فصل: تفسير الآية رقم (24):

صباحاً 1 :9
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (19):

{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)}
{وَيَآءَادَمُ} {الظالمين}
(19)- وَقَالَ اللهُ تَعَالَى لآدَمَ: اسْكُنْ يَا آدَمُ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ، وَأَبَاحَ لَهُمَا أَنْ يَأْكُلا مِنْ جَمِيعِ ثِمَارِهَا، إِلا شَجَرَةً وَاحِدَةً نَهَاهُمَا اللهُ عَنِ الاقْتِرَابِ مِنْهَا، وَقَالَ لَهُمَا إِنَّهُمَا إِذَا اقْتَرَبَا مِنْهَا وَأَكَلا مِنْ ثَمَرِهَا، كَانَا مِنَ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ.
وَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَاهُ ذلِكَ الصَّنِيعَ الجَمِيلَ مِنَ اللهِ بِآدَمَ وَزَوْجِهِ، أَخَذَهُ الحَسَدُ وَالغَيْرَةُ، وَسَعَى، بِالمَكْرِ وَالوَسْوَسَةِ، لِيَسْلبَهُمَا مَا هُمَا فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ، وَاللِّبَاسِ الحَسَنِ.

.تفسير الآية رقم (20):

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)}
{الشيطان} {وُورِيَ} {سَوْءَاتِهِمَا} {نَهَاكُمَا} {الخالدين}
(20)- وَأَخَذَ إِبْلِيسُ يُحَرِّضُهُمَا عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ رَبِّهِمَا، وَيَحُثُّهُمَا، وَيُزَيِّنُ لَهُمَا الأَكْلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، لِيَسْلِبَهُمَا لِبَاسَهُمَا الحَسَنَ، وَقَالَ لَهُمَا: إنَّ اللهَ نَهَاكُمَا عَنِ الأَكْلِ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لِكَيْلا تُصْبِحَا مَلَكَيْنِ بِأَكْلِكُمَا مِنْهَا، لَكُمَا خَصَائِصُ المَلائِكَةِ وَمَزَايَاهُمْ، أَوْ تُصْبِحَا مِنَ الخَالِدِينَ فِي الجَنَّةِ، الذِينَ لا يَمُوتُونَ أَبَداً، وَلا يَنْقَطِعُ نَعِيمُهُم فِيهَا أَبَداً.
الوَسْوَسَةُ- الصَّوْتُ الخَفِيُّ المُكَرَّرُ. وَوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ لِلْبَشَرِ هِيَ مَا يَجِدُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الخَوَاطِرِ السَّيِّئَةِ التِي تُزَيِّنُ لَهُمْ فِعْلَ القَبِيحِ.
سَوْءَاتِهِمَا- عَوْرَاتِهِمَا.
مَا وُورِيَ عَنْهُمَا- مَا سُتِرَ وَغُطَّيَ عَنْهُمَا.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}
{الناصحين}
(21)- وَحَلَفَ لَهُمَا بِاللهِ إِنَّهُ نَاصِحٌ لَهُمَا فِيمَا رَغَّبَهُمَا فِيهِ مِنَ الأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالأَيْمَانِ المُغَلَّظَةِ، إذْ كَانَ عِنْدَهُمَا مَحَلَّ الشَّكِّ وَالظِّنَّةِ لأنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ عَدُوٌّ لَهُمَا.
قَاسَمَهُمَا- أَقْسَمَ لَهُمَا وَحَلَفَ.

.تفسير الآية رقم (22):

