فصل: خط

مساءً 1 :4
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
17
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 خط

قرية باليمن يقال لها خط هجر تنسب إليها الرماح الخطية وهي أحسن أنواع خفةً وصلابةً وتثقيفاً تحمل إليها من بلاد الهند والصناع بها يثقفونها أحسن التثقيف‏.‏

خيبر حصون على ثمانية برد من المدينة لمن أراد الشام ذات مزارع ونخيل كثيرة وهي موصوفة بكثرة الحمى ولا تفارق الحمى أهلها‏.‏

وكان أهلها يهوداً يزعمون ان من أراد دخول خيبر على بابها يقف على أربعه وينهق نهيق الحمار عشر مرات لا تضره حمى خيبر ويسمى ذلك تعشيراً والمعنى فيه أن الحمى ولوع بالناس واني حمار‏.‏

وحكى الهيثم بن عدي ان عروة الصعاليك وأصحابه قصدوا خيبر يمتارون بها فلما وصلوا إلى بابها عشروا خوفاً من وباء خيبر وأبى عروة الصعاليك أن يعشر وقال‏:‏ وقالوا‏:‏ أجب وانهق لا يضرّك خيبرٌ وذلك من دين اليهود ولوع لعمري إن عشّرت من خشية الرّدى نهاق الحمير إنّني لجزوع فكيف وقد ذكيّت واشتدّ جانبي سليمى وعندي سامعٌ ومطيع لسانٌ وسيفٌ صارمٌ وحفيظةٌ وراءٌ كآراء الرّجال صروع وحكي ان اعرابياً قدم خيبر بعيال كثير فقال‏:‏ قلت لحمّى خيبرٍ استعدّي هناك عيالي فاجهدي وجدّي وباكري بصالبٍ وورد أعانك الله على ذا الجند فحم ومات وبقي عياله‏.‏

 رحا

بطان موضع بالحجاز زعم تأبط شراً انه لقي الغول هناك ليلاً وجرى بينه وبينها محاربة وفي الأخير قتلها وحمل رأسها إلى الحي وعرضها عليهم حتى عرفوا شدة جأشه وقوة جنانه وهو يقول‏:‏ ألا من مبلغٌ فتيان فهمٍ بما لاقيت عند رحا بطان فإني قد لقيت الغول تهوي بسهبٍ كالصّحيفة صحصحان فقلت لها‏:‏ كلانا نضو دهرٍ أخو سفرٍ فخلّي لي مكاني فشدّت شدّةً نحوي فأهوى لها كفّي بمصقولٍ يمان فأضربها بلا دهشٍ فخرّت صريعاً لليدين وللجران فلم أنفكّ متّكئاً لديها لأنظر مصبحاً ماذا أتاني إذا عينان في رأسٍ قبيحٍ كرأس الهرّ مشقوق اللّسان وساقا مخدجٍ وشواة كلبٍ وثوبٌ من عباءٍ أو شنان زغر قرية بينها وبين بيت المقدس ثلاة أيام في طرف البحيرة المنتنة وزغر اسم بنت لوط عليه السلام نزلت بهذه القرية فسميت باسمها وهي في واد وخم ردي في أشأم بقعة يسكنها أهلها بحب الوطن ويهيج بهم الوباء في بعض الأعوام فيفني جلهم‏.‏

بها عين زغر وهي العين التي ذكر أنها تغور في آخر الزمان وغورها من اشراط الساعة جاء ذكرها في حديث الجساسة قال البشاري‏:‏ زغر قتالة للغرباء من أبطأ عليه ملك الموت فليرحل إليها فإنه يجده بها قاعداً بالرصد وأهلها سودان غلاظ ماؤها حميم وهواؤها جحيم إلا أنها البصرة الصغرى والمتجر المربح وهي من بقية مدائن قوم لوط وإنما نجت لأن أهلها لم يكونوا آتين بالفاحشة‏.‏

