الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد
{عَاقِبَةُ} (14)- وَجَحَدُوا بالآياتِ التي جَاءَتْهُمُ مِنْ عِنْدِ اللهِ على يَدَيْ مُوسى، وكانَ جُحودُهُم بها ظُلْماً منْ عندِ أنفُسِهِمْ، واسْتِكْبَاراً عن اتِّباعِ الحَقِّ (عُلُوّاً)، وَهمْ يَعلَمُونَ أنّها حقٌّ وصِدْقٌ، وأَنَّ مَنْ جَاءَ بها هُوَ رَسُولُ الهِ حَقّاً وصِدْقا، وإنْ قَالُوا عنهُ: سَاحِرٌ. فأهْلَكَهُمُ اللهُ جميعاً في صَبِيحةٍ واحدةٍ. فانظُرْنا يا محمَّدُ كيفَ كَانَتْ عَاقِبةُ أمْرِ هؤلاءِ المكَذَّبينَ المُفْسِدينَ في الأرض، فاحْذَرُوا يا مَنْ تُكَذِّبونَ مَحمَّداً رَسُولَ اللهِ أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصَابَهُمْ. عُلُوّاً- تَرَفُّعاً واسْتِكْبَاراً عنِ الإِيمانِ بِها.
{آتَيْنَا} {دَاوُودَ} {سُلَيْمَانَ} (15)- يُخبِرُ اللهُ تَعالى عَمَّا أنْعَمَ بهِ على عَبْدَيْهِ داودَ وسُليمانَ عَلَيهما السَّلامُ، مِنَ النِّعم والمواهِبِ الجَلِيلةِ، وَمَا جَمَعَ لَهُما من سَعَادةِ الدُّنْيا والآخِرَةِ، والمُلْكِ والنُّبوَّةِ، فحَمِدَا الله تعالى على فَضْلِهِ، وَأَثْنَيَا عليهِ بما هُوَ أهْلُهُ، لِمَا تَفَضَّلَ بهِ عليهِما من تَفْضيلِهِ إياهُما على كثيرٍ من عبادِهِ بالعِلْمِ والشريعَةِ ودِرَاسَةِ الأحْكَامِ والنُّبُوَّةِ. فقد عَلَّمَ اللهُ داودَ صَنْعَةَ الدُّرُوعِ، وعَلَّمَ سُليمانَ مَنْطِقَ الطَّيرِ، وَالحيَواناتِ، وَتَسبِيحَ الجِبَالِ، وَسَخَّر لَهُ الجِنَّ والشَّيَاطِينَ.
{سُلَيْمَانُ} {دَاوُودَ} {ياأيها} (16)- وَوَرِثَ سُليمانُ أيَاهُ دَاودَ في المُلْكِ والنُّبُوَّةِ (وَلَيْسَ المُرادُ بالوِرَاثة هُنا وِرَاثةَ المالِ لأَن الأنْبياء لا يُوَرِّثُونَ أَمْوالَهُمْ). وَأخبرَ سُليمانُ مَنْ حَوْلَهُ بما أنْعَمَ اللهُ عَليهِ، وَبمَا وَهَبَهُ مِنَ المُلْكِ العَظِيمِ، حَتَّى إِنَّهُ سَخَّرَ لهُ الإِنْسَ والجِنَّ والطَّيرَ، وكانَ يعرِفُ سلُغَةَ الطَّيرِ والحَيَوانَاتِ، وَأُعْطِيَ كُلَّ مَا يَحتَاجُ إِليهِ المُلْكُ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ الظاهِرِ البَيِّن عليْهِ. مَنْطِقَ الطيرِ- فَهْمَ أَغْرَاضِهِ كُلِّها مِنْ أَصْوَاتِهِ.
{لِسْلَيْمَانَ} (17)- وَجُمِعَ لِسُلَيمانَ جُنودُهُ مِنَ الجنِّ والإِنسِ والطَّيرِ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَرَكِبَ فيهمْ في أُبَّهةٍ عظيمةٍ ليُحَارِبَ بهِمْ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ في طَاعَةِ اللهِ، وَكَانَ يَتَولَّى أَمرَ كُلِّ فِئةٍ وازِعُونَ مِنْهُمْ يُلْزِمُونَ كلَّ واحدٍ مَكَانَهُ، لكيْلا يَتَقَدَّمَ عنْهُ في الموْكِبِ، أثْنَاءَ السَّيْرِ. يُوزَعُونَ- يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ حَتَّى يَكْتَمِلَ جَمْعُهُمْ وَيَبْقَوْنَ كُتْلَةً وَاحِدَةً.