{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
{فَدَلاهُمَا} {سَوْءَاتُهُمَا} {وَنَادَاهُمَا} {الشيطآن}
(22)- فَمَا زَالَ إِبْلِيسُ يُخَادِعُهُمَا، وَيُرَغِّبُهُما فِي الأَكْلِ مِنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ، وَيُقْسِمُ لَهُمَا بِاللهِ أَنَّهُ نَاصِحٌ لَهُمَا، حَتَّى حَطَّهُمَا عَمَّا كَانَا عَلَيهِ مِنْ سَلامَةِ الفِطْرَةِ وَطَاعَةِ اللهِ، وَنَسِيَا النَّهْيَ (كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى- فَنَسِيَ وَلَمْ نَجدْ لَهُ عَزْماً). فَلَمَّا أَكَلا مِنَ الشَّجَرَةِ التِي نَهَاهُمَا اللهُ عَنْهَا، تَعَرَّيَا مِمّا كَانَ يَسْتُرُ سَوْآتِهِمَا (عَوْرَاتِهِمَا) فَبَدَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَوْرَةُ الآخرِ، وَكَانَتْ قَبْلاً مَسْتُورَةً عَنْهُ. فَنَبَّهتْهُمَا إلَى مَا كَانَ خَفِيَ عَنْهُمَا مِنْ أَمْرِهَا، فَخَجِلا مِنْ ظُهُورِهَا، وَشَعَرَا بِالحَاجَةِ إِلى سَتْرِهَا، فَأَخَذَا يُلْصِقَانِ عَلَى عَوْرَاتِهِمَا (يَخْصِفَانِ) مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ لِسَتْرِهَا.
وَسَأَلَ اللهُ تَعَالَى آدَمَ عَنْ أَسْبَابِ مُخَالَفَتِهِمَا لأَمْرِهِ، وَأَكْلِهِمَا مِنَ الشَّجَرَةِ التِي نَهَاهُمَا اللهُ عَنْها، وَذكَّرَهُ بِمَا سَبَقَ أَنْ قَالَهُ مِنْ أَنَّ إِبْلِيسَ عَدُوٌّ لَهُ وَلِزَوْجِهِ بَيِّنُ العَدَاوَةِ، وَبِمَا حَذَّرَهُ مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ مُعْتَذِراً: (وَعِزَّتِكَ مَا حَسِبْتُ أَحَداً يَحْلِفُ بِكَ كَاذِباً أَبَداً).
دَلَّى الشَّيءَ تَدْلِيَةً- أَرْسَلَهُ إِلى أَسْفَلَ.
فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ- فَأَنْزَلَهُمَا عَنْ رُتْبَةِ الطَّاعَةِ بِخِدَاعِ.
يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا- يُلْصِقَانَ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ لِسَتْرِ عَوْرَاتِهِمَا.
السَّوْءَةُ- مَا يَسُوءُ ظُهُورُهُ وَهِيَ هُنَا العَوْرَةُ.
الغُرُورُ- الخِدَاعُ وَالبَاطِلُ.

.تفسير الآية رقم (23):

{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}
{الخاسرين}
(23)- فَقَالَ آدَمُ وَزَوْجُهُ نَادِمَيْنِ مُتَضَرِّعَيْنِ: رَبَّنَا إِنَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا بِطَاعَتِنَا لِلشَّيْطَانِ، وَمَعْصِيَتِنا لأَمْرِكَ، وَقَدْ أَنْذَرْتَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا مَا ظَلَمْنَا بِهِ أَنْفُسَنَا، وَتَرْحَمْنَا بِالرِّضا عَنَّا، وَتُوَفِقْنَا لِلهِدَايَةِ، وَتَرْكِ الظُّلْمِ، لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ لأَنْفُسِنَا.
(وَهَذِهِ هِيَ الكَلِمَاتُ التِي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ مُعْتَذِراً لِيَغْفِرَ لَهُ).

.تفسير الآية رقم (24):

{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}
{مَتَاعٌ}
(24)- فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى آدَمَ وَحَوَاءَ وَإِبْلِيسَ بِالهُبُوطِ مِنَ الجَنَّةِ إلَى الأَرْضِ، وَقَالَ لَهُمْ إنَّ إِبْلِيسَ سَيَكُونُ عَدُوَاً لِبَنِي آدَمَ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ لا يَغْفُلُوا عَنْ عَدَاوَتِهِ وَوَسْوَسَتِهِ، وَسَيَكُونُ لِلْجَمِيعِ قَرَارٌ عَلَى الأَرْضِ، وَمَعَاشٌ وَانْتِفَاعٌ بِمَا فِيهَا، وَسَتَكُونُ لَهُمْ أَعْمَارٌ مَضْرُوبَةٌ إلى آجَالِ مَعْلُومَةٍ.

.تفسير الآية رقم (25):

{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}
(25)- وَقَدْ جَعَلَ اللهُ الأَرْضَ لِبَنِي آدَمَ دَاراً مُدَّةَ حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، فِيهَا مَحْيَاهُمْ، وَفِيهَا مَمَاتُهُمْ، وَفِيهَا قُبُورُهُمْ، وَمِنْهَا نُشُورُهُمْ.