 زويلة

مدينة بإفريقية غير مسورة في أول حدود السودان ولأهلها خاصية عجيبة في معرفة آثار القدم ليس لغيرهم تلك الخاصية حتى يعرفون أثر قدم الغريب والبلدي والرجل والمرأة واللص والعبد الآبق والأمة والذي يتولى احتراس المدينة يعمد إلى دابة يشد عليها حزمة من جرائد النخل بحيث ينال سعفه الأرض ثم يدور به حول المدينة فإذا أصبح ركب ودار حول المدينة فإن رأى أثراً خارجاً تبعه حتى أدركه أينما توجه‏.‏

وقد بنى عبد الله المهدي جد خلفاء مصر إلى جانب زويلة مدينة أخرى سماها المهدية بينهما غلوة سهم‏.‏

كان يسكن هو وأهله بالمهدية وأسكن العامة في زويلة وكانت دكاكينهم وأموالهم بالمهدية وبزويلة مساكنهم فكانوا يدخلون بالنهار زويلة للمعيشة ويخرجون بالليل إلى أهاليهم فقيل للمهدي‏:‏ إن رعيتك في هذا في عناء‏!‏ فقال‏:‏ لكن أنا في راحة لأني بالليل أفرق بينهم وبين أموالهم وبالنهار أفرق بينهم وبين أهاليهم فآمن غائلتهم بالليل والنهار‏!‏ السند ناحية بين الهند وكرمان وسجستان قالوا‏:‏ السند والهند كانا أخوين من ولد توقير بن يقطن بن حام بن نوح عليه السلام‏.‏بها بيت الذهب قال مسعر بن مهلهل‏:‏ مشيت إلى بيت الذهب المشهور بها فإذا هو من ذهب في صحراء يكون أربعة فراسخ لا يقع عليها الثلج ويثلج ما حولها وفي هذا البيت ترصد الكواكب وهو بيت تعظمه الهند والمجوس وهذه الصحراء تعرف بصحراء زردشت نبي المجوس ويقول أهل تلك الناحية‏:‏ متى يخرج منه إنسان يطلب دولة لم يغلب ولا يهزم له عسكر حيث أراد‏.‏

وحكي أن الإسكندر لما فتح تلك البلاد ودخل هذا البيت أعجبه فكتب إلى أرسطاطاليس وأطنب في وصف قبة هذا البيت فأجابه أرسطو‏:‏ إني رأيتك تتعجب من قبة عملها الآدميون وتدع التعجب من هذه القبة المرفوعة فوقك وما زينت به من الكواكب وأنوال الليل والنهار‏!‏ وسأل عثمان بن عفان عبد الله بن عامر عن السند فقال‏:‏ ماؤها وشل وتمرها دقل ولصها بطل‏!‏ إن قل الجيش بها ضاعوا وإن كثروا جاعوا‏!‏ فترك عثمان غزوها‏.‏

وبها نهر مهران وهو نهر عرضه كعرض دجلة أو أكثر يقبل من المشرق آخذاً إلى الجنوب متوجهاً نحو المغرب ويقع في بحر فارس أسفل السند قال الاصطخري‏:‏ نهر مهران يخرج من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ثم يظهر بناحية ملتان على حد سمندور ثم على المنصورة ثم يقع في البحر شرقي الديبل وهو نهر كبير عذب جداً وان فيه تماسيح كما في نيل مصر وقيل‏:‏ إن تماسيح نهر السند أصغر حجماً وأقل فساداً‏.‏

وجري نهر السند كجري نهر النيل يرتفع على وجه الأرض ثم ينصب فيزرع عليه كما يزرع بأرض مصر على النيل‏.‏

 سومناة

بلدة مشهورة من بلاد الهند على ساحل البحر بحيث تغلبه أمواجه‏.‏

كان من عجائبها هيكل فيه صنم اسمه سومناة وكان الصنم واقفاً في وسط هذا البيت لا بقائمة من أسفله تدعمه ولا بعلاقة من أعلاه تمسكه وكان أمر هذا الصنم عظيماً عند الهند من رآه واقفاً في الهواء تعجب مسلماً كان أو كافراً وكانت الهند يحجون إليه كل ليلة خسوف يجتمع عنده ما يزيد على مائة ألف إنسان وتزعم الهند أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه وهو ينشئها في من شاء كما هو مذهب أهل التناسخ وان المد والجزر عبادة البحر له‏.‏

