الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»
.تفسير الآية رقم (87): {وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا} سبع آيات وهي الفاتحة. وقيل سبع سور وهي الطوال وسابعتها (الأنفال) و(التوبة) فإنهما في حكم سورة ولذلك لم يفصل بينهما بالتسمية. وقيل (التوبة) وقيل (يونس) أو الحواميم السبع. وقيل سبع صحائف وهي الأسباع. {مِّنَ المثاني} بيان للسبع والمثاني من التثنية، أو الثناء فإن كل ذلك مثنى تكرر قراءته، أو ألفاظه أو قصصه ومواعظه أو مشى عليه بالبلاغة والاعجاز، أو مثن على الله بما هو أهله من صفاته العظمى وأسمائه الحسنى، ويجوز أن يراد ب {المثاني} القرآن أو كتب الله كلها فتكون {مِنْ} للتبعيض. {وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ} إن أريد بالسبع الآيات أو السور فمن عطف الكل على البعض أو العام على الخاص، وإن أريد به الأسباغ فمن عطف أحد الوصفين على الآخر. .تفسير الآية رقم (88): {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} لا تطمح ببصرك طموح راغب. {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} أصنافاً من الكفار، فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته فإنه كمال مطلوب بالذات مفض إلى دوام اللذات. وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه: «من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيماً وعظم صغيرا» وروي أنه عليه الصلاة والسلام وافى بأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها أنواع البز والطيب والجواهر وسائر الأمتعة، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله فقال لهم: «لقد أعطيتم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع» {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أنهم لم يؤمنوا. وقيل إنهم المتمتعون به. {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} وتواضع لهم وارفق بهم. .تفسير الآية رقم (89): {وَقُلْ إِنِّى أَنَا النذير المبين} أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم إن لم تؤمنوا. .تفسير الآية رقم (90): {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} مثل العذاب الذي أنزلناه عليهم، فهو وصف لمفعول النذير أقيم مقامه والمقتسمون هم الإثنا عشر الذين اقتسموا أي تقاسموا مداخل مكة أيام الموسم لينفروا الناس عن الإِيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم فأهلكهم الله تعالى يوم بدر أو الرهط الذين اقتسموا على أن يبيتوا صالحاً عليه الصلاة والسلام وقيل هو صفة مصدر محذوف يدل عليه. {وَلَقَدْ ءاتيناك} فإنه بمعنى أنزلنا إليك، والمقتسمون هم الذين جعلوا القرآن عضين حيث قالوا عناداً: بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما، أو قسموه إلى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين، أو أهل الكتاب آمنوا ببعض كتبهم وكفروا ببعض على أن القرآن ما يقرؤون من كتبهم، فيكون ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الخ اعتراضاً ممداً لها. .تفسير الآية رقم (91): {الذين جَعَلُواْ القرءان عِضِينَ} أجزاء جمع عضة، وأصلها عضوة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء. وقيل فعلة من عضهته إذا بهته، وفي الحديث: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة» وقيل أسحاراً وعن عكرمة العضة السحر، وإنما جمع جمع السلامة جبراً لما حذف منه والموصول بصلته صفة للمقتسمين أو مبتدأ خبره. .تفسير الآيات (92- 99): {فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}. {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من التقسيم أو النسب إلى السحر فنجازيهم عليه. وقيل هو عام في كل ما فعلوا من الكفر والمعاصي. {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فاجهر به، من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً، أو فافرق به بين الحق والباطل، وأصله الإِبانة والتمييز وما مصدرية أو موصولة، والراجع محذوف أي بما تؤمر به من الشرائع. {وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} ولا تلتفت إلى ما يقولون. {إِنَّا كفيناك المستهزءين} بقمعهم وإهلاكهم. قيل كانوا خمسة من أشراف قريش: الوليد بن المغيرة، والعاص ابن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، يبالغون في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به فقال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أكفيكهم، فأومأ إلى ساق الوليد فمر بنبال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظماً لاخذه، فأصاب عرقاً في عقبه فقطعه فمات، وأومأ إلى أخمص العاص فدخلت فيه شوكة فانتفخت رجله حتى صارت كالرحى ومات، وأشار إلى أنف عدي بن قيس فامتخط