.تفسير الآية رقم (26):

{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
{يابني ءَادَمَ} {يُوَارِي} {سَوْءَاتِكُمْ} {آيَاتِ}
(26)- يَمْتَنُ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ اللِّبَاسِ (وَهُوَ مَا يُلْبَسُ لِسَتْرِ العَوْرَةِ)، وَمِنَ الرِّيشِ (وَهُوَ مَا يُتَجَمَّلُ بِهِ ظَاهِراً). ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى لَهُمْ إنَّ خَشْيَةَ اللهِ، وَالخُوْفَ مِنْهُ، هُمَا أَفْضَلَ مَا يَكْسِبُهُ الإِنْسَانُ وَيَلْبَسُهُ.
وَذَلِكَ الذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ النِّعَمِ بِإِنْزَالِ المَلابِسِ هُوَ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَدَلائِلِ إِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى بَنِي آدَمَ.
(وَقِيلَ بَلِ المَقْصُودُ بِلِبَاسِ التَّقْوَى- هُوَ مَا يُلْبَسُ مِنَ الدُّرُوعِ وَالمَغَافِرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُتَّقَى بِهِ البَأْسُ فِي الحَرْبِ).
الرِّيشُ- لِبَاسُ الحَاجَةِ وَالزِّينَةِ.
أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ- أَعْطَيْنَاكُمْ وَوَهَبْنَا لَكُمْ.
لِبَاسُ التَّقْوى- الإِيمَانُ وَثَمَرَاتُهُ.

.تفسير الآية رقم (27):

{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}
{يابني ءَادَمَ} {الشيطان} {سَوْءَاتِهِمَآ} {يَرَاكُمْ} {الشياطين}
(27)- يُحَذِّرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ مِنْ إِبْلِيسَ وَجَمَاعَتِهِ (قَبِيلِهِ)، وَيُذَكِّرُهُمْ بِعَدَاوَتِهِ القَدِيمَةِ لآدَمَ وَزَوْجِهِ، حِينَمَا سَعَى فِي إِخْرَاجِهِمَا مِنَ الجَنَّةِ، دَارِ السَّعَادَةِ وَالهَنَاءِ، إلَى الأَرْضِ دَارِ الشَّقَاءِ، وَتَسَبَّبَ فِي هَتْكِ سِتْرِهِمَا، وَكَشْفِ عَوْرَاتِهِمَا، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً عَنْهُمَا، وَلِذَلِكَ فَإنَّ بَنِي آدَمَ عَلَيْهِمْ ألا يُمَكِّنُوا إِبْلِيسَ مِنْ خِدَاعِهِمْ، وَإِيقَاعِهِمْ فِي المَعَاصِي بِوَسْوَسَتِهِ، فَإِبْلِيسُ يَرَى البَشَرَ فِي حِينِ أَنَّهُمْ لا يَرَوْنَهُ هُمْ. وَالشَّيَاطِينُ هُمْ أَوْلِيَاءُ وَأَخِلاءُ وَأَصْحَابٌ لِلْكُفَّارِ الذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ مِنَ الإِنْسِ، لاسْتِعْدَادِهِمْ لِتَقَبُّلِ وَسْوَسَةِ الشَّيَاطِينِ وَإِغْوَائِهِمْ. أَمَّا المُؤْمِنُونَ المُخْلِصُونَ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ.
لا يَفْتِنَنَّكُمْ- لا يُضِلَّنَّكُمْ وَلا يَخْدَعَنَّكُمْ.
يَنْزِعُ عَنْهُمَا- يُزِيلُ عَنْهُمَا.
قَبِيلُهُ- جُنُودُهُ أَوْ ذُرِّيَتُهُ.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}
{فَاحِشَةً} {آبَاءَنَا}
(28)- وَإِذَا فَعَلَ المُكَذِّبُونَ أَمْراً بَالِغَ النُّكْرِ، كَالشِّرْكِ، وَالطَّوَافِ، بِالبَيْتِ عُرَاةً، اعْتَذَرُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: إنَّهُمْ وَجَدُوا آبَاءَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَهُمْ يَسِيرُونَ عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدِينَ بِهِمْ، وَاللهُ أَمَرَهُمْ بِهِ، وَرَضِيَ لَهُمْ عَنْ فِعْلِهِ، إِذْ أَقَرَّهُمْ عَلَيهِ.
وَيَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مُنْكِراً مَا يَفْتَرُونَ: إنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِهذِهِ الأُمُورِ المُنْكَرَةِ، فَكَيْفَ يَنْسُبُونَ إِلَيهِ تَعَالَى مَا لا يَجِدُونَ دَلِيلاً عَلَى صِحَّةِ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ؟
فَعَلُوا فَاحِشَةً- فَعَلُوا فِعْلاً مُتَنَاهِياً فِي القُبْحِ.