وكانوا يحملون إليه من الهدايا كل شيء نفيس وكان له من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف قرية‏.‏

ولهم نهر يعظمونه بينه وبين سومناة مائتا فرسخ يحمل ماؤها إلى سومناة كل يوم ويغسل به البيت وكانت سدنته ألف رجل من البراهمة لعبادته وخدمة الوفود وخمسمائة أمة يغنين ويرقصن على باب الصنم وكل هؤلاء كانت أرزاقهم من أوقاف الصنم وأما البيت فكان مبنياً على ست وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص وكانت قبة الصنم مظلمة وضوءها كان من قناديل الجوهر الفائق وعنده سلسلة ذهب وزنها مائتا من كلما مضت طائفة من الليل حركت السلسلة فتصوت الأجراس فتقوم طائفة من البراهمة للعبادة‏.‏

حكي أن السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين لما غزا بلاد الهند سعى سعياً بليغاً في فتح سومناة وتخريبها طمعاً بدخول الهند في الإسلام فوصل إليها منتصف ذي القعدة سنة ست عشرة وأربعمائة فقاتل الهنود عليها أشد القتال وكان الهند يدخلون على سومناة ويبكون ويتضرعون ثم يخرجون إلى القتال فقوتلوا حتى استوعبهم الفناء وزاد عدد القتلى على خمسين ألفاً فرأى السلطان ذلك الصنم وأعجبه أمره وأمر بنهب سلبه وأخذ خزانته فوجدوا أصناماً كثيرة من الذهب والفضة وستوراً مرصعة بالجواهر كل واحد منها بعث عظيم من عظماء الهند‏.‏

وكانت قيمة ما في بيوت الأصنام أكثر من عشرين ألف دينار‏.‏

ثم قال السلطان لأصحابه‏:‏ ماذا تقولون في أمر هذا الصنم ووقوفه في الهواء بلا عماد وعلاقة فقال بعضهم‏:‏ إنه علق بعلاقة وأخفيت العلاقة عن النظر فأمر السلطان شخصاً أن يذهب إليه برمح ويدور به حول الصنم وأعلاه وأسفله ففعل وما منع الرمح شيء‏.‏

وقال بعض الحاضرين‏:‏ إني أظن أن القبة من حجر المغناطيس والصنم من الحديد والصانع بالغ في تدقيق صنعته وراعى تكافؤ قوة المغناطيس من الجوانب بحيث لا تزيد قوة جانب على الجانب الآخر فوقف الصنم في الوسط فوافقه قوم وخالفه آخرون‏.‏

فقال للسلطان‏:‏ ائذن لي برفع حجرين من رأس القبة ليظهر ذلك فأذن له فلما رفع حجرين اعوج الصنم ومال إلى أحد الجوانب فلم يزل يرفع الأحجار والصنم ينزل حتى وقع على الأرض‏.‏

 صنف

موضع بالهند أو الصين ينسب إليه العود الصنفي وهو أردأ أصناف العود ليس بينه وبين الحطب إلا فرق يسير‏.‏

 صيمور

مدينة بأرض الهند قريبة بناحية السند لأهلها حظ وافر في الجمال والملاحة لكونهم متولدين من الترك والهند وهم مسلمون ونصارى ويهود ومجوس ويخرج إليها تجارات الترك وينسب إليها العود الصيموري‏.‏

بها بيت الصيمور وهو هيكل على رأس عقبة عظيمة عندهم ولها سدنة وفيها أصنام من وفي المدينة مساجد وبيع وكنائس وبيت النار وكفارها لا يذبحون الحيوان ولا يأكلون اللحم ولا السمك ولا البيض وفيهم من يأكل المتردية والنطيحة دون ما مات حتف أنفه‏.‏

أخبر بذلك كله مسعر بن مهلهل صاحب عجائب البلدان وانه كان سياحاً دار البلاد وأخبر بعجائبها‏.‏