{وَادِ} {ياأيها} {مَسَاكِنَكُمْ} {سُلَيْمَانُ} (18)- حَتَّى إِذا مَرَّ سُلَيمانُ بمنْ مَعَهُ مِنَ الجُنْدَ عَلى وَادٍ للنَّمْلِ قَالَتْ نملةٌ لِصَحْبِهَا: ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ، فإِنَّ سُليمانَ وَجُنُودَهُ قَدْ يَحْطِمُونَكُمْ وهُمْ لا يَشْعُرونَ بِوُجُودِكُمْ، وَلا يَفْعَلُونَ من تَحْطِيمِكُمْ. يَحْطِمَنَّكُمْ- يُدُوسُكُمْ ويُهْلِكُكُمْ.
{وَالِدَيَّ} {صَالِحاً} {تَرْضَاهُ} {الصالحين} (19)- فَفهِمَ سُلَيمانُ مَا قَالَتْهُ النَّملةُ لجمَاعَةِ النَّمْلِ، فَتَبَسَّمَ مُتَعَجِّباً مِنْ حَذَرِهَا، وَمِنْ تَحْذِيرها جَمَاعَتَهَا، وَسُرَّ بما خَصَّهُ الله بهِ مِنْ فَهْمِ قَوْلِها، وَسَأَلَ رَبَّهُ أنْ يُلْهِمَهُ شُكْرَهُ على مَا أنْعَمَ بهِ عليهِ وَعَلى والِدَيْهِ، وأنْ يُيَسِّرَهُ لِلعَمَلِ الصَّالِحِ الذي يَرْضَاهُ اللهُ لَهُ. وَسَأَلَ رَبَّهُ أنْ يَجْعَلَهُ في عِبَادِهِ الصَّالِحينَ، وأنْ يُدخِلَهُ في رَحمَتِهِ. أوْزِعْنِي- أَلْهِمْنِي واحْمِلْنِي.
{الغآئبين} (20)- قالَ ابنُ عباسٍ: كَانَ الهُدْهُدُ يَدُلُّ سُلَيْمَانَ عَلَى مَواقِعِ الماءِ في بَاطِنِ الأَرضِ فَيَأْمُرُ سُليمانُ الجِنَّ بالحَفْرِ لِيُسْتنبَطَ الماءُ. وفي يومٍ نَزَلَ سليمانُ في أرض فَلاةٍ فَتَفَقَّدَ لِيَرَى الهُدْهُدَ، فَلَمْ يَرَهُ فَسَألَ عَنْهُ، وقالَ: مَا لِيَ لا أَرى الهُدْهُدَ، هَلْ أخْطَأَهُ بَصَرِي منَ الطَّيْرِ، أمْ إِنَّهُ غابَ فَلَمْ يَحْضُرْ؟ وَلمْ أشْعُرْ بِغَيْبَتِهِ.
{لأَذْبَحَنَّهُ} {بِسُلْطَانٍ} (21)- فَقَالَ سُلَيمانُ إِنهُ سَيُعَذِّبُ الهُدْهُدَ عَذَاباً شَدِيداً بِنَتْفِ ريشِهِ وَتَرْكِهِ لِيَأْكُلَهُ الذَّرُّ والنَّمْلُ، أَوْ إنَّهُ سَيقْتُلُهُ إذا لمْ يَأْتِ بِعُذْرٍ مُقْنِعٍ مَقْبُولٍ (مبينٍ)، يَبَرِّرُ بِهِ غَيْبَتَهُ. بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ- بِحُجَّةٍ وَمعْذِرَةٍ تُبَرِّرُ غَيْبَتَهُ.
{سَبَإٍ} {بِنَبَإٍ} (22)- فَغَابَ الهُدْهُدُ زَمَناً يَسيراً (فَمَكَثَ غيرَ بعيدٍ) بَعْدَ أنْ سَأَلَ سُليمانُ عنْهُ، ثمَّ جَاءَ فَقالَ لِسُلِيمانَ: لَقَد اطَّلَعْتُ عَلَى مَا لَمْ تَطَّلِعْ عَليهِ أنْتَ وَجُنودُكَ، وَجئتُكَ مِن سَبَأٍ بِنَبَأٍ صَادِقٍ حَقٍّ (يقينٍ). بِنَبَأٍ- بِخَبَرٍ. سَبَأٍ- مدينةٍ في اليَمَنِ.
(23)- لقدْ وَجَدْتُ امْرأةً تَملِكُهُمْ، وأُوْتِيَتْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيا كُلَّ ما يَحتاجُ إليهِ المَلِكُ المُتَمَكِّنُ، ولها سَريرُ مُلْكٍ عَظيمٌ تَجْلِسُ عليهِ (عَرشٌ)، وهوَ موجودٌ في بِناءٍ ضَخْمٍ تَدْخُلُهُ الشَّمْسُ مِنْ طَاقَةٍ، وتَغْرُبُ مِنهُ منْ طَاقَةٍ أُخْرى فَيَسْجُدونَ لِلشَّمْسِ صَباحاً وَمَسَاءً.
