العَذَابَ لِبَرَكَةِ مَقَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، أَوْقَعَ اللهُ بَأْسَهُ فِيهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: وَهَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ الذِينَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ، لَيْسُوا هُمْ أَهْلَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ، فَهُمْ دَنَّسُوهُ بِالشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الأصْنَامِ، وَإِنَّمَا أَهْلُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ، الذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الوَلايَةِ عَلَيهِ، هُمُ النَّبِيُّ وَالمُسْلِمُونَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ المُشْرِكِينَ لا يَعْلَمُونَ هَذِهِ الحَقِيقَةَ. .تفسير الآية رقم (35): (35)- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ قُرَيْشاً كَانَتْ تَطُوفُ بِالبَيْتِ عُراةً تُصَفِّرُ وَتُصَفِّقُ، وَقِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِيَخْلِطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلاتَه. وَيُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ بِأنَّهُ سَيُذِيقُهُمُ العَذَابَ الأَلِيمَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، وَجَعْلِهِمِ الصَّلاةَ وَالطَّوَافَ لِلْعَبَثِ وَاللَّهْوِ وَالسُّخْرِيَةِ. مُكَاءً- صَفِيراً، مِنَ المُكَاءِ وَهُوَ التَّصْفِيرُ. تَصْدِيَةً- تَصْفِيقاً. .تفسير الآية رقم (36): {أَمْوَالَهُمْ} (36)- لَمَّا أصِيبَتْ قُرَيْشُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقُتِلَ قَادَةُ الشِّرْكِ وَزُعَمَاؤُهُ، رَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِالعِيرِ إلَى مَكَّةَ، وَهِيَ العِيرُ التِي أَنْقَذَتْهَا مَعْرَكَةُ بَدْرٍ، فَمَشَى أَبْنَاءُ مَنْ قُتِلُوا فِي بَدْرٍ وَإِخْوَتُهُمْ وَأَقْرِبَاؤُهُمْ إلى أَبِي سُفْيَانَ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُمْ فِي العِيرِ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّداً قَدْ وَتَرَكُمْ فَأَعِينُونَا بِهَذَا المَالِ عَلَى حَرْبِهِ لَعَلَّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْراً، بِمَنْ أُصِيبَ مِنَّا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ. وَفِي هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ إِنْفَاقَكُمْ المَالَ فِي سَبِيلِ قِتَالِ المُسْلِمِينَ، وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْعِ النَّاسِ مِنَ الدُّخُولِ فِي الإِسْلامِ لَنْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ إلاّ حَسْرَةً، وَلَنْ يُجْدِيَكُمْ نَفْعاً، فَإِنَّكُمْ سَتُغْلَبُونَ مَرَّةً أُخْرَى، وَسَيَحْشُرُكُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إلَى جَهنَّمَ، إِذَا مَا أَصْرَرْتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ، وَعَلَى مُعَانَدَةِ الرَّسُولِ وَالمُؤْمِنِينَ. حَسْرَةً- نَدَماً وَتَأسُّفاً. .تفسير الآية رقم (37): {أولئك} {الخاسرون} (37)- إِنَّ اللهَ تَعَالَى كَتَبَ لِعِبَادِهِ النَّصْرَ، وَكَتَبَ الحَسْرَةَ وَالخُذْلانَ لأَعْدَائِهِمْ وَلِمَنْ يُقَاتِلُهُمْ مِنَ الكُفَّارِ لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَذَلِكَ لِيَمِيزَ اللهُ الكَافِرَ الخَبِيثَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ، عَنِ المُؤْمِنِ الطَّيِّبِ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَلِيَجْمَعَ الكُفْرَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَيَقْذِفَهُ فِي جَهَنَّمَ، وَهَؤُلاءِ الذِينَ يَقْذِفُهُمْ فِي جَهَنَّمَ هُمُ الخَاسِرُونَ. فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً- فَيَجْعَلَهُ مُلْقىً بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ. .تفسير الآية رقم (38): {سُنَّةُ} (38)- قُلْ، أيُّها الرَّسُولُ، لِهَؤُلاءِ الكَافِرِينَ: إِنَّهُمْ إِنْ يَنْتَهُوا عَنْ أَعْمَالِهِمِ السَّيِّئَةِ، وَعَما هُمْ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالمُشَاقَّةِ وَالعِنَادِ، وَيَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ وَالطَّاعَةِ، يَغْفِرِ اللهُ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ، أمَّا إذا اسْتَمَرُّوا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ، وَعَادُوا إلى المُشَاقَّةِ وَالحَرْبِ وَالخِصَامِ، فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ فِي الكُفَّارِ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الأُمَمِ بِأنَّ مَصِيرَهُمْ سَيَكُونُ إلى الدَّمَارِ وَالخِذْلانِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ، وَإِلَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ فِي الآخِرَةِ. سُنَّةُ الأَوَّلِينَ- عَادَةُ اللهِ فِي المُكَذِّبِينَ لِرُسُلِهِ. .