 الطائف

بليدة على طرف واد بينها وبين مكة اثنا عشر فرسخاً طيبة الهواء شمالية ربما يجمد الماء بها في الشتاء‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ دخلت الطائف وكأني أبشر وقلبي ينضح بالسرور ولم أجد لذلك سبباً إلا انفساح جوها وطيب نسيمها‏.‏

بها جبل عروان يسكنه قبائل هذيل وليس بالحجاز موضع أبرد من هذا الجبل ولهذا اعتدال هواء الطائف ويجمد الماء به وليس في جميع الحجاز موضع يجمد الماء به إلا جبل عروان‏.‏

ويشق مدينة الطائف واد يجري بينها يشقها وفيها مياه المدابغ التي يدبغ فيها الأديم والطير تصرع إذا مرت بها من نتن رائحتها‏.‏

وأديمها يحمل إلى سائر البلدان ليس في شيء من البلاد مثله‏.‏

وفي أكنافها من الكروم والنخيل والموز وسائر الفواكه ومن العنب العدي ما لا يوجد في شيء بها وج الطائف وإنها واد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ صيدها واختلاء حشيشها‏.‏

بها حجر اللات تحت منارة مسجدها وهو صخرة كان في قديم الزمان يجلس عليه رجل يلت السويق للحجيج فلما مات قال عمرو بن لحي‏:‏ إنه لم يمت لكن دخل في هذه الصخرة‏!‏ وأمر قومه بعبادة تلك الصخرة وكان في اللات والعزى شيطانان يكلمان الناس فاتخذت ثقيف اللات طاغوتاً وبنت لها بيتاً وعظمته وطافت به وهي صخرة بيضاء مربعة فلما أسلمت ثقيف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب ومغيرة بن شعبة فهدماه والحجر اليوم تحت منارة مسجد الطائف‏.‏

وبها كرم الرهط كرم كان لعمرو بن العاص معروشاً على ألف ألف خشبة شري كل خشبة درهم فلما حج سليمان بن عبد الملك أحب أن ينظر إليه فلما رآه قال‏:‏ ما رأيت لأحد مثله لولا أن هذه الحرة في وسطه‏!‏ قالوا‏:‏ ليس بحرة بل مسطاح الزبيب‏.‏

وكان زبيبه جمع في وسطه ليجف فرآه من بعيد فظنه حرة‏.‏

وبها سجن عارم وهو الحبس الذي حبس فيه عبد الله بن الزبير محمد ابن الحنفية يزوره الناس ويتبركون به سيما الشيعة سيما الكيسانية قال كثير يخاطب ابن الزبير‏:‏ ومن يلق هذا الشّيخ بالخيف من منى من النّاس يعلم أنّه غير ظالم سميّ النبيّ المصطفى وابن عمّه وفكّاك أغلالٍ وقاضي مغارم أبى هو لا يشري هدىً بضلالةٍ ولا يتّقي في الله لومة لائم فما نعمة الدّنيا بباقٍ لأهله ولا شدّة البلوى بضربة لازم وينسب إليها الحجاج بن يوسف الثقفي من فحول الرجال كان أول أمره معلماً لوشاقية سليمان بن نعيم وزير عبد الملك بن مروان وكان فصيحاً شاطراً قال عبد الملك لوزيره‏:‏ إني إذا ترحلت يتخلف مني أقوام أريد شخصاً يمنع الناس عن التخلف‏.‏

فاختار الوزير الحجاج لذلك فرأى في بعض الأيام أن الخليفة قد رحل وتخلف عنه قوم من أصحاب الوزير فأمرهم بالرحيل فامتنعوا وشتموه في أمه وأخته فأخذ الحجاج النار وأضرمها في رحل الوزير فانتهى الخبر إلى عبد الملك فأحضر الحجاج وقال‏:‏ لم أحرقت رحل الوزير فقال‏:‏ لأنهم خالفوا أمرك ‏!‏ فقال للحجاج‏:‏ ما عليك لو فعلت ذلك بغير الحرق فقال الحجاج‏:‏ وما عليك لو عوضته من ذلك ولا يخالف أحد بعد هذا أمرك‏!‏ فأعجب الخليفة كلامه وما زال يعلو أمره حتى ولي اليمن واليمامة ثم استعمل على العراق سنة خمس وسبعين‏.‏