قيحاً فمات، وإلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة فجعل ينطح برأسه الشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات، وإلى عيني الأسود ابن المطلب فعمي. {الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة أمرهم في الدارين. {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} من الشرك والطعن في القرآن والاستهزاء بك. {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} فافزع إلى الله تعالى فيما نابك بالتسبيح والتحميد يكفك ويكشف الغم عنك، أو فنزهه عما يقولون حامداً له على أن هداك للحق. {وَكُنْ مِّنَ الساجدين} من المصلين، وعنه عليه الصلاة والسلام: «أنه كان إذا حَزبه أمر فزع إلى الصلاة» {واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} أي الموت فإنه متيقن لحاقه كل حي مخلوق، والمعنى فاعبده ما دمت حياً ولا تخلّ بالعبادة لحظة. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمد صلى الله عليه وسلم» والله أعلم. .سورة النحل: .تفسير الآية رقم (1): {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم من قيام الساعة، أو إهلاك الله تعالى إياهم كما فعل يوم بدر استهزاءً وتكذيباً، ويقولون إن صح ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت، والمعنى أن الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المتحقق من حيث إنه واجب الوقوع، فلا تستعجلوا وقوعه فإنه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه. {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} تبرأ وجل عن أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على وفق قوله: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} والباقون بالياء على تلوين الخطاب، أو على أن الخطاب للمؤمنين أو لهم ولغيرهم، لما روي أنه لما نزلت أتى أمر الله فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزلت {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}. .تفسير الآية رقم (2): {يُنَزّلُ الملائكة بالروح} بالوحي أو القرآن، فإنه يحيي به القلوب الميتة بالجهل، أو يقوم في الدين مقام الروح في الجسد، وذكره عقيب ذلك إشارة إلى الطريق الذي به علم الرسول صلى الله عليه وسلم ما تحقق موعدهم به ودنوه وإزاحة لاستبعادهم اختصاصه بالعلم به. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {يُنَزّلٍ} من أنزل، وعن يعقوب مثله وعنه {تنزل} بمعنى تتنزل. وقرأ أبو بكر {تنزل} على المضارع المبني للمفعول من التنزيل. {مِنْ أَمْرِهِ} بأمره أو من أجله. {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} أن يتخذه رسولاً. {أَنْ أَنْذِرُواْ} بأن أنذروا أي اعلموا من نذرت بكذا إذا علمته. {أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون} أن الشأن {لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون}، أو خوفوا أهل الكفر والمعاصي بأنه {لا إله إِلا أَنَاْ} وقوله: {فاتقون} رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود، و{أَن} مفسرة لأن الروح بمعنى الوحي الدال على القول، أو مصدرية في موضع الجر بدلاً من الروح أو النصب بنزع الخافض، أو مخففة من الثقيلة. والآية تدل على أن نزول الوحي بواسطة الملائكة وأن حاصله التنبيه على التوحيد الذي هو منتهى كمال القوة العلمية، والأمر بالتقوى الذي هو أقصى كمال القوة العملية. وأن النبوة عطائية والآيات التي بعدها دليل على وحدانيته من حيث إنها تدل على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم وفروعه على وفق الحكمة والمصلحة، ولو كان له شريك لقدر على ذلك فيلزم التمانع. .تفسير الآية رقم (3): {خَلَقَ السموات والأرض بالحق} أوجدهما على مقدار وشكل وأوضاع وصفات مختلفة قدرها وخصصها بحكمته. {تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} منهما أو مما يفتقر في وجوده أو بقائه إليهما ومما لا يقدر على خلقهما. وفيه دليل على أنه تعالى ليس من قبيل الأجرام. .تفسير الآيات (4- 16): {خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ} جماد لا حس بها ولا حراك سيالة لا تحفظ الوضع والشكل. {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} منطيق مجادل. {مُّبِينٌ} للحجة أو خصيم مكافح لخالقه قائل: {مِنْ يحيى العظام وَهِيَ رَمِيمٌ} روي أن أُبَي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم وقال: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمَّ. فنزلت. {والأنعام} الإِبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره. {خَلَقَهَا لَكُمْ} أو بالعطف على الإِنسان، وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له. {فِيهَا دِفْءٌ} ما يدفأ به فيقي البرد. {ومنافع} نسلها ودرها