تفسير الآية رقم (39): {وَقَاتِلُوهُمْ} (39)- يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنْ يُقَاتِلُوا الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ حَتَّى لا يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَسْتَطِيعُ فِتْنَةَ المُؤْمِنِينَ، عَنْ دِينِهِمْ بِالعَذَابِ وَالإِيذَاءِ وَالتَّهْدِيدِ، وَحَتَّى يَكُونَ الدَّينُ كُلُّهُ للهِ. فَإذا انْتَهَى المُشْرِكُونَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ، وَكَفُّوا عَنْهُ (وَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا بِوَاطِنَهُمْ) فَكُفُّوا عَنْهُمْ، وَكِلُوا بِوَاطِنَهُمْ إلَى اللهِ، فَهُوَ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ. فِتْنَةٌ- شِرْكٌ أَوْ بَلاءٌ. .تفسير الآية رقم (40): {مَوْلاكُمْ} (40)- وَإِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى خِلافِهِمْ لَكُمْ، وَمُحَارَبَتِهِمْ إِيَّاُكْم فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاكُمْ وَنَاصِرُكُمْ عَلَى أَعْدَائِهِ وَأَعْدَائِكُمْ، وَهُوَ نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّاصِرُ، فَأيْقِنُوا بِنَصْرِ اللهِ لَكُمْ، وَهُوَ مُتَوَلِّي أُمُورِكُمْ، فَلا تُبَالُوا بِهِمْ، وَلا تَخْشَوْهُمْ. .تفسير الآية رقم (41): {اليتامى} {والمساكين} {آمَنْتُمْ} (41)- يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ طَرِيقَةَ قِسْمَةِ المَغَانِمِ التِي يَغْنَمُها المُسْلِمُونَ فِي الحَرْبِ. وَالغَنِيمَةِ هِيَ المَالُ المَأْخُوذُ مِنَ الكُفَّارِ بِإِيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ. أَمَّا الفَيْءُ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ (أَيْ بُدُونِ حَرْبٍ أَوْ بِدُونِ خُرُوجِ جُيُوشِ المُسْلِمِينَ إلَى الأَعْدَاءِ: كَالأَمْوَالِ التِي يُصَالِحُونَ عَلَيْهَا، أَوْ يَمُوتُونَ عَنْهَا دُونَ وَارِثٍ لَهُمْ، وَالخَرَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ). يَقُولُ تَعَالَى: اعْلَمُوا يَا أَيُّها المُؤْمِنُونَ أَنَّ كُلَّ مَا غَنِمْتُمُوهُ مِنَ الكُفَّارِ المُحَارِبِينَ فَاجْعَلُوا أوَّلاً خُمْسَهُ للهِ تَعَالَى لِيُنْفِقَ فِيمَا يُرْضِيهِ مِنْ مَصَالِحِ الدَّينِ العَامَّةِ: كَالدَّعْوَةِ لِلإِسْلامِ وَإِقَامَةِ شَعَائِرِهِ، وَعِمَارَةِ الكَعْبَةِ وَكِسْوَتِها، ثُمَّ أعْطُوا مِنْهُ لِلرَّسُولِ كِفَايَتَهُ لِنَفْسِهِ وَنِسَائِهِ مُدَّةَ سَنَةٍ، ثُمَّ أعْطُوا مِنْهُ ذَوِي القُرْبَى مِنْ أهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ نَسَباً وَوَلاءً (وَقَدْ خَصَّ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ بِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أَخِيهِ المُطَّلِبِ المُسْلِمِينَ)، ثُمَّ المُحْتَاجِينَ مِنْ سَائِرِ المُسْلِمِينَ، وَهُمُ اليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ، وَابْنُ السَّبِيلِ (وَهُوَ المُجْتَازُ الذِي نَفِدَتْ نَفَقَتُهُ). وَهَذا الخُمْسُ يُدْفَعُ لِلإمَامِ (بَعْدَ الرَّسُولِ) لِيَصْرِفَهُ فِي الوُجُوهِ المُبَيَّنَةِ فِي الآيَةِ. وَاليَتَامَى- هُمْ أَيْتَامُ المُسْلِمِينَ- وَقِيلَ: إِنَّ النَّصَّ عَامٌّ يَعُمُّ الأَغْنِيَاءَ مِنَ الأَيْتَامِ وَالفُقَرَاءَ. المَسَاكِينِ- هُمُ المُحْتَاجُونَ الذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يَسُدُّونَ بِهِ خَلَّتَهُمْ. وَابْنِ السَّبِيلِ- هُوَ المُسَافِرُ أَوْ المُريدُ السَّفَرَ مَسَافَةَ القّصْرِ (أَيْ المَسَافَةُ التِي يُبَاحُ فِيهَا قَصْرُ الصَّلاةِ) وَلَيْسَ لَهُ مَا يُنْفِقُهً فِي سَفَرِهِ. أَمَّا الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ البَاقِيَةُ فَهِيَ لِلْمُقَاتِلِينَ فَاعْلَمُوا ذَلِكَ، وَاعْمَلُوا بِهِ، إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ حَقّاً، وَآمَنْتُمْ بِمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ آيَاتِ التَّثْبِيتِ وَالمَدَدِ يَوْمَ الفُرْقَانِ الذِي فَرَقْنَا فِيهِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَالإِيمَانِ وَالكُفْرِ، وَهُوَ اليَوْمُ الذِي الْتَقَى فِيهِ جَمْعُكُمْ مَعْ جَمْعِ المُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ، وَاللهُ عَظِيمُ القُدْرَةِ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. يَوْمَ الفُرْقَانِ- يَوْمَ بَدْرٍ الذِي فَرَقَ اللهُ فِيهِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ.
|