وكان أهل العراق كل من جاءهم والياً استخفوا به وضحكوا منه وإذا صعد المنبر رموه بالحصاة فبعث عبد الملك إليهم الحجاج فلما صعد المنبر متلثماً وكان قصير القامة ضحكوا منه فعرف الحجاج ذلك فأقبل عليهم وقال‏:‏ أنا ابن جلا وطلاّع الثّنايا متى أضع العمامة تعرفوني إن أمير المؤمنين نثل كنانته فوجدني أصلبها عوداً فرماكم بي واني أرى رؤوساً دنا أوان حصادها وأنا الذي أحصدها‏.‏

فدخل القوم منه رعب فما زال بهم حتى أراهم الكواكب بالنهار‏.‏

ولما بنى واسط عد في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان حبسوا بلا دم ولا تبعة ولا دين ومات في حبسه واحد وعشرون ألفاً صبراً ومن قتله بالسيف فلا يعد ولا يحصى‏!‏ وقال يوماً على المنبر في خطبته‏:‏ أتطلبون مني عدل عمر ولستم كرعية عمر وإنما مثلي لمثلكم كثير لبئس المولى ولبئس العشير‏!‏ وكان في مرض موته يقول‏:‏ يا ربّ قد زعم الأعداء واجتهدوا أيمانهم أنّني من ساكني النّار أيحلفون على عمياء ويحهم ما علمهم بعظيم العفو غفّار وحكى عمر بن عبد العزيز أنه رأى الحجاج في المنام بعد مدة من موته قال‏:‏ فرأيته على شكل رماد على وجه الأرض فقلت له‏:‏ أحجاج قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ قتلني وينسب إلى الطائف سعيد بن السائب كان من أولياء الله وعباد الله الصالحين نادر الوقت عديم النظير وكان الغالب عليه الخوف من الله تعالى لا يزال دمعه جارياً فعاتبه رجل على كثرة بكائه فقال له‏:‏ إنما ينبغي أن تعاتبني على تقصيري وتفريطي لا على بكائي‏!‏ وقال له صديق له‏:‏ كيف أصبحت قال‏:‏ أصبحت أنتظر الموت على غير عدة‏!‏ وقال سفيان الثوري‏:‏ جلسنا يوماً نحدث ومعنا سعيد بن السائب وكان يبكي حتى رحمه الحاضرون فقلت له‏:‏ يا سعيد لم تبكي وأنت تسمع حديث أهل الخير فقال‏:‏ يا سفيان ما ينفعني إذا ذكرت أهل الخير وأنا عنهم بمعزل طيفند قلعة في بلاد الهند منيعة على قلة جبل ليس لها إلا مصعد واحد وعلى رأس الجبل مياه ومزارع وما احتاجوا إليه غزاها يمين الدولة محمود بن سبكتكين سنة أربع عشرة وأربعمائة وحاصرها زماناً وضيق على أهلها وكان عليها خمسمائة قيل فطلبوا الأمان فآمنهم وأقر صاحبها فيها على خراج فأهدى صاحب القلعة إلى السلطان هدايا كثيرة منها طائر على هيئة القمري خاصيته إذا أحضر الطعام وفيه سم دمعت عيناه وجرى منهما ماء وتحجر فإذا تحجر سحق وجعل على الجراحات الواسعة الحمها وهذا الطائر لا يوجد إلا في ذلك الموضع ولا يتفرج إلا فيه‏.‏

 عدن

مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن سميت بعدن بن سنان بن إبراهيم عليه السلام لا ماء بها ولا مرعى شربهم من عين بينها وبين عدن مسيرة يوم وكان عدن فضاء في وسط جبل على ساحل البحر والفضاء يحيط به الجبل من جميع الجوانب فقطع لها باب بالحديد في الجبل فصار طريقاً إلى البر‏.‏