وظهورها، وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها. {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي، أو لأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش، وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه. {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} زينة. {حِينَ تُرِيحُونَ} تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي. {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} تخرجونها بالغداة إلى المراعي فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها، وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع، ثم تأوي إلى الحظائر حاضرة لأهلها. وقرئ: {حيناً} على أن {تُرِيحُونَ} {وتسرحون} وصفان له بمعنى {تُرِيحُونَ} فيه {وتسرحون} فيه. {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أحمالكم. {إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بالغيه} أي إن لم تكن الأنعام ولم تخلق فضلاً أن تحملوها على ظهوركم إليه. {إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس} إلا بكلفة ومشقة. وقرئ بالفتح وهو لغة فيه. وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه وأصله الصدع والمكسور بمعنى النصف، كأنه ذهب نصف قوته بالتعب. {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} حيث رحمكم بخلقها لانتفاعكم وتيسير الأمر عليكم. {والخيل والبغال والحمير} عطف على {الأنعام}. {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} أي لتركبوها وتتزينوا بها زينة. وقيل هي معطوفة على محل {لِتَرْكَبُوهَا} وتغيير النظم لأن الزينة بفعل الخالق والركوب ليس بفعله، ولأن المقصود مِنْ خَلْقِهَا الركوب وأما التزين بها فحاصل بالعرض. وقرئ بغير واو وعلى هذا يحتمل أن يكون علة {لِتَرْكَبُوهَا} أو مصدراً في موضع الحال من أحد الضميرين أي: متزينين أو متزيناً بها، واستدل به على حرمة لحومها ولا دليل فيه إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالباً أن لا يقصد منه غيره أصلاً، ويدل عليه أن الآية مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر. {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} لما فصل الحيوانات التي يحتاج إليها غالباً احتياجاً ضرورياً أو غير ضروري أجمل غيرها، ويجوز أن يكون إخباراً بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به، وأن يراد به ما خلق في الجنة والنار مما لم يخطر على قلب بشر. {وَعَلَى الله قَصْدُ السبيل} بيان مستقيم الطريق الموصل إلى الحق، أو إقامة السبيل وتعديلها رحمة وفضلاً، أو عليه قصد السبيل يصل إليه من يسلكه لا محالة يقال سبيل قصد وقاصد أي مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يقصده السالك لا يميل عنه، والمراد من {السبيل} الجنس ولذلك أضاف إليه ال {قَصْدُ} وقال: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} حائد عن القصد أو عن الله، وتغيير الأسلوب لأنه ليس بحق على الله تعالى أن يبين طرق الضلالة، أو لأن المقصود بيان سبيله وتقسيم السبيل إلى القصد والجائر إنما جاء بالعرض. وقرئ و{منكم جائر} أي عن القصد. {وَلَوْ شَاء} الله. {لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} أي ولو شاء هدايتكم أجمعين لهداكم إلى قصد السبيل هداية مستلزمة للاهتداء. {هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء} من السحاب أو من جانب السماء. {مَآء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ} ما تشربونه، {وَلَكُمْ} صلة {أَنَزلَ} أو خبر {شَرَابٌ} و{مِنْ} تبعيضية متعلقة به، وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه ولا بأس به لأن مياه العيون والآبار منه لقوله: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ} وقوله: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض} {وَمِنْهُ شَجَرٌ} ومنه يكون شجر يعني الشجر الذي ترعاه المواشي. وقيل كل ما نبت على الأرض شجر قال: {فِيهِ تُسِيمُونَ} ترعون، من سامت الماشية وأسامها صاحبها، وأصله السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات. {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع} وقرأ أبو بكر بالنون على التفخيم. {والزيتون والنخيل والاعناب وَمِن كُلّ الثمرات} وبعض كلها إذا لم ينبت في الأرض كل ما يمكن من الثمار، ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لأنه سيصير غذاء حيوانياً هو أشرف الأغذية، ومن هذا تقديم الزرع والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} على وجود الصانع وحكمته، فإن من تأمل أن الحبة تقع في الأرض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها، فينشق أعلاها ويخرج منه