{الشيطان} {أَعْمَالَهُمْ} (24)- لقدْ وَجَدْتُها وَقَومَهَا يَعبُدُونَ الشَّمْسَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَيسْجُدُونَ لَها، وقَدْ أَضَلَّهُمُ الشَّيطَانُ عنِ الطَّريقِ السَّوِيِّ، فهُمْ لا يَهْتَدُونَ إلى الحَقِّ.
{السماوات} (25)- وقدْ صَدَّهُمُ الشَّيطَانُ عنِ السَّبيلِ السَّوِيِّ حَتَّى لا يَسْجُدُوا للهِ الذِي يُخرِجُ المَخْبُوءَ في السَّماواتِ والأرضِ، وَمَا جَعَلَ فيها من الأَرْزَاقِ: المَطرِ، والماءِ مِنَ السَّماواتِ والنَّبَاتِ مِنَ الأرْضِ، وَيَعْلَمُ مَا يُخفِيهِ العِبَادُ، ومَا يُعْلِنُونَهُ مِنَ الأَقْوَالِ والأَفْعالِ. الخَبْءَ- المَخْبُوءَ، المَسْتُورَ أَياً كَانَ.
(26)- فهوَ اللهُ الذي لا إِلَه إلا هُوَ، وَلا تَصْلُحُ العِبَادَةُ إِلا لَهُ، وَهُوَ ربُّ العَرشِ العظيمِ، وَكَلُّ عَرْشٍ وَإِنْ عَظُمَ فَهو دُونَهُ، فَأَفْرِدُوهُ بالطَّاعَةِ، ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَيُرْوَى أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ الهُدْهُدِ لأَنَّهُ دَاعِيَةٌ إِلى الخَيرِ، وَإِلَى عِبَادَةِ اللهِ تَعَالى. رَوَاهُ أحمدُ وابنُ مَاجَه وأَبو دَاودَ.
{الكاذبين} (27)- فَقَالَ سُلَيمانُ للهدهُدِ: سَنَنْظُرُ فيما قُلْتَهُ أَصَدَقْتَ فيما أَخْبَرْتَ بِهِ، أَمْ كَذَبْتَ للتَّخَلُّصِ مِنَ العِقَابِ الذي أوْعَدْتُكَ بهِ؟
{بِّكِتَابِي} (28)- فَكَتَبَ سُليمانُ كِتَاباً إِلى بلْقِيسَ مَلِكَةِ سَبَأٍ، وأمَرَ الهُدْهُدَ بحَمْلِهِ إليها، وبإِلْقَائِه بينَ يَدَيْها، ثُمَّ أَمَرَهُ بالتَّنَحي عنهُمْ جَانِباً لِيُلاحِظَ ما ستفْعَلُهُ بالكتابِ، وماذا يكونُ رَدُّهَا عليهِ، فحمَلَ الهُدْهُدْ الكِتَابَ إليْها، وأَلقاهُ بينَ يدَيْها. ولما فَتحتْهُ وقرأَتْهُ، استَدْعَتْ كِبَارَ رِجَالِ دَولَتِها، لتُشَاوِرًهُمْ في الأمْرِ. تَوَلَّ عنهمْ- تَنَحَّ عنهُمْ قَليلاً.
{ياأيها} {الملأ} {كِتَابٌ} (29)- فَقَصَّتْ على رِجَالِ دَوْلَتِها خبرَ الكتاب الذِي أُلْقِيَ إليْهَا، وَوَصَفَت الكتَابَ بأَنَّهُ كريمٌ، لأنَّها رَأتْ طائِراً يَحْمِلُهُ إليها، وَيُلْقِيهِ بين يديْهَا، ثم يَقِفُ جَانِباً مَتأَدِّباً، وهذا شيءٌ لا يَفْعَلُهُ البَشَرُ عَادَةً.
{سُلَيْمَانَ} (30)- وقدْ جَاءَ في الكِتَابِ إِنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ سُليمانَ نَبيِّ اللهِ، وَمُبْادَأٌ باسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحِيمِ.
(31)- ثمَ طَلَبَ إِليها سُليمانُ في الرِّسَالَىِ أَلا تَتَكَبَّرَ هِيَ وقَوُمُها عَلَيهِ، وأَنْ يَأتُوهُ طَائِعينَ مُسْتَسْلِمِينَ. ألا تَعْلُوا عَلَيَّ- لا تَتَكَبَّرُوا عَلَيَّ. مُسْلِيمنَ- مُؤْمِنِينَ مُنْقَادِينَ مُسْتَسْلِمِينَ.
{ياأيها} {الملأ} (32)- ولما قَرَأَتْ عَليهمْ كِتَابَ سُلَيمانَ واسْتَشَارَتْهُمْ في أَمْرِهَا، وكَيْفَ تَفَعَلُ، قَالَتْ لَهمْ إِنَّهَا لا تَقْطَعُ بأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدَّوْلَةِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا إِليْها، ويُشِرُوا عَلَيها فِيهِ. تَشْهُدُونَ- تَحْضُرُونَ، أَو تُشِيرُون عليَّ.
|