وإنها مرفأ مراكب الهند وبلدة التجار ومرابح الهند فلهذا يجتمع إليها الناس ويحمل إليها متاع الهند والسند والصين والحبشة وفارس والعراق وقال الاصطخري‏:‏ بها مغاص اللؤلؤ‏.‏

بها جبل النار وهو جبل أحمر اللون جداً في وسط البحر قالوا‏:‏ هو الجبل الذي تخرج منه النار التي هي من اشراط الساعة وسكان عدن يزعمون أنهم من نسل هارون عليه السلام وهم المربون‏.‏

وبها البئر المعطلة التي ذكرها الله تعالى في القرآن‏.‏

ومن حديثها أن قوم صالح عليه السلام بعد وفاته تفرقوا بفلسطين فلحقت فرقة منهم بعدن وكانوا إذا حبس عنهم المطر عطشوا وحملوا الماء من أرض بعيدة فأعطاهم الله بئراً فتعجبوا بها وبنوا عليها أركاناً على عدد القبائل كان لكل قبيلة فيها دلو‏.‏

وكان لهم ملك عادل يسوسهم فلما مات حزنوا عليه فمثل لهم الشيطان صنماً على صورة ذلك الملك وكلم القوم من جوف الصنم‏:‏ إني ألبسني ربي ثوب الالهية والآن لا آكل ولا أشرب وأخبركم بالغيوب فاعبدوني فإني أقربكم إلى ربكم زلفى‏!‏ ثم كان الصنم يأمرهم وينهاهم فمال إلى عبادة الصنم جميعهم فبعث الله إليهم نبياً فكذبوه فقال لهم نبيهم‏:‏ إن لم تتركوا عبادة الصنم يغور ماء بئركم‏!‏ فقتلوه فأصبحوا لم يجدوا في البئر قطرة ماء‏.‏

فمضوا إلى الصنم فلم يكلمهم الشيطان لما عاين نزول ملائكة العذاب فأتتهم صيحة فأهلكوا فأخبر الله تعالى عنهم وعن أمثالهم‏:‏ وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد‏.‏

والقصر المشيد بحضرموت وقد مر ذكره ويقال‏:‏ إن سليمان بن داود عليه السلام حبس المردة مصفدين في هذه البئر وهي محبسهم‏.‏

 فاس

مدينة كبيرة مشهورة في بلاد بربر على بر المغرب بين ثنيتين عظيمتين والعمارة قد تصاعدت حتى بلغت مستواها وقد تفجرت كلها عيوناً تسيل إلى قرارة إلى نهر منبسط إلى الأرض ينساب إلى مروج خضر وعليها داخل المدينة تمائة رحىً ولها قهندز في أرفع موضع منها ويسقيها نهر يسمى المفروش‏.‏

قال أبو عبيد البكرى‏:‏ فاس منقسمة قسمين وهي مدينتان مسورتان يقال لإحداهما عدوة القروبيين وللأخرى عدوة الأندلسيين وفي كل دار جدول ماء وعلى بابها رحىً وبستان وهي من أكثر بلاد المغرب ثماراً وخيراً وأكثر بلاد المغرب يهوداً منها يختلفون إلى سائر الآفاق بها تفاح حلو يعرف بالاطرابلسي حسن الطعم جداً يصلح بعدوة الأندلسيين ولا يصلح بعدوة القروبيين وسميذ عدوة الأندلسيين أطيب من سميذ عدوة القروبيين ورجال الأندلسيين أشجع من رجال القروبيين ونساؤهم أجمل ورجال القروبيين أحمد من رجال الأندلسيين قال إبراهيم الأصيلي‏:‏ دخلت فاساً وبي شوقٌ إلى فاس والجبن يأخذ بالعينين والرّاس فلست أدخل فاساً ما حييت ولو أعطيت فاساً وما فيها من النّاس بلاد بأرض الهند يجلب منها الكافور القيصوري وهو أحسن أنواعه‏.‏

وذكروا أن الكافور يكثر في سنة فيها رعود وبروق ورجف وزلازل وان قل ذلك كان نقصاً في وجوده‏.‏