.تفسير الآية رقم (29):

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}
(29)- وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ: أَمَرَ رَبِّي بِالاسْتِقَامَةِ وَالعَدْلِ فِي كُلِّ الأُمُورِ (بِالقِسْطِ)، فَأَقْسِطُوا وَتَوَجَّهُوا إلَى اللهِ بِخُشُوعٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ تَعْبُدُونَهُ فِيهِ، وَأَخْلِصُوا فِي عِبَادَتِهِ، وَكَمَا خَلَقَ اللهُ النَّاسَ وَلَمْ يَكُونُوا شَيْئاً، كَذَلِكَ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْشُرَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُعِيدَهُمْ إلى الحَيَاةِ، ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ وَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ.
وَاللهُ لا يَتَقَبَّلُ العَمَلَ مِنَ العَبْدِ إلا إِذَا كَانَ مُسْتَجْمِعاً أَمْرَينِ:
- الصَّوابَ وَمُوَافَقَةِ الشَّرِيعَةِ.
- وَأَنْ يَكُونَ خَالِصاً لِوَجْهِ اللهِ بَعِيداً عَنِ الشِّرْكِ.
بِالقِسْطِ- بِالعَدْلِ- وَهُوَ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ للهِ.
أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ- تَوَجَّهُوا إِلَى عِبَادَتِهِ مُسْقَيمِينَ.
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ- فِي كُلِّ مَكَانِ سُجُودٍ.

.تفسير الآية رقم (30):

{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}
(30)- وَكَمَا بَدَأَ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ خَلْقَاً وَتَكْوِيناً بِقُدْرَتِهِ، كَذَلِكَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرِيقَيْنِ:
أ- فَرِيقاً هَدَاهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا بِبِعْثَةِ الرُّسُلِ فَاهْتَدَى، وَأَقَامَ وَجْهَهُ للهِ مُخْلِصاً فِي عِبَادَتِهِ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً.
ب- وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةَ لاتِّبَاعِهِمْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الطَّاعَةِ لِرَبِّهِمْ، وَإِنَّهُمْ حِينَ أَطَاعُوا الشَّيَاطِينَ فِيمَا زَيَّنُوهُ لَهُمْ مِنَ الفَوَاحِشِ وَالمُنْكَرَاتِ، أَصْبَحُوا وَكَأَنَّهُمْ وَلَّوْهُمْ أُمُورَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ الذِي يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ، وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ، فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ.

.تفسير الآية رقم (31):

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}
{يابني ءَادَمَ}
(31)- يَرُدُّ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ عَلَى المُشْرِكِينَ، الذِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالبَيْتِ وَهُمْ عُرَاةٌ، وَكَانَ الذِينَ يَطُوفُونَ مِنْهُمْ يُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم الدَّسَمَ مَا أَقَامُوا بِألمَوْسِمِ، فَأَمَرَهُمُ اللهُ بِسَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ حِينَ الطَّوَافِ بِالبَيْتِ، وَبالتَّجَمُّلِ عِنْدَ الصَّلاةِ، ثُمَّ أَبَاحَ لَهُم الأَكْلَ وَالشُّرْبَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ بِدُونِ إِسْرَافٍ (أَيْ بِدُونِ تَجَاوُزِ الحَدِّ المَعْقُولِ)، لأنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ.
(وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبسُوا فلِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلا سَرَفٍ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يُرى أثرُ نِعَمِهِ عَلَى عَبْدِهِ).
(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنِّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَه).
يُقْصَدُ بِأَخْذِ الزِّينَةِ- ارْتِدَاءُ المَلابِسِ الحَسَنَةِ لِسَتْرِ العَوْرَةِ.