ساق الشجرة، وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها. ثم ينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار، ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطباع مع اتحاد المواد ونسبة الطبائع السفلية والتأثيرات الفلكية إلى الكل، علم أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار مقدس عن منازعة الأضداد والأنداد ولعل فصل الآية به لذلك. {وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل والنهار والشمس والقمر والنجوم} بأن هيأها لمنافعكم. {مسخرات بِأَمْرِهِ} حال من الجميع أي نفعكم بها حال كونها مسخرات لله تعالى خلقها ودبرها كيف شاء، أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره أو لحكمه، وفيه إيذان بالجواب عما عسى أن يقال إن المؤثر في تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها، فإن ذلك إن سلم فلا ريب في أنها أيضاً ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجود المحتملة، فلابد لها من موجد مخصص مختار واجب الوجود دفعاً للدور والتسلسل، أو مصدر ميمي جمع لاختلاف الأنواع. وقرأ حفص {والنجوم مسخرات} على الابتداء والخبر فيكون تعميماً للحكم بعد تخصيصه ورفع ابن عامر {الشمس والقمر} أيضاً. {إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} جمع الآية، وذكر العقل لأنها تدل أنواعاً من الدلالة ظاهرة لذوي العقول السليمة غير محوجة إلى استيفاء فكر كأحوال النبات. {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض} عطف على {اليل}، أي وسخر لكم ما خلق لكم فيها من حيوان ونبات. {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} أصنافه فإنها تتخالف باللون غالباً. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} إن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر ليس إلا بصنع صانع حكيم. {وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر} جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص. {لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّاً} هو السمك، ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم يسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله، ولإِظهار قدرته في خلقه عذباً طرياً في ماء زعاق، وتمسك به مالك والثوري على أن من حلف أن لا يأكل لحماً حنث بأكل السمك. وأجيب عنه بأن مبنى الإِيمان على العرف وهو لا يفهم منه عند الإِطلاق ألا ترى أن الله تعالى سمى الكافر دابة ولا يحنث الخالق على أن لا يركب دابة بركوبه. {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} كاللؤلؤ والمرجان أي تلبسها نساؤكم، فأسند إليهم لأنهن من جملتهم ولأنهن يتزين بها لأجلهم. {وَتَرَى الفلك} السفن. {مَوَاخِرَ فِيهِ} جواري فيه تشقه بحيزومها، من المخر وهو شق الماء. وقيل صوت جري الفلك. {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} من سعة رزقه بركوبها للتجارة. {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي تعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها، ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الأنعام من حيث أنه جعل المهالك سبباً للانتفاع وتحصيل المعاش. {وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ} جبالاً رواسي. {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} كراهة أن تميل بكم وتضطرب، وذلك لأن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع، وكان من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالأفلاك، أو أن تتحرك بأدنى سبب للتحريك فلما خلقت الجبال على وجهها تفاوتت جوانبها وتوجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد التي تمنعها عن الحركة. وقيل لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة: ما هي بمقر أحد على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال. {وأنهارا} وجعل فيها أنهاراً لأن ألقى فيه معناه. {وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لمقاصدكم، أو إلى معرفة الله سبحانه وتعالى. {وعلامات} معالم يستدل بها السابلة من جبل وسهل وريح ونحو ذلك. {وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} بالليل في البراري والبحار، والمراد بالنجم الجنس ويدل عليه قراءة {وبالنجم} بضمتين وضمة وسكون على الجمع. وقيل الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدي، ولعل الضمير لقريش لأنهم كانوا كثيري الأسفار للتجارة مشهورين بالاهتداء في مسايرهم بالنجوم، وإخراج الكلام عن سنن الخطاب وتقديم النجم وإقحام الضمير للتخصيص كأنه قيل: وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدون، فالاعتبار بذلك والشكر عليه ألزم لهم وأوجب عليهم.
|