 قبا

قرية على ميلين من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

بها مسجد التقوى وهو المسجد الذي ذكره الله تعالى‏:‏ لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين‏.‏

ولما قدم رسول الله عليه السلام قبا مهاجراً يريد المدينة أسس هذا المسجد ووضع بيده الكريمة أول حجر في محرابه ووضع أبو بكر رضي الله عنه حجراً ثم أخذ الناس في البناء وهو عامر إلى زماننا هذا وسئل أهله عن تطهرهم فقالوا‏:‏ إنا نجمع بين الحجر والماء‏.‏

وبها مسجد الضرار ويتطوع الناس بهدمه وبها بئر غرس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيب ماءها وبصق فيها وقال‏:‏ إن فيها عيناً من عيون الجنة‏.‏

قزدار ناحية بأرض الهند‏.‏

قال أبو الحسن المتكلم‏:‏ كنت مجتازاً بناحية قزدار فدخلت قرية من قراه فرأيت شيخاً خياطاً في مسجد فأودعت ثيابي عنده ومضيت‏.‏

ثم رجعت من الغد فرأيت باب المسجد مفتوحاً والرزمة يشدها في المحراب فقلت‏:‏ ما أجهل هذا الخياط‏!‏ فجلست أفتحها وأرى شيئاً فشيئاً إذ دخل الخياط فقلت له‏:‏ كيف تركت ثيابي ههنا فقال‏:‏ افتقدت منها شيئاً قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فما سؤالك فأقبلت أخاصمه وهو يضحك‏.‏

قال‏:‏ أنتم نشأتم في بلاد الظلم وتعودتم أخلاق الأراذل التي توجب السرقة والخيانة وانها لا تعرف ههنا ولو بقيت ثيابك في المحراب حتى بليت ما مستها أحد‏!‏ وإذا وجدنا شيئاً من ذلك في مدد متطاولة نعلم أنه كان من غريب اجتاز بنا فنركب خلفه ولا يفوتنا فندركه ونقتله‏.‏

فسألت عن غيره سيرة أهل البلد فقال كما ذكره الخياط‏.‏

وكانوا لا يغلقون الأبواب بالليل وما كان لأكثرهم أبواب بل شيء يرد الوحش والكلاب‏.‏

قشمير ناحية بأرض الهند متاخمة لقوم من الترك فاختلط نسل الهند بالترك فأهلها أكثر الناس ملاحةً وحسناً‏.‏

ويضرب بحسن نسائهم المثل لهن قامات تامة وصور مستوية وملاحة كثيرة وشعور طوال غلاظ وهذه الناحية تحتوي على نحو ستين ألفاً من المدن والضياع ولا سبيل وحواليها جبال شوامخ لا سبيل للوحش أن يتسلق إليها فضلاً عن الانس‏.‏

وفيها أودية وعرة وأشجار ورياض وأنهار‏.‏

قال مسعر بن مهلهل‏:‏ شاهدتها وهي في غاية المنعة‏.‏

ولأهلها أعياد في رؤوس الاهلة وفي نزول النيرين شرقهما ولهم رصد كبير في بيت معمول من الحديد الصيني لا يعمل فيه الزمان ويعظمون الثريا ولا يذبحون الحيوان ولا يأكلون البيض‏.‏

 قمار

مدينة مشهورة بأرض الهند‏.‏

قال ابن الفقيه‏:‏ أهلها على خلاف سائر الهنود ولا يبيحون الزنا ويحرمون الخمر وملكها يعاقبهم على شرب الخمر فيحمي الحديدة بالنار وتوضع على بدن الشارب ولا تترك إلى أن تبرد فربما يفضي إلى التلف‏!‏ وينسب إليها العود القماري وهو أحسن أنواع العود‏.‏

كلبا مدينة بأرض الهند قال في تحفة الغرائب‏:‏ بها عمود من النحاس وعلى رأس العمود تمثال بطة من النحاس وبين يدي العمود عين‏.‏

فإذا كان يوم عاشوراء في كل سنة ينشر البط جناحيه ويدخل منقاره العين ويعب ماءها فيخرج من العمود ماء كثير يكفي لأهل المدينة سنتهم والفاضل يجري إلى مزارعهم‏.‏

كله مدينة عظيمة منيعة عالية السور في بلاد الهند كثيرة البساتين بها اجتماع البراهمة حكماء الهند قال مسعر بن مهلهل‏:‏ إنها أول بلاد الهند مما يلي الصين وانها منتهى مسير المراكب إليها ولا يتهيأ لها أن تجاوزها وإلا غرقت‏.‏

بها قلعة يضرب بها السيوف القلعية وهي الهندية العتيقة لا تكون في سائر الدنيا إلا في هذه القلعة وملكها من قبل ملك الصين وإليه قبلته وبيت عبادته ورسومه رسوم صاحب الصين ويعتقدون أن طاعة ملك الصين عليهم مباركة ومخالفته شؤم وبينه وبين الصين ثلاثمائة فرسخ‏.‏

كنزة وقران موضعان باليمامة بهما نخل كثير ومواش قال أبو زياد الكلابي‏:‏ نزل بهم رجل من بني عقيل كنيته أبو مسلم كان يصطاد الذئاب قالوا له‏:‏ إن ههنا ذئباً لقينا منه التباريح إن أنت اصطدته فلك في كل غنم شاة‏!‏ فنب له الشبكة وحبله وجاء به يقوده وقال‏:‏ هذا ذئبكم فأعطوني ما شرطتم‏.‏

فأبوا وقالوا‏:‏ كل ذئبك‏!‏ فشد في عنق الذئب قطعة حبل وخلى سبيله وقال‏:‏ ادركوا ذئبكم‏!‏ فوثبوا عليه وأرادوا قتله فقال‏:‏ لا عليكم ان وفيتم لي رددته‏!‏ فخلوه ليرده فذهب وهو يقول‏:‏ علّقت في الذّئب حبلاً ثمّ قلت له الحق بأهلك واسم أيّها الذّئب‏!‏ إن كنت من أهل قرّانٍ فعد لهم أو أهل كنزة فاذهب غير مطلوب المخلفين لما قالوا وما وعدوا وكلّ ما يلفظ الإنسان مكتوب سألته في خلاءٍ‏:‏ كيف عيشته فقال‏:‏ ماض على الأعداء مرهوب لي الفصيل من البعران آكله وإن أصادفه طفلاً فهو مصقوب والنّخل أفسده ما دام ذا رطبٍ وإن شتوت ففي شاء الأعاريب يا أبا مسلم أحسن في أسيركم فإنّني في يديك اليوم مجنوب كولم مدينة عظيمة بأرض الهند قال مسعر بن مهلهل‏:‏ دخلت كولم وما رأيت بها بيت عبادة ولا صنماً وأهلها يختارون ملكاً من الصين إذا مات ملكهم‏.‏

وليس للهند طبيب إلا في هذه المدينة عماراتهم عجيبة أساطين بيوتهم من خرز أصلاب السمك ولا يأكلون السمك ولا يذبحون الحيوان ويأكلون الميتة وتعمل بها غضائر تباع في بلادنا على انه صيني وليس كذلك لأن طين الصين أصلب من طين كولم وأصبر على النار وغضائر كولم لونها أدكن وغضائر الصين أبيض وغيره من الألوان‏.‏

بها منابت الساج المفرط الطول ربما جاوز مائة ذراع وأكثر‏.‏

وبها البقم والخيزران والقنا بها كثير جداً وبها الراوند وهو قرع ينبت هناك ورقه الساذج الهندي العزيز الوجود لأجل أدوية العين ويحمل إليها أصناف العود والكافور واللبان والعود يجلب من جزائر خلف خط الاستواء لم يصل إلى منابته أحد ولا يدرى كيف شجره وإنما الماء يأتي به إلى جانب الشمال‏.‏

وبها معدن الكبريت الأصفر ومعدن النحاس ينعقد دخانه توتياء جيداً‏.‏